عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 10 الخميس أبريل 25, 2013 6:33 am | |
| إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا. (10) قولُه ـ تبارَك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} يُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى الذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى بِدُونِ سَبَبٍ مَشْرُوعٍ، وَعَلَى سَبِيلِ الهَضْمِ وَالظُّلْمِ، بأنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ مَا يَكُون سَبَباً فِي إِيصَالِهِمْ إلَى نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فاليتامى مَظنَّةُ أنْ يُبخَسوا في المِيراثِ، وأَكلُ مالِهم هنا ظُلمًا هو بَخسُهم حَظَّهم في الميراثِ، أوْ أَكلُ الأوصياءِ أموالَهم والأخذُ مِن مالِ اليتيمِ سمَّاهُ اللهُ ـ تعالى ـ أكلًا لِما فيه مِن مَعنى الأخذِ، ومَنْ نَبَتَ لحمُه مِن حرامٍ فالنارُ أوْلى به، لقولِه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ فيما رواه البيهقيُّ وأبو نُعيمٍ عن أبي بكر بسند ضعيف: ((كلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فالنارُ أَوْلى به)). وقال "ظُلْمًا" لِكمالِ التَشنيعِ على الأكلِ، إذْ هُم يَظلِمونَ ضَعيفًا لا يَقوى على الانْتِصافِ منهم. وقولُه: {إِنَّمَا يَأْكلُونَ فِى بُطُونِهِمْ} تصويرٌ لِضَرَرِ الأَكلِ عليهم؛ لأنَّه يَكونُ أكلُهم كَمَنْ يَأْكُلُ النارَ ويملأ بها بطنَه فهو في ألمٍ دائمٍ حتَّى يَهْلِكَ، وكذلك فمن يأكلون أموالَ اليتامى هم في وسواسٍ دائمٍ حتَّى يَقضيَ اللهُ عليهم.قال مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ زَيْدٍ، وَلِيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ يَتِيمٌ صَغِيرٌ فَأَكَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ فِيهِ هذه الآية، وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْمُرَادَ الْأَوْصِيَاءُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُمْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصِّغَارَ. وَسُمِّيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى كُلِّ وُجُوهِهِ أَكْلًا، لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَكْلُ وَبِهِ أَكْثَرُ إِتْلَافِ الْأَشْيَاءِ. وَخَصَّ الْبُطُونَ بِالذِّكْرِ لِتَبْيِينِ نَقْصِهِمْ، وَالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ بِضِدِّ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَسَمَّى الْمَأْكُولَ نَارًا بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى: {إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً} يوسف: 36. أَيْ عِنَبًا. وَقِيلَ: نَارًا أَيْ حَرَامًا، لِأَنَّ الْحَرَامَ يُوجِبُ النَّارَ، فَسَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِاسْمِهِ. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: ((رَأَيْتُ قَوْمًا لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِمْ مَنْ يَأْخُذُ بِمَشَافِرِهِمْ ثُمَّ يَجْعَلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ صَخْرًا مِنْ نَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هُمُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا)). ذكره الواحديُّ في أسبابِ النُزولِ، والقرطُبِيُّ، والطبريُّ، والبيهقيُّ، وابنُ كثيرٍ، وعَزاهُ السُيوطيُّ لابنِ أبي حاتمٍ، وذكره ابن هشام في السيرة. فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ أَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الْكَبَائِرِ. وَقد جاء في صحيح مسلم عن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنه قال: ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ)) وَذَكَرَ فِيهَا ((وَأَكْلَ مال اليتيم)).وَهَذِهِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ الْوَعِيدِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ يُكَفِّرُ بِالذُّنُوبِ. وَالَّذِي يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ ذَلِكَ نَافِذٌ عَلَى بَعْضِ الْعُصَاةِ فَيَصْلَى ثُمَّ يَحْتَرِقُ وَيَمُوتُ، بِخِلَافِ أَهْلِ النَّارِ لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَحْيَوْنَ، فَكَأَنَّ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِئَلَّا يَقَعَ الْخَبَرُ فِيهِمَا عَلَى خِلَافِ مَخْبَرِهِ، سَاقِطٌ بِالْمَشِيئَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}. النساء: 48. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى. رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَّا أَهْلُ النار الذين هم أهلُها فيها فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ ـ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ ـ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ بالشفاعةِ فجيء بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ(الضبائر: الجماعات في تفرقة) فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فينبُتون كما تنبُتُ الحِبَّةُ (بِزْرُ ما لا يُقتاتُ كبزر الرياحين) فِي حَمِيلِ السَّيْلِ)). (ما يَحْمِلُ مِنَ الغُثاءِ والطين) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَدْ كَانَ يَرْعَى بالبادية.قولُه ـ تعالى: {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموالَ اليتامى ظُلْماً} استئنافٌ جِيءَ بهِ لتقريرِ مضمونِ ما فُصِّلَ مِنَ الأوامرِ والنواهي "ظُلْماً" مفعولٌ من أجلِهِ، وشروطُ النصبِ موجودةٌ. أو هو مصدرٌ في محلِ نصبٍ على الحالِ أي: يأكلونَه ظالِمين. قوله: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ} في محلِّ رفعٍ خبراً لـ "إنَّ"، وفي ذلك دلالةٌ على وقوعِ خبرِ "إنَّ" جملةً مصدَّرةً بـ "إنَّ" وفي ذلك خلافٌ، وقيلَ: حَسُنَ هنا وقوعُ اسمِ إنَّ موصولاً فطالَ الكلامُ بصلةِ الموصولِ، فلمَّا تباعَدَ لم يُبالَ بذلك، وهذا أحسنُ مِنْ قولِك: إنَّ زيداً إنَّ أباهُ منطلقٌ. ولقائلٍ أنْ يقولَ: ليس فيها دَلالةٌ على ذلك؛ لأنَّها مكفوفةٌ بـ "ما"، ومعناها الحصرُ فصارت مثلَ قولِك في المعنى: إنَّ زيداً ما انْطَلِقَ إلَّا أَبوهُ. وهو مَحَلُّ نظر.قولُه: {فِي بُطُونِهِمْ} متعلِّقٌ بـ "يأكلون" أي: بُطونُهم أوعيةٌ للنار: إمَّا حقيقةً بأنْ يَخلُقَ اللهُ لهم ناراً يَأكلونَها في بُطونِهم، أو مجازاً بأَنْ أَطْلِقْ المُسَبَّبَ وأرادَ السببَ. ويمكن أن يَتعلَّقَ بمحذوفٍ؛ لأنَّه حالٌ مِنْ "ناراً"، وكان في الأصلِ صفةً للنَكِرةٍ فلمَّا قُدِّمَتْ انتصبَتْ حالاً.قولُه: {وَسَيَصْلَوْنَ} قرأ الجُمهورُ بفتحِ الياءِ واللامِ، وابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ بضمِّ الياءِ مَبنيًّا للمفعولِ مِنَ الثُلاثيِّ. ويَحْتمِلُ أنْ يَكونَ مِن أَصلى، فلمَّا بُني للمفعولِ قام الأوَّلُ مَقامَ الفاعلِ. وقرأ ابنُ أبي عَبْلَةَ بضمِّهما مَبنيًّا للفاعلِ مِن الرُّباعيِّ، والأصلُ على هذه القراءةِ: سيُصْلِيُون من أصلى مثل يُكْرِمون مِنْ أَكرَمَ، فاستثقِلَت الضمةُ على الياءِ فَحُذِفت فالتقى ساكنان، فحُذِفَ أولُهما وهو الياءُ وضُمَّ ما قبل الواو لتصِحَّ. و"أَصْلَى": يُحتَمَلُ أَن تكونَ الهمزةُ فيه للدخولِ في الشيءِ، فيتعدَّى لواحدٍ وهو "سعيراً" وأنْ تَكونَ للتَعديةِ، فالمَفعولُ محذوفٌ، أي: يُصْلُون أنفسَهم سعيراً. | |
|