لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. (123)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ} الأماني: ما
يَتَمنّاهُ الإنسانُ، وغالبًا ما تبقى أمانيه في حيِّزِ الخيال وقلَّما تحولةً إلى الحقيقةِ، أيْ ليسَ ما وَعَدَكم اللهُ مِن ثوابٍ يَحصُلُ بأَمانيكم أيُّها المُسلمون، ولا بأمانيِّ أهلِ الكِتابِ وإنَّما يَحصُلُ بالإيمانِ والعملِ الصالح. وأماني المسلمين أنْ يُغفَرَ لهم جميعُ ذنوبِهم مِنَ الصغائرِ والكبائرِ ولا يؤاخَذوا بِما يرتكبون من سيء الأفعالِ بعدَ الإيمان. وأماني أهلِ الكِتابِ أنْ لا يُعذِّبَهمُ اللهُ ولا يُدخِلَهمُ النّارَ إلَّا أيَّامًا معدودةً فقد قالوا {نحن أبناءُ اللهِ وأحِبّاؤه} فلا يُعذِّبُنا.
أخرجَ ابنُ أبي شيبةَ في مصنَّفِهِ عنِ الحَسَنِ البصريِّ ـ رضيَ اللهُ عنه مَوقوفاً عليْه، قال: (ليس الإيمانُ بالتَمَنّي ولكنْ ما وَقَرَ في القلبِ وصدَّقَهُ العملُ، إنَّ قومًا ألهتهمْ أَمانيُّ المَغفِرَةِ حتَّى خرَجوا مِن الدنيا ولا حَسَنَةَ لهم وقالوا: نُحْسِنُ الظَنَّ باللهِ وكذَبوا، لو أحسَنوا الظَنَّ باللهِ لأَحسَنوا العملَ). وأخرجه ابنُ النَّجارِ في تأريخِه مِن طَريقِ يُوسُفَ بنِ عطيَّةَ عن قَتادَةَ عنِ الحَسَنِ عن أنسٍ مرفوعاً بلفظ: ((ليس الإيمانُ بالتَمِني ولا بالتَحَلِّي ولكن هو ما وَقَرَ في القلبِ وصدَّقَه العملُ، العِلمُ عِلمانِ: عِلْمٌ باللِّسانِ وعِلمٌ بالقَلبِ، فأمَّا عِلمُ القلبِ فالعِلمُ النافعُ، وعِلمُ اللِّسانِ حُجَّةُ اللهِ على بني آدم)).
قال بعضُهم الرَجاءُ ما قارَنَه عملٌ وإلَّا فهو أُمنيَةٌ والأُمنيَةُ مُنْيَةٌ أيْ موتٌ إذْ هي مُوجِبَةٌ لِتعطيلِ فوائدِ الحياةِ
قولُهُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءً يُجْزَ بِهِ} سوءً: أي عمَلًا قبيحًا، تأكيدٌ لحُكمِ
الجُمْلَةِ المَاضيةِ "يُجْزَ بِه" عاجلًا أوْ آجلًا. رُويَ أنَّه لمَّا نَزَلَتْ هذه الآيةِ، قالَ أبو بكرٍ ـ رَضيَ اللهُ عنْه ـ فمَنْ يَنجو معَ هذا يا رسولَ اللهِ؟ فقال عليْهِ الصلاةُ والسلامُ: ((أمَا تحزنُ؟، أمَا تَمرَضُ؟، أمَا يُصيبُك اللَّأواءُ؟)). قال: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: ((هو ذلك)) قال أبو هُريرةَ رَضَيَ اللهُ عنْهُ لمَّا نَزَلَ قولُه تعالى: "من يعمل سوأ يجز به" بَكينا وحَزِنّا وقلْنا يا رسولَ اللهِ ما أبقتْ هذه الآيةُ مِنْ شىءٍ قال: ((أمَا والذي نفسي بيدِهِ لَكَما أنزِلَتْ ولكن يَسِّروا وقارِبوا وسَدِّدوا)). أي اقصُدوا السَدادَ أي الصوابَ ((ولا تُفَرِّطوا فتُجْهِدوا أنفسَكم فى العِبادة لِئلَّا يُفضي ذلك بِكم إلى المَلالِ فتَتْرُكوا العمل)). كذا في المَقاصِدِ الحَسَنَةِ. وذَلِكَ لِمَنْ أرادَ اللهَ، أَمَّا مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ فَلَا، وقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ قَوْمًا فَقَالَ: {أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ}. وقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَكُفَّارَ الْعَرَبِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَفْظُ الْآيَةِ عَامٌّ، وَالْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ مُجَازًى بِعَمَلِهِ السُّوءِ، فَأَمَّا مُجَازَاةُ الْكَافِرِ فالنَّارُ، لأنَّ كُفرَه أَوْبَقَه، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَبِنَكَبَاتِ الدُّنْيَا، كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ "مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ" بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا وَالشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا)). وَخَرَّجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في (فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ وَالتِّسْعِينَ من نَوَادِرِ الْأُصُولِ) عن أَبي زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لِنَافِعٍ: لَا تَمُرَّ بِي عَلَى الْمَصْلُوبِ، يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَ: فما فجأه فِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَنْ صَكَّ مَحْمَلَهُ جِذْعُهُ، فَجَلَسَ فَمَسَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَبَا خُبَيْبٍ أَنْ كُنْتَ وَأَنْ كُنْتَ! وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَاكَ الزُّبَيْرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يقول: ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءً يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ)). فَإِنْ يَكُ هَذَا بِذَاكَ فَهِيهْ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَأَمَّا فِي التَّنْزِيلِ فَقَدْ أَجْمَلَهُ فَقَالَ: "مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً" فَدَخَلَ فِيهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَالْعَدُوُّ وَالْوَلِيُّ وَالْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، ثُمَّ مَيَّزَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ الْمَوْطِنَيْنِ فَقَالَ: ((يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ)). وَلَيْسَ يُجْمَعُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي الْمَوْطِنَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: فَإِنْ يَكُ هَذَا بِذَاكَ فَهِيهْ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَاتَلَ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَحْدَثَ فِيهِ حَدَثًا عَظِيمًا حَتَّى أُحْرِقَ الْبَيْتُ وَرُمِيَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ بِالْمَنْجَنِيقِ فَانْصَدَعَ حَتَّى ضُبِّبَ بِالْفِضَّةِ فَهُوَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا كَذَلِكَ، وَسُمِعَ لِلْبَيْتِ أَنِينًا: آهْ آهْ! فَلَمَّا رَأَى ابْنُ عُمَرَ فِعْلَهُ ثُمَّ رَآهُ مَقْتُولًا مَصْلُوبًا ذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ في الدُنيا أو في الآخرة)). ثُمَّ قَالَ: إِنْ يَكُ هَذَا الْقَتْلُ بِذَاكَ الَّذِي فَعَلَهُ فَهِيهْ، أَيْ كَأَنَّهُ جُوزِيَ بِذَلِكَ السُّوءِ هَذَا الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ. رَحِمَهُ اللَّهُ! ثُمَّ مَيَّزَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي حَدِيثٍ آخَرَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فقد حَدَّثَنَا أَبِي ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ "مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ" قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وذكر الحديث السابق. فَفَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَا أَجْمَلَهُ التَّنْزِيلُ مِنْ قَوْلِهِ: "مَنْ يَعْمَلْ سُوءً يُجْزَ بِهِ". وَفِي الْبَابِ عَنْ السيدة عَائِشَةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ خَرَّجَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وعن قولِهِ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} فَقَالَتْ ـ رضي اللهُ عنها: (مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنْهَا، فقالَ: ((يَا عَائِشَةُ، هَذِهِ مُبَايَعَةُ اللَّهِ بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ وَالشَّوْكَةِ حَتَّى الْبِضَاعَةِ يَضَعُهَا فِي كُمِّهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ فَيَجِدُهَا فِي عَيْبَتِهِ، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ مِنَ الْكِيرِ)).
وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَيْسَ ثَوَابُ اللَّهِ بِأَمَانِيِّكُمْ، إِذْ قَدْ تَقَدَّمَ قولُه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ}. قَوْلَه تعالى: "وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً" يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ}.
وقيل: "مَنْ يَعْمَلْ سُوءً يُجْزَ بِهِ" إِلَّا أَنْ يَتُوبَ. فَإِنْ حُمِلَتِ الْآيَةُ عَلَى الْكَافِرِ فَلَيْسَ لَهُ غَدًا وَلِيٌّ وَلَا نَصِيرٌ. وَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِ فَلَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ وَلَا نَصِيرٌ دُونَ الله.
رَوَى الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ فِي نُزُولِهَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنَّا. وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَيْسَ نُبْعَثُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ "لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ".
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: تَفَاخَرَ الْمُؤْمِنُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ وَنَحْنُ أَحَقُّ بِاللَّهِ مِنْكُمْ. وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: نَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَكِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
قوله تعالى: {ليْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} في "ليس" ضميرٌ هو اسمُها، قيل: يعودُ على ملفوظٍ به، وقيل: يعودُ على ما دَلَّ عليه اللفظُ مِنَ الفعلِ، وقيل: يَدُلُّ عليْه سببُ الآيةِ. فأمَّا عَوْدُه على ملفوظٍ بِهِ فقيلَ: هو الوعدُ المُتقدِّم في قولِه: {وَعْدَ الله} أي: ليس يُنالُ ما وعَدَ اللهُ مِنَ الثَّوابِ بأمانيكم ولا بأماني أهلِ الكِتابِ. والخِطابُ للمُسلمين لأنَّه لايُؤمِنُ بوعِدِ اللهِ إلَّا مَنْ آمَنَ بِه. وأمَّا عودُه على ما يَدُلُّ عليه اللفظ فقيل: هو الإِيمان المفهومُ من قولِه: "والذين آمنوا". وأمّا عودُه على ما يَدُلُّ عليه السببُ فقيل: يعودُ على محاورةِ المسلمين مع أهلِ الكِتابِ، وذلك أنَّ بعضَهم قال: دينُنا قبلَ دينِكم، ونَبِيُّنا قبلَ نبيِّكم، فنحن أفضلُ. وقال المسلمون: كتابُنا يَقضي على كتابِكم، ونبيُّنا خاتَمُ الآنبياء، فنَزَلَتْ. وقيلَ: يَعودُ على الثوابِ والعِقابِ، أيْ: ليس الثَوابُ على الحَسَناتِ ولا العِقابُ على السيئاتِ بأَمانِيكم. وقيلَ: قالتِ اليهودُ نحنُ أبناءُ اللهِ وأحبَّاؤه، ونحن
أصحابُ الجَنَّةِ، وكذلك قالتِ النَّصارى. وقالتِ كفّارُ قريشٍ: لا نُبْعَثُ،
فنَزَلَتْ. أي: ليس ما ادَّعَيْتُموهُ يا كُفَّارَ قريشٍ بأَمانيِّكم.
وقرأ الحسنُ وأبو جعفرٍ وشَيْبَةُ والحَكَمُ والأعرَجُ: "أمانِيكم" "ولا أمانِي" بالتخفيفِ كأنَّهم جَمَعُوه على "فَعالِل" لا على "فعاليل" كما قالوا: قَرْقور وقراقير وقراقِر، والعَرَبُ تُنْقِصُ مِن فعاليلَ الياءَ، كما تَزيدُها في فعالِلَ نحوَ قولِ الفَرَزْدقِ:
تَنْفِي يَدَاهَا الْحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ ........ نَفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيف
وقولُه: {مَنْ يَعْمَلْ} جُملةٌ مُستأنَفَةٌ مُؤكَّدَةٌ لِحُكْمِ الجُمْلَةِ قبلَها. وقَرَأَ الجُمهورُ "ولا يَجِدْ" جَزْماً، على عطفِه على جوابِ الشَرْطِ، ورُوِيَ عنِ ابْنِ عامِرٍ رفعُه، وهو على القطعِ عنِ النَسَقِ. ثمَّ يُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ مُستأنَفاً وأَنْ يكونَ حالاً، كذا قيلَ، وفيه نَظَرٌ مِنْ حيثُ إنَّ المُضارِعَ المَنفِيَّ بِـ "لا" لا يَقترِنُ بالواوِ إذا وَقعَ حالاً.