قَوْلُهُ تَعَالَى: "إِلَى الْكَعْبَيْنِ" رَوَى الْبُخَارِيُّ أنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَدَعَا بِتَوْرٍ (إناءٌ يُشرَبُ فيه) مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ. وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ على أنَّ الباءَ في قولِه: "وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ" زَائِدَةٌ لِقَوْلِهِ: فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْسِهِ، وَأَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةٌ، وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، وَبَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَعْبَيْنِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي جَنْبَيْ الرِّجْلِ. وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ قَوْلَ النَّاسِ: إِنَّ الْكَعْبَ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ، قَالَهُ فِي (الصِّحَاحِ) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا جَعَلَ حَدَّ الْوُضُوءِ إِلَى هَذَا، وَلَكِنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ فِي التَّلْقِينِ جَاءَ فِي ذَلِكَ بِلَفْظٍ فِيهِ تَخْلِيطٌ وَإِيهَامٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ: لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَانِ فِي مَجْمَعِ مَفْصِلِ السَّاقِ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: الْكَعْبَانِ اللَّذَانِ يَجِبُ الْوُضُوءُ إِلَيْهِمَا هُمَا الْعَظْمَانِ الْمُلْتَصِقَانِ بِالسَّاقِ الْمُحَاذِيَانِ لِلْعَقِبِ، وَلَيْسَ الْكَعْبُ بِالظَّاهِرِ فِي وَجْهِ الْقَدَمِ. وهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لُغَةً وَسُنَّةً فَإِنَّ الْكَعْبَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعُلُوِّ وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْكَعْبَةُ، وَكَعَبَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا فَلَّكَ ثَدْيُهَا، وَكَعْبُ الْقَنَاةِ أُنبوبُها، وأُنبوبُ ما بيْن كلِّ عُقدتيْن كَعْبٌ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرَفِ وَالْمَجْدِ تَشْبِيهًا، وَمِنْهُ (وَاللهِ لَا يَزَالُ كَعْبُكَ عَالِيًا). وهو دُعاءٌ لَه بالشَّرَفِ والعُلُو. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فيما رَوَاهُ البيهقي وأَبُو دَاوُودَ وأحمدُ وغيرُهم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رضي اللهُ عنه، قال: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ بِوَجْهِهِ فَقَالَ : ((أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثَلاَثًا، وَاللهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)) قَالَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يُلْصِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَرُكْبَتَهِ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهِ بِكَعْبِهِ. وَالْعَقِبُ هُوَ مُؤَخَّرُ الرِّجْلِ تَحْتَ الْعُرْقُوبِ، وَالْعُرْقُوبُ هُوَ مَجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: ((وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ)) يَعْنِي إِذَا لَمْ تُغْسَلْ، كَمَا قَالَ: ((وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ)). قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْغُسْلِ، وَلَا خَيْرَ فِي الْجَفَاءِ وَالْغُلُوِّ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ لم يُخَلِّلْ أَصابِعَ رِجْلَيْهِ فلا شيءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَوَضَّأَ عَلَى نَهَرٍ فَحَرَّكَ رِجْلَيْهِ: إِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَغْسِلَهُمَا بِيَدَيْهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى أَجْزَأَهُ. والصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فِيهِمَا إِلَّا غَسْلُ مَا بَيْنَهُمَا كَسَائِرِ الرِّجْلِ إِذْ ذَلِكَ مِنَ الرِّجْلِ، كَمَا أَنَّ مَا بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدِ مِنَ الْيَدِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِانْفِرَاجِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَانْضِمَامِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الرِّجْلِ جَمِيعِهَا كَمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِغَسْلِ الْيَدِ جَمِيعِهِا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ، مَعَ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ كَانَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ. وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ فِي آخِرِ عُمْرِهِ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ أَوْ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ لِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَتَوَضَّأُ فَيُخَلِّلُ بِخِنْصَرِهِ مَا بَيْنَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، فَقَالَ لِي مَالِكٌ: إِنَّ هَذَا لَحَسَنٌ، وَمَا سَمِعْتُهُ قَطُّ إِلَّا السَّاعَةَ، قال ابْنُ وَهْبٍ: وسَمعتُه سُئِلَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ فَأَمَرَ بِهِ. وَقَدْ رَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ((خَلِّلُوا بَيْنَ الْأَصَابِعِ لَا تُخَلِّلُهَا النَّارُ)). وَهَذَا نَصٌّ فِي الْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِ التَّخْلِيلِ. وأَلْفَاظُ الْآيَةِ تَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ، وَهِيَ إِتْبَاعُ الْمُتَوَضِّئِ الْفِعْلَ الْفِعْلَ إِلَى آخِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ بَيْنَ أَبْعَاضِهِ، وَلَا فَصْلَ بِفِعْلٍ لَيْسَ مِنْهُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنُ وَهْبٍ: ذَلِكَ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ فِي الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ، فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ مُتَعَمِّدًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يُجْزِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُجْزِئُهُ نَاسِيًا وَمُتَعَمِّدًا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي "الْمُدَوَّنَةِ" وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ الْمُوَالَاةَ سَاقِطَةٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: إِنْ فَرَّقَهُ مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجْزِهِ وَيُجْزِئُهُ نَاسِيًا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ: يُجْزِئُهُ فِي الْمَغْسُولِ وَلَا يُجْزِئُهُ فِي الْمَمْسُوحِ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ابْتُنِيَتْ عَلَى أَصْلَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّ اللهَ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ أَمَرَ أَمْرًا مُطْلَقًا فَوَالِ أَوْ فَرِّقْ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ وُجُودُ الْغَسْلِ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا عِبَادَاتٌ ذَاتُ أَرْكَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَوَجَبَ فِيهَا التَّوَالِي كَالصَّلَاةِ، وَهَذَا أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَتَضَمَّنُ أَلْفَاظُ الْآيَةِ أَيْضًا التَّرْتِيبَ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ، فَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: التَّرْتِيبُ سُنَّةٌ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّنْكِيسَ لِلنَّاسِي يُجْزِئُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْعَامِدِ فَقِيلَ: يُجْزِئُ وَيُرَتِّبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ عَابِثٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو مُصْعَبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ وَذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَحَكَاهُ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَالِكٍ مَعَهُمْ فِي أَنَّ مَنْ قَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ يَدَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ عَلَى تَرْتِيبِ الْآيَةِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِمَا صَلَّى بِذَلِكَ الْوُضُوءِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَأَشْهَرِهَا أَنَّ "الْوَاوَ" لَا تُوجِبُ التَّعْقِيبَ وَلَا تُعْطِي رُتْبَةً، وَبِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ" يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ فَرَّقَ أَوْ جَمَعَ أَوْ وَالَى، عَلَى مَا هو الصَّحيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشافِعِيِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَسْتَحِبُّ لَهُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ عَلَى النَّسَقِ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلَا يَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ. وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: مَنْ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَكَانَهُ أَعَادَ غَسْلَ ذِرَاعَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى صَلَّى أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، قَالَ عَلِيٌّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَيُعِيدُ الْوُضُوءَ لِمَا يُسْتَأْنَفُ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ "الْفَاءَ" تُوجِبُ التَّعْقِيبَ فِي قَوْلِهِ: "فَاغْسِلُوا" فَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ جَوَابًا لِلشَّرْطِ رَبَطَتِ الْمَشْرُوطَ بِهِ، فَاقْتَضَتِ التَّرْتِيبَ فِي الْجَمِيعِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتَضَتِ الْبُدَاءَةَ فِي الْوَجْهِ إِذْ هُوَ جَزَاءُ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ، وَإِنَّمَا كُنْتَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فِي الْجَمِيعِ لَوْ كَانَ جَوَابُ الشَّرْطِ مَعْنًى وَاحِدًا، فَإِذَا كَانَتْ جُمَلًا كُلُّهَا جَوَابًا لَمْ تُبَالِ بِأَيِّهَا بَدَأْتَ، إِذِ الْمَطْلُوبُ تَحْصِيلُهَا. قِيلَ: إِنَّ التَّرْتِيبَ إِنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْوَاوِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّكَ تَقُولُ: تَقَاتَلَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَتَخَاصَمَ بَكْرٌ وَخَالِدٌ، فَدُخُولُهَا فِي بَابِ الْمُفَاعَلَةِ يُخْرِجُهَا عَنِ التَّرْتِيبِ. وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ التَّرْتِيبَ مُتَلَقًّى مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِه كما قَالَ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ حِينَ حَجَّ: ((نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ)). الثَّانِي: مِنْ إِجْمَاعِ السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُرَتِّبُونَ. الثَّالِثُ: مِنْ تَشْبِيهِ الْوُضُوءِ بِالصَّلَاةِ. الرَّابِعُ: مِنْ مُوَاظَبَةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى ذَلِكَ. احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنْ لَا تَرْتِيبَ فِي غَسْلِ أَعْضَاءِ الْجَنَابَةِ، فَكَذَلِكَ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْغَسْلُ لَا التَّبْدِيَةُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: مَا أُبَالِي إِذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي بِأَيِ أَعْضَائِي بَدَأْتُ. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلَيْكَ قَبْلَ يَدَيْكَ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا يَثْبُتُ، وَالْأَوْلَى وُجُوبُ التَّرْتِيبِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وإِذَا كَانَ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْوُضُوءِ فَوَاتُ الْوَقْتِ لَمْ يَتَيَمَّمْ عِنْدَ أَكْثَرِ
الْعُلَمَاءِ، وَمَالِكٌ يُجَوِّزُ التَّيَمُّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْأَصْلِ لِحِفْظِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَى حِينِ وُجُودِ الْمَاءِ. احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا" وَهَذَا وَاجِدٌ، فَقَدْ عَدِمَ شَرْطَ صِحَّةِ التَيَمُّمِ فلا يَتَيَمَّمُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، لأنَّه قال: "إذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ" وَلَمْ يَذْكُرِ الِاسْتِنْجَاءَ وَذَكَرَ الْوُضُوءَ، فَلَوْ كَانَتْ إِزَالَتُهَا وَاجِبَةً لَكَانَتْ أَوَّلَ مَبْدُوءٍ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: إِزَالَتُهَا وَاجِبَةٌ فِي الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَجِبُ إِزَالَتُهَا مَعَ الذِّكْرِ، وَتَسْقُطُ مَعَ النِّسْيَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ إِذَا زَادَتْ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ (ضَرْبٌ مِنَ النُّقودِ قيل: إنَّ رأسَ البَغْلِ ضَرَبَها لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ) يُرِيدُ الْكَبِيرُ الَّذِي هُوَ عَلَى هَيْئَةِ الْمِثْقَالِ ـ قِيَاسًا عَلَى فَمِ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ، أي ما مِساحتُه بقدْرِ مِساحةِ قَعْرِ الكَفِّ. وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ فِي صَاحِبَيِ الْقَبْرَيْنِ فيما خرّج ابنُ شيبةَ عن ابنِ عباسٍ: ((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ)). وَلَا يُعَذَّبُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلَا حُجَّةَ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ اللهَ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ إِنَّمَا بَيَّنَ مِنْ آيَةِ الْوُضُوءِ صِفَةَ الْوُضُوءِ خَاصَّةً، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا
غَيْرِهَا.
وَدَلَّتِ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ـ كَمَا بَيَّنّا، ولِمالِكٍ في ذلك ثلاثُ رِواياتٍ: الْإِنْكَارُ مُطْلَقًا كَمَا يَقُولُهُ الْخَوَارِجُ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُنْكَرَةٌ وَلَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. الثَّانِيَةُ: يَمْسَحُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ بِالْمَسْحِ إِنَّمَا هِيَ فِي السَّفَرِ، وَحَدِيثُ السُّبَاطَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَتَمَاشَى، فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُ فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ ـ زَادَ فِي رِوَايَةٍ ـ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. وَمِثْلُهُ حَدِيثُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ـ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ـ يَمْسَحُ حَضَرًا وسَفَرًا، وقد تقدَّم ذِكرُها. وَيَمْسَحُ الْمُسَافِرُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِغَيْرِ تَوْقِيتٍ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ بَلَدِنَا فِي ذَلِكَ وَقْتٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُودَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)) قَالَ: يَوْمًا؟ قَالَ: ((يَوْمًا)) قَالَ: وَيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: ((وَيَوْمَيْنِ)) قَالَ: وَثَلَاثَةَ أيام؟ قال: ((نعم وما شئتَ)) في رِوَايَةٍ ((نَعَمْ وَمَا بَدَا لَكَ)). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالنُّعْمَانُ وَالطَّبَرِيُّ: يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى حَدِيثِ شُرَيْحٍ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ، وَرُوِيَ عن مالكٍ في رسالتِهِ إلى هرونَ الرشيدِ أَوْ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ، وَأَنْكَرَهَا أَصْحَابُهُ.
وَالْمَسْحُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ لِمَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى وُضوءٍ، لِحديثِ المُغيرة بنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَسِيرٍ ـ الْحَدِيثَ ـ وَفِيهِ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: ((دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ)). وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. وَرَأَى أَصْبَغُ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةُ التَّيَمُّمِ، وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ. وَشَذَّ دَاوُودُ فقال: المُرادُ بالطهارةِ ها هُنا هِيَ الطَّهَارَةُ مِنَ النَّجَسِ فَقَطْ، فَإِذَا كَانَتْ رِجْلَاهُ طَاهِرَتَيْنِ مِنَ النَّجَاسَةِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ الِاشْتِرَاكُ فِي اسْمِ الطَّهَارَةِ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَسِيرٌ: قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْخَرْقُ لَا يَمْنَعُ مِنِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَمِنْ لُبْسِهِ، وَيَكُونُ مِثْلُهُ يُمْشَى فِيهِ. وَبِمِثْلِ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا قَالَ اللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالطَّبَرِيُّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَالطَّبَرِيِّ إِجَازَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ جُمْلَةً. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ وَعَلَى مَا ظَهَرَ مِنَ الْقَدَمِ، وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا كَانَ مَا ظَهَرَ مِنَ الرِّجْلِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ أَصابِعَ مُسِحَ، ولا يُمْسَحُ إذا ظَهَرَ ثَلَاثٌ، وَهَذَا تَحْدِيدٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَخْفَافَ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ وغيرِهم مِنَ التابعين كانت لَا تَسْلَمُ مِنَ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ، وَذَلِكَ مُتَجَاوَزٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ إِذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي مُقَدَّمِ الرِّجْلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ إِذَا كَانَ مَا ظَهَرَ منه يُغَطِّيهِ الجَوْرَبُ، فإنْ ظَهَرَ شيءٌ مِنَ الْقَدَمِ لَمْ يَمْسَحْ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَإِنْ كَانَا مُجَلَّدَيْنِ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُودَ عَنِ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ أنَّ رسولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ، قَالَ أَبُو دَاوُودَ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا بِالْمُتَّصِلِ. قَالَ أَبُو دَاوُودَ: وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو أُمَامَةَ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ فَرَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ "كان اسْمُه (عَبْدَ شَرٍّ) فغَيَّرهُ النبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ فَوَسَّعَ ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ لَرَأَيْتُ أَنَّ بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ بقولِه تعالى: "فامسحوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ". وَقَوْلُ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لَرَأَيْتُ أَنَّ بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا مِثْلُهُ قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَمْسَحُ على ظاهُرِ خِفَّيْهِ. قال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَنْ مَسَحَ ظُهُورَ خُفَّيْهِ دُونَ بُطُونِهِمَا: إِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَمَنْ مَسَحَ عَلَى بَاطِنِ الْخُفَّيْنِ دُونَ ظَاهِرِهِمَا لَمْ يُجْزِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ جَمِيعُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَّا ما رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: بَاطِنُ الْخُفَّيْنِ وَظَاهِرُهُمَا سَوَاءٌ، وَمَنْ مَسَحَ بَاطِنَهُمَا دُونَ ظَاهِرِهِمَا لَمْ يُعِدْ إِلَّا فِي الْوَقْتِ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُجْزِئُهُ مَسْحُ بُطُونِهِمَا دُونَ ظُهُورِهِمَا، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ مَنْ مَسَحَ بُطُونَهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا لَمْ يُجْزِهِ وَلَيْسَ بِمَاسِحٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: يَمْسَحُ ظَاهِرَيِ الْخُفَّيْنِ دُونَ بَاطِنِهِمَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا مَسْحُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ شِهَابٍ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: وَضَّأْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَمَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُودَ: رُوِيَ أَنَّ ثَوْرًا لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَقَدْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا عَلَى أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مَكَانَهُ وَإِنْ أَخَّرَ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ، قَالَهُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ، وَرُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَلَمْ يَذْكُرُوا مَكَانَهُ. الثَّانِي: يَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ، قَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَرُوِيَ عن الأوزاعي والنُخَعي. الثالث: ليس عليْه شيءٌ وَيُصَلِّي كَمَا هُوَ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وَقَدْ مَضَى فِي "النِّسَاءِ" مَعْنَى الْجُنُبِ. وَ"اطَّهَّرُوا" أَمْرٌ بِالِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ، وَلِذَلِكَ رَأَى عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَتَيَمَّمُ الْبَتَّةَ بَلْ يَدَعُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ النَّاسِ: بَلْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ لِوَاجِدِ الْمَاءِ، وَقَدْ ذُكِرَ الْجُنُبُ بَعْدُ فِي أحكامِ عادِمِ الماءِ بقولِه: "أو لامستم النِّسَاءَ" وَالْمُلَامَسَةُ هُنَا الْجِمَاعُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَر وابنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا رَجَعَا إِلَى مَا عَلَيْهِ النَّاسُ وَأَنَّ الْجُنُبَ يَتَيَمَّمُ. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ نَصٌّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ: ((يَا فُلَانٌ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ)) فَقَالَ: يا رسول اللهِ أَصابَتْني جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ. قَالَ: ((عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) تَقَدَّمَ فِي "النِّسَاءِ" مُسْتَوْفًى، وَنَزِيدُ هُنَا مَسْأَلَةً أُصُولِيَّةً أَغْفَلْنَاهَا هُنَاكَ، وَهِيَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، فَإِنَّ الْغَائِطَ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَحْدَاثِ الْخَارِجَةِ مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي "النِّسَاءِ" فَهُوَ عَامٌّ، غَيْرَ أَنَّ جُلَّ عُلَمَاءِ المالكيَّةِ خَصَّصُوا ذَلِكَ بِالْأَحْدَاثِ الْمُعْتَادَةِ الْخَارِجَةِ. عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، فَلَوْ خَرَجَ غَيْرُ الْمُعْتَادِ كَالْحَصَى وَالدُّودِ، أَوْ خَرَجَ الْمُعْتَادُ عَلَى وَجْهِ السَلَسِ والمَرَضِ لمْ يَكُنْ شيءٌ مِنْ ذَلِكَ نَاقِضًا. وَإِنَّمَا صَارُوا إِلَى اللَّفْظِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ مَهْمَا تَقَرَّرَ لِمَدْلُولِهِ عُرْفٌ غَالِبٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ، سَبَقَ ذَلِكَ الْغَالِبُ لِفَهْمِ السَّامِعِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ، وَصَارَ غَيْرُهُ مِمَّا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ بَعِيدًا عَنِ الذِّهْنِ، فَصَارَ غَيْرَ مَدْلُولٍ لَهُ، وَصَارَ الْحَالُ فِيهِ كَالْحَالِ فِي الدَّابَّةِ، فَإِنَّهَا إِذَا أُطْلِقَتْ سَبَقَ مِنْهَا الذِّهْنُ إِلَى ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَلَمْ تَخْطُرِ النَّمْلَةُ بِبَالِ السَّامِعِ فَصَارَتْ غَيْرَ مُرَادَةٍ وَلَا مَدْلُولَةٍ لِذَلِكَ اللَّفْظِ ظاهرًا. والمُخالِفُ يَقولُ: لا يَلْزَمُ مِنْ أَسْبَقِيَّةِ الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ النَّادِرُ غَيْرَ مُرَادٍ، فَإِنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لَهُمَا وَاحِدٌ وَضْعًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شُعُورِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِمَا قَصْدًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَوْلُهُ: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} رَوَى عُبَيْدَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: الْقُبْلَةُ مِنَ اللَّمْسِ، وَكُلُّ مَا دُونَ الْجِمَاعِ لَمْسٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي قَوْلِهِ: "وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: اللَّمْسُ وَالْمَسُّ وَالْغِشْيَانُ الْجِمَاعُ، ولكنَّه ـ عَزَّ وجَلَّ ـ يكني. وقال مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً} الفرقان: 72. قَالَ: إِذَا ذَكَرُوا النِّكَاحَ كَنَّوْا عَنْهُ، وَقَدْ مَضَى فِي "النِّسَاءِ" الْقَوْلُ فِي هَذَا الْبَابِ مُسْتَوْفًى وَالْحَمْدُ للهِ.
قَوْلُهُ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} قَدْ تَقَدَّمَ فِي "النِّسَاءِ" أَنَّ عَدَمَهُ يَتَرَتَّبُ لِلصَّحِيحِ الْحَاضِرِ بِأَنْ يُسْجَنَ أَوْ يُرْبَطَ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: إِنَّهُ إِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَخَشِيَ خُرُوجَ الْوَقْتِ، اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ: رَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: الصَّحِيحُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي ولا شيءَ عَلَيْهِ، وقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُصَلِّي وَيُعِيدُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُصَلِّي وَلَا يَقْضِي، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كذا في الأُصولِ. ولَعَلَّهُ قولٌ مَهجورٌ لأبي حنيفةَ، وإلَّا فإنَّه لا يقولُ بعدمِ القَضاءِ، بل قال: يُؤخِّرُ الصلاةَ فقط، والراجحُ مِنْ مَذْهبِهِ قولُ صاحبَيْهِ مِنْ أنَّ فاقدَ الطَهوريْن يُصلّى صلاةً صوريَّةً ويُعيدُ مَتى قَدِرَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَا أَعْرِفُ كَيْفَ أَقْدَمَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَلَى أَنْ جَعَلَ الصَّحِيحَ مِنَ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَ، وَعَلَى خِلَافِهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةُ الْمَالِكِيِّينَ. وَأَظُنُّهُ ذَهَبَ إِلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ ـ الْحَدِيثَ ـ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أمِّ المؤمنين ـ رضيَ اللهُ عنْها ـ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلَمْ يَذْكُرْ إِعَادَةً، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ. قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَقَدِ احْتَجَّ الْمُزَنِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ بِمَا ذُكِرَ فِي قِصَّةِ الْقِلَادَةِ عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ حِينَ ضَلَّتْ، وَأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ لِطَلَبِ الْقِلَادَةِ صَلَّوْا بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ وَلَا وُضُوءٍ وَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فِعْلَهَا بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ، وَالتَّيَمُّمُ مَتَى لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا فَقَدْ صَلَّوْا بِلَا طَهَارَةٍ أَصْلًا. وَمِنْهُ قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَلَا إِعَادَةَ، وَهُوَ نَصٌّ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَيْهَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَا يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ وَهَذَا مَعَهُ عَقْلُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ: الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ إِذَا كَانَ مَعَهُ عَقْلُهُ، فَإِذَا زَالَ المانعُ لَه تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى. وَعَنِ الشَّافِعِيِّ رِوَايَتَانِ، الْمَشْهُورُ عَنْهُ يُصَلِّي كَمَا هُوَ وَيُعِيدُ، قَالَ الْمُزَنِيُّ: إِذَا كَانَ مَحْبُوسًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تُرَابٍ نَظِيفٍ صَلَّى وَأَعَادَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالطَّبَرِيِّ. وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: الْمَحْبُوسُ فِي الْحَضَرِ لَا يُصَلِّي وَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا نَظِيفًا. وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ عِنْدَهُ فِي الْحَضَرِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: مَنْ قَالَ يُصَلِّي كَمَا هُوَ وَيُعِيدُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُمُ احْتَاطُوا لِلصَّلَاةِ بِغَيْرِ طُهُورٍ، قَالُوا: وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ)) لِمَنْ قَدَرَ عَلَى طُهُورٍ، وتتمةُ الحديثِ ((ولا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ)). صحيح، رواهُ الأَئمَّةُ ابْنُ ماجَةَ، وأبو عَوَانَةَ مُسْلِمٌ، وأبو داوودَ، والنَّسائي، والطبراني، والبيهقي وابنُ عَديٍّ، وأبو نَعيمٍ عنْ عَددٍ من الصحابةِ ـ رَضيَ اللهُ عنهم.
فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْوَقْتَ فَرْضٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَيُصَلِّي كَمَا قَدَرَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ يُعِيدُ، فَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْوَقْتِ وَالطَّهَارَةِ جَمِيعًا. وَذَهَبَ الَّذِينَ قَالُوا لَا يُصَلِّي لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَأَصْبَغُ قَالُوا: مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالصَّعِيدَ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَقْضِ إِنْ خَرَجَ وَقْتَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِهَا لِعَدَمِ شُرُوطِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا حَالَةَ عَدَمِ شُروطِها فلا يَتَرَتَّبُ شيءٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَقْضِي، قَالَهُ غَيْرُ أَبِي عُمَرَ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الطَّهَارَةُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} قَدْ مَضَى فِي "النِّسَاءِ" اخْتِلَافُهُمْ فِي الصَّعِيدِ، وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ نَصَّ عَلَى مَا يَقُولُهُ مَالِكٌ، إِذْ لَوْ كَانَ الصَّعِيدُ التُّرَابَ لَقَالَ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ ـ لِلرَّجُلِ عَلَيْكَ بِالتُّرَابِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ، فَلَمَّا قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ" أَحَالَهُ على وجْهِ الأرض. والله أعلم.
قولُه: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} تَقَدَّمَ فِي "النِّسَاءِ" الْكَلَامُ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ تَكَلَّمُوا فِي فَضْلِ الْوُضُوءِ وَالطَّهَارَةِ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْبَقَرَةِ" الْكَلَامُ فِيهِ، وَالْوُضُوءُ أَصْلٌ فِي الدِّينِ، وَطَهَارَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَخُصُوصًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْعَالَمِينَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَقَالَ: ((هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِن قَبْلِي وَوُضُوءُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ)). ولَيْسَ هَذَا بِمُعَارَضٍ لِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِغَيْرِكُمْ)). فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ، وَإِنَّمَا الَّذِي خُصَّ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ لَا بِالْوُضُوءِ، وَهُمَا تَفَضُّلٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى اخْتَصَّ بِهِمَا هَذِهِ الْأُمَّةَ شَرَفًا لَهَا وَلِنَبِيِّهَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَسَائِرِ فَضَائِلِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، كَمَا فَضَّلَ نَبِيَّهَا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَغَيْرِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَنْبِيَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فَيَكْتَسِبُونَ بِذَلِكَ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ وَلَا يَتَوَضَّأُ أَتْبَاعُهُمْ، كَمَا جَاءَ عَنْ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ قَالَ: "يَا رَبِّ أَجِدُ أُمَّةً كُلَّهُمْ كَالْأَنْبِيَاءِ فَاجْعَلْهَا أُمَّتِي" فَقَالَ لَهُ: "تِلْكَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ" فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ. وَقَدْ رَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدِّثُ أَنَّهُ رَأَى رُؤْيَا فِي الْمَنَامِ أَنَّ النَّاسَ قَدْ جُمِعُوا لِلْحِسَابِ، ثُمَّ دُعِيَ الْأَنْبِيَاءُ مَعَ كُلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُهُ، وَأَنَّهُ رَأَى لِكُلِّ نَبِيٍّ نُورَيْنِ يَمْشِي بَيْنَهُمَا، وَلِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ نُورًا وَاحِدًا يَمْشِي بِهِ، حَتَّى دُعِيَ بِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِذَا شَعْرُ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ نُورٌ كُلُّهُ يَرَاهُ كُلُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ، وَإِذَا لِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ نُورَانِ كَنُورِ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ أَنَّهَا رُؤْيَا: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا عِلْمُكَ بِهِ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا رُؤْيَا، فَأَنْشَدَهُ كَعْبٌ، اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ رَأَيْتَ مَا تَقُولُ فِي مَنَامِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ـ أَوْ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ ـ إِنَّ هَذِهِ لَصِفَةُ أَحْمَدَ وَأُمَّتِهُ، وَصِفَةُ الْأَنْبِيَاءِ فِي كِتَابِ اللهِ، لَكَانَ مَا تَقُولُهُ مِنَ التَّوْرَاةِ. أَسْنَدَهُ فِي كِتَابِ "التَّمْهِيدِ" وَقَدْ قِيلَ إِنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ((إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ السَّمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ)). قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ: قَدِمْتُ مُهَاجِرًا إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ الْيَمَنِ فَلَمَّا وَصَلْنَا الْجُحْفَةَ إِذَا بِرَاكِبٍ قُلْنَا لَهُ مَا الْخَبَرُ؟ قَالَ: دَفَنَّا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَغَيْرِهِ تُفِيدُكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا كَوْنُ الْوُضُوءِ مَشْرُوعًا عِبَادَةً لِدَحْضِ الْآثَامِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي افْتِقَارَهُ إِلَى نِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، لِأَنَّهُ شُرِعَ لِمَحْوِ الْإِثْمِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللهِ
تَعَالَى.
قَوْلُهُ: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} أَيْ مِنْ ضِيقٍ فِي الدِّينِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج: 78]. أَيْ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ حَرَجًا.
قولُه: {وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} أَيْ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالصُّنَابِحِيِّ. وَقِيلَ: مِنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ. وَقِيلَ: لِتَسْتَحِقُّوا الْوَصْفَ بِالطَّهَارَةِ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا أَهْلُ الطَّاعَةِ.
قولُه: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُم