عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 26 الأحد مايو 05, 2013 2:17 am | |
| يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. (26) قولُهُ ـ تباركت أسماؤه: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} أَيْ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ وَمَصَالِحَ أَمْرِكُمْ، وَمَا يَحِلُّ لَكُمْ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ وَاقِعَةٍ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ} الأنعام: 38. عَلَى مَا يَأْتِي. وَقَالَ بَعْدَ هَذَا: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} النساء: 28. فجاء هذا بـ "أن" وَالْأَوَّلُ بِاللَّامِ. والْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ لَامِ كَيْ وَأَنْ، فَتَأْتِي بِاللَّامِ الَّتِي عَلَى مَعْنَى "كَيْ" فِي مَوْضِعِ "أَنْ" فِي أَرَدْتُ وأَمَرْتُ، فيقولون: أردتُ أنْ تَفعلَ، وأردتُ لِتَفعَلَ، لِأَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْمُسْتَقْبَلَ. وَلَا يَجُوزُ ظَنَنْتُ لِتَفْعَلَ، لِأَنَّكَ تَقُولُ ظَنَنْتُ أَنْ قَدْ قُمْتَ. قولُه: {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ. وَقِيلَ: مَعْنَى "يَهْدِيَكُمْ" يُبَيِّنُ لَكُمْ طُرُقَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْنَا فَقَدْ حُرِّمَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَنَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى وَيُبَيِّنُ لَكُمْ أَمْرَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِمَّنْ كَانَ يَجْتَنِبُ مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ وَيُبَيِّنُ لَكُمْ كَمَا بَيَّنَ لِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يُومِي بِهِ إِلَى هَذَا بِعَيْنِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ قَوْلَهُ: "يُرِيدُ اللَّهُ" ابْتِدَاءُ الْقِصَّةِ، أَيْ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ كَيْفِيَّةَ طَاعَتِهِ. "وَيَهْدِيَكُمْ" يُعَرِّفَكُمْ "سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ" أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا أَمْرِي كَيْفَ عَاقَبْتُهُمْ، وَأَنْتُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَا أُعَاقِبُكُمْ وَلَكِنِّي أَتُوبُ عَلَيْكُمْ. "وَاللَّهُ عَلِيمٌ" بِمَنْ تَابَ "حَكِيمٌ" بِقَبُولِ التَّوْبَةِ.قولُه ـ تعالى: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ} للناسِ في مثلِ هذا التركيبِ مذاهبُ: مذهب البصريين أنَّ مفعولَ "يريد" محذوفٌ تقديرُه: يُريدُ اللهُ تَحريمَ ما حَرَّمَ وتحليلَ ما حَلَّل وتشريعَ ماتقدَّمَ لأجلِ التَبيينِ لَكم، ونَسَبه بعضُهم لِسيبويْهِ، فمتعلَّقُ الإِرادة غيرُ التَبيينِ وما عُطِف عليه، وإنَّما تَأوَّلوه بذلك لئلَّا يَلزَمَ تعدِّيَ الفعلِ إلى مفعولِه المُتأخِّرِ عنْه باللّامِ وهو مُمتَنِعٌ، وإلى إضمارِ "أَنْ" بعدَ اللّامِ الزائدةِ.والمذهبُ الثاني: ويُعزى أيْضاً لبعضِ البَصْريين أَنْ يُقَدَّرَ الفعلُ الذي قبل اللّامِ بمصدرٍ في محلِّ رفعٍ بالابْتِداءِ، والجارُّ بعدَه خبرُه، فيُقدَّرَ "يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ" إرادةُ اللهِ للتَبيينِ، وقولُ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:أُرِيدُ لِأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا .................... تُمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ سَبِيلِيُرِيدُ أَنْ أَنْسَى. أي: إرادتي، وقولُه ـ تعالى: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} الأنعام: 71. أي: أُمِرْنا بما أُمِرْنا به لنسلمَ، وفي هذا القولِ تأويلُ الفعل بمصدر من غيرِ حرفِ مصدرٍ، وهو ضعيفٌ نحوَ: "تَسْمَعُ بالمُعَيْدَيِّ خيرٌ مِنْ تراه" قالوا: تقديرُه : "أنّْ تسمعَ" فلمَّا حَذَفَ "أن" رَفَع الفعلَ، وهو في تأويلِ المصدرِ لأجلِ الحرفِ المُقدَّرِ فكذلك هذا، فلامُ الجَرِّ على الأوَّلِ في محلِّ نصبٍ لِتَعَلُّقِها بـ "يريد" وعلى هذا، الثاني في محلِّ رفع لِوقوعها خبراً. الثالث: وهو مذهبُ الكوفيّينَ أنَّ اللامَ هي الناصِبةُ بنفسِها مِن غيرِ إضمارِ "أَنْ"، وهي وما بعدَها مفعولُ الإِرادةِ، ومنعَ البَصْريّونَ ذلك؛ لأنَّ اللامَ ثَبَتَ لها الجَرُّ في الأَسماءِ، فلا يَجوزُ أنْ يُنْصَبَ بِها، فالنَّصبُ عندَهم بإضمارِ "أن" كما تقدَّم.الرابع: أنَّ اللامَ زائدةٌ، و"أَنْ" مُضمرةٌ بعدَها، والتبيينُ مفعولُ الإِرادةِ. فـ "يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ" يريد اللهُ أنْ يُبيِّنَ، فزيدت اللامُ مؤكدة لإِرادة التَبيينِ، كما زِيدتْ في "لا أبا لك" لِتأكيدِ إضافةِ الأبِ. وهذا خارجٌ عن أقوالِ البَصريّين والكوفيين، وفيه أنَّ "أنْ" تُضمَرُ بعدَ اللامِ الزائدةِ، وهي لا تُضْمر ـ فيما نَصَّ النَّحْويّون ـ بعدَ لامٍ وتلك اللامُ للتعليلِ أو للجُحودِ.وقال بعضُهم: اللامُ هنا لامُ العاقبةِ كهِيَ في قولِه: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} القصص: 8، ولم يَذْكُر مفعولَ التَبيينِ، بل حَذَفه للعِلْمِ بِه، فقدَّرَه بعضُهم: "لِيُبَيِّنَ لكم ما يقرِّبُكم، وقال بعضُهم: أن الصبرَ عن نِكاحِ الإماءِ خيرٌ، وبعضُهم: ما فَصَّل من الشرائع، وبعضهم: أمرَ دينكم، وهي متقاربة.ويجوزُ في الآيةِ وجهٌ آخَرُ حَسَنٌ: وهو أَنْ تَكونَ المَسْألَةُ مِن بابِ الإِعْمالِ: تَنازَعَ "يُبيِّنُ" و"يَهْدي" في {سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ} ؛ لأنَّ كلاً منهما يَطْلُبُه مِنْ جهةِ المَعنى، وتكونُ المَسألةُ مِنْ إعمالِ الثاني، وحَذَفَ الضميرَ مِنَ الأوَّلِ والتقديرُ: لِيُبَيِّنَها لكم ويهديَكم سُنَنَ الذين مِنْ قبلِكم، والسُّنَّة: الطريقةُ، ويؤيِّدُ هذا أنَّ المُفسّرينَ نَقلوا أنَّ كلَّ ما بَيَّنَ لَنا تَحريمَه وتحليلَه مِن النساءِ في الآياتِ المُتَقدِّمةِ فقد كان الحُكمُ كذلك أيضاً في الأمم السالفة، أو أنَّه بَيَّنَ لكم المَصالِحَ؛ لأنَّ الشَرائعَ وإنْ كانت مختلفةً في نفسِها إلَّا أنَّها مُتَّفقةٌ في المَصلحةِ. | |
|