عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 9 الأربعاء أبريل 24, 2013 6:00 am | |
| وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. (9) قوله ـ تعالى: {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضعافا خَافُواْ عَلَيْهِمْ} فيه أقوالٌ: أحدُها: أنَّه أَمْرٌ للأوصياءِ بأنْ يَخْشَوُا الله ـ تعالى ـ أو يَخافوا على أَولادِهم فيَفْعَلوا مَعَ اليَتامى ما يُحِبُّون أنْ يُفْعَلَ بِذراريهم الضِعافِ بعدَ وفاتِهم وإلى ذلك يُشيرُ كلامُ ابْنِ عبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما، فيما أَخرجه ابنُ جريرٍ عنْه أنَّه قال في الآية: يعني بذلك الرجلَ يَموتُ ولَه أولادٌ صغارٌ ضِعافٌ يَخافُ عليهِمُ العَيْلَةَ والضَيْعَةَ ويَخافُ بَعدَه أنْ لا يُحْسِنَ إليْهم مَنْ يَلِيَهم، يقولُ: فإنْ وَليَ مِثلَ ذُرِّيَّتِه ضِعافاً يَتامى فَلْيُحْسِنْ إليهم ولا يَأكلْ أَموالَهمْ إسْرافًا وبِدارًا أنْ يَكبَروا. والآيةُ على هذا مُرتبطةٌ بما قبلَها لأنَّ قولَه ـ تعالى: {للرّجَالِ} النساء: 7. الخ في معنى الأمرِ للوَرَثَةِ أيْ اعْطوهم حَقَّهم دَفعاً لأَمرِ الجاهليَّةِ ولْيَحفظِ الأوصياءُ ما أَعطوه ويَخافوا عليهم كما يَخافونَ على أَوْلادِهم، وقيلَ في وَجْهِ الارْتِباطِ: إنَّ هذا وصيةً للأوصياءِ بِحِفظِ الأيتامِ بعدَ ما ذَكَرَ الوارثين الشاملينَ للصِغارِ والكِبارِ على طريقِ التَتميمِ، وقيل: إنَّ الآيةَ مرتبطةٌ بقولِه ـ تعالى: {وابتلوا اليتامى} النساء: 6. وثانيها: أنَّه أمرٌ لِمن حَضَرَ المريضَ مِنَ العُوّادِ عندَ الإيصاءِ بأنْ يَخشَوا رَبَّهم أو يَخْشَوا أَولادَ المريضِ ويُشفِقوا عليهم شفقتهم على أولادهم فلا يتركوه أنْ يضرَّ بهم بصرفِ المالِ عنهم، ونُسِبَ نحوُ هذا إلى الحَسنِ وقَتادة ومُجاهد وسعيدٍ بنِ جُبيْرٍ. ورُوي عن ابنِ عبَّاسٍ أيضاً ما يُؤيِّدُه، فقد: أخرجَ ابنُ أبي حاتمٍ والبَيْهَقيُّ عنه أنَّه قالَ في الآية: يعني الرجلُ يَحضُرُه الموتُ فيُقالُ له: تصدَّقْ عن مالِك وأَعْتِقْ وأَعْطِ منْه في سبيلِ اللهِ فنُهوا أنْ يَأمروا بذلك، يَعني أَنَّ مَن حَضَرَ منكم مريضاً عندَ الموتِ فلا يَأْمُرُهُ أنْ يُنفِقَ مِن مالِه في العَتْقِ أو في الصَدَقَةِ أو في سبيلِ اللهِ ولكن يأْمُرُهُ أنْ يُبَيِّنَ ما لَه وما عليْه مِنْ ديْنٍ، ويُوصي مِنْ مالِه لِذوي قَرابتِه الذين لا يَرِثون، يُوصي لَهم بالخُمسِ أو الرُبْعِ، يَقول ـ سبحانه: أليسَ أَحدُكم إذا ماتَ ولَه ولَدٌ ضِعافٌ يَعني صِغارٌ لا يَرضى أنْ يَترُكَهم بغيرِ مالٍ فيكونوا عِيالاً على الناس؟ فلا يَنْبَغي لَكم أنْ تَأمروهُ بما لا ترضون بِه لأنفُسِكم ولأولادِكم ولكن قولوا الحقَّ مِن ذلك، وعلى هذا يكون أوَّلُ الكلامِ للأوْصياءِ وما بعدَه للوَرَثةِ، وهذا للأجانِبِ بأنْ لا يَتْرُكوه يَضُرُّهم أوْ لا يَأمُروهُ بما يَضُرُّ، فالآيةُ مُرتَبِطَةٌ بما قبلَها أيضاً. وثالثُها: أنَّه أَمَرَ للوَرَثةِ بالشَفَقَةِ على مَنْ حَضَرَ القِسْمَةَ مِن ضُعفاءِ الأَقارِبِ واليتامى والمساكينِ مُتَصَوِّرينَ أنَّهم لو كانوا أولادَهم بَقوا خَلفَهم ضِعافاً مِثلَهم هل يُجَوِّزون حِرمانَهم، واتِّصالُ الكلامِ على هذا بما قبلَه ظاهرٌ لأنَّه حثَّ على الإيتاءِ لهم وأمرَهم بأنْ يَخافوا مِنْ حِرمانِهم كما يَخافونَ مِن حِرمانِ ضِعافِ ذُرّيَّتِهم، ورابعُها: أَمرٌ للمؤمنين أنْ يَنظُروا للورثةِ فلا يُسْرِفوا في الوَصَيَّة، وقد رُويَ عَنِ السَلَفِ أنَّهم كانوا يَستحِبّون أنْ لا تَبْلُغَ الوَصِيَّةُ الثلثَ ويَقولون: إنَّ الخُمْسَ أفضلُ مِن الرُبعِ والرُّبعُ أفضلُ مِن الثُلِثِ، وَوَرَدَ في الخَبَرِ ما يُؤيِّدُه، ويكونُ التخويفُ مِن أكلِ مالِ اليتامى بعدَه تَخويفاً من أخذِ ما زاد مِن الوصيَّةِ فيَرتَبِط به، ويكون متَّصلاً بما قبلَه تتميماً لأمرِ الأوْصياء، وهذا أبعد الوُجوهِ وأبعد منه ما قيل: إنَّه أمرٌ لِمن حَضَرَ المريضَ بالشَفَقةِ على ذوي القُربى بأنْ لا يَقولَ للمَريضِ لا تُوصِ لأقاربِك ووفّرْ على ذُرِّيَتِكَ، وأبعدُ مِن ذلك القولُ : بأنَه أمَرٌ للقاسِمين بالعدلِ بيْن الوَرَثةِ في القسمةِ بأنْ لا يُراعوا الكبيرَ منهم فيُعطوهُ الجَيِّدَ مِنَ التَرِكةِ ولا يَلْتَفِتُوا إلى الصغيرِ كما قالَ غيرُ واحدٍ، ورَمَزَ إلى أنَّهم إنْ راعوا الأمرَ حَفِظَ اللهُ ـ تعالى ـ أولادَهم. قولُه: {وَلِيَقُولُواْ} أيْ لليَتامى أو للمَريضِ أو لِحاضِريّ القِسمةِ، أو لِيَقولوا في الوصية {قَوْلاً سَدِيداً} فيَقول الوصيُّ لليَتيمِ ما يقولُ لِولَدِهِ مِنَ القولِ الجميلِ الهادي لَه إلى حُسْنِ الآدابِ ومَحاسِنِ الأفعالِ، ويَقول عائدُ المريض ما يُذكّرُه التوبةَ والنُطقَ بكلِمةِ الشَهادةِ وحسنِ الظنِّ باللهِ، وما يَصُدُّه عن الإشرافِ بالوصيَّةِ وتَضييعِ الوَرَثةِ، ويقول الوارثُ لِحاضِرِ القِسْمةِ ما يُزيلُ وحشتَه، أو يَزيدُ مَسَرَّتَه ويَقول المُوصي في إيصائه ما لا يؤدي إلى تَجاوُزِ الثلثِ.قولُه ـ تعالى: {وَلْيَخْشَ الذين} قرأ الجمهورُ بسُكونِ اللامِ. وهي لامُ الأمرِ، والفعلُ بعدها مجزومٌ بها. وقرأَ الحسن وعيسى بن عمر بكسرِ اللامِ، وهو الأصلُ، والإِسكانُ تخفيفٌ إجراءً للمنفصل مُجْرى المتصل، فإنهم شَبِّهوا "وَلْيخش" بـ "كَتِف" وهذا كما تقدَّم الكلامُ في نحو: "وهي" و"لَهْي" في أوَّلِ البَقرةِ. و{لو} هذه فيها احتمالان، أحدُهما: أنَّها على بابِها مِنْ كونِها حرفاً لِما كان سَيَقَعُ لِوُقوعِ غيرِه، أو حرفَ امتناعٍ لامتناعٍ على اختلافِ العِبارتين. فوقوعِ "لو تركوا" وجوابِه صلةً لـ "الذين" معناه وَلْيخش الذين صفتُهم وحالُهم أَنَّهم لو شارَفوا أَنْ يَتْرُكُوا خلفَهم ذريةً ضِعافاً، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضَياعَ بعدَهم لِذَهابِ كافِلِهم وكاسِبِهم، كما قال عُمرانُ بنُ حِطَّانَ: لقد زادَ الحياةَ إليَّ حُبَّاً ......................... بناتِي أنَّهن من الضِعافِأُحاذِرُ أن يَرَيْنَ البؤس بعدي ................. وأن يَشْرَبْنَ رنْقاً بعد صافيوالثاني: أنَّها بمعنى "إنْ" الشَرطيَّةِ، وتقديرُه: لو تَرَكُوا لَخافُوا، ويجوزُ حذفُ اللامِ مِن جوابِ "لو"، فاللامُ مقدَّرةٌ في جوابِها، ولو كانت "لو" بمعنى "إنْ" الشَرطيَّةِ لَما جَازَ ذَلك، فـ "لو" يَمتنِعُ بها الشيءُ لامتِناعِ غيرِه، و"خافوا" جوابُ "لو".وإلى الاحتِمالِ الثاني ذهبَ أبو البقاء وابن مالك، قال ابن مالك: "لو" هنا شرطيَّةٌ بمعنى "إنْ"، فتقلِبُ الماضيَ إلى معنى الاستِقبالِ، والتقديرُ: وَلْيَخشَ الذين إنْ تركوا، ولو وقع بعد "لو" هذه مضارعٌ كان مستَقبَلاً كما يَكونُ بعد "إنْ" وأنشد : لا يُلْفِكُ الرَّاجوك إلا مُظْهِراً ............... خُلُقَ الكرامِ ولو تكونُ عَدِيماأي: وإنْ تكن عديماً. ومثلُه قولُ الأخطل: قومٌ إذا حارَبُوا شدَّوا مآزِرَهُمْ .............. دونَ النساءِ ولو باتَتْ بأطْهارِوالذي ينبغي: أن تكونَ على بابِها من كونِها تعليقاً في الماضي. وإنَّما حَمَل ابنَ مالكٍ وأبا البقاءِ على جَعْلِها بمعنى "إنْ" توهُّمُ أَنَّه لَمَّا أَمَرَ بالخَشْيَةِ والأمرُ مستقبَلٌ ومتعلَّقُ الأمرِ موصولٌ لم يَصِحَّ أنْ تَكونَ الصِلةُ ماضيةً على تقدير دلالتِه على العَدَمِ الذي يُنَافي امتثالَ الأمر، وحَسَّنَ مكانَ "لو" لفظُ "إنْ"، ولأجلِ هذا التوَهُّمِ لم يُدْخِل الزمخشري "لو" على فعلٍ مُستقبَلٍ، بل أتى بفعلٍ ماضٍ مسندٍ للمَوْصولِ حالةَ الأمرِ فقال: وَلْيخش الذين صفتُهم وحالُهم أنهم لو شارَفُوا أن يتركوا. وهذا الذي تُوُهِّم لا يَلزمُ، إلَّا إنْ كانتِ الصِلةُ ماضيَةً في المعنى واقعةً بالفعلِ، إذ معنى "لو تركوا من خلفهم" أي: ماتوا فتركوا مِنْ خلفِهم، فلو كان كذلك لَلزم التأويلُ في "لو" أَنْ تكونَ بمعنى "إنْ" إذْ لا يُجامِعُ الأمرُ بإيقاعِ فعلٍ مَنْ مات بالفعل، أمَّا إذا كان ماضياً على تقديرٍ فيصِحُّ أن يقع صلةً. وأن يكونَ العاملُ في الموصولِ الفعلَ المستقبل، نحو قولِك: ليزُرْنا الذي لو مات أمسِ لبكيناه.وأمَّا البيتان المتقدِّمان فلا يلزمُ مِنْ صحةِ جَعْلِها فيهما بمعنى "إنْ" أن تكونَ في الآيةِ كذلك. لأنَّا في البيتيْن نَضطرُ إلى ذلك: أمَّا البيتُ الأولُ فلأنَّ جوابَ "لو" محذوفٌ مدلولٌ عليه بقولِه: "لا يُلْفِك" وهو نَهْيٌ، والنهيُ مستقبَلٌ فلذلك كانت "لو" تعليقاً في المستقبل. أما البيتُ الثاني فلدخولِ ما بعدَها في حَيِّزِ "إذا"، و"إذا" للمستقبل. ومفعولُ "وَلْيَخْشَ" محذوفٌ أي: وَلْيخش الله. ويجوزُ أَنْ تكون المسألةُ من بابِ التنازع، فإنَّ "وَلْيخش" يطلُبُ الجَلالةَ، وكذلك "فليتقوا"، ويكونُ من إعمالِ الثاني للحذفِ من الأول.وقوله: {مِنْ خَلْفِهِمْ} فيه وجهان، أظهرُهما: أنَّه متعلِّقٌ بـ "تركوا" ظرفاً له. والثاني: أنَّه متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنَّه حالٌ من "ذريَّة"، لأنَّه في الأصلِ صفةُ نَكِرةٍ قُدِّمَتْ عليها فَجُعِلَتْ حالاً.وأَمالَ حمزةُ ألفَ "ضِعافاً" ولم يُبالِ بحرفِ الاستعلاءِ لانكسارِه، ففيه انحدارٌ فلم ينافِرِ الإِمالةَ.وقرأ ابنُ مُحَيْصِنٍ: "ضُعُفاً" بضمِّ الضاد والعين، وتنوين الفاء. وقرأ السُلَميُّ وعائشةُ ـ رضي الله عنها: "ضعفاء" بضمِّ الضاد وفتح العين والمدّ، وهو جمعٌ مَقيسٌ في فَعيلٍ صفةً، نحو: ظَريف وظُرَفاء وكريم وكُرَماء. وقرئ: "ضَعافَى" بالفتحِ والإِمالة نحو: سَكارى. وظاهر عبارةِ الزمخشري أنه قُرِئ: "ضُعافى" بضم الضادِ مثل سُكارى، فإنّه قال: وقُرئ ضُعَفَاء وضَعافى وضُعافى نحو سَكارى وسُكارى. فيُحتملِ أَنْ يُريدَ أنَّه قُرِئ بضمِّ الضادِ وفتحِها، ويُحتملُ أنْ يُريدَ أنَّه قُرئ: "ضَعافى" بفتح الضاد دونَ إمالةٍ، و"ضَعافَى" بفتحِها مع الإِمالة كسَكارى بفتحِ السين دونَ إمالة، وسَكارى بفتحها مع الإِمالة، والظاهرُ الأولُ، والغالبُ على الظن أنَّها لم تُنْقلْ قراءةً.وأمالَ حمزة ألِفَ "خاف" للكسرةِ المقدرةِ في الألف، إذِ الأصلُ "خَوِف" بكسر العين بدليلِ فتحِها في المضارع نحو: "يخاف"، وعَلَّل أبو البقاء ذلك بأنَّ الكسرَ قد يَعْرِضُ في حال من الأحوال، وذلك إذا أُسْنِدَ الفعل إلى ضمير المتكلِّمِ أو إحدى أخواتِه، نحو: خِفْتُ وخِفْنا، والجملةُ من "لو" وجوابِها صلةُ "الذين". | |
|