عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 57 الأحد مايو 19, 2013 11:11 am | |
| وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) قولُه تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} وهو لف ونشر مشوّش على حد قوله: {يومَ تبيضُّ وُجوهٌ وتَسوَدُّ وُجوهٌ} وعلى عادتِه تعالى من ذكر الوعيدِ معَ الوعدِ وعكسِه. والمُرادُ بالمَوصولِ "الذين" إمَّا المؤمنون بِنَبِيِّنا ـ صلى الله عليه وسلَّمَ، وإمَّا ما يَعُمُّهم وسائرَ مَن آمَنَ مِنْ أُمَمِ الأنبياءِ عليهِمُ السلامُ، أي: إنَّ الذين آمنوا بما يَجبُ الإيمانُ بِهِ وعَمِلوا الأعمالَ الحَسَنَةَ، وجاء عَقِبَ بيانِ سُوءِ حالِ الكَفَرَةِ ببيانِ حُسْنِ حالِ المؤمنين تَكميلاً للمَساءةِ والمَسَرَّةِ.قولُه: {سَنُدخِلُهم جنّاتٍ تَجْري مِن تحتِها الأنهارُ خالدين فيها أَبَداً} قد تقدَّمُ تَفسيرُ الجَنَّاتِ وجَرْيِ الأنهارِ مِنْ تَحتَها وفي السين تأكيدٌ للوَعدِ، وذلك الخلودُ بِغيرِ نهايةٍ ولا انقطاعٍ وليس المُرادُ طولُ المُكْثِ.قولُه: {لهم فيها أزواجٌ مطهَّرةٌ} مِنَ الأَدْناسِ التي تكونُ في نِساءِ الدنيا ومِنْ كلِّ قَذَرٍ وسوءِ خُلُقٍ، وطباعٍ رديئةٍ، ولا يَفعلْنَ ما يُوحِشُ أَزواجَهُنَّ ولا يُوجَد فيهِنَّ ما يُنَفِرُّ عنهُنَّ إعْظاماً للمِنَّة. وهُنَّ كثيراتٌ كما يدلُّ عليه ظاهرُ الآيةِ والأخبارُ.قولُه: {وندخلهم ظلاً ظليلاً} الظلُ الظليلُ الذي لا يَدخُلُه ما يَدخُلُ ظِلَّ الدنيا مِنَ الحَرِّ والسَمومِ ونحو ذلك، والمُرادُ به إمَّا حقيقتُه ـ ولا يَمنَعُ منه عدمُ الشمسِ ـ وإمّا أنَّه إشارةٌ إلى النِعْمَةِ التامَّةِ الدائمةِ، وقيلَ هو مجموعُ ظِلِّ الأشجارِ والقصور. وقيلَ الظِلُّ الظَليلُ هو الدائمُ الذي لا يَزولُ، واشْتِقاقُ الصِفَةِ مِنْ لَفظِ المَوصوفِ للمُبالَغةِ كما يُقالُ لَيلٌ أَلْيَل، قال الربيعُ بْنُ أنسٍ: هو ظِلُّ العرشِ الذي لا يَزولُ. وقال الإمامُ المَرزوقيُّ: إنَّه مُجرَّدُ لفظٍ تابعٍ لِما اشْتُقَّ منْه وليسِ له معنًى وَضْعِيٌّ بلْ هًو ك "بَسَن" في قولك: حَسَنٌ بَسَنٌ. فالمُؤمنون اليومَ في ظِلِّ الرِعايةِ، وغَداً في ظِلِّ الحِمايَةِ والكِفايَةِ، بلْ هُم في الدُنيا والعُقبى في ظلِّ العِنايةِ.والناسُ في هذه الدُنيا مُتفاوِتونَ: فمنهُمْ مَنْ هو في ظِلِّ رَحْمَتِهِ، ومنهمْ مَنْ هو في ظِلِّ رِعايتِه، ومنهم مَنْ هو في ظِلِّ كَرامَتِهِ، ومنهم مَن هو في ظِلِّ عنايَتِهِ، ومنهم مَنْ هو في ظِلِّ قُربَتِه.قوله تعالى: {والذين آمَنُواْ} مبتدأٌ، وخبرُه جملةُ "سَنُدْخِلُهم" أو هو في محلِّ نصبٍ عطفاً على اسْمِ "إن" وهو {الذين كفروا} من الآية السابقة، والخبر أيضاً "سندخلهم جناتٍ" ويصيرُ هذا نظيرَ قولك: "إنَّ زيداً قائمٌ وعمراً قاعدٌ" فعطفت المنصوبَ على المنصوبِ، والمرفوع على المرفوع. وهناك قولٌ ثالثٌ بأنْ يكون في محلِّ رفعٍ عطفاً على مَوضِعِ اسْمِ "إنَّ" لأنَّ محلَّه الرفع، وفيه نظرٌ من حيث الشناعةُ اللفظية حيث يقال: "والذين آمنوا" في مَوضِعِ نَصْبٍ عطفاً على "الذين كفروا"، وأتى بجملة الوعيدِ مؤكَّدَةً بـ "إنَّ" تنبيهًا على شِدَّةِ ذلك، وبجُملةِ الوعْدِ خاليَةً منْه لِتَحَقُّقِها وأَنَّه لا إنْكارَ لذلك، الأوَّلُ هو الأظهر. وقولُه: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} في محلِّ نصبٍ صفةً لـ "جنات" وقرأ النخعي "سَيُدْخِلُهم" وكذلك "ويُدْخِلُهم ظِلاًّ" بياء الغَيْبة، رَدَّاً على قوله: {إِنَّ الله كَانَ عَزِيزاً} الآية السابقة. وقرأ الجمهورُ بالنُّونِ رَدًّاً على قولِه: {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ}. وقوله: {خالدين} يجوزُ أنَّه حالٌ من الضميرِ المنصوبِ في "سَنُدْخِلُهم"، ويجوز أنْ يكونَ حالاً من "جنات" لأنَّ فيها ضميراً لِكُلِّ واحدٍ منهما.وقولُه {لهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ} مبتدأ وخبرٌ، ومحلُّ هذه الجملة النصبُ: إمَّا على الحالِ مِنْ "جنات" أو مِن الضميرِ في "سندخلهم، وإمَّا على كونِها صفةً لـ "جنات" بعدَ صِفةٍ. و ييجوز أن تكون محلُّ جُملةِ "لهم فيها أزواجٌ" الرفعُ على أنّها خبرٌ بعدَ خبرٍ. | |
|