يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37)
قولُهُ: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها} استئنافٌ بيانِيٌّ كأنَّه قِيلَ كيفَ حالُهم فيما هُمْ فيهِ مِنَ العذابِ الأليمِ؟ فقيلَ يقْصُدون الخُروجَ مِنَ النَّارِ ويَطلُبونَه أو يتمنَّوْنَ "وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها" أيْ لا يَستَطيعون ذلك.
قَالَ يَزِيدُ الْفَقِيرُ: قِيلَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ إِنَّكُمْ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ تَقُولُونَ إِنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: "وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها" فَقَالَ جَابِرٌ: إِنَّكُمْ تَجْعَلُونَ الْعَامَّ خَاصًّا وَالْخَاصَّ عَامًّا، إِنَّمَا هَذَا فِي الْكُفَّارِ خَاصَّةً، فَقَرَأْتُ الْآيَةَ كُلَّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَإِذَا هِيَ فِي الْكُفَّارِ خَاصَّةً. فقد أَخرجَ مُسلمٌ وابْنُ المُنذِرِ وابْنُ أَبي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عن جابرٍ بْنِ عبدِ اللهِ ـ رضي اللهُ عنْه ـ أنَّ رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وآلِه وسَلَّمَ ـ قال: ((يَخرُجُ مِنَ النَّارِ قومٌ فيَدخُلونَ الجَنَّةَ))، قالَ يَزيدُ الفَقير قلتُ لِجابِرٍ: يَقولُ اللهُ يُريدون أنْ يَخرجوا مِنَ النَّارِ وما هم بِخارجين منْها، قال اتْلُ أَوَّلَ الآيةِ: "إنَّ الذين كفروا.." الآية، ألَا إنَّهمُ الذينَ كَفَروا. والبُخاري الباب: 51 من كتاب الرقاق، والتِرْمِذي الباب التاسع والعاشر من كتاب جهنم.
وعن عِكْرِمَةَ أنَّ نافعَ بْنَ الأَزْرَقِ قال لابْنِ عبَّاسٍ: تَزْعُمُ أنَّ قومًا يَخرُجونَ مِنَ النَّارِ وقد قالَ اللهُ تَعالى وما هُمْ بِخارجين منها؟ فقالَ ابْنُ عبَّاسٍ: ويْحَكَ اقرَأَ ما فوقَها، هذِه للكُفَّارِ.
وقد تواترتِ الأَحاديثُ تواترًا لا يَخفى على مَنْ لَهُ أَدنى إلمامٍ بعِلْمِ الرِّوايةِ، أنَّ عُصاةَ المُوحِّدين يَخرُجون مِن النَّارِ، فمن أنكرَ هذا فليس بأهلِ المُناظَرَةِ لأنَّه أَنْكر ما هو من ضروريات الشريعة.
وَ"مُقِيمٌ" مَعْنَاهُ دَائِمٌ ثَابِتٌ لَا يَزُولُ وَلَا يَحُولُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فَإِنَّ لَكُمْ بِيَوْمِ الشَّعْبِ مِنِّي ...................... عَذابًا دائمًا لَكُمُ مُقيما
فـ "مقيمٌ" أي دائمٌ لا يَنقطِعُ. وهو بيانٌ بعدمِ تَناهي مُدَّتِهِ بعدَ بيانِ شِدَّتِه وفي الصحيحين: ((يُقالُ لأهلَ الجَنَّةِ خلودٌ ولا موت، ولأهلِ النَّارِ يا أهلِ النَّارِ خُلودٌ ولا موت)) أيْ لَكمْ خلودٌ في النارِ. ويكون هذين القوليْن بعدَ أنْ يُؤتى بالموتِ في صورةِ كبشٍ فيُذبَحُ بيْن الجَنَّةِ والنَّارِ وإنَّما يُمثلُ المَوْتُ بهذا المِثالِ لِيُشاهدوا بأعينِهم ويَستقرّ في أنفُسهم أنَّ الموتَ ارتفعَ فيَزدادُ أهلُ الجَنَّةِ فرَحًا وأهلُ النارِ تَرَحًا وتخصيصُ صورةِ الكبش لأنَّه لما كان فداءً عن إسماعيلَ ـ عليْه السلامُ ـ الذي نبيُّنا ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ مِنْ نَسْلِهِ كان في المَعْنى فِداءً عَنْ جميعِ الأَحْياءِ في الدنيا لأنَّهم خُلِقوا لأَجلِه فناسَبَ أنْ يَكونَ فداءً عنهم في دارِ الآخرةِ أيضًا.
وقد بينت هذه الآيةُ الكريمة والتي سبقتها سوءَ عاقبةِ الكافرين، بعد أنْ رَغَّبَ ـ سبحانه وتعالى ـ المؤمنين في التَقَرُّبِ إليْه بالإِيمانِ والعَمَلِ الصالِحِ، وذلك لكي يزدادَ المؤمنون إيمانًا. ولكي يَنصرِفَ النّاسُ عنْ الكُفْرِ والفُسوقِ والعِصْيانِ إلى الإِيمانِ والطاعةِ والاسْتِجابَةِ لِتَعاليمِ اللهِ الواحدِ القَهَّار.
قولُه تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ} الجمهورُ على بناء "أن يخرجوا" للفاعل، وقَرَأَ يَحيى بْنُ وثَّابٍ وإبْراهيمُ النُخَعِيُّ: "يُخْرَجوا" مبنيًّا للمَفعول.
وقولُه: {وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا} حالٌ مِنْ فاعِلِ "يُرِيدُونَ" أو هي اعتراضيَّة، وإيثارُ الجُملةِ الاسْمِيَّةِ على الفِعْلِيَّةِ مُصدرةً بما الحِجازيَّةِ معَ الباءِ للتأكيدِ النَفْيِ، ولِبيانِ كمالِ سُوءِ حالِهم بعَدَمِ خُروجِهم منها، فالجُملة الاسْمِيَّةُ الإيجابيَّةُ تُفيدُ دَوامَ الثُبوتِ، كما تُفيدُ الجملةُ الاسْميُّةُ السَلْبِيَّةُ دوامَ النَفْيِ لا نَفْيَ الدَّوامِ.
المزاج
الأربعاء أغسطس 28, 2013 4:41 am