عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 73 الإثنين مايو 27, 2013 1:01 pm | |
| وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا
(73) قولُه ـ جلَّ وعلا: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ .. } وَإِذَا أَصَابَ المُسْلِمُونَ نَصْراً، وَحَقَّقُوا ظَفَراً، وَفَازُوا بِمَغْنَمٍ، "فَضْلٌ مِنَ اللهِ"، اغْتَمَّ ألاَّ يَكُونَ مَعَ المُؤْمِنينَ، فَيُصِيبَهُ سَهْمٌ مِنَ الغَنِيمَةِ. فَالغَنِيمَةُ هِيَ أَكْبَرُ هَمِّهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ كَمَا فَازُوا، فَهُوَ قَدْ نَسِيَ مَا يَجِبُ عَلَيهِ، مِنْ مَدِّ يَدِ العَوْنِ، وَبَذْلِ كُلِّ مَا يَسْتَطِيعُ بَذْلَهُ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ، لِيَتِمَّ لَهُمُ الظَّفَرُ.وفي نِسبَةِ الفضلِ إِليهِ تعالى في قوله: "وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله" دون إصابةِ المُصيبةِ تعليمٌ لنا بأنْ نُحسِنَ الأدبَ معَ اللهِ تعالى وإن كانت المصيبةُ فضلاً أيضًا في الحقيقة، وإذا كان اللهُ ـ سبحانَه ـ هو الخالق لكلِّ شيءٍ، فهو الذي يَمنحُ الفضلَ لِمنْ يَشاءُ وهو الذي يَمنعُه عمَّن يَشاءُ.قولُه: {كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} جيءَ بها على سبيلِ التَهَكُّمِ والسُخْرِيَةِ والتَعجُّبِ مِن حالِ المُنافقين، لأنَّه كان في إمكانِهم أنْ يَخرُجوا معَ المؤمنين للقتال، وأنْ يَنالوا نَصيبَهم مِنَ الغَنائم التي حصلَ عليها المؤمنون، ولكنَّهم لم يَخرُجوا لِسوءِ نَواياهم وطويَّاتِهم، فلمَّا أّظهروا التَحَسُّرَ لعدمِ الخُروجِ بعدَ أنْ رَأوْا الغَنائمَ في أيدي المؤمنين كان تحسُّرُهم فى غيرِ مَوضِعِه؛ لأنَّ الذي يَتحسَّرُ على فَواتِ شيءٍ عادةً هو مَن لا عِلْمَ له به أو بأسبابِه، أمَّا المُنافقون فبِسَببِ مُخالَطَتِهم وصُحْبَتِهم للمُؤمنين كانوا على عِلْمٍ بقتالِ المُؤمنينَ لأَعدائهم، وكان في إمكانِهم أنْ يَخرُجوا معهم.فكأن اللهَ تعالى يقول للمؤمنين: انظُروا وتَعَجَّبوا مِنْ شأنِ هؤلاءِ المُنافقين إنَّهم عندما أصابتكم مُصيبةٌ فَرِحوا، وعندما انتصرتم وأَصَبْتُمُ الغَنائمَ تحَسَّروا وتَمَنَّوا أنْ لو كانوا معكم حتّى لَكأنَّهم لا عِلْمَ لهم بالقِتالِ الذي دارَ بينَكم وبين أعدائكم، وحتّى لّكّأّنَّهم لا مُخالَطَةَ ولا صُحبَةَ بينكم وبينهم معَ أنَّ عِلمَهم بالقِتالِ حاصلٌ، ومُخالَطَتَهم لَكم حاصلةٌ فلِمَ يتحَسّرون؟ إنَّ قولَهم: "ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً" لَيَدْعوا إلى التَعَجُّبِ مِنْ أحوالِهم، والتَّحقيرِ لِسلوكِهم، والدعوةِ عليهم بأنْ يَزدادوا حَسرةً على حَسْرتِهم.وبذلك نَرى أنَّ الآياتِ الكَريمةِ قدْ أَمَرَتِ المؤمنين بِحُسنِ الاستِعدادِ للقاءِ أعدائهم فى كلِّ وقتٍ، وكشفت لهم عن رذائلِ المنافقين الذين إذا أصابتْ المؤمنينَ مصيبةٌ فرِحوا لَه، وإذا أصابَهم فضلٌ مِنَ اللهِ تحسَّروا وحَزِنوا، وفى هذا الكَشْفِ فَضيحةٌ للمُنافقين، وتحذيرٌ للمُؤمنين مَنْ شرورِهم.قوله تعالى: {لَيَقُولَنَّ} الجمهورُ على فتحِ لام "ليقولَنَّ" لأنَّه فَعلٌ مُسنَدٌ إلى ضميرِ "مَنْ" مبنيٌّ على الفتحِ لأجلِ نونِ التَوكيدِ. وقرأ الحَسَنُ بضمِّها، فأَسندَ الفعلَ إلى ضميرِ "مَنْ" أيضاً لكنْ حملاً له على مَعناها، والأصلُ: لَيَقولونَنَّ، وقد تقدَّم تصريفُه.قولُه: {كَأَن لَّمْ تَكُنْ} كَأَنْ" هذه هي المُخفَّفةُ مِنَ الثَّقيلةِ، وعَمَلُها باقٍ عندَ البَصرِيّين، وزَعَم الكُوفِيّون أنَّها حين تَخفيفِها لا تعملُ كمَا لا تَعملُ "لكن" مخفَّفَةً عند الجمهورِ، وإعمالُها عندَ البَصريين غالباً في ضميرِ الأمرِ والشأنِ وهو واجبُ الحذفِ، ولا تعملُ عندَهم في ضميرٍ غيرِه ولا في اسمٍ ظاهرٍ إلا ضرورةً كقوله: وصدرٍ مشرقِ النَّحْرِ .................................. كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِوقول الآخر : ويوماً تُوافينا بوجهٍ مُقَسَّمٍ .............. كأنْ ظبيةٍ تَعْطُوا إلى وارِق السَّلَمْفي إحدى الروايات، وظاهرُ كلامِ سِيبَوَيْهِ أنَّها تَعمَلُ في غيرِ ضَميرِ الشأنِ في غيرِ الضَرورةِ، ونَصُّهُ يُطالَعُ في كتابِه. والجُملةُ المَنْفِيَّةُ بعدَها في محلِّ رَفعِ خبرٍ لَها، والجُملةُ بعدَها إنْ كانتْ فِعلِيَّةً فَتُتَلَقَّى بـ "قدر" كقولِه: لا يَهُولَنْكَ اصطلاُؤكَ للحَرْ .................. بِ فمحذورُها كَأَنْ قد أَلَمَّاأو بـ "لم" كهذه الآيةِ، وكقولِه: {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأَمْسِ} يونُس: 24. وقد تُلُقِّيَتْ بـ "لَمَّا" في قولِ عَمَّارٍ الكَلْبِيِّ: بَدَّدَتْ منها الليالِي شَمْلَهمْ ................... فكأنْ لمَّا يكونوا قبلُ ثَمّْومثلُ هذا يَحْتاجُ إلى سماعٍ مِنَ العَرَبِ، وقال ابْنُ عَطيَّةَ: و"كَأَنْ" مُضَمَّنَةٌ مَعنى التَشبيهِ، ولكنَّها ليستْ كالثَّقيلةِ في الاحْتياجِ إلى الاسْمِ والخبرِ، وإنَّما تَجِيءُ بعدَها الجملُ. وظاهرُ هذه العِبارةِ أنَّها لا تَعملُ حينَ تخفيفِها، وقد تقدَّمَ أنَّ ذلكَ قولُ الكُوفِيّين لا البَصْرِيّين، ويُحْتملُ أنَّه أرادَ بذلك أَنَّ الجُملةَ بعدَها لا تتاثَّرُ بِها لَفْظًا لأنَّ اسْمَها مَحذوفٌ والجُمْلَةُ خبرٌ لها.وقرأ ابْنُ كثيرٍ وحفصٌ "يَكُنْ" بالياءِ، لأنَّ المَودَّةَ في معنى الوِدِّ، ولأنَّه قد فُصِلَ بينَها وبيْن فِعْلِها، والباقون بالتاءِ اعتِباراً بلفظِها. و"يكون" تحتمِلُ أنْ تَكونَ تامَّةً، فيتعلَّقُ الظرفُ بِها أوْ بِمحذوفٍ؛ لأنَّه حالٌ من "مودة" إذْ هو في الأصلِ صفةُ نَكِرَةٍ قُدِّمَ عليْها، وأَنْ تكونَ ناقصةً فيتعلَّقُ الظرفُ بمحذوفٍ على أنَّه خبرُها.واختَلَفَ الناسُ في هذه الجملةِ على ثلاثةِ أقوال: الأوَّلُ: أنَّها اعتراضيةٌ لا محَلَّ لَها مِنَ الإِعرابِ، وعلى هذا فإنَّها مُعترضةٌ بين جُملَةِ الشرطِ التي هي "فإنْ أصابَتْكم" وبين جملةِ القسم التي هي "ولَئِنْ أصابَتْكم" والتقديرُ: "فإنْ أصابَتْكم مصيبةٌ قال: قد أَنْعَمَ اللَّهُ عليَّ إذْ لم أَكُنْ معهم شهيداً، كأَنْ لمْ تَكن بيْنكم وبينَه مودةٌ، ولَئِنْ أصابكم فضلٌ، فأُخِّرتِ الجملةُ المعتَرضُ بها، أعني قولَه: "كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ" والنِيَّةُ بها التوسُّطُ. | |
|