عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 44 الإثنين مايو 13, 2013 1:50 pm | |
| أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ. (44) قولُه ـ سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} اسْتئنافٌ لِتَعَجيبِ المؤمنينَ مِنْ سوءِ حال أهل الكتاب وتحذيرهم من مُوالاتِهم إثْرَ ذِكْرِ أنواعٍ التكاليفِ والأحكامِ الشرعيَّةِ، والخِطابُ لِكلِّ مَنْ يَتَأتّى منْه الرُؤيةُ مِنَ المُؤمنين وقيل: الخطابُ لِسَيِّدِ المُخاطَبين ـ صلى الله عليه وسلَّمَ: ألَا تَعْجَبُ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أمْرِ هَؤُلاءِ الذِينَ أُعْطُوا حَظّاً مِنَ الكُتُبِ السَّابِقَةِ كَيْفَ حُرِمُوا هِدَايَتَها، وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا ضِدَّهَا، فَهُمْ يَخْتَارُونَ الضَّلاَلَةَ لأَنْفُسِهِمْ، وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا بِهَا طَرِيقَ الحَقِّ القَوِيمِ، كَمَا ضَلُّوا هُمْ، وَهُمْ دَائِبُو الكَيْدِ لِيَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا. و"أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا كِتَابَهُمْ كُلَّهُ، لأنَّهُمْ لَمْ يَسْتَظْهِرُوهُ زَمَنَ التَّنْزِيلِ، كَمَا حَفِظَ المُسْلِمُونَ قُرآنَهُمْ، وَلَمْ يَكْتُبُوا مِنْهُ نُسَخاً مُتَعَدِّدَةً فِي العَصْرِ الأوَّلِ حَتَّى إذَا فُقِدَ بَعْضُهَا قَامَ مَقَامَهَا بَعْضٌ آخَرُ.وخِطابُ سيِّدِ القومِ في مَقامِ خِطابِهم والرؤيةُ بَصريَّةٌ، وتعدِّيها بـ "إلى" حملاً لَها على النَظَرِ، أي ألم تَنْظُرْ إليهم، وجَعلُها عِلْمِيَّةً وتَعدِّيها بـ "إلى لِتَضمينِها معنى الانْتِهاءِ، أيْ ألمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ إليْهم كائنٌ في مقامِ التَعجيبِ وتَشهيرِ شَنائِعِهم، ونَظمِها في سِلْكِ الأُمورِ المُشاهَدَةِ، والمُرادُ مِن الموصولِ يهودُ المَدينةِ.ورُويَ عنِ ابْنِ عبّاسٍ ـ رضيَ الله تعالى عنهما ـ أنَّها نَزَلتْ في رِفاعةَ بْنِ زَيْدٍ ومالكٍ بْنِ دَخْشَمٍ ،كانا إذا تَكَلَّمَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ لَوَيا لِسانَهُما وعاباه، وعنْه ـ رضي اللهُ عنه ـ أنَّها نَزَلَتْ في حَبْريْنِ كانا يأتيانِ رأسَ المُنافقين عبدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ ورَهْطَهُ يُثَبِّطانِهم عنِ الإسْلام. والمُرادُ مِنَ "الكِتابِ" التوراةُ، وقيل: الجِنْسُ، وقيل: المقصودُ بـ "الكتاب" القرآنُ لأنَّ اليَهودَ عَلِموا أنَّه كتابٌ حَقٌّ أَتَى بِهِ نَبِيٌّ صادقٌ لا شُبْهَةَ في نُبُوَّتِه. وقولُه: {نصيبًا} تعبيرٌ بالنَصيبِ المُشعِرِ بأنَّه حَقٌّ مِنْ حُقوقِهم التي تَجِبُ مُراعاتُها والمحافظة عليها، والتنوينُ للتَفْخيمِ، وقولُه تَعالى: {يَشْتَرُونَ الضلالة} استئنافٌ مبيِّنٌ لِمَناطِ التَشنيعِ ومدارِ التَعجيبِ المَفهوميْن مِنْ صدرِ الكلامِ مَبْنيٌّ على سؤالٍ نَشَأَ منه كأنَّه قيل: لم التعجُّبُ وماذا يَصنعون حتَّى يُنْظَرَ إليْهم؟ فقيل: يَختارون الضَلالَةَ على الهُدى بعدَ تَمَكُّنِهم منْه، أوْ حُصولِه لَهم بالفِعلِ بإنْكارِهم نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ. والمَعنى يأخُذونَ الرِشا ويُحرِّفون التوراةَ، فالضَلالَةُ هو هذا التحريفُ، أيْ اشْتَرَوْها بمالِ الرِّشا. قولُه تعالى: {وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السبيل} فهم لا يَكتفون بضلالِ أنْفُسِهم بلْ يُريدون بما فعلوا من تكذيبِ النبيِّ ـ صلى الله عليْه وسلَّمَ ـ وكتمِ نُعوتِه الناطقةِ بها التوراةُ أنْ تَكونوا أَنتُم أيْضاً ضالِّينَ الطريقَ المُستقيمَ المُوصِلَ إلى الحَقِّ، والتعبيرُ بصيغةِ المُضارِعِ في المَوْضِعيْنِ للإيذان بالاستمرارِ التَجَدُّدِيِّ فإنَّ تَجَدُّدَ حُكْمِ اشْتِرائهمُ المَذكورِ وتَكَرُّرَ العملِ بموجَبِه في قوَّةِ تَجَدُّدِ نفسِهِ وتَكَرُّرِهِ، وفي ذلك أيْضاً مِنَ التَشنيعِ ما لا يَخفى.قولُه تعالى: {مِنَ الكتاب} في محلِّ نصبٍ صفةً لـ "نصيباً" متعلِّقٌ بمحذوفِ، أو متعلِّقٌ بـ "أوتوا" أي: أوتوا من الكتابِ نَصيبًا. و"يَشْتَرُون" حالٌ، وفي صاحبِها وجهان، أحدُهما: أنَّه واوُ "أوتوا"، والثاني: أنَّه الموصولُ، وهي على هذا حالٌ مقدَّرةٌ، والمُشتَرى بِه مَحذوفٌ، أي: بالهُدى، كما صَرَّح به في مواضعَ. و"يريدون" عطفٌ على "يشترون". وقرأ النُخَعِيُّ: "ويُريدون أَنْ تَضُلُّوا" بتاءِ الخطاب، والمعنى: وتريدون أيُّها المؤمنون أنْ تَدَّعوا الصوابَ. وقرأ الحَسَنُ: "أن تُضِلُّوا" مِنْ "أَضَلَّ". وقُرئ: "أَنْ تُضَلُّوا السبيل" بضمِّ التاءِ وفتحِ الضادِ على ما لم يُسَمَّ فاعلُه. وقوله {السبيل} مفعولٌ بِه كقولِكَ: "أخطأ الطريق"، وليس بظرفٍ، وقيل: يتعدَّى بـ "عَنْ" تقول: "ضَلَلْتُ السبيلَ، وعنِ السبيلِ". | |
|