عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 18 الثلاثاء أبريل 30, 2013 6:18 pm | |
|
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً. (18) قَوْلُهُ ـ تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ} نَفَى سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ فِي حُكْمِ التَّائِبِينَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَصَارَ فِي حِينِ الْيَأْسِ، كَمَا كَانَ فِرْعَوْنُ حِينَ صَارَ فِي غَمْرَةِ الْمَاءِ وَالْغَرَقِ فَلَمْ يَنْفَعْهُ مَا أَظْهَرَ مِنَ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا تَنْفَعُ، لِأَنَّهَا حَالُ زَوَالِ التَّكْلِيفِ. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زَيْدٍ وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ فَلَا تَوْبَةَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَإِلَيْهِمُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً} وَهُوَ الْخُلُودُ في جهنَّمَ والعذابِ الشديدِ المؤلمِ. وَإِنْ كَانَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْجَمِيعِ فَهُوَ فِي جِهَةِ الْعُصَاةِ عَذَابٌ لَا خُلُودَ مَعَهُ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ السَّيِّئَاتِ مَا دُونَ الْكُفْرِ، أَيْ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِمَنْ عَمِلَ دُونَ الْكُفْرِ مِنَ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَا لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا فَتَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ السَّيِّئَاتِ هُنَا الْكُفْرُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ يَتُوبُونَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَا لِلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: نَزَلَ أَوَّلُ الْآيَةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ". وَ"وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ} نَزَلَ فِي الْمُنَافِقِينَ. يَعْنِي قَبُول التَّوْبَةِ لِلَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَى فِعْلِهِمْ. {حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} يَعْنِي الشَّرَقَ وَالنَّزْعَ وَمُعَايَنَةَ مَلَكِ الْمَوْتِ لأنه في هذه اللحظات يكشف الحجاب ويرى المرء مقعده إن في الجنة أو في النار يقول الله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد} سورة ق: 22. وحَديدٌ، حادٌّ: أيْ نافذٌ لِزوالِ المَوانِعِ، وفَضيلةُ الإيمانِ التي تَستَحِقُّ الأجرَ العظيمَ مِنَ اللهِ ـ تعالى ـ أنْ يَكونَ إيماناً بالغَيْبِ، أي المَخْفِيِّ المُغَيَّبِ عنكَ، وإلَّا فأيُّ فضلٍ لِمَنْ يَرى الشَيْءَ أَمامَهُ أنْ يُقِرَّ بِوجودِهِ؟ لكنْ عندما يَكونُ الشَيْءُ مَخْفِيّاً عنكَ ويأتي مَنْ يُخبِرُكَ بِوُجودِهِ، يُعْلَمُ مِقدارُ ثِقَتِكَ بِه وتَصديقِكَ له. أما فرعون فقد آمن عندما أيقن بالهلاك ورأى مآله في وعاقبة كفره بعينيه لذلك لم يُقبلْ منه إيمانُه هذا. "قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ" فَلَيْسَ لِهَذَا تَوْبَةٌ. قال داود ـ عليه السلامُ ـ في آخرِ بُكائه لَمَّا قال اللهُ تعالى لِمَ تبكي يا داود، وقد غفرتُ لكَ وأَرضَيْتُ خَصْمَك وقَبِلتُ توبتَك؟ فقال: إلهي، الوقت الذي كانَ بي رُدَّه إليَّ. فقال: هيهاتِ يا داودُ، ذاك وُدٌّ قد مضى!! وأنشدوا في معناه:فَخَلِّ سبيلَ العيْنِ بعدَك للبُكا ................. فليس لأيام الصفاءِ رجوعُثُمَّ ذَكَرَ تَوْبَةَ الْكُفَّارِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً}. أَيْ وجيعًا مؤلِماً دائماً.قوله ـ تعالى: {حتى إِذَا} حتّى حرفُ ابتداءٍ، والجملةُ الشرطية بعدَها غايةٌ لِما قبلَها، أيْ: ليستِ التوبةُ لقومٍ يعملون السيئاتِ، وغايةُ عَمِلهم إذا حضرَهمُ الموتُ قالوا: كَيْتَ وكَيْتَ، وهذا وجهٌ حَسَنٌ، ولا يَجوزُ في "حتّى" أنْ تكونَ جارَّةً لـ "إذا" أي: يَعملون السيئاتِ إلى وقتِ حضورِ الموتِ مِنْ حيثُ إنَّها شَرطيَّةٌ، والشرطُ لا يَعملُ فيه ما قبلَه، وإذا جعلنا "حتّى" جارةً تعلَّقت بـ "يعملون"، وأدواتُ الشرط لا يَعمَلُ فيها ما قبلَها، ولأنَّ "إذا" لا تتصرَّفُ ـ على المشهور.قولُه: {وَلاَ الذين يَمُوتُونَ} الذين: مجرورُ المَحَلِّ عطفاً على قولِه: "للذين يعملون" أيْ ليستِ التوبةُ لِهؤلاءِ ولا لِهؤلاء، فَسَوَّى بين مَنْ ماتَ كافراً وبيْنَ مَنْ لم يَتُبْ إلاَّ عندَ مُعايَنَةِ الموتِ في عدمِ قَبولِ توبتِه، والمُرادُ بالعاملين السيئاتِ المنافقون. ويجوزُ أنْ يكونَ "الذين" مرفوعَ المَحَلِّ على الابتداءِ، وخبرُه "أولئك" وما بعدَه، إذا اعتبرنا أنَّ "لا" لامَ الابتداء، وليستْ "لا" النافية. وهذا لا يَصِحُّ إلَّا أنْ يكونَ قد رُسِمَتْ في المُصحَفِ لاماً داخلةً على "الذين" فيَصيرُ "وللذين"، وليس المَرسومُ كذلك.قولُه: {أولئك أعتدنا} أولئك: مبتدأٌ، و"أَعْتَدْنا" خبرُه، ويجوزُ أن يكون "أولئك إشارةً إلى "الذين يموتون وهم كفار"، لأنَّ اسمَ الإِشارةِ يَجْري مَجْرى الضميرِ فيعودُ لأقربِ مذكور، ويجوزُ أَنْ يُشارَ به إلى الصِّفتين: "الذين يعملون السيئات"، "والذين يَمُوتون وهم كفار". وأَعتدْنا أي: أَحْضَرْنا. | |
|