روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 11

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  11 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  11 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 11   فيض العليم ... سورة النساء، الآية:  11 I_icon_minitimeالأحد أبريل 28, 2013 4:59 am

تابع
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ}
الْآيَةَ. فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْوَاحِدَةِ النِّصْفَ، وَفَرَضَ
لِمَا فَوْقَ الثِّنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَلَمْ يَفْرِضْ لِلثِّنْتَيْنِ
فَرْضًا مَنْصُوصًا في كتابه، فتكلم العلماء في الذليل الَّذِي يُوجِبُ
لَهُمَا الثُّلُثَيْنِ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: الْإِجْمَاعُ وَهُوَ مَرْدُودٌ،
لِأَنَّ الصَّحِيحَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَعْطَى الْبِنْتَيْنِ
النِّصْفَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {
فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ}
وَهَذَا شَرْطٌ وَجَزَاءٌ. قَالَ: فَلَا أُعْطِي الْبِنْتَيْنِ
الثُّلُثَيْنِ. وَقِيلَ: أُعْطِيَتَا الثُّلُثَيْنِ بِالْقِيَاسِ عَلَى
الْأُخْتَيْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ فِي آخِرِ
السُّورَةِ: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ} وَقَالَ تَعَالَى: {
فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ}
فَأُلْحِقَتِ الِابْنَتَانِ بِالْأُخْتَيْنِ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي
الثُّلُثَيْنِ، وَأُلْحِقَتِ الْأَخَوَاتُ إِذَا زِدْنَ عَلَى اثْنَتَيْنِ
بِالْبَنَاتِ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الثُّلُثَيْنِ. وَاعْتُرِضَ هَذَا
بِأَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأَخَوَاتِ، وَالْإِجْمَاعُ
مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: فِي الْآيَةِ مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ
لَمَّا كَانَ لِلْوَاحِدَةِ مَعَ أَخِيهَا الثُّلُثُ إِذَا انْفَرَدَتْ،
عَلِمْنَا أَنَّ لِلِاثْنَتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ. احْتَجَّ بِهَذِهِ
الْحُجَّةِ، وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَأَبُو
الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ
عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ غَلَطٌ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْبِنْتَيْنِ
وَلَيْسَ فِي الْوَاحِدَةِ. فَيَقُولُ مُخَالِفُهُ: إِذَا تَرَكَ
بِنْتَيْنِ وَابْنًا فَلِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ هَذَا فَرْضُهُمْ. وَقِيلَ: (فَوْقَ) زَائِدَةٌ أَيْ إِنْ كُنَّ
نِسَاءً اثْنَتَيْنِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ
الْأَعْناقِ} أَيِ الْأَعْنَاقَ. وَرَدَّ هَذَا الْقَوْلَ النَّحَّاسُ
وَابْنُ عَطِيَّةَ وَقَالَا: هُوَ خَطَأٌ، لِأَنَّ الظُّرُوفَ وَجَمِيعَ
الْأَسْمَاءِ لَا يَجُوزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ تُزَادَ لِغَيْرِ
مَعْنًى. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} هُوَ الْفَصِيحُ، وَلَيْسَتْ فَوْقَ
زَائِدَةً بَلْ هِيَ مُحْكِمَةٌ لِلْمَعْنَى، لِأَنَّ ضَرْبَةَ الْعُنُقِ
إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فَوْقَ الْعِظَامِ فِي الْمَفْصِلِ دُونَ
الدِّمَاغِ. كَمَا قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ: اخْفِضْ عَنِ
الدِّمَاغِ وَارْفَعْ عَنِ الْعَظْمِ، فَهَكَذَا كنت أضرب أعنان
الْأَبْطَالِ. وَأَقْوَى الِاحْتِجَاجِ فِي أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ
الثُّلُثَيْنِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَرْوِيُّ فِي سَبَبِ النُّزُولِ.
وَلُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَنِي أَسَدٍ الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ إِلَى
العشر.
وَلُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَرَبِيعَةَ الثُّلْثُ بِإِسْكَانِ
اللَّامِ إلى العشر. ويقال: ثلث الْقَوْمَ أُثَلِّثُهُمْ، وَثَلَّثْتُ
الدَّرَاهِمَ أُثَلِّثُهَا إِذَا تَمَّمْتُهَا ثَلَاثَةً، وَأَثْلَثَتْ
هِيَ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمِائَةِ وَالْأَلْفِ: أَمْأَيْتُهَا
وَآلَفْتُهَا وَأَمْأَتْ وَآلَفَتْ.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} أَيْ وَإِنْ كَانَتِ الْمَتْرُوكَةُ أَوِ الْمَوْلُودَةُ “واحِدَةً
مِثْلَ {فَإِنْ كُنَّ نِساءً}. فَإِذَا كَانَ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ
بَنَاتُ ابْنٍ، وَكَانَ بَنَاتُ الصُّلْبِ اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا حَجَبْنَ
بَنَاتِ الِابْنِ أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ، لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ
لِبَنَاتِ الِابْنِ أَنْ يَرِثْنَ بِالْفَرْضِ فِي غَيْرِ الثُّلُثَيْنِ.
فَإِنْ كَانَتْ بِنْتُ الصُّلْبِ وَاحِدَةً فَإِنَّ ابْنَةَ الِابْنِ أَوْ
بَنَاتَ الِابْنِ يَرِثْنَ مَعَ بَنَاتِ الصُّلْبِ تَكْمِلَةَ
الثُّلُثَيْنِ، لِأَنَّهُ فَرْضٌ يَرِثُهُ الْبِنْتَانِ فَمَا زَادَ.
وَبَنَاتُ الِابْنِ يَقُمْنَ مَقَامَ الْبَنَاتِ عِنْدَ عَدَمِهِنَّ.
وَكَذَلِكَ أَبْنَاءُ الْبَنِينَ يَقُومُونَ مَقَامَ الْبَنِينَ فِي
الْحَجْبِ وَالْمِيرَاثِ. فَلَمَّا عُدِمَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُنَّ
السُّدُسَ كَانَ ذَلِكَ لِبِنْتِ الِابْنِ، وَهِيَ أَوْلَى بِالسُّدُسِ
مِنَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ لِلْمُتَوَفَّى. عَلَى هَذَا جُمْهُورُ
الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ
أَبِي مُوسَى وَسُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّ لِلْبِنْتِ
النِّصْفَ، وَالنِّصْفَ الثَّانِي لِلْأُخْتِ، وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ
لِبِنْتِ الِابْنِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ
رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو قَيْسٍ سَمِعْتُ هُزَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ
يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ.
فَقَالَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ
مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ سَيُتَابِعُنِي. فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ
بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُهْتَدِينَ! أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ
السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ.
فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ
فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ. فَإِنْ
كَانَ مَعَ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ ابْنٌ فِي دَرَجَتِهَا
أَوْ أَسْفَلَ مِنْهَا عَصَّبَهَا، فَكَانَ النِّصْفُ الثَّانِي
بَيْنَهُمَا، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَالِغًا مَا بلغ-
خلافاً لابنِ مسعودٍ على مَا تَقَدَّمَ إِذَا اسْتَوْفَى بَنَاتُ
الصُّلْبِ، أَوْ بِنْتُ الصُّلْبِ وَبَنَاتُ الِابْنِ الثُّلُثَيْنِ.
وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأَخَوَاتٍ وَإِخْوَةٍ
لِأَبٍ: لِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي
لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، مَا لَمْ يُصِبْهُنَّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ
أَكْثَرُ مِنَ السُّدُسِ، فَإِنْ أَصَابَهُنَّ أَكْثَرُ مِنَ السُّدُسِ
أَعْطَاهُنَّ السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَلَمْ يَزِدْهُنَّ
عَلَى ذَلِكَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ.



وإِذَا
مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ حُبْلَى فَإِنَّ الْمَالَ يُوقَفُ
حَتَّى يُتَبَيَّنَ مَا تَضَعُ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ
الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ وَزَوْجَتُهُ حُبْلَى أَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي فِي
بَطْنِهَا يَرِثُ وَيُورَثُ إِذَا خَرَجَ حَيًّا وَاسْتَهَلَّ. وَقَالُوا
جَمِيعًا: إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْ، فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَلَمْ
يَسْتَهِلَّ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا مِيرَاثَ لَهُ وَإِنْ تَحَرَّكَ
أَوْ عَطَسَ مَا لم يستهل. هذا قول مالك والقاسم ابن مُحَمَّدٍ وَابْنِ
سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
إِذَا عُرِفَتْ حَيَاةُ الْمَوْلُودِ بِتَحْرِيكٍ أَوْ صِيَاحٍ أَوْ
رَضَاعٍ أَوْ نَفَسٍ فَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْحَيِّ. هَذَا قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ. قال ابنُ
المنذر: الذي قاله الشَّافِعِيُّ يَحْتَمِلُ النَّظَرَ، غَيْرَ أَنَّ
الْخَبَرَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا نَخَسَه الشيطان
يَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلَّا ابْنَ مَرْيَمَ
وَأُمَّهُ)). وَهَذَا خَبَرٌ، وَلَا يَقَعُ عَلَى الْخَبَرِ النسخ.
الثانية: لَمَّا قَالَ تَعَالَى: “
فِي أَوْلادِكُمْ
تَنَاوَلَ الْخُنْثَى وَهُوَ الَّذِي لَهُ فَرْجَانِ. وَأَجْمَعَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُوَرَّثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، إِنْ بَالَ
مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ وَرِثَ مِيرَاثَ رَجُلٍ، وَإِنْ بَالَ مِنْ
حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ وَرِثَ مِيرَاثَ الْمَرْأَةِ. قَالَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ: وَلَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، بَلْ قَدْ ذَكَرَ
ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ هَابَ أَنْ يَسْأَلَ مَالِكًا عَنْهُ. فَإِنْ
بَالَ مِنْهُمَا مَعًا فَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ الْبَوْلِ، قَالَهُ سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ
الرَّأْيِ. وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ
قَالَ فِي الْخُنْثَى: يُوَرِّثُهُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، فَإِنْ بَالَ
مِنْهُمَا جَمِيعًا فَمِنْ أَيِّهِمَا سَبَقَ، فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا
مَعًا فَنِصْفُ ذَكَرٍ وَنِصْفُ أُنْثَى. وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ:
مِنْ أَيِّهِمَا خَرَجَ أَكْثَرَ وَرِثَ، وَحُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا خَرَجَ مِنْهُمَا مَعًا فَهُوَ مُشْكِلٌ،
وَلَا أَنْظُرُ إِلَى أَيِّهِمَا أَكْثَرُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَقَفَ
عَنْهُ إِذَا كَانَ هَكَذَا. وَحُكِيَ عَنْهُ قَالَ: إِذَا أَشْكَلَ
يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ: إِذَا بَالَ
مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ وَيَحِيضُ كَمَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ وَرِثَ
مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، لِأَنَّ فِي الْأَثَرِ: يُوَرَّثُ مِنْ مَبَالِهِ.
وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا خَرَجَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ
يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَكُونُ مُشْكِلًا، وَيُعْطَى مِنَ
الْمِيرَاثِ مِيرَاثَ أُنْثَى، وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ
سَائِرِ الْوَرَثَةِ حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَمْرُهُ أَوْ يَصْطَلِحُوا،
وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يُعْطَى نِصْفَ مِيرَاثِ
الذَّكَرِ، وَنِصْفَ مِيرَاثِ الْأُنْثَى، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ،
وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي جَوَاهِرِهِ الثَّمِينَةِ،
عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ عَالِمِ الْمَدِينَةِ: الْخُنْثَى يُعْتَبَرُ
إِذَا كَانَ ذَا فَرْجَيْنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَفَرْجِ الرَّجُلِ
بِالْمَبَالِ مِنْهُمَا، فَيُعْطَى الْحُكْمُ لِمَا بَالَ مِنْهُ فَإِنْ
بَالَ مِنْهُمَا اعْتُبِرَتِ الْكَثْرَةُ مِنْ أَيِّهِمَا، فَإِنْ تَسَاوَى
الْحَالُ اعْتُبِرَ السَّبْقُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعًا
اعْتُبِرَ نَبَاتُ اللِّحْيَةِ أَوْ كِبَرُ الثَّدْيَيْنِ
وَمُشَابَهَتُهُمَا لِثَدْيِ النِّسَاءِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ
اعْتُبِرَ الْحَالُ عِنْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ وُجِدَ الْحَيْضُ حُكِمَ
بِهِ، وَإِنْ وُجِدَ الِاحْتِلَامُ وَحْدَهُ حُكِمَ بِهِ، فَإِنِ
اجْتَمَعَا فَهُوَ مُشْكِلٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فَرْجٌ، لَا
الْمُخْتَصُّ بِالرِّجَالِ وَلَا الْمُخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ، بَلْ كَانَ
لَهُ مَكَانٌ يَبُولُ مِنْهُ فَقَطِ انْتُظِرَ بِهِ الْبُلُوغُ، فَإِنْ
ظَهَرَتْ عَلَامَةٌ مُمَيِّزَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ. ثُمَّ حَيْثُ
حَكَمْنَا بِالْإِشْكَالِ فَمِيرَاثُهُ نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنَ الْعَلَامَاتِ فِي الْخُنْثَى
الْمُشْكِلِ. وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى عَلَامَةٍ فِي (الْبَقَرَة) وَصَدْرِ
هَذِهِ السُّورَةِ تُلْحِقُهُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ، وَهِيَ اعْتِبَارُ
الْأَضْلَاعِ، وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَبِهَا حَكَمَ.



قَالَ
أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَكُونُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ
زَوْجًا وَلَا زَوْجَةً، وَلَا أَبًا وَلَا أُمًّا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ
قَدْ وُجِدَ مَنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْ بَطْنِهِ وَوَلَدٌ مِنْ ظَهْرِهِ. قَالَ
ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ صَحَّ وَرِثَ مِنَ ابْنِهِ لِصُلْبِهِ مِيرَاثَ
الْأَبِ كَامِلًا، وَمِنَ ابْنِهِ لِبَطْنِهِ مِيرَاثَ الْأُمِّ كَامِلًا.
وَهَذَا بَعِيدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ
أَبِي هَانِئٍ عُمَرَ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سُئِلَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ
عَنْ مَوْلُودٍ لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، لَيْسَ لَهُ مَا لِلذَّكَرِ
وَلَا مَا لِلْأُنْثَى، يَخْرُجُ مِنْ سُرَّتِهِ كَهَيْئَةِ الْبَوْلِ
وَالْغَائِطِ، فَسُئِلَ عَامِرٌ عَنْ مِيرَاثِهِ فَقَالَ عَامِرٌ: نِصْفُ
حَظِّ الذَّكَرِ وَنِصْفِ حَظِّ الْأُنْثَى.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ}
أَيْ لِأَبَوَيِ الْمَيِّتِ. وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ،
وَجَازَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: {حَتَّى
تَوارَتْ بِالْحِجابِ} وَ{إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}.
وَالْأَبَوَانِ تَثْنِيَةُ الْأَبِ وَالْأَبَةِ. وَاسْتُغْنِيَ بِلَفْظِ
الْأُمِّ عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهَا أَبَةُ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُجْرِي
الْمُخْتَلِفَيْنِ مَجْرَى الْمُتَّفِقَيْنِ، فَيُغَلِّبُ أَحَدَهُمَا
عَلَى الْآخَرِ لِخِفَّتِهِ أَوْ شُهْرَتِهِ. جَاءَ ذَلِكَ مَسْمُوعًا فِي
أَسْمَاءٍ صَالِحَةٍ، كَقَوْلِهِمْ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ: أَبَوَانِ.
وَلِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: الْقَمَرَانِ. وَلِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ:
الْمَلَوَانِ. وَكَذَلِكَ الْعُمَرَانِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا. غَلَّبُوا الْقَمَرَ عَلَى الشَّمْسِ لِخِفَّةِ
التَّذْكِيرِ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُمَرَيْنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِشَيْءٍ،
لِأَنَّهُمْ نَطَقُوا بِالْعُمَرَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَرَوْا عُمَرَ بْنَ
عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ. وَلَمْ يَدْخُلْ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: “
وَلِأَبَوَيْهِ” مَنْ عَلَا مِنَ الْآبَاءِ دُخُولَ مَنْ سَفُلَ مِنَ الْأَبْنَاءِ فِي قَوْلِهِ “أَوْلادِكُمْ“، لِأَنَّ قَوْلَهُ: “وَلِأَبَوَيْهِ” لَفْظٌ مُثَنًّى لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْجَمْعَ أَيْضًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ “أَوْلادِكُمْ“. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: “فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
وَالْأُمُّ الْعُلْيَا جَدَّةٌ وَلَا يُفْرَضُ لَهَا الثُّلُثُ
بِإِجْمَاعٍ، فَخُرُوجُ الْجَدَّةِ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ مَقْطُوعٌ بِهِ،
وَتَنَاوُلُهُ لِلْجَدِّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَمِمَّنْ قَالَ هُوَ أَبٌ
وَحَجَبَ بِهِ الْإِخْوَةَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ أَيَّامَ
حَيَاتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَمِمَّنْ قَالَ
إنه أب ابن عباس وعبد الله ابن الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةُ وَمُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ،
كُلُّهُمْ يَجْعَلُونَ الْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ كَالْأَبِ سَوَاءً،
يَحْجُبُونَ بِهِ الْإِخْوَةَ كُلَّهُمْ وَلَا يَرِثُونَ مَعَهُ شَيْئًا.
وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ. وَالْحُجَّةُ لَهُمْ قَوْلُهُ
تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ} و{يَا بَنِي آدَمَ}،
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((يَا بَنِي إِسْمَاعِيلَ
ارْمُوا فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا)). وَذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ وَزَيْدُ وَابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ
الْإِخْوَةِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنَ الثُّلُثِ مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ
وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ إِلَّا مَعَ ذَوِي الْفُرُوضِ، فَإِنَّهُ لَا
يُنْقَصُ مَعَهُمْ مِنَ السُّدُسِ شَيْئًا فِي قَوْلِ زَيْدٍ. وَهُوَ
قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَكَانَ عَلِيٌّ يُشْرِكُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْجَدِّ
إِلَى السُّدُسِ وَلَا يُنْقِصُهُ مِنَ السُّدُسِ شَيْئًا مَعَ ذَوِي
الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى
وَطَائِفَةٍ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الجد لا يرث مَعَ
الْأَبِ وَأَنَّ الِابْنَ يَحْجُبُ أَبَاهُ. وَأَنْزَلُوا الْجَدَّ
بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي الْحَجْبِ وَالْمِيرَاثِ إِذَا لَمْ يَتْرُكِ
الْمُتَوَفَّى أَبًا أَقْرَبَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ. وَذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ بَنِي الْإِخْوَةِ مِنَ
الْمِيرَاثِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ
أَجْرَى بَنِي الْإِخْوَةِ فِي الْمُقَاسَمَةِ مَجْرَى الْإِخْوَةِ.
وَالْحُجَّةُ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ إِنَّ هَذَا ذَكَرٌ لَا يُعَصِّبُ
أُخْتَهُ فَلَا يُقَاسِمُ الْجَدَّ كَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ. قَالَ
الشَّعْبِيُّ: أَوَّلُ جَدٍّ وَرِثَ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَاتَ ابْنٌ لِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ
وَتَرَكَ أَخَوَيْنِ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِمَالٍ
فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا وَزَيْدًا فِي ذَلِكَ فَمَثَّلَا لَهُ مَثَلًا
فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَأْيَكُمَا اجْتَمَعَ مَا رَأَيْتُ أَنْ يَكُونَ
ابْنِي وَلَا أَكُونُ أَبَاهُ. رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ زيد ابن
ثَابِتٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ يَوْمًا
فَأَذِنَ لَهُ، وَرَأْسُهُ فِي يَدِ جَارِيَةٍ لَهُ تُرَجِّلُهُ، فَنَزَعَ
رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: دعها ترجلك. فقال: يا أميرا لمؤمنين، لَوْ
أَرْسَلْتَ إِلَيَّ جِئْتُكَ. فَقَالَ عُمَرُ إِنَّمَا الْحَاجَةُ لِي،
إِنِّي جِئْتُكَ لِتَنْظُرَ فِي أَمْرِ الْجَدِّ. فَقَالَ زَيْدٌ: لَا
وَاللَّهِ! مَا تَقُولُ فِيهِ. فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ هُوَ بِوَحْيٍ
حَتَّى نزيد فيه وننقص، إنما هو شي تَرَاهُ، فَإِنْ رَأَيْتُهُ وَافَقَنِي
تَبِعْتُهُ، وَإِلَّا لَمْ يكن عليك فيه شي. فَأَبَى زَيْدٌ، فَخَرَجَ
مُغْضَبًا وَقَالَ: قَدْ جِئْتُكَ وَأَنَا أَظُنُّ سَتَفْرَغُ مِنْ
حَاجَتِي. ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّةً أُخْرَى فِي السَّاعَةِ الَّتِي أَتَاهُ
فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَالَ: فَسَأَكْتُبُ
لَكَ فِيهِ. فَكَتَبَهُ فِي قِطْعَةِ قَتْبٍ وَضَرَبَ لَهُ مَثَلًا.
إِنَّمَا مَثَلُهُ مَثَلُ شَجَرَةٍ تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدَةٍ،
فَخَرَجَ فِيهَا غُصْنٌ ثُمَّ خَرَجَ فِي غُصْنٍ غُصْنٌ آخَرُ، فَالسَّاقُ
يَسْقِي الْغُصْنَ، فَإِنْ قَطَعْتَ الْغُصْنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ الْمَاءُ
إِلَى الْغُصْنِ، وَإِنْ قَطَعْتَ الثَّانِي رَجَعَ الْمَاءُ إِلَى
الْأَوَّلِ. فَأَتَى بِهِ فَخَطَبَ النَّاسَ عُمَرُ ثُمَّ قَرَأَ قِطْعَةَ
الْقَتْبِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَدْ قَالَ
فِي الْجَدِّ قَوْلًا وَقَدْ أَمْضَيْتُهُ. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ أَوَّلَ
جَدٍّ كَانَ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ كُلَّهُ، مَالَ ابْنِ
ابْنِهِ دُونَ إِخْوَتِهِ، فَقَسَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.



وَأَمَّا
الْجَدَّةُ فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْجَدَّةِ
السُّدُسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أُمٌّ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
الْأُمَّ تَحْجُبُ أُمَّهَا وَأُمَّ الْأَبِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
الْأَبَ لَا يَحْجُبُ أُمَّ الْأُمِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ
الْجَدَّةِ وَابْنُهَا حَيٌّ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَرِثُ الْجَدَّةُ
وَابْنُهَا حَيٌّ. رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَرِثُ الْجَدَّةُ مَعَ
ابْنِهَا. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ
وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَقَالَ بِهِ شُرَيْحٌ وَجَابِرُ بْنُ
زَيْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَشَرِيكٌ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ: كَمَا أَنَّ الْجَدَّ لَا
يَحْجُبُهُ إِلَّا الْأَبُ كَذَلِكَ الْجَدَّةُ لَا يَحْجُبُهَا إِلَّا
الْأُمُّ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي
الْجَدَّةِ مَعَ ابْنِهَا: إِنَّهَا أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُدُسًا مَعَ ابْنِهَا
وَابْنُهَا حَيٌّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّاتِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرِثُ إِلَّا


جَدَّتَانِ،
أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ وَأُمَّهَاتُهُمَا. وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو
ثَوْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ.
فَإِنِ انْفَرَدَتْ إِحْدَاهُمَا فَالسُّدُسُ لَهَا، وَإِنِ اجْتَمَعَتَا
وَقَرَابَتُهُمَا سَوَاءٌ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا. وَكَذَلِكَ إِنْ
كَثُرْنَ إِذَا تَسَاوَيْنَ فِي الْقُعْدُدِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ. فَإِنْ قَرُبَتِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ كَانَ لَهَا
السُّدُسُ دُونَ غَيْرِهَا، وَإِنْ قَرُبَتِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ
كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَإِنْ بَعُدَتْ.
وَلَا تَرِثُ إِلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. وَلَا تَرِثُ
الْجَدَّةُ أُمَّ أَبِ الْأُمِّ عَلَى حَالٍ. هَذَا مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ، وَهُوَ أَثْبَتُ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْجَدَّاتِ أُمَّهَاتٌ،
فَإِذَا اجْتَمَعْنَ فَالسُّدُسُ لِأَقْرَبِهِنَّ، كَمَا أن الآباء إذا
اجتمعوا كان أحقهم بالميراث أقربهم و، فَكَذَلِكَ الْبَنُونَ
وَالْإِخْوَةُ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ وَبَنُو الْعَمِّ إِذَا اجْتَمَعُوا
كَانَ أَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبَهُمْ، فَكَذَلِكَ الْأُمَّهَاتُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا أَصَحُّ، وَبِهِ أَقُولُ. وَكَانَ
الْأَوْزَاعِيُّ يُوَرِّثُ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ: وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ
الْأُمِّ وَاثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَكْسُ
هَذَا، أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ: ثِنْتَيْنِ مِنْ جهة
الأمِّ وَوَاحِدَةٍ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ كَقَوْلِ زَيْدٍ هَذَا. وَكَانَا يَجْعَلَانِ السُّدُسَ
لِأَقْرَبِهِمَا، مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ كَانَتْ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ.
وَلَا يَشْرَكُهَا فِيهِ مَنْ لَيْسَ فِي قُعْدُدِهَا، وَبِهِ يَقُولُ
الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَأَمَّا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَكَانَا يُوَرِّثَانِ
الْجَدَّاتِ الْأَرْبَعَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ
الْمُنْذِرِ: وَكُلُّ جَدَّةٍ إِذَا نُسِبَتْ إِلَى الْمُتَوَفَّى وَقَعَ
فِي نَسَبِهَا أَبٌ بَيْنَ أُمَّيْنِ فَلَيْسَتْ تَرِثُ، فِي قَوْلِ كُلُّ
مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) فَرَضَ تَعَالَى لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ السُّدُسَ، وَأَبْهَمَ
الْوَلَدَ فَكَانَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ. فَإِنْ مَاتَ
رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَبَوَيْنِ فَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِلِابْنِ. فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةً
وَأَبَوَيْنِ فَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ،
وَمَا بقي فلا قرب عَصَبَةٍ وَهُوَ الْأَبُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ
فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)). فَاجْتَمَعَ لِلْأَبِ الِاسْتِحْقَاقُ
بِجِهَتَيْنِ: التَّعْصِيبُ وَالْفَرْضُ. “
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ” فَأَخْبَرَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إِذَا وَرِثَاهُ أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ. وَدَلَّ بِقَوْلِهِ: “وَوَرِثَهُ أَبَواهُ
وَإِخْبَارِهِ أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، أَنَّ الْبَاقِيَ وَهُوَ
الثُّلُثَانِ لِلْأَبِ. وَهَذَا كَمَا تَقُولُ لِرَجُلَيْنِ: هَذَا
الْمَالُ بَيْنَكُمَا، ثُمَّ تَقُولُ لِأَحَدِهِمَا: أَنْتَ يَا فُلَانُ
لَكَ مِنْهُ ثُلُثٌ، فَإِنَّكَ حَدَّدْتَ لِلْآخَرِ مِنْهُ الثُّلُثَيْنِ
بِنَصِّ كَلَامِكَ، وَلِأَنَّ قُوَّةَ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: “
وَوَرِثَهُ أَبَواهُ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ السِّهَامِ
مِنْ وَلَدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ. قُلْتُ: وَعَلَى
هَذَا يَكُونُ الثُّلُثَانِ فَرْضًا لِلْأَبِ مُسَمًّى لَا يَكُونُ
عَصَبَةً، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْمَعْنَى فِي تَفْضِيلِ
الْأَبِ بِالثُّلُثِ عند عدم الولد الذكورية والنصرة، ووجوب المئونة
عَلَيْهِ، وَثَبَتَتِ الْأُمُّ عَلَى سَهْمٍ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ.
قُلْتُ: وَهَذَا مُنْتَقَضٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ مَعَ حَيَاتِهِ
فَلِمَ حُرِمَ السُّدُسُ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا حُرِمَ
السُّدُسَ فِي حَيَاتِهِ إِرْفَاقًا بِالصَّبِيِّ وَحِيَاطَةً عَلَى
مَالِهِ، إِذْ قَدْ يَكُونُ إِخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ إِجْحَافًا
بِهِ. أَوْ أَنَّ ذَلِكَ تَعَبُّدٌ، وَهُوَ أَوْلَى مَا يُقَالُ. وَاللَّهُ
الموفق.



إِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ زِيَادَةِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: “وَوَرِثَهُ أَبَواهُ“،
وَكَانَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ
وَرِثَهُ أَبَوَاهُ. قِيلَ لَهُ: أَرَادَ بِزِيَادَتِهَا الْإِخْبَارَ
لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ ثَابِتٌ فَيُخْبِرُ عَنْ ثُبُوتِهِ
وَاسْتِقْرَارِهِ، فَيَكُونُ حَالُ الْوَالِدَيْنِ عِنْدَ انْفِرَادِهِمَا
كَحَالِ الْوَلَدَيْنِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وَيَجْتَمِعُ لِلْأَبِ بِذَلِكَ فَرْضَانِ السَّهْمُ وَالتَّعْصِيبُ إِذْ
يُحْجَبُ الْإِخْوَةُ كَالْوَلَدِ. وَهَذَا عَدْلٌ فِي الْحُكْمِ، ظَاهِرٌ
فِي الْحِكْمَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}
الْإِخْوَةُ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ،
وَهَذَا هُوَ حَجْبُ النُّقْصَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِخْوَةُ أَشِقَّاءً
أَوْ لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ، وَلَا سَهْمَ لَهُمْ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: السُّدُسُ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةُ
الْأُمَّ عَنْهُ هُوَ لِلْإِخْوَةِ. وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ
النَّاسِ إِنَّهُ لِلْأَبِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَإِنَّمَا أَخَذَهُ الْأَبُ
دُونَهُمْ، لِأَنَّهُ يَمُونُهُمْ وَيَلِي نِكَاحَهُمْ وَالنَّفَقَةَ
عَلَيْهِمْ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَخَوَيْنِ
فَصَاعِدًا ذُكْرَانًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ مِنْ
أَبٍ أَوْ مِنْ أُمٍّ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ إِلَى
السُّدُسِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الِاثْنَيْنِ مِنَ
الْإِخْوَةِ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَحْجُبُ الْأُمَّ أَقَلُّ مِنْ
ثلاث. وَقَدْ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّ الْأَخَوَاتِ لَا
يَحْجُبْنَ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، لِأَنَّ كِتَابَ
اللَّهِ فِي الْإِخْوَةِ وَلَيْسَتْ قُوَّةُ مِيرَاثِ الْإِنَاثِ مِثْلَ
قُوَّةِ مِيرَاثِ الذُّكُورِ حَتَّى تَقْتَضِيَ الْعِبْرَةُ الْإِلْحَاقَ.
وَمُقْتَضَى أَقْوَالِهِمْ أَلَّا يَدْخُلْنَ مَعَ الْإِخْوَةِ، فَإِنَّ
لَفْظَ الْإِخْوَةِ بِمُطْلَقِهِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَخَوَاتِ، كَمَا
أَنَّ لَفْظَ الْبَنِينَ لَا يَتَنَاوَلُ الْبَنَاتِ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي
أَلَّا تُحْجَبَ الْأُمُّ بِالْأَخِ الْوَاحِدِ وَالْأُخْتِ مِنَ الثُّلُثِ
إِلَى السُّدُسِ، وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا كُنَّ
مُرَادَاتٍ بِالْآيَةِ مَعَ الْإِخْوَةِ كُنَّ مُرَادَاتٍ عَلَى
الِانْفِرَادِ. وَاسْتَدَلَّ الْجَمِيعُ بِأَنَّ أقل الجمع اثنان، لأنَّ
التثنيةَ جمعُ شيءٍ إِلَى مِثْلِهِ، فَالْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنَّهَا
جَمْعٌ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((الِاثْنَانِ فَمَا
فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ)). وَحُكِيَ عن سيبويه أنه قال: سألت الخليل عَنْ
قَوْلِهِ: ((مَا أَحْسَنَ وُجُوهِهِمَا))؟ فَقَالَ: الِاثْنَانِ جَمَاعَةٌ.
وَقَدْ صَحَّ قَوْلُ الشَّاعِرِ خِطامٌ المُجاشِعِي، وهو شاعر إسلامي.:



وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنِ ……………….. ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ


وَأَنْشَدَ الْأَخْفَشُ:


لَمَّا أَتَتْنَا الْمَرْأَتَانِ بِالْخَبَرْ ………………. فَقُلْنَ إِنَّ الْأَمْرَ فِينَا قَدْ شُهِرْ


وَقَالَ آخَرُ:


يُحَيَّى بِالسَّلَامِ غَنِيُّ قَوْمٍ ………………… وَيُبْخَلُ بِالسَّلَامِ عَلَى الْفَقِيرِ


أَلَيْسَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا سَوَاءً ……………… إِذَا مَاتُوا وَصَارُوا فِي الْقُبُورِ


وَلَمَّا
وَقَعَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
لَهُ عُثْمَانُ: إِنَّ قَوْمَكَ حَجَبُوهَا ـ يَعْنِي قُرَيْشًا ـ وَهُمْ
أَهْلُ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ أَقَلَّ
الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ ـ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَا ـ ابْنُ مَسْعُودٍ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ}
إِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ عَلَى
ذِكْرِ الدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا بِإِجْمَاعٍ. وَقَدْ
رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ،
وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ. قَالَ: وَالْعَمَلُ
عَلَى هذا عند عامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ
قَبْلَ الْوَصِيَّةِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ
ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ لِوَارِثٍ
وَصِيَّةٌ)). رَوَاهُ عَنْهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ.
فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ خَمْسَةٍ: الْأَوَّلُ: إِنَّمَا قُصِدَ
تَقْدِيمُ هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ عَلَى الْمِيرَاثِ وَلَمْ يُقْصَدْ
تَرْتِيبُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا، فَلِذَلِكَ تَقَدَّمَتِ الْوَصِيَّةُ
فِي اللَّفْظِ. جَوَابٌ ثَانٍ: لَمَّا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ أَقَلَّ
لُزُومًا مِنَ الدَّيْنِ قَدَّمَهَا اهْتِمَامًا بِهَا، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً}. جَوَابٌ ثَالِثٌ:
قَدَّمَهَا لِكَثْرَةِ وُجُودِهَا وَوُقُوعِهَا، فَصَارَتْ كَاللَّازِمِ
لِكُلِّ مَيِّتٍ مَعَ نَصِّ الشَّرْعِ عَلَيْهَا، وَأَخَّرَ الدَّيْنَ
لِشُذُوذِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ. فَبَدَأَ
بِذِكْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَطَفَ بِالَّذِي قَدْ يَقَعُ
أَحْيَانًا. وَيُقَوِّي هَذَا: الْعَطْفُ بِأَوْ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ
رَاتِبًا لَكَانَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ. جَوَابٌ رَابِعٌ: إِنَّمَا
قُدِّمَتِ الْوَصِيَّةُ إِذْ هِيَ حَظُّ مَسَاكِينَ وَضُعَفَاءَ، وَأُخِّرَ
الدَّيْنُ إِذْ هُوَ حَظُّ غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بِقُوَّةٍ وَسُلْطَانٍ
وَلَهُ فِيهِ مَقَالٌ. جَوَابٌ خَامِسٌ: لَمَّا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ
يُنْشِئُهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ قَدَّمَهَا، وَالدَّيْنُ ثَابِتٌ
مُؤَدًّى ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ.



وَلَمَّا
ثَبَتَ هَذَا تَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ فِي تَقْدِيمِ دَيْنِ
الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ عَلَى الْمِيرَاثِ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا
فَرَّطَ فِي زَكَاتِهِ وَجَبَ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَهَذَا
ظَاهِرٌ بِبَادِئِ الرَّأْيِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنَ الْحُقُوقِ فَيَلْزَمُ
أَدَاؤُهُ عَنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَا سِيَّمَا
وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا إِلَى الْآدَمِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَمَالِكٌ: إِنْ أَوْصَى بِهَا أُدِّيَتْ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِنْ سَكَتَ
عَنْهَا لَمْ يخرج عنه شي. قَالُوا: لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِتَرْكِ
الْوَرَثَةِ فُقَرَاءَ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَعَمَّدُ تَرْكَ الْكُلِّ
حَتَّى إِذَا مَاتَ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ جَمِيعَ مَالِهِ فَلَا يَبْقَى
لِلْوَرَثَةِ حَقٌّ.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً}
قِيلَ: فِي الدُّنْيَا بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ، كَمَا جَاءَ فِي
الْأَثَرِ (إِنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ ولده من بعده). وفي
الحديث الصحيح: ((إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ
ثلاث ـ فذكر ـ أو ولد صالح يدعو له)). وَقِيلَ: فِي الْآخِرَةِ، فَقَدْ
يَكُونُ الِابْنُ أَفْضَلَ فَيَشْفَعُ فِي أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَالْحَسَنِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الِابْنَ إِذَا كَانَ
أَرْفَعَ مِنْ دَرَجَةِ أَبِيهِ فِي الْآخِرَةِ سَأَلَ اللَّهَ فَرَفَعَ
إِلَيْهِ أَبَاهُ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ إِذَا كَانَ أَرْفَعَ مِنَ ابْنِهِ.
وقيل: في الدنيا والآخرة، قاله ابْنُ زَيْدٍ. وَاللَّفْظُ يَقْتَضِي
ذَلِكَ.



قَوْلُهُ تَعَالَى: {فريضة}
عَرَّفَ الْعِبَادَ أَنَّهُمْ كُفُوا مُؤْنَةَ الِاجْتِهَادِ فِي إِيصَاءِ
الْقَرَابَةِ مَعَ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ، أَيْ إِنَّ الْآبَاءَ
وَالْأَبْنَاءَ يَنْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الدُّنْيَا
بِالتَّنَاصُرِ وَالْمُوَاسَاةِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالشَّفَاعَةِ. وَإِذَا
تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي
جَمِيعِ الْأَقَارِبِ، فَلَوْ كَانَ الْقِسْمَةُ مَوْكُولَةً إِلَى
الِاجْتِهَادِ لِوُجُوبِ النَّظَرِ فِي غِنَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ الْأَمْرُ عَنِ الضَّبْطِ إِذْ قَدْ يَخْتَلِفُ
الْأَمْرُ، فَبَيَّنَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الْأَصْلَحَ
لِلْعَبْدِ أَلَّا يُوَكَّلَ إِلَى اجْتِهَادِهِ فِي مَقَادِيرِ
الْمَوَارِيثِ، بَلْ بين المقادير شرعاً.



قوله: {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حكيماً} عليماً: بِقِسْمَةِ
الْمَوَارِيثِ “حَكِيماً” حَكَمَ قِسْمَتَهَا وَبَيَّنَهَا لِأَهْلِهَا.
وَ”عَلِيماً” أَيْ بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ خَلْقِهَا “حَكِيماً” فِيمَا
يُقَدِّرُهُ وَيُمْضِيهِ مِنْهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ
سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَالْخَبَرُ مِنْهُ بِالْمَاضِي
كَالْخَبَرِ مِنْهُ بِالِاسْتِقْبَالِ. وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُمْ
رَأَوْا حِكْمَةً وَعِلْمًا فَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ عَلَى ما رأيتم.



قوله ـ تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} جملةٌ اسميةٌ مِن مبتدأٍ وخبرٍ، يُحْتمل أَنْ تكونَ في محلِّ نصبٍ بـ “يُوصي” لأِنَّ المعنى: يَفْرض لكم، أو يُشَرِّع في أولادكِم، وقيل ارتفع “مثل
على حذْفِ “إنَّ” والتقدير: “أنَّ للذكرِ مثلَ حظ”. وبه قرأ ابنُ أبي
عَبلة. ويُحْتمل ألاَّ يكونَ لها محلٌّ مِنَ الإِعراب، بل جِيءَ بها
للبيانِ والتفسيرِ، فهي جملةٌ مفسِّرة للوصيَّة، وهو مذهبُ البصريين.
وقولُهُ: “
للذَّكر” لا بدَّ من ضميرٍ فيه يعودُ على “أولادكم
من هذه الجُملةِ، فيُحتملُ أنْ يَكونَ محذوفاً، أي: للذَكَرِ منْهم.
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ قامَ مَقامَه الألفُ واللامُ عند مَنْ يَرَى ذلك،
والأصلُ: لِذَكَرِهم. و”
مثلُ” صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ أي: للذَّكرِ منهم حَظٌّ مثلُ حَظِّ الأنثيين. و”في أَوْلاَدِكُمْ
قيل: ثَمَّ مضافٌ محذوف أي: في أولادِ موتاكم. قالوا: لأنَّه لا يَجُوزُ
أَنْ يُخاطَبَ الحيُّ بقسمةِ الميراثِ في أولادِه ويُفْرَضَ عليه ذلك. وقال
بعضُهم: إنْ قلنا: إنَّ معنى “
يُوصيكم” “يبيِّن لكم” لم يحتج إلى هذا التقدير. وقَدَّرَ بعضُهم قبل “أولادكم
مضافاً أي: في شأنِ أولادِكم، أو في أمرِ أولادكم. وقرأ الحسن وابن أبي
عَبْلَةَ: “يُوَصِّيكم” بالتشديدِ، وقد تقدَّم أنَّ أوصي ووصَّى لغتان.



قولُه: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً} الضميرُ في “كُنَّ” يعودُ على الإِناث اللاتي شَمَلَهُنَّ قولُه: “في أَوْلاَدِكُمْ“.
فإنَّ التقدير: في أولادِكُمُ الذكورِ والإِناثِ، فعادَ الضميرُ على أحدِ
قِسْمَي الأولادِ، وإذا عاد الضميرُ على جمعِ التَكسيرِ العاقلِ المُرادِ
به مَحْضُ الذُكورِ في قولِه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((ورَبَّ الشياطينِ
ومَنْ أَضْلَلْنَ” كعَوْدِه على جماعةِ الإِناثِ، وقبلَه ((اللهم ربَّ
السماوات ومَنْ أَظْلَلْنَ، ورَبَّ الأَرضين وما أَقْلَلْنَ)). وقيل:
الضمير يَعُود على المتروكات أي: فإنْ كانت المتروكات، ودَلَّ ذِكْرُ
الأولادِ عليه، وتقَديرُه: “فإنْ كان البناتُ أوِ المَولوداتُ”. فإذا
تقرَّر هذا فـ “
كُنَّ” كان واسمُها، و”نساءً” خبرُها، و”فوق اثنتين” ظَرْفٌ في مَحَلِّ نصبٍ صفةً لـ “نساء
وبهذه الصفةِ تحصُل فائدةُ الخبرِ، ولو اقتُصِر عليه لم تَحْصُلْ فائدةُ.
وقرأ الحسنُ ونعيم بن ميسرة: “ثُلْثا” و”الثلْث” و”النصْف” و”الرُّبْع”
و”الثُّمْن” كلُّ ذلك بإسكان الوسَط. والجمهورُ بالضم، وهي لغةُ الحِجازِ
وبني أَسَدٍ. من الثلث إلى العشر. وقال الزجَّاجُ: هي لغةٌ واحدة، والسكونُ
تخفيف.



قوله: {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً}
قرأَ نافعٌ: “واحدةٌ” رفعاً على أنَّ “كان” تامَّةٌ، أيْ: وإنْ وُجِدَتْ
واحدةٌ، وقرأ الباقون “واحدة” نصباً على أنَّ “كانت” ناقصةً، واسمُها
مستترٌ فيها يعودُ على الوارِثةِ أوِ المَتروكةِ، و”
واحدةً
نصبٌ على خبرِ “كان”، ويجوز أنْ يكونَ في “كان” ضميرٌ مبهمٌ مفسَّرٌ
بالمنصوبِ بعدُ. وقرأَ السُلميُّ: “النُّصف” بضم النون، وهي قراءةُ عليٍّ
وزيدٍ بنِ ثابتٍ ـ رضيَ الله عنهما، وقد تقدَّم شيءٌ من ذلك في البقرة في
قوله: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الآية: 237.



[b]قولُه: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُدُسُ} السدس: مبتدأٌ و”لأبويه” خبرٌ مُقدَّمٌ، و”لكلِّ واحدٍ
بدلٌ من “لأبويه”، وفائدةُ هذا البدلِ أنَّه لو قيل: “ولأبويه السدسُ”
لكان ظاهرُه اشتراكُهما فيه، ولو قيل: لأبويْه السُدُسانِ، لأَوْهَمَ
قِسمةَ السُدسيْنِ عليهِما بالتسويةِ وعلى خلافِهما. فإنْ قلت: فهلّا قيلَ:
“ولكلِّ واحدٍ مِنْ أبويْه السُدُسُ” وأيُّ فائدةٍ في ذِكْرِ الأبويْن
أوَّلاً ثمَّ في الإِبدالِ منهما؟ قلتُ: لأنَّ في الإِبدال والتَفصيلِ بعدَ
الإِجمالِ تأكيداً وتشديداً. و”
السدس” مبتدأٌ، وخبرُه “لأبويه“، والبدلُ متوسِّطٌ بينَهما للبَيانِ. وجَعْلُ الخبرِ قولُه: “لأبويه” دونَ قولِه: “لكلِّ واحدٍ” لأنَّه يَنبغي أنْ يكونَ البدلُ هو الخبرَ دونَ المبدلِ منْه ذلك لأنَّ البدلَ هو المعتمدُ عليه. وقال بعضُهم: “السدسُ” رفعٌ بالابتداء، و”لكلِّ واحدٍ” الخبرُ، و”لكلِّ” بدلٌ من الأبوين، و”منهما” نعتٌ لـ “واحدٍ“،
وهذا البدلُ هو بعضُ مِنْ كلٍّ، ولذلك أتَى معه بالضمي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 11
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 47
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 6
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 21
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 36
» فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 69

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: