عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 70 الأحد مايو 26, 2013 11:36 am | |
| ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا.
(70) قولُه ـ سبحانه وتعالى: {ذلك الفضل من الله} إشارة إلى ما للمطيعين من عظيم الأجر ومزيد الهداية ومرافقة هؤلاء المنعم عليهم "من الله} لا من غيره. {وكفى بالله عليما} بجزاءِ مَنْ أطاعَهُ وبِمقاديرِ الفَضْلِ واسْتِحقاقِ أهلِه. بمقتضى الوعدِ فثِقوا بما أخبركم بِه {وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} فاطر: 14. وقيل: وكفى به سبحانَه عليماً بالعُصاةِ والمُطيعين والمُنافقين والمُخلصين ومَن يَصلُحُ لِمُرافقةِ هؤلاءِ ومَنْ لا يَصْلُحُ.وهذه الآيةُ عامَّةٌ في جميعِ المُكلَّفين إذْ خُصوصُ السَّبَبِ لا يَقدَحُ في عُمومِ اللَّفْظِ، فَكُلُّ مَنْ أطاعَ اللهَ وأطاعَ الرسولَ فقد فازَ بالدَرَجاتِ والمَراتِبِ الشَريفَةِ عندَ اللهِ تعالى. قال رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ: ((كلُّ أمَّتي يَدخُلون الجنَّةَ إلَّا مَنْ أبى)) قيل ومَنْ يأبى يا رسولَ الله؟ قال: ((مَنْ أطاعني دَخَلَ الجَنَّةَ ومَنْ عصاني فقد أبى)). وقال ـ عليه الصلاة والسلام: ((المرءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)) فإن أحَبَّ الأنبياءَ والصِدِّيقين والشُهداءَ والصالحينَ كان معهم فى الجَنَّةِ.وفى الآيةِ تنبيهٌ على أنَّه يَنبغي للعبدِ أنْ لا يَتَأخَّرَ مِنْ مرتبةِ الصلاحِ بل يَسعى في تكميلِ الصلاح ثم يترقى الى مرتبة الشهادة ثم الى الصِدِّيقيَّةِ، روى البزارُ في مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رضي الله عنه ـ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنه قَالَ: ((لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَصْدُقُ وَيتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَلَا يَزَالُ يَكْذِبُ وَيتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا)). وكذلك أخرجه الطَيَالِسِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وصَالِحٌ الطَّلْحِيُّ وزادِ فِي حَدِيثِهِ: ((وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَالْبِرُّ يَهْدِي إِلَى الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ)). وأقلُّ الصِدْقِ اسْتِواءُ السِرِّ والعَلانِيَةِ، والصادقُ مَن صَدَقَ في أقوالِهِ، والصِدِّيقُ مَنْ صَدَقَ في جميعِ أقوالِه وأفعالِه وأحوالِه. وكان جَعفَرٌ الخَوّاصُ يقول: الصادقُ لا تَراه إلَّا في فرضٍ يُؤدِّيهِ، أو فضْلٍ يَعملُ فيه. وثَمَراتُ الصِدْقِ كثيرةٌ فمِنْ بَرَكاتِه في الدُنْيا ما حُكي عن أبي عُمَرٍ الزَّجاجِيُّ أنَّه قال: ماتت أُمّي فورِثتُ دارًا فبِعتُها بِخمسين دِينارًا وخَرَجْتُ إلى الحَجِّ، فلمَّا بلغتُ بابلَ اسْتَقْبَلَني واحدٌ مِنَ القافِلَةِ وقال: أيُّ شيءٍ مَعَكَ؟ فقلتُ مِن نفسي الصدقَ، ثمَّ قلتُ خَمسونَ دِينارًا، فقال: ناوِلْنِيها فناولتُه الصُرَّةَ فحَلَّها فإذا هي خمسون، وقال لي خُذْها فلَقد أخَذَني صِدْقُكَ ثمَّ نَزَلَ عن الدابَّةِ وقال: ارْكَبْها، فقلتُ: لا أريدُ، فقال: لا، وألَحَّ فَرَكِبْتُها، فقال: وأنَا على إثْرِكَ، فلمَّا كانَ العامُ القابلُ لَحِقَ بِي ولازَمَني حتَّى مات. وروي مثل ذلك عن الشيخ عبد القادر الجيلانيِّ قُدِّسَ سِرّهُ الشريفُ أنَّ أمَّهُ ـ وهو صبيٌّ يُريدُ السَفَرَ إلى بَغدادَ طلبًا للعلم ـ أَعْطَتْهُ مبلغاً مِن المالِ يَستعينُ بِه على أمرِهِ، وأَمَرتْه أنْ يَتَحَفَّظَ عليه، وفي الطريقِ تعرَّضَ للقافلةِ مَجموعةٌ مِن اللُّصوصِ وقُطّاعِ الطُرُقِ، فنَهَبوا القافلةَ أمّا هو فلم يترضوا لَه لِصِغَرِ سِنِّه، وقبلَ المغادرةِ سألَه زعيمُ العِصابةِ هل مَعكَ شيءٌ أيُّها الغُلامُ؟. قال: نعم ودلَّهُ على المال، قال: وما حَمَلَكَ على ذلك؟ قال لقد أَوْصَتْني أُمِّي أَلاَّ أَكْذِبَ، فَوَقَعَ كلامُه هذا مِنْ نفسِ قاطِعِ الطَريقِ خيرَ موقعٍ، فأعاد إلى القافلةِ ما كانَ أُخِذَ منها وأَعلنَ توبتَه إلى اللهِ، وهذا من بركةِ الصِدْق. قولُه تعالى: {ذلك الفضل مِنَ الله} ذلك: مبتدأٌ، و"الفضلُ" خبره، والجارُّ "من" في محلِّ نصبٍ على الحالِ، والعاملُ فيها معنى الإِشارة، ويَجوزُ أن يكون الجارُّ "من" هو الخبرَ، و"الفضلُ" صفةً لاسْم الإِشارةِ، ويجوزُ أنْ يكونَ "الفضلُ" والجارُّ "من" بعدَه خبريْن لـ "ذلك" على رأي مَنْ يُجيزه. أيْ ذلك الذي ذُكِرَ "الفضلُ" كائنٌ مِنَ اللهِ تعال، و"مِنَ الله" متعلِّقٌ بمحذوفٍ وقعَ حالاً منه.قولُه: {وكفى بالله عَلِيماً} دخلت الباءُ على اسمِ اللهِ لِتَدُلَّ على الأمر في "كفى"، وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المسألة مستوفى. | |
|