وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ
وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)
قولُه تعالى:
{والله أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} الذين مِنْ
جُملتِهم هؤلاءِ، وقد أَخبرَكم بعداوتِهم لكم وما يَريدون منكم، فهو تحذير للمؤمنين من هؤلاء الذين أُوتوا حظًّا مِنَ الكِتابِ،
وهُم يَطلُبون الضلالةَ ويَبْتَغونَها لأَنْفُسِهم وللمؤمنين، لأنَّهم يَحسُدونَهم،
ولأنَّهم يُريدون لهمُ الخِذلانَ والضَلالَ، وأنْ يكونوا مثلهم قومًا بُورًا،! وقد
أشارَ بالنَصُّ الكريمُ إلى أنَّهم أعداءُ المؤمنين، وهم يُخفونَ ما لَا يبدون. "واللهُ أعلمُ بأعدائكم" أيْ إنَّ اللهَ ـ جلَّتْ قُدرَتُه ـ أَعلمُ منكم
بأعدائكم، لأنَّكم تَعلَمون ما يَبدو مِنْ أفعالِهم وما يَظْهَرُ على أَلْسِنَتِهم،
واللهُ ـ سبحانَه وتعالى ـ يَعلَمُ ما تُخفي الصُدورُ.
وقولُه: {وكفى بالله وَلِيّاً وكفى بالله
نَصِيراً} يَكفي المؤمنَ في الاعتزازِ أنَّ يَكون
اللهُ وليَّه، لَا ينضوي إلَّا تحتَ لِواءِ أهلِ دينِه، ولا يَدخُل في وِلايَةٍ
غيرِ ولايتِهم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا}. وكما أنَّه يَكفي المؤمنَ أنْ يكونَ اللهُ وَليَّه، فإنَّه
يَكفيه أيْضًا أنْ يَكونَ اللهُ تعالى ناصرَه: {إِنْ يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا
غَالبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنونَ}. فهو يدفعُ عنكمْ مكرَهم
وشرَّهم فاكْتَفوا بوِلايَتِه ونُصْرَتِهِ ولا تُبالوا بِهم ولا تَكونوا في ضَيْقٍ
ممّا يَمكرون؛ وفي ذلك وعْدٌ للمُؤمنين ووعيدٌ لأعدائهم.
قولُه
تعالى: {والله
أعلم بأعدائكم} جُملةٌ معترِضَةٌ للتأكيدِ
وبيانِ التحذيرِ وإلَّا فأَعلميَّةُ اللهِ تعالى مَعلومةٌ.
قولُه
تعالى: {وكفى بالله وليّاً}
جملةٌ معترِضَة أيْضاً، والباءُ مَزيدةٌ في فاعل "كفى" تأكيداً للنِسبَةِ بما يُفيدُ الاتِّصالَ
وهو الباءُ الإلْصاقيَّةِ، وإنَّما دَخَلَتْ هذه الباءُ لأنَّ الكلامَ على معنى
اكتفوا بالله. وهي زائدةٌ في الإعراب، ولكن ليست زائدةً
في المعنى؛ إذْ هي تُشيرُ إلى تَضمين الاكْتِفاءِ بولايَةِ اللهِ وعونِه ونُصرتِه،
والمعنى: اكتفوا بِولاية اللهِ ونُصرتِه، وكفاكم اللهُ الوِلايةَ والنُصْرَةَ والمَعونةَ.
قولُه: {وكفى باللهِ نصيراً} معطوفة على
سابقتها وهي مثلها تماماً في الإعراب، وكرَّرَ كلمة "وَكَفَى بِاللَّهِ" وذلك لإلْقاءِ الاطْمِئنانِ في قُلوبِ المؤمنين، فإنَّ
التَكرارَ فيه تَوكيدٌ، وفيه الإشعارُ بِعظمةِ اللهِ ـ جَلَّ جَلالُه ـ الذي يَتَولّى
وِلايَتَهم ونُصْرَتَهم.
وقولُه: "وَلِيّاً" و"نَصِيراً" منصوبان على
التَمييزِ، وقيلَ: على الحالِ، وتكريرُ الفِعلِ في الجُملتيْن معَ إظهارِ الاسْمِ
الجَليلِ لِتأكيدِ كِفايَتِه عزَّ وجَلَّ مَعَ الإشعارِ بالعِلِّيَّةِ.