روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 109

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 109 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 109 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 109   فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 109 I_icon_minitimeالأحد أكتوبر 20, 2013 11:26 am

يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لَا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ .

(109)

قَوْلُهُ تَعَالَى ذكرُه: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ} أيْ وَاتَّقُوا يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ اذْكُرُوا أَوِ احْذَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ، وَالْمُرَادُ التَّهْدِيدُ وَالتَّخْوِيفُ. وقيلً هو ظَرْفٌ لٍقولٍه ـ عَزَّ وَجَلَّ : {لاَّ يَهِدِّي} الآيةِ السابِقَةِ، وقيلَ لا يَهديهم مُطْلًقًا لا في ذلكَ اليومِ ولا في الدنيا، أيْ لا يَهديهم إلى طريقِ الجَنَّةِ.

وتَخصيصُ الرُسُلَ بالذِكْرِ معَ أنَّ ذلك يومٌ مَجموعٌ لَه النّاسُ لإبانَةِ شَرَفِهم وأَصالَتِهم والإيذانِ بعدمِ الحاجةِ إلى التَصريحِ بجمعِ غيرِهم بِناءً على ظُهورِ كَونِهم أَتْباعًا لهم. ولا يَخْفى لُطفُهُ في الآيةِ لأنَّ المَقامَ مَقامُ ذِكرِ الشُهَداءِ والرُسُلِ ـ عليهِمُ الصَلاةُ والسَلامُ ـ وهُمُ الشهداءُ على أُمَمِهم كما يَدُلُّ على ذلك قولُه تعالى: {وَنَزَعْنَا مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} القَصص: 75. ففي بَيانِ حالِهم وما يَقعُ لَهُمْ يومَ القِيامَةِ وهُمْ هُمْ مَنْ وَعَظَ الشُهَداءَ، وبهذا تتصل الآية بما قبلَها أَتَمَّ اتِّصالٍ، وإظْهاُر الاسْمِ الجَلِيلِ في مَوْضِعِ الإضْمارِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ وتَشديدِ التَهويلِ، والزَّجْرُ عَنِ الْإِظْهَارِ خِلَافَ الْإِبْطَانِ فِي وَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُنْبئُ أنَّ المُجازي عليْه عالِمٌ بِه.

وقولُه: {فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} أَيْ مَا الَّذِي أَجَابَتْكُمْ بِهِ أُمَمُكُمْ؟ وَمَا الَّذِي رَدَّ عَلَيْكُمْ قَوْمُكُمْ حِينَ دعوتموهم إلى تَوْحِيدِي في الدنيا حين بَلَّغتمُ الرِّسالةَ وخَرَجْتم عنِ العُهْدةِ كما يُنبىءُ عن ذلك العُدولُ عَنْ تَصديرِ الخِطابِ بِـ "هَل بَلَّغتم"، وفي العُدولِ عَنْ ماذا أَجابَ أُمَمُكم ما لا يَخْفى مِنَ كمالِ تحقيرِ شأنِهم وشِدَّةِ السَخَطِ عليهم، والسُؤالُ لِتوبيخِ العُصاةِ المُخالفين لتعاليم ربِّهم ـ سُبْحانَه وتعالى ـ وإلَّا فهُو سُبْحانَه عَلَّامُ الغُيوبِ.

وقولُه: {قالُوا لَا عِلْمَ لَنا} قالُوا" أَيْ فَيَقُولُونَ: "لَا عِلْمَ لَنا" وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِقَوْلِهِمْ: "لَا عِلْمَ لَنا" فَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا عِلْمَ لَنَا بِبَاطِنِ مَا أَجَابَ بِهِ أُمَمُنَا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي روايةٍ عنِ الحَسَنِ أنَّ المُرادَ هو: لا علم لنا كعِلْمِكَ لأنَّكَ تعلمُ باطِنَهم ولَسْنا نَعْلَمُ ذلكَ وعليْه مَدارُ فَلَكِ الجَزاءِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا، فَحُذِفَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ لَا عِلْمَ لنا إلَّا علمٌ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَذْهَلُونَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ وَيَفْزَعُونَ مِنَ الْجَوَابِ، ثُمَّ يجيبون بعد ما تَثُوبُ إِلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ فَيَقُولُونَ: "لَا عِلْمَ لَنا" قالَه الحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. قُلْتُ: هَذَا فِي أَكْثَرِ مَوَاطِنَ الْقِيَامَةِ، فَفِي الْخَبَرِ إِنَّ جَهَنَّمَ إذا جِيئَ بِهَا زَفَرَتْ زَفْرَةً فَلَا يَبْقَى نَبِيٌّ وَلَا صِدِّيقٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَوَّفَنِي جِبْرِيلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَبْكَانِي فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ أَلَمْ يُغْفَرْ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ لَتَشْهَدَنَّ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَا يُنْسِيكَ الْمَغْفِرَةَ)). قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عِنْدَ زَفْرَةِ جَهَنَّمَ ـ كَمَا قالَه بَعْضُهُمْ ـ فَقَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ صَحِيحٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَعْنَى: مَاذَا أُجِبْتُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لِيَكُونَ هَذَا تَوْبِيخًا لِلْكُفَّارِ، فَيَقُولُونَ: لَا عِلْمَ لَنَا، فَيَكُونُ هَذَا تَكْذِيبًا لِمَنِ اتَّخَذَ الْمَسِيحَ إِلَهًا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ: "مَاذَا أُجِبْتُمْ" مَاذَا عَمِلُوا بَعْدَكُمْ؟ قَالُوا: "لَا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَيُشْبِهُ هَذَا حَدِيثَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في المُوطَّأِ والصِحاحِ، أَنَّهُ قَالَ: ((يَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ الْحَوْضَ فَيَخْتَلِجُونَ (يجتذبون ويقتطعون) فَأَقُولُ أُمَّتِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ)). وقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ سَأَلَهُمْ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ؟ فَعَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَأَلَهُمْ لِيُعْلِمَهُمْ مَا لَمْ يَعْلَمُوا مِنْ كُفْرِ أُمَمِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَكَذِبِهِمْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ. الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَفْضَحَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ ليكون ذلك نوعًا مِنَ العُقوبةِ لهم.

والتعبيرُ بالماضي للتَقريرِ والتَحَقُّقِ كما هو قولُه: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)} ق. وغيره، ونَفْيُ العِلْمِ عَنْ أَنَفُسَهم مَعَ عِلمِهم بما أُجيبوا ـ كَما تَدُلُّ عليه شهادتُهم ـ عليهِمُ الصَلاةُ والسَلامُ ـ على أُمَمِهم هنالِك حَسَبَما نَطْقتْ بِهِ بعضُ الآياتِ ليس على حقيقتِهِ بَلْ هو كِنايةٌ عَنْ إظْهارِ التَشَكِّي والالْتِجاءِ إلى اللهِ تَعالى بتفويضِ الأَمْرِ كلِّهِ إليْه عَزَّ وجلَّ.

قولُه تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ} في نَصْبِهِ عَشَرَةُ أوْجُهٍ، أَؤّلُها ما قالَه

الحُوفيُّ مِنْ أنَّه مَنْصوبٌ بـ "اتقوا" أيْ: اتَّقوا اللهَ في يومِ جَمْعِه الرسلَ، وهذا يَنبغي ألاَّ يَجوزَ لأنَّ أمرَهم بالتَقوى في يَومِ القَيامَةِ لا يَكون، إذْ ليسَ بيومِ تَكليفٍ وابْتِلاءٍ، ولِذلك قالَ الواحِدِيُّ: ولم يُنْصَبِ اليومُ الظرفُ للاتِّقاءِ، لأنَّهم لم يُؤْمَروا بالتَقوى في ذلك اليومِ، ولكنْ على المفعولِ بِهِ كقولِه: {واتَّقوا يَوْمًا} البقرة: 48. الثاني: أنَّه مَنْصوبٌ بِـ "اتَّقوا" مُضْمَرًا يَدُلُّ عليه "واتَّقوا الله" قال الزجاج: هو محمول على قوله: "واتقوا الله" ثم قال: "يوم يجمع" أي: واتقوا ذلك اليوم، فدلَّ ذِكْرُ الاتِّقاءِ في الأوَّلِ على الاتِّقاءِ في هذه الآيةِ، ولا يَكونُ مَنْصوبًا على الظَرْفِ للاتِّقاءِ لأنَّهم لم يُؤْمَروا بالاتِّقاءِ في ذلك اليومِ، ولكنْ على المَفعولِ بِهِ كقولِه تعالى: {واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} البقرة: 48. الثالثُ: أنَّه مَنصوبٌ بإضمارِ "اذْكُروا". الرابعُ: بإضمارِ "احْذَروا". الخامسُ: أنَّه بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنَ الجَلالَةِ. قال الزمخشريُّ: "يومَ يَجمَعُ" بدلٌ مِنَ المَنصوبِ في "واتقوا الله" وهو مِنْ بَدَلِ الاشْتِمالِ كأنَّه قيلَ: واتَّقوا اللهَ يومَ جَمْعِهِ، ولا بُدَّ مِنْ حذفِ مُضافٍ على هذا الوَجْهِ حتَّى تَصِحَّ لَهْ هذه العِبارةُ التي ظاهِرُها ليس بِجَيِّدٍ، لأنَّ الاشْتِمالَ لا يُوصَفُ بِهِ الباري ـ سبحانه وتعالى ـ والتقديرُ: واتَّقوا عِقابَ اللهِ يومَ يَجْمَعُ رُسُلَه، فإنَّ العقابَ مُشتمِلٌ على زَمانِه، أوْ زَمانُهُ مُشْتَمِلٌ عليه، أوْ عامِلُها مُشْتَمِلٌ عليهِما على حَسَبِ الخِلافِ في تَفسيرِ بَدَلِ الاشْتِمالِ، فقد تبيَّن امْتِناعُ هذه العِباراتِ بالنِسْبةِ إلى الجلالةِ الشريفةِ. واسْتَبْعَدَ الشيخُ أبو حيَّانَ التوحيديُّ هذا الوَجْهَ بطولِ الفَصْلِ بِجُمْلتَيْن، ولا بُعْدَ فإنَّ هاتيْنِ الجُملَتَيْن مِنْ تَمامِ مَعنى الجُمْلَةِ الأُولى. السادسُ: أنَّه منصوبٌ بـ "لا يَهْدي" أي: لا يهديهم طريقَ الجنَّةِ يومَئذٍ كما يُفْعَلُ بغيرِهم. أيْ: لا يَهديهم في ذلك اليومِ إلى حُجَّةٍ أوْ إلى طريقِ الجَنَّةِ. السابع: أنَّه مفعولٌ بِهِ وناصِبُه "اسمعوا" ولا بُدَّ مِنْ حذفِ مُضافٍ حينئذٍ لأنَّ الزَمانَ لا يُسْمَعُ، أي: واسمعوا خبرَ يومَ يُجْمَعُ. وفي نَصْبِهِ بـ "لا يَهْدي" نَظَرٌ. الثامِنُ: أنَّه مَنصوبٌ بإضمارِ فعْلٍ مُتَأَخِّرٍ أي: يومَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسلَ كانَ كَيْتَ وكَيْتَ. التاسعُ: يَجوزُ أنْ تَكونَ المَسْألةُ مِنْ بابِ الإِعْمالِ، فإنَّ كُلًّا مِنْ هذهِ العواملِ الثلاثةِ المُتَقَدِّمَةِ يَصِحُّ تسلُّطُهُ عليْه بِدَليلِ أَنَّ العُلَماءَ جَوَّزوا فيْه ذلك، وتكونُ المَسألَةُ مِمَّا تَنَازَعَ فيها ثلاثةُ عواملَ وهي "اتقوا" و"اسمعوا" و"لا يَهْدي"، ويَكونُ مِنْ إعْمالِ الأَخيرِ لأنَّه قدْ حُذِفَ مِنَ الأَوَّلِينِ ولا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنَ الصِناعَةِ، وأَمَّا المَعْنى فقدْ تقَدَّمَ أَنَّه لا يَظْهَرُ نَصْبُ "يوم" بِشَيْءٍ مِنَ الثَلاثةِ لأنَّ المَعْنى يَأباهُ، وإنّما أَجَزْتُ ذلك جَرْيًا على ما قالوه وجَوَّزوه، لاسيَّما أَبو البَقاءِ فإنَّه لم يَذْكُرْ غيرَ كونِه مَنْصوبًا بِـ "اسمعوا" أو بِـ "لايهدي"، وكذا الحُوفِيُّ جَوَّزَ أَنْ يَنْتَصِبَ بِـ "اتقوا" وبِـ "اسمعوا" العاشرُ: أنَّه مَنْصوبٌ بِـ "قولوا: لا علمَ لنا" أيْ: قالَ الرُسُلُ يَومَ جَمْعِهِم وقولِ اللهِ لَهم ماذا أُجِبْتُم. واختارَهُ أبو حيان على جَميعِ ما تَقَدَّمَ، قالَ: وَهُوَ نَظيرُ ما قُلْناهُ في قولِهِ تَعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ} البقرة: 30. وهو وجهٌ حَسَنٌ.

قوله: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} ماذا: نَصْبٌ على المَصْدَرِ بِمَا بَعدَهُ، والتقديرُ: أيَّ إجابةٍ أُجِبْتُم. وهو بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ واحِدٍ، فَغَلَبَ فيهِ جانبُ الاسْتِفُهامِ، ولَوْ أُريدَ الجَوابُ لَقِيلَ: بِماذا أُجِبْتُم. ومِنْ مَجيءِ "ماذا" كلِّهِ مَصْدَرًا قولُ الشاعر:

ماذا يَغِيرُ ابنَتَيْ ربعٍ عويلُهما ............... لا تَرْقُدانِ ولا بُؤْسَ لِمَنْ رَقَدا

هذا وجهٌ، وثَمَّةَ وجهٌ ثانٍ قالَهُ الحُوفِيُّ وهو أَنَّ "ما" اسْتِفْهاميَّةٌ في مَحَلِّ رَفْعٍ بالابْتِداءِ، و"ذا" خَبَرُهُ، وهي مَوْصُولَةٌ بمَعْنَى الذي لاسْتِكْمالِ الشَرْطَيْنِ المَذْكورين، و"أُجِبْتُم" صِلَتُها، والعائدُ مَحْذوفٌ أي: ما الذي أُجِبْتم بِهِ، فَحَذَف العائدَ، وهذا لايَجوزُ، لأنَّه لا يَجوزُ حَذْفُ العائدِ المَجْرورِ إلَّا إذا جُرَّ المَوْصولُ بِحَرْفٍ مثلِ ذلك الحرفِ الجارِّ للعائدِ، وأَنْ يَتَّحِدَ مُتَعَلَّقاهُما: نَحْوَ: "مَرَرْتُ بالذي مَرَرْتَ" أيْ بِهِ، وهذا المَوصولُ غيرُ مَجْرورٍ، لو قلتَ: رأيتُ الذي مَرَرْتَ. أيْ: مَرَرْتَ بِهِ لم يَجُزْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُدَّعى حَذْفُه على التَدْريجِ بأنْ يُحَذَفَ حَرْفُ الجَرِّ فَيَصِلَ الفِعْلُ إلى الضَميرِ فيُحذَفَ كقولِه: {وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا} التوبة: 69. أيْ: في أَحَدِ أَوْجُهِهِ، وقولُه: {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} الحجر: 94. في أحَدِ وَجْهَيْهِ، وعلى الجُمْلَةِ فهو ضعيف. ووجْهٌ ثالثٌ: أنَّ "ما" مجرورةٌ بِحَرْفِ جَرٍّ مُقَدَّرٍ، لَمَّا حُذِفَ بَقِيَتْ في مَحَلِّ نَصْبٍ، ذكره أبو البقاء وضَعَّف الوجه الذي قبله ـ أي كونَ ذا موصولةً ـ فإنه قال: "ماذا" في موضعِ نصبٍ بـ "أُجِبْتُم" وحرفُ الجرِّ محذوفٌ، و"ما" و"ذا" هنا بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، ويَضْعُفُ أَنْ تُجْعَلَ "ما" بمعنى الذي لأنه لا عائدَ هنا، وحذفُ العائدِ مع حرفِ الجَرِّ ضعيفٌ. قلت: أمَّا جَعْلُه حذفَ العائدِ المجرورِ ضعيفاً فصحيحٌ تقدَّم شرحُه والتنبيهُ عليه، وأمَّا حذفُ حرفِ الجر وانتصابُ مجرورِه فهو ضعيفٌ أيضاً، لا يجوزُ إلَّا في ضَرورةٍ كقولِ النّابِغةِ:

فَبِتُّ كأنَّ العائداتِ فَرَشْنَنِي .............. هَراسًا بِهِ يُعلى فِراشي وَيُقشَبُ

وقولِ عُرْوَةَ بْنِ حِزام:

تَحِنُّ فَتُبْدِي ما بِها مِنْ صَبابةٍ .......... وأُخْفي الذي لولا الأَسَى لقَضَاني

وقولِ جَريرٍ:

تَمُرُّون الديارَ ولم تَعُوجُوا ....................... كلامُكُمُ عليَّ إذًا حَرَامُ 

وقدْ تَقَدَّمَ تحقيقُ ذلك واسْتِثناءُ المُطَّرِدِ مِنْهُ، فقدْ فَرَّ مِنْ ضَعيفٍ وَوَقَعَ في أَضْعَفَ مِنْه. ووجْهٌ رابِعٌ: قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ مَعْناهُ: ماذا أَجابتْ بِهِ الأُمَمُ  فَجَعَل "ماذا" كِنايَةً عَنْ المُجابِ بِهِ لا المَصْدَرِ، وبَعْدَ ذلك، فهذا الكلامُ مِنْهُ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكونَ مِثلَ ما تَقدَّم حِكايتُه عَنِ الحُوفيِّ في جَعْلِه "ما" مبتَدَأً اسْتفهامِيَّةً، و"ذا" خَبَرُهُ على أنَّها مَوْصولةٌ، وقدْ تَقَدَّمَ التَنْبيهُ على ضَعْفِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ "ماذا" كُلُّهُ بِمَنْزِلَةِ اسْمِ اسْتِفْهامٍ في مَحَلِّ رَفْعٍ بالابْتِداءِ، و"أُجِبْتُمْ" خبرُه، والعائدُ مَحذوفٌ كَما قَدَّرَهُ هُو، وهُو أيْضًا ضعيفٌ، لأنَّه لا يُحْذَفُ عائدُ المُبْتَدأِ وهو مَجْرورٌ إلَّا في مَواضِعَ ليس هذا منْها، لو قلتَ: "زيدٌ مررتُ" لم يَجُزْ، وإذا تَبَيَّنَ ضَعْفُ هذِهِ الأَوْجُهِ رُجِّحَ الأوَّلُ.

والجُمهورُ على "أُجِبْتم" مَبْنِيًّا للمَفْعولِ، وفي حَذْفِ الفاعِلِ هُنا ما لا يُبْلَغُ كُنْهُهُ مِنَ الفَصاحَةِ والبَلاغَةِ حيثُ اقْتَصَرَ على خطابِ رُسُلِهِ غيرَ مَذْكورٍ مَعَهم غيرُهُم، رَفْعًا مِنْ شأنِهم وتَشْريفًا واخْتِصاصًا. وقَرَأَ ابْنُ عبَّاسٍ وأَبو حَيَوَةَ "أَجَبْتم" مَبنِيًّا للفاعِلِ والمَفعولِ مَحذوفٌ أيْ: ماذا أَجَبْتم أُمَمَكم حينَ كَذَّبوكم وآذَوْكم؟، وفيه تَوبيخٌ للأُمَمِ، وليستْ في البَلاغَةِ كالأُولى.

وقولُه: {إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيوبِ} كقولِه: {إِنَّكَ أَنْتَ العليم الحكيم} الآية: 32. في البقرة. والجمهورُ على رفعِ "عَلاَّمُ الغيوبِ" وقُرئَ بنَصْبِه وفيه أَوْجُهٌ هيَ: الاخْتِصاصُ والنِداءُ وصِفَةٌ لاسْمِ "إنَّ" قالَ: وقُرِئَ بالنَّصْبِ على أَنَّ الكَلامَ تَمَّ عندَ قولِهِ "إنَّكَ أَنْتَ" أيْ: إنَّكَ المَوْصوفُ بأَوْصافِكَ المَعروفةِ مِنَ العِلْمِ وغَيْرِهِ، ثُمَّ انتَصَبَ "عَلاَّم الغيوب" على الاختصاصِ أوْ على النِداءِ أوْ هُوَ صِفَةٌ لاسْمِ "إنَّ" قال الشيخ التوحيديُّ: وهو على حَذْفِ الخَبَرِ لِفَهْمِ المَعْنى، فَتَمَّ الكلامُ بالمُقدَّرِ في قولِه: "إنك أنتَ" أيْ: إنَّكَ المَوْصوفُ بأَوْصافِكَ المَعْروفةِ مِنَ العِلْمِ وغيْرِهِ. ثمَّ قال: قال الزَمَخْشَرِيُّ: ثمَّ انْتَصَبَ فَذَكَرَهُ إلى آخِرِهِ. فزَعَمَ أَنَّ الزَمَخْشَرِيَّ قَدَّرَ لـ "إنَّك" خَبرًا مَحْذوفًا، والزَمَخْشَرِيُّ لا يُريدُ ذلكَ البَتَّةَ ولا يَرْتَضيهِ، وإنَّما يُريدُ أنَّ هذا الضميرَ بِكونِهِ للهِ تَعالى هُو الدالُّ على تلك الصفاتِ المَذْكورةِ لا انْفِكاكَ لَها عنْه، وهذا المَعنى هو الذي تَقْضِيهِ البَلاغةُ والذي غاصَ عليْه أَبو القاسِم، لا ما قدَّرَه الشيخُ مُوِهِمًا أنَّه أَتى بِهِ مِنْ عِنْدِه. ويَعني بالاخْتِصاصِ النَصْبَ على المَدْحِ لا الاخْتِصاصَ الذي هو شبيهٌ بالنِداءِ، فإنَّ شَرْطَه أنْ يَكونَ حَشْوًا، ولكنَّ الشيخَ قد رَدَّ على أبي القاسِمِ قولَه: إنَّه يَجوزُ أنْ يَكونَ صِفَةً لاسْمِ "إنَّ" بأنَ اسْمَها هنا ضميرٌ مُخاطَبٌ، والضَميرُ لا يُوصَفُ مُطْلَقًا عندَ البَصْرِيّين، ولا يُوصَفُ منْه عِندَ الكِسائيِّ إلَّا ضَميرُ الغائبِ لإِبْهامِهِ في قولِهم "مَرَرْتُ بِهِ المِسْكينِ" مَعَ إمْكانِ تَأويلِه بالبَدَلِ وَهُوَ رَدٌّ واضِحٌ، على أَنَّه يُمْكِنُ أنْ يُقالَ أرادَ بالصِفَةِ البَدَلَ وهي عبارةُ سِيبَوَيْهِ، يُطْلِقُ الصِفَةَ ويُريدُ البَدَلَ فَلَهُ أُسْوَةٌ بإمامِهِ واللازمُ مُشْتَرَكٌ، فما كان جوابًا عن سِيبويْهِ كان جَوابًا لَهُ، ولكنْ يَبْقَى فيه البدلُ بالمُشْتَقِّ وهو أسهلُ مِنَ الأوَّلِ. ولَم أَرَهُم خرَّجُوها على لغةِ مَنْ يَنْصِبُ الجُزأيْن بِـ "إنَّ" وأَخواتِها كقولِ مُحَمّدٍ بْنِ ذُؤيبٍ العُمانيِّ الراجِزِ في حَضْرَةِ الرَّشيدِ:

كأنَّ أُذْنيه إذا تَشَوَّفا .............................. قادِمةً أو قَلَماً مُحْرَّفا

ولَوْ قِيلَ بِهِ لَكانَ صَوابًا

وكقولِ الشاعرِ:

إنَّ العجوزَ خَبَّةً جَرُوزاً ............................... تأكلُ كلَّ ليلةٍ قَفيزا

وقول الآخر: 

إذا اسْوَدَّ جُنْحُ اللّيلِ فلْتَأْتِ ولْتَكُنْ ........ خُطاك خِفافًا إنَّ حُرَّاسَنا أُسْدا

وقول والآخر:

ليتَ الشبابَ هو الرَّجِيعُ على الفتى ....... والشيبَ كان هو البَدِئَ الأوّلُ

و"عَلاَّمُ" صيغةُ مُبالَغَةٍ وهو ناصِبٌ لِمَا بعدَه تقديرًا، وبِهَذا أيْضًا يُرَدُّ على الزَمَخْشَريِّ على تقديرِ تسليمِ صِحَّةِ وَصْفِ الضَميرِ مِنْ حيثُ إنَّه نَكِرَةٌ؛ لأنَّ إضافَتَه غيرُ مَحْضَةٍ ومَوْصوفَه مَعرِفةٌ.

والجُمهورُ على ضَمِّ العيْنِ مِنَ "الغُيوب" وهو الأصلُ، وقَرَأَ حَمْزَة وأَبو بَكْرٍ بِكَسْرِها، والخِلافُ جارٍ في أَلْفاظٍ أُخَرَ نَحوَ: "البُيوتِ والجُيوبِ والعيونِ والشُيوخِ" وقدْ تَقَدَّمَ تحريرُ هذا كُلِّهِ في البَقَرَةِ عندَ ذِكْرِ "البيوت" الآية: 189، وستأتي كلٌّ لفظةٍ مِنْ هذِه الألفاظِ مَعْزُوَّةً لِقارئِها في سُوَرِها إنْ شاءَ اللهُ تَعالى. وجُمِعَ الغَيْبُ هُنا وإنْ كان مَصْدَرًا لاخْتِلافِ أَنْواعِه، وإنْ أُريدَ بِهِ الشيءُ الغائبُ، أوْ قُلْنا إنَّه مُخَفَّفٌ مِنْ "فَيْعِل" كما تقدَّمَ تحقيقُه في البَقرة فَواضِحٌ.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 109
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 1
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 15
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 31
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 63
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 77

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: