عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 48 الأربعاء مايو 15, 2013 1:43 pm | |
| إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) قولُه ـ تبارك وتعالى: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} كلامٌ مُستأنَفٌ مُقرِّرٌ لِما قبلَه مِن الوَعيدِ ومُؤكِّدٌ وُجوبَ امْتِثالِ الأمْرِ بالإيمانِ حيثُ إنَّه لا مَغفِرَةَ بدونِه كما زَعَمَ اليَهودُ، وأشارَ إليْه قولُه تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الكتاب يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} الأعراف: 169. وفيه أيضاً إزالةُ خوفِهم مِنْ سُوءِ الكَبائرِ السابقةِ إذا آمنوا. وقد قَسَّموا الشِّرْكَ إلى: ـ شِرْكٌ فِي الأُلُوهِيَّةِ: وَهُوَ الشُّعُورُ بِسْلَطَةٍ وَرَاءَ الأسْبَابِ وَالسُّنَنِ الكَوْنِيَّةِ لِغَيْرِ اللهِ. ويَكونُ بمعنى اعتقادِ أنَّ للهِ ـ تعالى شأنُه ـ شريكاً في الأُلوهيَّةِ.ـ شِرْكٌ فِي الرّبُوبِيَّةِ: وَهُوَ الأَخْذُ بِشَيءٍ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ عَنْ بَعْضِ البَشَرِ دُونَ الوَحْي.ـ وشرك بمعنى الكفرِ مُطلَقاً وهو المُرادُ هنا كما أشارَ إليْه ابْنُ عبّاسٍ فيَدخُلُ فيه كفرُ اليَهودِ دُخولاً أوَّليًّا فقد نصَّ الشرعُ على إشراكِ أهلِ الكِتابِ قاطبةً وقضى بخلودِ أصنافِ الكَفَرَةِ في النارِ كيف كانوا، ونُزولُ الآيةِ في حقِّ اليَهودِ على ما رُوِيَ عن مُقاتِلٍ لا يَقتضي الاخْتِصاص بكُفرِهم بلْ يَكفي الانْدِراجَ فيما يَقْتَضيهِ عُمومُ اللَّفظِ، والمَشهورُ أنَّها نَزَلَتْ مُطلَقَةً، فقد أَخرجَ ابْنُ المُنذِرِ أنَّه لمَّا نَزَلَ قولُه تعالى: {قُلْ يا عِبَادِيَ الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} الزمر: 53. قام النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ على المِنبرِ فتلاها على الناسِ فقامَ إليْه رجلٌ فقال: والشركُ بالله؟ فسَكَتَ، ثمَّ قامَ إليْه فقال: يا رَسولَ اللهِ والشركُ باللهِ تعالى؟ فَسَكَتَ مرَّتيْن أو ثلاثاً فَنَزَلَتْ هذه الآية : "إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ" .. الخ والمَعنى أنَّ اللهَ تعالى لا يَغفِرُ الكُفْرَ لِمَنِ اتَّصفَ بِه بِلا توبةٍ وإيمانٍ لأنَّه ـ سبحانه ـ بَتَّ الحُكْمَ على خُلودِ عذابِه، وحُكمُه لا يتغيَّرُ، ولأنَّ الحِكْمَةَ التَشريعيَّةَ مُقْتَضيَةٌ لِسَدِّ بابِ الكُفْرِ. ولِذا لم يُبْعثْ نَبيٌّ إلَّا لِسَدِّه، وجَوازُ مغفرتِه بلا إيمانٍ ممَّا يُؤدي إلى فَتحِه، وقيل: لأنَّ ذنبَه لا يَنمَّحي عنْه أَثَرُهُ بخلاف غيرِه.قولُه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} ذلك: إشارةٌ إلى الشِرْكِ، وفيه إيذان ببعد درجتِه في القُبْحِ أيْ يَغفِرُ ما دونَه مِن المَعاصي وإنْ عَظُمَتْ ولم يَتُبْ عنها تَفَضُّلًا مِن لَّدُنْهُ وإحساناً "لِمَن يَشَاء" أنْ يَغفِرَ لَهُ ممَّنِ اتَّصَفَ بِما ذُكِرَ فقط، والآيةُ ظاهرةٌ في التَفْرِقَةِ بيْنَ الشِرْكِ وما دونَه بأنَّ اللهَ تعالى لا يَغْفِرُ الأوَّلَ ألبَتَّةَ ويَغفِرُ الثانيَ لِمَنْ يَشاءُ، والجَماعةُ يَقولونَ بِذلكَ عندَ عدمِ التوبةِ فَحَمَلوا الآيةَ عليْه بِقَرينَةِ الآياتِ والأحاديثِ الدّالَّةِ على قَبُولِ التَوبةِ فيهِما جَميعًا، ومَغْفِرَتُهُما عنَد التوبةِ بِلا خِلافٍ مِنْ أَحَدٍ، وذَهَبَ المُعْتَزِلَةُ إلى أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ الشِرْكِ وما دونَه مِنَ الكَبائرِ في أنَّهُما يُغفَرانِ بالتَوبَةِ ولا يُغفَرانِ بِدونِها، فحَمَلوا الآيةَ: على مَعنى إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ الإشْراكَ لِمَنْ يَشاءُ أنْ لا يَغْفِرَ لَهُ، وهو غيرُ التائبِ، ويَغفِرُ ما دونَه لِمَنْ يَشاءُ أنْ يَغفِرَ لهُ وهو التائبُ. وقوله تعالى : {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يَشاءُ} يغفر: قيل هو استئنافٌ، وليس عطفاً على "يغفر" الأولى لِفسادِ المَعنى، وقيلَ هو عَطفٌ على خبرِ "إن" ـ أي "يغفر" الأولى ـ لا مُستأنَفٌ، وذلك إشارةً إلى الشِرْكِ. والفاعلُ في "يشاءُ" ضميرٌ عائد على الله تعالى، و"لِمَنْ يشاء" متعلقٌ بـ "يغفر".وقيل هو متعلقٌ بالفعليْن وقيَّدوا المَنفيَّ بما قُيِّدَ بِه المُثْبَتُ على قاعدةِ التَنازُعِ لكنْ {مَن يَشَاء} في الأوَّلِ: همُ المُصِرُّونَ بالاتِّفاقِ، وفي الثاني: همُ التائبونَ قَضاءً لِحَقِّ التَقابُلِ وليس هذا مِنِ اسْتِعمالِ اللَّفْظِ الوَاحِدِ في مَعْنَيَيْنِ مُتَضادَّيْنِ، لأنَّ المَذكورَ إنَّما تَعَلَّقَ بالثاني وقُدِّرَ في الأوَّلِ مثلُه، والمَعنى واحدٌ لكنْ يُقَدَّرُ مفعولُ المَشيئةِ في الأوَّلِ: عدمُ الغُفرانِ، وفي الثاني: الغُفرانُ بِقرينَةِ سَبْقِ الذِكْرِ، ولا يَخْفى أنَّ كونَ هذا مِنَ التَنازُعِ مَعَ اخْتِلافِ مُتَعَلَّقِ المَشيئةِ ممّا لا يَكادُ يَتَفَوَّهُ بِه فاضِلٌ ولا يَرْتَضيهِ كاملٌ، على أنَّه لا جِهَةَ لِتَخصيصِ كلٍّ مِنَ القَيْديْن بِما خُصِّصَ، لأنَّ الشِرْكَ أيْضًا يُغْفَرُ للتّائبِ وما دُونَه لا يُغْفَرُ للمُصِرِّ عندَهم مِن غيرِ فرْقٍ بينَهُما، وسياقُ الآيةِ يُنادي بالتَفرِقَةِ وتَقييدِ مَغْفِرَةِ "مَا دُونَ ذَلِكَ" بالتَوبةِ مِمَّا لا دَليلَ عليْه إذِ ليسَ عُمومُ آياتِ الوَعيدِ بالمُحافظةِ أَوْلى مِنْ آياتِ الوَعْدِ. | |
|