روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 46

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  46 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  46 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 46   فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  46 I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 05, 2013 5:31 pm

وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. (46)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} أَيْ جَعَلْنَا عِيسَى يَقْفُو آثَارَهُمْ، أَيْ آثَارَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا. يُقالُ قفَّيْتُه بِكذا أيْ أَتْبَعْتُه بِه، و"على آثارهم" تَدُلُّ على أنَّ عيسى ـ عليه السلامُ ـ لم يَكُنْ بِدْعًا مِنَ الرُسُلِ، بَلْ سَبَقَهُ آخَرون سَلَكَ مَسْلَكَهم في إقامةِ التَوراةِ وما بَقيَ مِنْها غيرَ منسوخٍ بِحُكْمٍ ما جاءَ في الإنْجيلِ، وآثارُ أولئك النَّبيين هي الحُكْمُ الخالِصُ لله الذي اتَّبعوه في تَنفيذِ أَحكامِ التوراةِ، فآثارُهم مَعنويَّةٌ وليستْ مادِّيَّةً. وذُكِرَ عيسى في القرآنِ مَقرونًا بكَلِمَةِ "ابنِ مَريَمَ"، لأنَّ ذلك يَتضمَّنُ وِلادتَه الحِسِّيَّةِ منها، وأَنَّه قد يكونُ جِسْمُه مِنْ جِسْمِها كَسَائرِ كُلِّ المَولودين مِنْ أُمَّهاتهم، وفي ذلك إشارةٌ إلى أَنَّه مُحْدَثٌ كَكُلِّ المُحْدَثاتِ، وأنَّه لَا نَسَبَ لَه إلَّا مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ البَتولِ ـ عليهما السلامُ، فليس لَهُ أَبٌ.
قوله: {مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من التوراةِ} مصدِّقًا: أيْ التَّوْرَاةَ، فَإِنَّهُ رَأَى التَّوْرَاةَ حَقًّا، وَرَأَى وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهَا إِلَى أَنْ يَأْتِيَ نَاسِخٌ. لأنَّها كِتابٌ في أَصْلِها مُنَزَّلٌ مِنْ عندِ اللهِ تعالى، فعيسى ـ عليه السلامُ ـ يُصَدِّقُ
بنُزولِها، ويُنَفِّذُ أَحكامَها إلَّا ما جاءَ نَسخُه في الإنجيلِ، فالإنجيلُ ليس فيه أحكامٌ عَمَلِيَّةٌ كثيرةٌ، فأَحكامُ الأُسرةِ كلُّها مَأخوذةٌ عندَ النَّصارى مِنَ التوراة، وليسَ ثَمَّةَ نَصٌّ قاطِعٌ في الأناجيلِ التي بيْنَ أَيدينا يُغايِرُ ما جاءَ في التوراةِ مِنْ أَحكامٍ تتعلَّقُ بالأُسرةِ، ولا بالحُدودِ والقِصاصِ، ولقدْ رُويت فيه عِباراتٌ منسوبةٌ للمسيح تدُلُّ على العملِ بأَحكامِ التوراةِ، مِثلُ قولِه عليْه السَّلامُ: (ما جئتُ لأَنْقضَ الناموسَ) وهو التوراةُ. و"بين يديه" تعبيرٌ قُرآنِيٌّ، للدَّلالةِ، على أنَّ التوراةَ كانتْ حاضرةً قائمةً وقتَ مَجيءِ عيسى ـ عليه السلام ـ وعِلْمُها عندَه، وهو خالٍ منَ التحريفِ والتَبديلِ، أوحى اللهُ تعالى بِهِ إليْه، ولَفظُ بيْن يَدَيْهِ في دَلالتِه على الأمْرِ المُهَيَّأِ القائمِ مِنْ الاستعارات الرائعةِ، ومَضمونُها أنَّ الأمرَ معلومٌ يَقينًا لِعيسى بْنِ مريمَ ـ عليه السلامُ ـ كعِلْمِ المَحسوسِ يَكونُ مَوضوعًا بيْنَ يَديْهِ.
قولُه: {وآتيناهُ الإنجيلَ فِيهِ هُدىً ونورٌ} آتيناه الإنجيل: تقويَةٌ لِما جاءَ بِه لأنَّ كلمةَ آتيناه فيها من قوَّةِ التأييدِ الإلهيِّ فالذي آتى هو اللهُ ـ سبحانه ـ والذي يؤتي رسالة ويرسلُ بها هو كافلٌ وضامِنٌ ومُؤيِّدٌ، وفيه كذلك إشارةٌ إلى أنَّه ليس كلُّ ما في التوراةِ نافذًا وإنّما جُلُّهُ، وخُصوصًا ما يَتَعلَّقُ منْه بتنظيمِ المُجْتَمَعِ في كلِّ دَرَجاتِه مِنَ الأُسْرَةِ الصُغْرى إلى الأُسْرَةِ الكُبرى، وهي الإنسانيَّةُ في أَقاليمِ الأَرْضِ، فالإنجيلُ قدْ جاءَ بِشَريعةٍ مُتَمِّمَةٍ لِما جاء في التوراةِ مِنْ غيرِ نَقضٍ لَها.
وقدْ وَصَفَ اللهُ ـ سبحانَه ـ الإنجيلَ بأَوصافٍ ثلاثةٍ، وبيَّنَ أَنَّه مُشْتَمِلٌ على أَمريْنِ، وجُملةُ ما ذَكرَ القُرآنُ الكريمُ أنَّ فيه خواصٌّ خَمْسًا؛ وهي أنَّه هُدًى، وأَنَّ فيه هُدى، وأَنَّ فيه نورًا، وأنَّه مُصدِّقٌ للتوراةِ، وأنَّه مَوعظةٌ للمُتَّقين.
ولِنَتَكَلَّمَ بِكلِماتٍ مُوجَزاتٍ في مَعاني كلِّ خاصَّةٍ مِنْ هذِهِ الخَواصِّ، لِتَتبيَّنَ المُغايَرَةُ بينَها، ولِتَتَمَيَّزَ كلُّ خاصَّةٍ عن أَخَواتِها وإنْ كانتْ مُتقارِبَةً في مَعانيها، ومُتلاقيةً في غايتها:
أمّا أنَّه هُدًى: فهي من صفاتِه الذاتيَّةِ، وسببُ وصفِهِ بهذا الوَصْفِ الإشارةُ إلى أنَّه مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعالى، وبِهذا يَكونُ فيه دَلالةٌ ذاتيَّةٌ على الحقِّ، ولأنَّه بِشارةٌ بِنَبِيٍّ يُرْسَلُ مِنْ بَعدِ عيسى اسْمُهُ أحمدُ، وكان الهدى في هذا المقام وصفًا ذاتيًا؛ لأنَّه مأخوذٌ مِنِ اسْمِهِ؛ فكلمةُ الإنْجيلِ مَعناها البِشارةُ، ولَعَلَّها البِشارةُ بمحمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ بعباراتٍ واضحةٍ.
وأمّا أنَّ فيه هدى: فلأنَّه اشْتَمَلَ على الهدى، وهو الدَّلالَةُ الحَقُّ على تَنزيهِ اللهِ ـ تعالى ـ ووَحْدانِيَّتِه، وأَنَّه وحدَهُ المُسْتَحِقُّ للعِبادةِ، وأنَّه ليس بِوالِدٍ ولا وَلَدٍ، وأَنَّ عيسى هو ابْنُ مَريَمَ وحدَها، خَلَقَهُ بِكَلِمَةِ كُنْ فيكون، فهو بهذا المَعنى كلمةُ اللهِ ـ تعالى ـ وقدْ أَلقاها إلى مريمَ، بوِساطةِ روحِ القُدُسِ جبريل فهو الذي بلَّغَها. وهذه الهِدايةُ تقريرٌ للحقيقةِ الثابتةِ مِنْ مَبْدَأِ الوُجودِ؛ لأنَّها تَدُلُّ على صِفاتِ مُنشِئِ هذا الوُجودِ.
أمَّا أنَّه نورٌ فلأنَّهُ مُرْشِدٌ مُوَجِّهٌ هادٍ، وهو أَمْرٌ آخرُ يَتَعَلَّقُ بالمُستقبَلِ، فهو يُضيءُ ويُنيرُ لِتَمْييزِ الحَقِّ مِنَ الباطِلِ، وبيْنَ ما جاءتْ بِهِ رِسالةُ السيِّدِ المسيحِ ـ عليْه السلامُ ـ مِنْ دعوةِ البَشَرِ إلى الخيرِ وإلى صِراطٍ مُستقيم فالإنجيلُ بإضافةِ هذه الخاصَّةِ إلى سابِقَتِها يَكونُ مُشْتَمِلًا على أَمريْنِ: أَوَّلُهُما ـ تقريرٌ للحقيقةِ الثابتةِ الخالدةِ، وهي وَحدانِيَّةُ اللهِ تَعالى في الإنْشاءِ والتَكوينِ، والذاتِ والعِبادةِ. وثانيهُما ـ أنَّه مُرْشِدٌ إلى مَكارِمِ الأَخلاقِ ومُنيرُ العُقولِ لإدراكِ المُستقبلِ، ويدخل في ذلك بشارتُه بالنبيِّ مُحَمَّدٍ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ كما قالَ ـ تعالى ـ على لسان عيسى ـ عليه السلامُ: {وَمبَشِّرًا بِرَسولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} الصفّ: 6.
وأمَّا كونُهُ "مصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ): أيْ أَنَّ الإنجيلَ مصدقٌ للتوراةِ مِنْ حيثُ صِدْقِ نِسْبَتِها إلى اللهِ ـ تعالى ـ قبلَ تحريفِها، وقبلَ أَنْ يَنْسَوْا حَظًّا منها. ولا تَكرارَ في وصفِه بالتصديق، لأنَّ ما ذُكِرَ أَوَّلًا كان وَصْفًا لِعيسى ـ عليْه السلامُ ـ إذْ قالَ ـ سبحانَه: "وَقَفَّيْنَا عَلَى آتارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا". وأَمَّا ما ذُكِرَ هنا فهو وَصْفٌ للإنْجيلِ نفسِه، وكأنَّ التَصديقَ مِن جانِبِ عيسى ـ عليه السلامُ ـ للتوراةِ جاءَ مِنْ ناحيَتَيْن، مِنْ عيسى، ومِنَ الإنجيلِ ذاتِه، وتَلاقي التَصديقيْن يُفيدُ إقرارَ أَكثَرِ أَحكامِ التوراةِ الاجتماعيَّةِ والقانونيَّة، ويُفيدُ أنَّ رِسالةَ الرُسُلِ مُتَّصِلَةٌ مَوصولةٌ، حتّى يَخْتِمَها مُحَمَّدٌ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ فهو خاتَمُ النَبيّينَ، وآخرُ لَبِنَةٍ في صَرْحِ الرِّسالاتِ الإلهيَّةِ.
أمَّا أنَّهُ "موعظة للمتقين" فالموعظةُ هي التَذكيرُ بما يَرِقُّ لَهُ القَلْبُ، وتَصفو بِه النفسُ ويَستقيمُ بِه العَمَلُ، والإنجيلُ كان كذلك، لأنَّه تَوجيهُ بَني إسرائيلَ ومَنْ كان على شاكِلَتِهم ـ مِنَ المادِّيين الذين أَرْكَسَتْهم المادَّةُ واسْتولَتْ على قلوبِهم ـ إلى الحياةِ الرُّوحِيَّةِ، والتَهذيبِ النَفْسِيِّ، وجَعْلِ الرُّوحِ هي المُسيطِرَةِ مِنْ غيرِ تَرْكٍ لِحُظوظِ الدُنيا المُباحةِ التي لَا تَسْتَغْرِقُ النَفسَ. من أجلِ ذلك وُصِفَ بأنَّه مَوعِظَةٌ، ولكن لَا يَستفيدُ منْه إلَّا الذين امْتَلَأَتْ نُفوسُهم بالخَوْفِ ورَجاءِ ما عندَ اللهِ. فقد خَصَّهُمْ بقولِه: "وموعظةً للمُتَّقين" لِأَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِمَا.
قوله تعالى: {وقفَّينا على آثَارِهِم بِعَيسَى} كِلا الجارَّيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِه على تَضمينِه مَعنى "جئْنا بِه على آثارهم قافيًا لهم" والتضعيفُ في "قَفَّيْنا" ليْسَ للتَعْدِيَةِ لِعِلَّةٍ وإيضاحُها أنَّ "قَفا" مُتَعَدٍّ لواحدٍ قبلَ التضعيفُ، قالَ تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الإِسراء: 36. فـ "ما" مَوْصولَةٌ بمَعْنى الذي هي مفعولٌ لـ "تقفو"، وتقولُ العَرَبُ: "قَفا فلانٌ أثرَ فلانٍ" أي: تَبِعَهُ، فلو كانَ التَضعيفُ للتَعَدِّي لتَعَدَّى إلى اثنين، فكان التركيبُ يكون: "ثمَّ قَفَّيْناهم عيسى بنَ مَرْيَمَ" فـ "هم" مفعولٌ ثاني و"عيسى" أوَّلُ، ولكنَّه ضُمِّنَ كما تقدَّم، فلِذلك تَعدَّى بالباءِ و"على". فـ "قَفَّيْتُه" مثلُ: عَقَّبْتُه إذا أَتْبَعْتُه، يُقال: "قَفَّيْتُه بفلان" مثل: عَقَّبْتُه به، فتعدِّيهِ إلى الثاني بزيادةِ الباءِ. فإنْ قلتَ: أينَ المفعولُ الأوَّلُ؟ قلتُ: هو محذوفٌ والظرفُ الذي هو "على آثارهم" كالسادِّ مَسَدِّهُ، لأنَّه إذا قَفَّى بِهِ على أثرِهِ فقد قَفَّى بِهِ إيَّاهُ "فكلامُه هنا يَنْحو إلى أنَّ "قَفَّيْتُه" مُضَعَّفًا كَقَفَوْتُه ثُلاثيًّا، ثمَّ عَدَّاه بالباء، وهذا وإنْ كان صحيحًا مِنْ حيثُ إنَّ فَعَّلَ قد جاءَ بمَعنى فَعَلَ المُجَرَّدِ كقَدَّرَ وقَدَرَ، إلّا أَنَّ بعضَهم زَعَمَ أَنَّ تَعدِيَةَ المُتَعَدِّي لِواحِدٍ لا يَتَعدَّى إلى ثانٍ بالباءِ، لا تقولُ في "طَعِمَ زيدٌ اللَّحْمَ": "أَطعمتُ زيدًا باللحمِ "ولكنَّ الصوابَ أنَّه قليلٌ غيرُ مُمتَنِعٍ، جاءتْ منْه أَلفاظٌ، قالوا: "صَكَّ الحجرُ الحجرَ" ثمَّ يقولون: صككتُ الحجرَ بالحجرِ، و"دفعَ زيدٌ عَمْرًا" ثمَّ: دَفَعْتُ زيدًا بعمْرٍو، أي: جعلتُه دافعًا له، فهو: إمَّا مُمتَنِعٌ أو محمولٌ على القليلِ، وقد أشَرْتُ إلى منعِ أدِّعاء حذفِ المفعولِ مِنْ نحوِ: {وَقَفَّيْنَا} الآية: 87. في البقرة. والضميرُ في "آثارهم" إمَّا للنَّبيينَ، لِقولِه: "يَحْكُمُ بِهَا النبيُّون"، وإمَّا لِمَنْ كُتِبَتْ عليهِم تلكَ الأَحكامُ، والأوَّلُ أَظهَرُ لقولِه في مَوْضِعٍ آخَرَ: {بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابن مَرْيَمَ} الحديد: 27.
وقولُهُ: {مصدِّقًا لِما} حالٌ مِنْ "عيسى" وهي حالٌ مُؤَكِّدَةٌ، وكذلك "مُصدِّقًا" الثانية، وهو ظاهرٌ فإنَّ مِنْ لازِمِ الرَّسولِ والإِنجيلِ الذي هو كتابٌ إلهِيٌّ أَنْ يَكونا مُصدِّقَيْن. و"لِما" مُتعلِّقٌ بِه.
وقوله: {مِنَ التوراةِ} حالٌ: إمَّا مِنَ المَوصولِ وهو "ما" المَجرورةُ باللامِ، وإمَّا مِنَ الضَميرِ المُستَكِنِّ في الظَرْفِ لِوُقوعِهِ صِلَةً، ويَجوزُ أنْ
تَكونَ لِبيانِ جِنْسِ المَوصولِ.
قولُه: {وَآتَيْنَاهُ} عطفٌ على قولِه: {وَقَفَّيْنَا} فلا يكونُ لها محلُّ، كما أنَّ المعطوفَ عليْه لا مَحلَّ لَه، ويَجوزُ أنْ تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ عطفًا على "مُصدِّقًا" الأوَّل إذا جُعلَ "مُصدِّقًا" الثاني حالًا مِنْ "عيسى" أيضًا، ويَجوزُ أنْ تَكون الجملةُ حالًا وإنْ لم يَكنْ "مُصَدِّقًا" الثاني حالًا مِنْ "عيسى".
وقولُه: {فِيهِ هُدًى} يجوزُ أَنْ يكونَ "فيه" وحدَه حالًا مِنَ "الإِنجيل" و"هُدى" فاعلٌ بِه، لأنَّه لَمَّا اعْتَمَدَ على ذِي الحالِ رَفَعَ الفاعلَ، ويَجوزُ أَنْ يَكونَ "فيه" خبرًا مُقدَّمًا، و"هدى" مُبتَدَأٌ مؤخَّرٌ والجملةُ حالٌ، و"مصدقًا" حالٌ عَطفًا على مَحَلِّ "فيه هدى" بالاعتبارين: أَعني اعتبارَ أنْ يَكونَ "فيه" وحدَه هو الحالَ فعُطِفَتْ هذه الحالُ عليه، وأنْ يَكون "فيه هدى" جملةً اسْمِيَّةً محلُّها النَصبُ، و"مصدقًا" عَطْفٌ على مَحَلِّها، إلَّا أنَّ هذا مَرْجوحٌ مِنْ وجهيْن، أَحَدُهُما: أنَّ أَصْلَ الحالِ أَنْ تَكونَ مُفرَدَةً والجارُّ أَقْرَبُ إلى المُفْرَدِ مِنَ الجُمَلِ. الثاني: أنَّ الجُملَةَ الاسْمِيَّةَ واقعةٌ حالًا الأكثرُ أَنْ تأتيَ فيها بالواوِ وإنْ كان فيها ضميرٌ، حتّى زَعَمَ الفرَّاءُ، وتَبِعَه الزَمخشريُّ، أنَّ ذلك لا يَجوزُ إلَّا شاذًّا وكونُ "مُصدِّقًا" هذا حالًا مِنَ "الإِنجيل" هو الظاهرُ. وأَجازَ مَكِيّ بنُ أَبي طالبٍ، وتبعَهُ أبو البَقاءِ ـ أنْ يَكونَ "مُصدِّقًا"
الثاني حالًا أيضًا من "عيسى" كُرِّرَ تَوكيدًا.
وقولُه: {وَهُدًى} الجمهورُ على النَّصْبِ وهو على الحالِ: إمَّا مِنَ الإِنْجيلِ، عطفت هذه الحال على ما قبلَها، وإمَّا من "عيسى" أي: ذا هُدًى وموعظةً أو هاديًا، أوْ جُعِلَ نفسُ الهُدى مُبالغةً. وأَجازَ الزمخشري أن يَنتصبا على المفعولِ مِنْ أجلِه، وجعلَ العاملَ فيه قولَه تعالى: "آتيناه" قال: وانتصِبا مفعولًا لهما لِقولِه: "ولِيَحْكُمَ" كأنَّه قيل: وللهدى وللموعظةِ آتنياه الإِنجيلَ وللحكم.
وجَوَّزَ أبو البقاءِ وغيرُه أنْ يكونَ العاملُ فيه: "قَفَّيْنا" أي: فقينا للهُدى والموعظةِ، ويَنبغي إذا جُعِلا مَفعولًا مِنْ أجلِه أَنْ يُقَدَّرَ إسنادُها إلى الله تعالى لا إلى الإِنجيلِ لِيَصِحَّ النَصْبُ، فإنَّ شرطَه اتحادُ المفعولِ لَه مَعَ عاملِه فاعلًا وزَمانًا، ولِذلك لَمَّا اخْتَلَفَ الفاعلُ في قولِه: "ولْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجيلِ" عُدِّيَ إليْه باللّامِ، ولأنَّه خالفَه أيْضًا في الزَّمانِ، فإنَّ زَمَنَ الحُكْمِ مُسْتَقْبَلٌ وزَمَنَ الأَنْبياءِ ماضٍ، بخِلافِ الهِدايةِ والمَوعظةِ فإنَّهما مُقارنان في الزَّمانِ للإِيتاءِ.
وقولُه: "للمتقين" يجوزُ أَنْ يَكونَ صفةً لـ "موعظة" ويَجوزُ أنْ تكونَ اللامُ زائدةً مقوِّيَةً، و"المتقين" مفعولٌ بـ "موعظةً"، ولم تَمنعْ تاءُ التأنيثِ مِنْ عَمَلِهِ لأنَّه مَبنِيٌّ عليْها
وقرأ الضحاكُ بنُ مُزاحِمٍ: "وهدى وموعظةٌ" بالرفع، ووجهُها أنَّها خبرُ ابتداءٍ مُضمَرٍ، أيْ: وهو هُدًى ومَوْعِظَةً.
 
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 46
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 113
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 5
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 20
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 36
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 50

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: