عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 69 الأحد مايو 26, 2013 3:33 am | |
| وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. (69) قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الْأَمْرَ الَّذِي لَوْ فَعَلَهُ الْمُنَافِقُونَ حِينَ وُعِظُوا بِهِ وَأَنَابُوا إِلَيْهِ لَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَوَابَ مَنْ يَفْعَلُهُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. وَهِيَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ عِنْدَ مَوْتِهِ: ((اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى)). ففِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)). وكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي مَرِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ)). فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَمَّا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ ـ الَّذِي أُرِيَ الْأَذَانَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا مُتَّ وَمُتْنَا كُنْتَ فِي عِلِّيِّينَ لَا نَرَاكَ وَلَا نَجْتَمِعُ بِكَ، وَذَكَرَ حُزْنَهُ عَلَى ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَذَكَرَ مَكِّيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا وَأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعْمِنِي حَتَّى لَا أَرَى شَيْئًا بَعْدَهُ، فَعَمِيَ مَكَانَهُ. وحكاه القُشريُّ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْمِنِي فَلَا أَرَى شَيْئًا بَعْدَ حَبِيبِي حَتَّى أَلْقَى حَبِيبِي، فَعَمِيَ مَكَانَهُ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لَهُ قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَنَحَلَ جِسْمُهُ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ، فَقَالَ لَهُ: ((يَا ثَوْبَانُ مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ)). فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي ضُرٌّ وَلَا وَجَعٌ، غَيْرَ أَنِّي إِذَا لَمْ أَرَكَ اشْتَقْتُ إِلَيْكَ وَاسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ الْآخِرَةَ وَأَخَافُ أَلَّا أَرَاكَ هُنَاكَ، لِأَنِّي عَرَفْتُ أَنَّكَ تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَأَنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ هِيَ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، وَإِنْ لَمْ أَدْخُلْ فَذَلِكَ حِينَ لَا أَرَاكَ أَبَدًا، فأنزل الله تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ. وَأَسْنَدَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُفَارِقَكَ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّكَ إِذَا فَارَقْتَنَا رُفِعْتَ فَوْقَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ..}. وَفِي طَاعَةِ اللَّهِ طَاعَةُ رَسُولِهِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ تَشْرِيفًا لِقَدْرِهِ وَتَنْوِيهًا بِاسْمِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ. وأخرجَ ابْنُ جريرٍ عن سعيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ قال: جاءَ رجلٌ مِنَ الأنْصارِ إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو محزونٌ. فقال له النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم: يا فلان مالي أراكَ مَحزونًا؟ فقال الرجلُ: يا نبيَّ اللهِ شيءٌ فكَّرتُ فيه. فقالَ ما هو؟ قال: نحنُ نَغْدو عليك ونَروحُ نَنْظُرُ إلى وجهِكَ ونُجالِسُكَ. وغدًا تُرْفَعُ معَ النَّبيّين فلا نَصِلُ إليكَ. فلمْ يَرُدَّ النبيُّ ـ صلى الله عليْه وسلَّمَ شيئًا. فأتاه جبريلُ بهذه الآية. "وَمَن يُطِعِ الله والرسول..". قال: فبعثَ إليه النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ فبشَّرَه. ولم يُسَمُّ هنا الشخصُ. والمعنى: أنَّ "وَمَن يُطِعِ الله" بالانقيادِ لأَمرِهِ ونَهْيِهِ، ويُطِعِ "الرسول" في كلِّ ما جاءَ بِه مِن رَبِّهِ "فأولئك" المطيعون "مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم" بالنِعَمِ التي تَقصُرُ العباراتُ عن تَفصيلِها وبيانِها. وقولُه: {مِنَ النبيِّين والصديقين والشهدآء والصالحين} بيانٌ للمُنْعَمِ عليهم الذين سَيَكونُ المطيعُ فى صُحبتِهم ورِفقتِهم. أي: فأولئك المُتَّصِفون بِتَمامِ الطاعةِ لله ـ تعالى ـ ولِرسولِه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَكونونَ يومَ القيامةِ فى صُحبةِ الأنْبياءِ الذين أَرْسَلَهم اللهُ ـ سبحانه ـ مبشِّرين ومُنذِرين؛ فَبَلَّغوا رِسالتَه ونالوا مِنه ـ سبحانَه ـ أشرفَ المَنازِلِ.وبدأ ـ سبحانه ـ بالنبيّين لِعُلُوِّ دَرَجاتِهم، وسُمُوِّ مَنزِلَتِهم على مَنْ عداهم مِن البَشرِ. وقولُه: {فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أَيْ هُمْ مَعَهُمْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَنَعِيمٍ وَاحِدٍ يَسْتَمْتِعُونَ بِرُؤْيَتِهِمْ وَالْحُضُورِ مَعَهُمْ، لَا أَنَّهُمْ يُسَاوُونَهُمْ فِي الدَّرَجَةِ، فَإِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ لَكِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ لِلِاتِّبَاعِ فِي الدُّنْيَا وَالِاقْتِدَاءِ. وَكُلُّ مَنْ فِيهَا قَدْ رُزِقَ الرِّضَا بِحَالِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ اعْتِقَادُ أَنَّهُ مَفْضُولٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين} الحجر: 47. وقولُه: {وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} الصِدّيقين: جمعُ صِدِّيقٍ للمُبَالغة فِي الصِّدْقِ أَوْ فِي التَّصْدِيقِ، وَالصِّدِّيقُ هُوَ الَّذِي يُحَقِّقُ بِفِعْلِهِ مَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ. وَقِيلَ: هُمْ فُضَلَاءُ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَسْبِقُونَهُمْ إِلَى التَّصْدِيقِ كَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ اشْتِقَاقُ الصِّدِّيقِ وَمَعْنَى الشَّهِيدِ. وَالْمُرَادُ هُنَا بِـ "الشُّهَدَاءِ" عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَالصَّالِحِينَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ ـ رضيَ اللهُ عنهم أجمعين. وقيل: الشُّهَداءِ القتلى في سبيل الله. و"الصَّالِحِينَ" هم صَالِحوا أُمَّةِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاللَّفْظُ يَعُمُّ كُلَّ صَالِحٍ وَشَهِيدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قولُه: {وحَسُنَ أولئك رفيقًا} الرِّفْقُ لِينُ الْجَانِبِ. وَسُمِّيَ الصَّاحِبُ رَفِيقًا لِارْتِفَاقِكَ بِصُحْبَتِهِ، وَمِنْهُ الرُّفْقَةُ لِارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. و"رفيقًا". كَأَنَّ الْمَعْنَى وَحَسُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَفِيقًا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أَيْ نُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ طِفْلًا. وَقَالَ تَعَالَى: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} ومعنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُ الرُّفَقَاءِ أَرْبَعَةٌ)) وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا إلا أربعةً فتأملْه. وفي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ مَرَاتِبَ أَوْلِيَائِهِ فِي كِتَابِهِ بَدَأَ بِالْأَعْلَى مِنْهُمْ وَهُمُ النَّبِيُّونَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالصِّدِّيقِينَ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَسْمِيَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ صِدِّيقًا، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَةِ مُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ رَسُولًا، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَصَحَّ أَنَّهُ الصِّدِّيقُ وَأَنَّهُ ثَانِي رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَعْدَهُ أَحَدٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قوله تعالى: {منَ النَّبيِّين} بيانٌ للذين أَنْعَم الله عليهم. وهو حالٌ من الضميرِ المَجرورِ في "عليهم"، أو هو حالٌ مِنَ المَوصولِ وهو في المعنى كالأول، وعلى هذين الوجهين فيتعلَّق بمحذوفٍ أي: كائنين من النبيين. قولُه: {وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً} رفيقاً: منصوبٌ على أنَّه تمييزٌ، أو على أنَّه حالٌ، وعلى تقديرِ كونِه تمييزاً احتمالان، أحدُهما: أنْ يَكونَ منقولاً من الفاعليَّة وتقديرُهُ: "وحِسُنَ رفيقُ أولئك" فالرفيقُ على هذا غيرُ المميِّز، ولا يجوزُ دخولُ "مِنْ" عليه. والثاني: ألاَّ يكونَ منقولاً، فيكونُ نفسَ المميِّز، وتدخل عليه "مِنْ" وإنَّما أتى به هنا مُفرداً لأحدِ مَعنيَيْن: إمَّا لأنَّ الرفيقَ كالخليطِ والصديقِ في وقوعِها على المفردِ والمثنى والمجموع بلفظٍ واحدٍ، وإمَّا اكتفاءً بالواحدِ عنِ الجَمعِ لفَهْمِ المعنى، وحَسَّنَ ذلك كونُه فاصلةً. ويَجوزُ في "أولئك" أنْ يكونَ إشارةً إلى النبيين ومَنْ بعدَهم، وأَنْ يكونَ إشارةً إلى مَنْ يُطِع اللَّهَ ورسولَه، وإنَّما جَمَع على معناها، وعلى هذا فيُحتمل أَنْ يقال: إنَّهُ راعى لفظ "مَنْ" فأفردَ في قولِه "رفيقاً" ومعناها فجمع في قوله "أولئك"، إلَّا أنَّ البَداءَةَ في ذلك بالحَمْلِ على اللفظِ أحسنُ، وعلى هذا فيكونُ قد جَمَعَ فيها بين الحملِ على اللفظ في "يُطِعْ" ثمَّ على المعنى في "أولئك" ثمَّ على اللفظِ في "رفيقاً".والجمهورُ على فتحِ الحاءِ وضَمِّ السينِ مِنْ "حَسُن" وقرأَ أبو السمَّالِ بفتحِها وسكونِ السينِ تخفيفًا نحو "عَضْد" في "عَضُد" وهي لغةُ تميمٍ، ويجوزُ: "وحُسْن" بضمِ الحاءِ وسكونِ السين، كأنَّهم نقلوا حَرَكةَ العينِ إلى الفاءِ بعدَ سَلْبِها حَرَكَتَها وهذِه لُغةُ بَعضِ قيْسٍ. | |
|