روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 18

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  18 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  18 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 18   فيض العليم ... سورة المائدة، الآية:  18 I_icon_minitimeالأحد أغسطس 25, 2013 6:46 am

وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. (18)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}. حكايةً لِما صَدَرَ مِنَ الفَريقيْنِ مِنَ الدَّعوى الباطِلَةِ لأَنْفُسِهم، وبيانٌ لِبُطْلانِها إثْرَ ذِكْرِ ما صَدَرَ عنْ أَحدِهِما مِنَ الدَّعوى الباطلةِ لِغيرِهِ وبيانِ بُطْلانِها، أيْ قال كلٌّ مِنَ الطائفتيْن هذا القولَ الباطلَ، ومُرادُهُمْ بالأبْناءِ المُقرَّبون، أيْ نحنُ مُقرَّبون عندَ اللهِ تعالى قُرْبِ الأوْلادِ مِنْ والدِهم،  والأَحبَّاءُ جمعُ حَبيبٍ بمَعنى مُحِبٍّ أوْ مَحبوبٍ، ويَجوزُ أنْ يَكونَ أَرادوا مِن َالأبناءِ الخاصَّةَ كما يُقالُ: أَبناءُ الدُنيا، وأبناءُ الآخرةِ، وأنْ يَكونَ أرادوا أشياعَ مَن وُصِفَ بالبُنُوَّةِ، أيْ قالتِ اليَهودُ نحنُ أشياعُ ابْنِهِ عُزير، وقالتِ النَصارى: نحنُ أشياعُ ابْنِه المَسيحِ ـ عليهما السلام، وأُطْلِقَ الأبناءُ على الأشياعِ مَجازًا إمَّا تَغليبًا أو تَشبيهًا لهم بالأبْناءِ في قُرْبِ المَنزِلَةِ، وهذا كما يَقولُ أَتباعُ المَلِكِ: نحنُ المُلوكُ، وكما أُطْلِقَ على أَشياعِ أَبي خُبَيْبٍ عبدِ اللهِ بْنِ الزُبَيْرِ ـ رضي اللهُ عنهما ـ الخُبَيْبون في قولِ حميدٍ الأرْقطِ:
قَدنِيَ مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبِيْنَ قَدِي ............. ليس الإمامُ بالشحيحِ المُلْحِدِ
قَدْني: اسْمُ فعلٍ بمعنى كَفى. والخُبَيْبَيْن: مثنّى مُصغَّر. وقيل إنه  جمعُ خُبَيْب، يُريدُ خُبَيْبًا ومن معه. أو يُريدُ أَنْصارَ عبدِ اللهِ بْنِ الزُبيْرِ. والمُلْحِدُ: مَنْ أَلْحَدَ في الحَرَمِ: إذا اسْتَحَلَّ حُرْمَتَهُ وانْتَهَكَها. وألْحَدَ إلحادًا: جادلَ ومارى. ولَحَدَ بمَعنى: جارَ وظَلَم. و{لِسانُ الذي يُلحِدون إليْه أَعْجَمِيٌّ} أيْ يَعدِلون إليْه. ويُقالُ: أَلْحَدَ: إذا جارَ.
وذلك على رواية مَنْ رواهُ بالجَمْعِ، وكذلك يقالُ: الأَشْعَرون نسبةً إلى الأشعري، فقدْ قال ابْنُ السّكّيتِ: يُريدُ أبا خُبيْبٍ ومَنْ كان مَعَه، فحيثُ جازَ جمعُ خُبَيْبٍ وأَشياعِ أَبيه فأَوْلى أنْ يَجوزَ جمعُ ابْنِ اللهِ ـ عَزَّ اسْمُهُ ـ وأَشياعُ الابْنِ (بِزَعْمِ الفَريقيْن)، فانْدَفَعَ ما قيلَ: إنَّهم لا يَقولون بِبُنُوَّةِ أَنْفُسِهم، ولم يُحمَلْ على التَوزيعِ بمَعنى أنفسُنا الأحبَّاءُ، وأَبناؤنا الأبْناءُ، بجمعِ الابْنَيْنِ لِمُشاكَلَةِ الأَحِبَّاءِ لأنَّ خِطابَ "بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ" يأباه ظاهرًا ويَدُلُّ على ادِّعائهم البُنُوَّةَ بأيِّ معنًى كان. وقائلُ ذلك مِنَ اليهودِ بعضُهم، ونُسِبَ إلى الجَميعِ لِلتغليبِ كما مَرَّ غيرَ مَرَّةٍ، فقد أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ. والبَيْهَقِيُّ (في الدلائل) أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ قال: خَوَّفَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ الْعِقَابَ، فَقَالُوا: لَا نَخَافُ فَإِنَّا أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نُعْمَانُ بْنُ أَضَا وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَشَأْسُ بْنُ عَدِيٍّ، فَكَلَّمُوهُ وَكَلَّمَهُمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ فَقَالُوا: مَا تُخَوِّفُنَا يَا مُحَمَّدُ؟، نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، كَقَوْلِ النَّصَارَى، فَأَنْزَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِيهِمْ: "وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ" إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وتَصِفونَه لَنا بِصِفَتِه، فقال رافعُ ابْنُ حُرَيْمِلَةَ وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا: مَا قُلْنَا هَذَا لَكُمْ، وَلَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا مِنْ بَعْدِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} المائدة: 19. وقال السّدِّيُّ: زَعَمَتِ الْيَهُودُ أَنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَوْحَى إِلَى إِسْرَائِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ أَنَّ وَلَدَكَ بِكْرِيٌّ مِنَ الْوَلَدِ. قَالَ غَيْرُهُ: وَالنَّصَارَى قَالَتْ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ، لِأَنَّ فِي الْإِنْجِيلِ حِكَايَةً عَنْ عِيسَى (أَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ). وَقِيلَ: الْمَعْنَى: نَحْنُ أَبْنَاءُ رُسُلِ اللهِ، فَهُوَ عَلَى حَذْفٍ مُضَافٍ. وَبِالْجُمْلَةِ. فَإِنَّهُمْ رَأَوْا لِأَنْفُسِهِمْ فَضْلًا، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ فَقَالَ: "فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ" فَلَمْ يَكُونُوا يَخْلُونَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَقُولُوا هُوَ يُعَذِّبُنَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَلَسْتُمْ إِذًا أَبْنَاءَهُ وَأَحِبَّاءَهُ، فَإِنَّ الْحَبِيبَ لَا يُعَذِّبُ حَبِيبَهُ، وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ بِعَذَابِهِ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِكُمْ ـ وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْجَدَلِيِّينَ بِبُرْهَانِ الْخُلْفِ ـ أَوْ يَقُولُوا: لَا يُعَذِّبُنَا فَيُكَذِّبُوا مَا فِي كُتُبِهِمْ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُمْ، وَيُبِيحُوا الْمَعَاصِيَ وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِعَذَابِ الْعُصَاةِ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَ كُتُبِهِمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى "يُعَذِّبُكُمْ" عَذَّبَكُمْ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ، أَيْ فَلِمَ مَسَخَكُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ؟ وَلِمَ عَذَّبَ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَهُمْ أَمْثَالُكُمْ؟ لِأَنَّ اللهَ ـ سُبْحَانَهُ ـ لَا يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ، لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا يَقُولُونَ لَا نُعَذَّبُ غَدًا، بَلْ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِمَا عَرَفُوهُ. ثُمَّ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ" أَيْ كَسَائِرِ خَلْقِهِ يُحَاسِبُكُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيُجَازِي كُلًّا بِمَا عَمِلَ.
فقد قَالَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى بأنَّهم مُنْتَسِبُونَ إلى أنْبِيَاءِ اللهِ، وَأنَّهم بَنُوهُ، وَلَهُ بِهِمْ عِنَايَةٌ، وَهُوَ يُحِبُّهم، وَأَوْرَدُوا فِي كِتَابِهِمْ أنَّ اللهَ قَالَ لِعَبْدِهِ إِسْرَائِيلَ (يَعْقُوبَ) "أنْتَ ابْنِي البِكْرُ" فَحَمَلُوا هَذا القَوْلَ عَلَى غَيْرِ تَأوِيلِهِ وَحَرَّفُوهُ. وَقَدْ رُدَّ عَلَيْهِمْ: إنَّ هذا القَوْلَ يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى سَبيلِ التَّكْرِيمِ وَالتَّشْرِيفِ. وَوَرَدَ فِي الإِنجيلِ: إنَّ المَسِيحَ قَالَ لَهُمْ: إنِّي ذَاهِبٌ إلى أبي وَأبِيكُمْ، يَعْنِي رَبِّي وَرَبِّكُمْ. فقالَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ لِمُحَمَّدٍ رَدًّا عَلَى أقْوالِ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ أنْ يَقُولَ لَهُمْ: لَوْ كَنْتُمْ كَمَا تَدَّعُونَ أبْنَاءَ اللهِ وَأحِبَّاءَهُ فَلِمَ أعَدَّ اللهُ لَكُمْ جَهَنَّمَ جَزَاءً لَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَكَذِبِكُمْ وَافِتِرائِكُمْ؟ بَلْ أنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ اللهُ، وَلَكُمْ أسْوَةٌ بِأمْثَالِكُمْ، وَهُوَ ـ سَبْحَانَهُ ـ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، وَالحَاكِمُ المَتَصَرِّفُ فِي جَمِيعِ عِبَادِهِ، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُعَذِبُ مَنْ يَشَاءُ، وَلا مَعَقِّبَ عَلَى حُكْمِهِ، وَهُوَ سَريعُ الحِسَابِ.
وإطلاقُ (ابْنِ اللهِ) على المُطيعِ قد كان في الزمنِ القديمِ، ففي التوراةِ: قالَ اللهُ تعالى لِمُوسى ـ عليه الصلاةُ والسلامُ: اذْهَبْ إلى فِرعوْنَ وقُلْ لَه يَقولُ لَكَ الرَّبُ: إسرائيلُ ابْني بِكْرِي أَرْسِلْهُ يَعْبُدني، فإنَّ أَبَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ ابْني بِكْري قَتَلْتُ ابْنَكَ بِكْرَكَ. وفيها أيْضًا في قِصَّةِ الطُوفانِ أَنَّه لَمَّا نَظَرَ بَنُو اللهِ تعالى إلى بَناتِ النَّاسِ وهمْ حِسانٌ جِدًّا شُغِفوا بِهِنَّ فَنَكَحوا مِنْهُنَّ ما أَحَبّوا واخْتَاروا، فوَلَدوا جَبابِرَةً فأفْسَدوا، فقالَ اللهُ تعالى: لا تَحِلُّ عِنايَتي على هؤلاءِ القومِ. وأُريدَ بأبْناءِ اللهِ تعالى أَولادُ هابيلَ، وبِأبناءِ الناسِ أبناءُ قابيلَ، وكُنَّ حِسانًا جِدًا فصَرَفْنَ قلوبَهُنَّ عن عِبادةِ اللهِ تعالى إلى عِبادةِ الأَوثانِ. وفي المَزاميرِ أَنْتَ ابْني سَلني أُعْطِكَ. وفيها أيْضًا أنتَ ابْني وحَبيبي. وقال شعيا في نُبُوَّتِه عنِ اللهِ تعالى: تَواصَوا بِي في أبنائي وبَناتي، يُريدُ ذُكورَ عِبادِ اللهِ الصالحين وإناثَهم. وقال يُوحنّا الإنْجيليُّ في الفصلِ الثاني من (الرسالةِ الأُولى) انظُروا إلى مَحَبَّةِ الأَبِ لَنا أنْ أَعطانا أنْ نُدْعى أَبناءَه. وفي الفصلِ الثالثِ أيُّها الأَحِبّاءُ الآنَ صِرْنا أَبْناءَ اللهِ تعالى، فيَنبغي لَنا أنْ نُنْزِلَهُ في الإجْلالِ على ما هو عليْه، فمَنْ صَحَّ له هذا الرَّجاءُ فَلْيُزَكِّ نَفسَه بِتَرْكِ الخَطيئةِ والإثمِ، واعْلَموا أَنَّ مَنْ لابَسَ الخَطيئةَ فإنَّه لمْ يَعْرِفْهُ. وقال متّى: قال المسيحُ: أَحِبُّوا أَعْداءَكم، وبارِكوا على لاعِنيكُمْ، وأَحْسِنوا إلى مَنْ يُبْغِضُكم، وصِلوا مَنْ طَرَدَكَم، كيْما تكونوا بَني أَبيكم المُشْرِقِ شَمْسَهُ على الأخْيارِ والأَشْرارِ، والمُمْطِرِ على الصِّدِّيقين والظالِمين. وقالَ يُوحَنَّا التِلميذُ في (قصصِ الحواريّين): يا أحِبّائي إنَّا أَبناءُ اللهِ تعالى، سَمَّانا بذلك. وقالَ بُولُسُ الرَّسولُ في (رسالتِه إلى مَلِكِ الروم): إنَّ الرُّوحَ تَشْهَدُ لأَرواحِنا أنَّنا أبناءُ اللهِ تعالى وأَحِبَّاؤه. إلى غيرِ ذلك ممّا لا يُحصَى كَثْرَةً.
وقد جاءَ أيْضًا إطلاقُ الابْنِ على العاصي ولكنْ بِمَعنى الأَثَرِ ونَحوِهِ، ففي (الرِّسالةِ الخامِسَةِ لِبُولُسَ) إيَّاكُمُ والسَفَهُ والسَبُّ واللَّعِبُ فإنَّ الزاني والنّجِسَ كعابِدِ الوَثَنِ لا نَصيبَ لَه في مَلَكوتِ اللهِ تَعالى، واحْذَروا هذه الشُرورَ فمِنْ أَجلِها يَأتي رِجْزُ اللهِ على الأبْناءِ الذين لا يُطيعونَه، وإيّاكم أنْ تَكونوا شُركاءَ لهم فقدْ كنتمْ قبلُ في ظُلْمَةٍ فاسْعَوا الآنَ سَعْيَ أَبناءِ النُورِ.
ومَقصودُ الفريقيْنِ بـ "نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ" هو المَعنى المُتَضَمِّنُ مَدْحًا، وحاصلُ دَعواهم أنَّ لهم فَضْلًا ومَزِيَّةً عنْدَ اللهِ تعالى على سائرِ الخَلْقِ، فرَدَّ ـ سبحانَه ـ عليهم ذلك.
ذَكَرَ الشِّهابُ ـ رحمةُ اللهِ عليه ـ توجيهًا لا بأسَ بِه، وهو أنَّ اللائقَ أنْ يَكونَ مُرادُهم بِكونِهم أَبناءُ اللهِ تَعالى أنَّه لَمّا أَرْسَلَ إليْهِمُ الابْنَ (على زعمهم) وأرسلَ عِبادَه لِغيرِهم رُسُلًا دَلَّ ذلك على امْتِيازِهم عن سائرِ الخلقِ، وأنَّ لهم مَعَ اللهِ تعالى مُناسَبَةً تامَّةً وزُلفى تَقتضي كَرامةً لا كَرامَةَ فوقَها، كما أنَّ المَلِكَ إذا أَرْسَلَ لِدعوةِ قومٍ أَحَدَ جُنْدِهِ ولِآخرينَ ابْنَهُ، عَلِموا أنَّه مُريدٌ لِتقريبِهم وأنَّهم آمنون مِنْ كُلِّ سُوءٍ يَطرُقُ غيرَهم، ووَجْهُ الرَدِّ أَنَّكم لا فرقَ بينَكم وبينَ غيرِكم عندَ اللهِ تَعالى، فإنَّه لو كان كما زَعَمْتم لَما عَذَّبَكم وجَعَلَ المَسْخَ فيكم، وكذا على كونِه بمَعنى المُقرَّبين المُرادُ قُرْبٌ خاصٌّ فيُطابِقُه الرَدُّ ويَتَعانَقُ الجوابان. وظاهرٌ أنَّ وهمَهم هذا مَبْنِيٌّ على اعتقادِهِمُ الفاسِدِ بِبُنُوَّةِ نبيِّهم للهِ. تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا. 
قولُه: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَللهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ: أنْ يَغفُرَ من المذنبين، أَيْ لِمَنْ تَابَ مِنَ الْيَهُودِ. و"يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ" أنْ يُعذِّبَه، وهمُ الذين كفروا بِه ـ سبحانَه ـ وبِرُسُلِه ـ عليهِمُ السلامُ ـ مثلكم، ومَاتَ عَلَى ذلك. "وَللهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" فَلَا شَرِيكَ لَهُ يُعَارِضُهُ، أيْ كلُّ ذلك لَه تعالى لا يَنْتَمي إليْه ـ سبحانَه ـ شيءٌ منْه إلَّا بالمَمْلوكِيَّةِ والعُبوديَّةِ والمَقهورِيَّةِ تحتَ مَلكوتِه يَتَصَرَّفُ فيه كيفَ يَشاءُ إيجادًا وإعْدامًا، إحياءً وإماتةً، إثابةً وتَعذيبًا، فأنَّى لِهؤلاءِ ادِّعاءُ ما زَعَموا؟!. "وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" أَيْ يَؤولُ إليه أَمْرُ الْعِبَادِ في الآخرةِ، لا إلى غيرِه ـ اسْتِقْلالًا أوِ اشْتِراكًا ـ فيُجازي كُلًّا مِنَ المُحسِنَ والمُسيءَ بما يَسْتَدعيه عملُه مِنْ غيرِ صارفٍ يَثْنيه ولا عاطِفٍ يَلويه.
قولُه تعالى: {بَلْ أَنتُم بَشَرٌ} عطفٌ على مُقدَّرٍ يَنْسَحِبُ عليْه الكلامُ أيْ ليسَ الأمرُ كذلك "بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ"، وإنْ شئتَ قدَّرتَ مثلَ هذا في أَوَّلِ الكلامِ وجعلتَ الفاءَ عاطفةً.
وقوله: {مِمَّنْ خَلَقَ} متعلِّقٌ بمحذوفٍ وَقَعَ صِفَة لـ {بَشَرٌ} أيْ بَشَرٌ
كائنٌ مِنْ جِنْسِ مَنْ خَلَقَهُ اللهُ تعالى مِنْ غيرِ مزيَّةِ لكم عليهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 18
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 17
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 33
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 47
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 62
» فيض العليم ... سورة المائدة، الآية: 79

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: