عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 40 السبت مايو 11, 2013 9:14 am | |
| إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا
عَظِيمًا. (40) قولُهُ تعلى شأنُه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَنَّهُ سَوْفَ يُوَّفِيِهِمْ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ كَامِلَةً، وَلاَ يَظْلِمُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ مِثْقَالَ (أَيْ ثِقْلَ) حَبَّةِ خَرْدَلٍ، وَلاَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، والمِثقالُ مِفعالٌ مِنَ الثِقْلِ، ويُطلَقُ على المِقدارِ المَعلومِ وهو كما أَخرجَ ابْنُ أبي حاتِمٍ عن أبي جعفرَ ـ رَضيَ اللهُ تعالى عنه ـ أربعةٌ وعِشرون قيراطاً، وعلى مُطلَقِ المِقدارِ وهو المُرادُ هنا ولذا قال السدِّيُّ: أيْ وَزْنَ ذَرَّةٍ وهي النَملَةُ الحمراءُ الصغيرةُ التي لا تَكادُ تُرى. ورُويَ ذلك عنِ ابنِ عبَّاسٍ وابنِ زَيْدٍ، وعن الأوَّلِ: أنَّها رأسُ النَمْلَةِ، وعنْه أيْضاً أنَّه أَدخَلَ يَدَهُ في التُرابِ ثمَّ نَفَخَ فيه فقال: كلُّ واحدةٍ مِنْ هؤلاءِ ذَرَّةٌ، وقريبٌ منْه ما قيلَ: إنَّها جُزْءٌ مِنْ أجزاءِ الهَباءِ في الكُوَّةِ، وقيلَ هي الخَرْدَلَةُ، ويُؤيِّدُ الأوّلَ ما أَخْرَجَهُ ابنُ أبي داوود في "المَصاحِفِ" مِنْ طريقِ عطاءٍ عنِ ابْنِ مسعودٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنه ـ أنَّه قَرَأَ مِثقالَ نَمْلَةٍ. ولمْ يَذْكُرْ سُبحانَهُ الذَّرَّةَ لَقَصْرِ الحُكمُ عليْها بَلْ لأنَّها أَقَلُّ شيءٍ ممّا يَدخُلُ في وهْمِ البَشَرِ، أو أكثرُ ما يُستَعمَلُ عندَ الوَصْفِ بالقِلَّةِ، والذرة في العلمِ الحديثِ الجزء الأصغر الذي تتشكَّل منه المادة. ولم يُعبِّرْ ـ سبحانه ـ بالمِقدارِ ونحوِهِ بلْ عَبَّرَ بالمِثقالِ للإشارة بِما يُفهَمُ منْه مِنَ الثِقَلِ الذي يُعبَّرُ بِه عنِ الكَثْرَةِ والعِظَمِ كقولِهِ تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه} القارعة: 6. إلاّ أنَّه وإنْ كان حَقيراً فهو باعتبارِ جزْئه عظيم. قولُه: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} أمّا السيئة فإنَّه سبحانَه يجزي بمثلها أو يعفو عنها، وأما الحسنة فإنه تباركت أسماؤه، يضاعفها أقلُّه بعَشَرَةِ أمثالِها، وأكثره لا حدودَ له، فقد خرج الإمامُ البُخاريُّ في صحيحِه، باب الرقائق، عن ابنِ عبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهما ـ عن النبيِّ ـ صَلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ فيما يَروي عن ربِّه عَزَّ وجَلَّ قال: (إنَّ اللهَ كتبَ الحَسناتِ والسَيِّئاتِ ثمَّ بيَّنَ ذلك، فمَنْ هَمَّ بحَسَنَةٍ فلم يَعْمَلْها كَتَبَها اللهُ لَه عندَه حَسَنَةً كاملةً فإنْ هُو همَّ بِها فعَمِلَها كَتَبَها اللهُ له عندَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مئةِ ضِعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، ومَنْ همَّ بِسَيِّئةٍ فلَمْ يَعمَلْها كَتَبَها اللهُ لَه عندَه حَسَنةً كامِلةً، فإنْ هو هَمَّ بها فعَمِلَها كَتَبَها اللهُ لهُ سَيِّئةً واحدةً). وَإِنَّمَا يُوَفِّي كُلَّ عَامِلٍ عَمَلَهُ، وَيُضَاعِفُ الحَسَنَاتِ لِفَاعِلِيهَا، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَيُؤْتِي مِنْ لَدُنْهُ الجَنَّة لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَهِيَ الأَجْرُ العَظِيمُ الذِي وَعَدَهُمْ بِهِ.جاء في صحيح مسلم عن أنس ـ رضي الله عنه أنَّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ لِلَّهِ بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا)). وخرَّج الترمذيُّ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو بْنِ العاصِ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أنَّ رسولَ اللهِ ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ قال: ((إنَّ اللهَ تعالى سَيُخلِّصُ رجلًا مِنْ أُمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فيَنْشُرُ لَه تِسْعَةً وتِسعونَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ ثمَّ يَقولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هذا شيئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتي الحافظون؟ فيقولُ لا يا رَبِّ، فيقولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فيقول: لا يا رَبِّ، فيقول تعالى: بَلى إنَّ لكَ عِندنا حَسَنَةً فإنَّه لا ظُلْمَ عليكَ اليومَ فيُخرِجُ بِطاقةً فيها (أَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأَشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورَسولُه)، فيقول: احْضَرْ وَزنَكَ، فيقول: يا رَبِّ ما هذه البِطاقةُ معَ هذه السِجِلاتِ؟ فقال: فإنَّكَ لا تُظلَمُ فتُوضَعُ السِجِلاتُ في كفَّةٍ والبِطاقةُ في كفَّةٍ فطاشتْ السِجِلاتُ وثَقُلتِ البِطاقةُ، ولا يَثْقُلُ معَ اسْمِ اللهِ شيءٌ)). قوله تعالى: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} نَصْبٌ نعتًا لِمَصدَرٍ محذوفٍ، أي: لا يَظْلمُ أحَدًا ظُلْمًا وزْنَ ذَرَّةٍ، فحَذَفَ المَفعولَ والمَصْدَرَ وأقامَ نعتَه مُقامَه. والتقديرُ: ظُلْمًا قَدْرَ مثقالِ ذَرَّةٍ، فَحَذَفَ المصدرَ وصِفَتَه، وأَقامَ المُضافَ إليْه مُقامَهما. ولا حاجةَ إلى ذلك لأنَّ المِثقالَ نفسَه هو قَدْرٌ من الأقدار، جُعِل مِعياراً لهذا القَدْرِ المَخصوصِ. ويمكن أن يكون "مثقالَ" منصوباً على أنَّه مفعولٌ ثانٍ لـ "يَظْلم" والأوَّلُ مَحذوفٌ، كأنَّهم ضَمَّنوا "بظلم" معنى "بغضب" و"بنقص" فَعَدَّوه لاثنين، والأصلُ: إنَّ اللهَ لا يَظلِمُ أحدَاً مِثقالَ ذرَّةٍ.قولُه: {وَإِن تَكُ حَسَنَةً} حُذِفتِ النُونُ تَخفيفاً لِكَثْرَةِ الاسْتِعْمالِ، وهذه قاعدةٌ كليَّةٌ، وهو أنَّه يَجوزُ حَذْفُ نُونِ "يكون" مَجزومةً، بِشَرْطِ ألاَّ يَليَها ضميرٌ مُتَّصِلٌ نحوَ: "لَم يَكُنْه" وأَلاَّ تُحَرَّك النُّونُ لالْتِقاءِ الساكِنَيْن نحو: {لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ} البَيِّنةُ: 1. خِلافاً لِيُونُسَ، فإنَّه أَجاز ذلك مُستَدِلاًّ بقوله: فإنْ لم تَكُ المِرْآةُ أَبْدَتْ وَسامةً .......... فقد أَبْدَتِ المرآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَمِوهذا عندَ سيبَوَيْهِ ضرورةٌ، وإنَّما حُذفتِ النونُ لِغُنَّتِها وسُكونِها فأشْبِهَتِ الواوَ، وهذا بخلافِ سائرِ الأفعالِ نحو: "لم يَضِنَّ" و "لم يَهُنْ" لِكَثْرَةِ اسْتِعمالِ "كان"، وكان يَنبغي أنْ تَعودَ الواوُ عندَ حَذْفِ هذه النُونِ؛ لأنَّها إنَّما حُذِفَتْ لالْتِقاءِ الساكنيْنِ وقد زال ثانيهِما وهو النونُ إلَّا أنَّها كالمَلفوظِ بها.وقرأَ الجُمهورُ "حسنةً" نصباً على خبرِ "كان" الناقصة، واسمُها مُستَتِرٌ فيها يَعودُ على "مثقال" وإنَّما أَنَّثَ ضميرَه حَمْلاً على المعنى؛ لأنَّه بمعنى: وإنْ تَكُنْ زِنَةَ ذَرَّةِ حَسَنَةٍ، أو لإِضافتِه إلى مُؤنَّثٍ فاكْتَسَبَ منْه التأنيثَ. وقرأَ ابنُ كثيرٍ ونافعٌ "حَسَنَة" رفعاً على أنَّها التامَّةُ. أي: وإنْ تَقَعَ أو تَوجَدَ حَسَنَةٌ.وقرأ ابنُ كثيرٍ وابنُ عامرٍ: "يُضَعِّفْها" بالتضعيف، وقرأ الباقون "يُضاعفها". قال أبو عبيدة: "ضاعفه" يقتضي مِراراً كثيرةً، و"ضَعَّفَ" يقتضي مرتيْنِ، وهذا عكسُ كلامِ العَربِ؛ لأنَّ المُضاعفةَ تقتَضي زِيادةَ المثلِ، فإذا شدَّدْتَ دَلَّتِ البُنْيةُ على التَكثيرِ، فيقتَضي ذلك تكريرُ المُضاعفةِ بحَسَبِ ما يَكونُ مِن العَدَدِ. وقال الفارسيُّ: "هما لُغتانِ بِمَعنًى، يَدُلُّ عليْه قولُه: {نُضَعِّفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ} الأحزاب: 30. {فَيُضَعِّفُهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} البقرة: 245. وقد تقدَّمَ لنا الكلامُ على هذا بأبسَطَ منه هنا. وقرأ ابن هُرمز: "نضاعِفْها" بالنون، وقُرئ "يُضْعِفْها" بالتخفيفِ مِنْ أَضعَفَه مثلُ أَكْرَمَ.قولُه: {مِن لَّدُنْهُ} متعلِّقٌ بـ "يُؤْتِ" و"من" للابتِداءِ مَجازاً. والثاني: يتعلَّقُ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِن "أجراً" فإنَّه صِفةُ نَكِرَةٍ في الأَصلِ قُدِّمَ عليْها فانتَصَبَ حالاً. | |
|