عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 30 الإثنين مايو 06, 2013 8:29 am | |
| وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً. (30) قولُه تعالى شأنه: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً} ذلِكَ: إِشَارَةٌ إِلَى الْقَتْلِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، وَقِيلَ: هُوَ عَائِدٌ إِلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَتْلِ النَّفْسِ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُمَا جَاءَ مُتَّسِقًا مَسْرُودًا، ثُمَّ وَرَدَ الْوَعِيدُ حَسَبَ النَّهْيِ. وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ عَلَى كُلِّ مَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الْقَضَايَا، مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ". وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: "ذلِكَ" عَائِدٌ عَلَى مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ آخِرِ وَعِيدٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً} النساء: 19. لِأَنَّ كُلَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ، إِلَّا مِنْ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ}. فَإِنَّهُ لَا وَعِيدَ بَعْدَهُ إِلَّا قَوْلَهُ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً}. وَالْعُدْوَانُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ. وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقُيِّدَ الْوَعِيدُ بِذِكْرِ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ لِيَخْرُجَ مِنْهُ فِعْلُ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ، وَذُكِرَ الْعُدْوَانُ وَالظُّلْمُ مَعَ تَقَارُبِ مَعَانِيهِمَا لِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِمَا، وَحَسُنَ ذلك في الكلامِ كما قال عديّ بنُ زيد:فقدَّدْتُ الأَديمَ لِراهِشيهِ ......................... وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًاوَحَسُنَ الْعَطْفُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، يُقَالُ: بُعْدًا وَسُحْقًا، وَمِنْهُ قَوْلُ يَعْقُوبَ ـ عليْه السلامُ: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} يوسف: 86. فَحَسُنَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللفظ. وقيلَ الإشارةُ هنا إلى أمرين هما أكلُ أموالِ النَّاسِ بالباطلِ وما يَتَضَمَّنُه مِن مَعاصٍ وطُرقٍ للشرِّ مختلِفةٍ، وما يَترتَّبُ عليْه مِن قتلِ نخوةِ الأُمَّةِ وتَفَرُّقِ أَمْرِها، وذَهابِ ريحها ووحدَتِها، وتَمَكُّنِ أعدائها منها. والنَصُّ تهديدٌ شديدٌ، والعُدوانُ والظلمُ مُتلاقيان في المَعنى، والجمعُ بينَهما كان لِيَشْمَلَ العَذابُ كلَّ أَحوالِ الارْتِكابِ، ولِيُخرِجَ ما كان غيرَ مقصودٍ، فمِنَ الظُلْمِ ما لَا يَكونُ مقصودًا لِمَنْ يُتْلِفُ مالَ غيرِهِ غيرَ قاصِدٍ، فإنَّه ظالمٌ ويُعوِّضُ ما تَلفَ، ولكن لَا يكونُ له ذلك العذابُ الشديدُ.وقولُه: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} نُصْلِيهِ: معناه نُمِسُّه حرَّها. وقد بيَّنّا مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيِ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رضي الله عنه ـ فِي الْعُصَاةِ وَأَهْلِ الْكَبَائِرِ لِمَنْ أُنْفِذَ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ، فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ. وإنَّ إنزالَ ذلك العذابِ الشديدِ ليسَ أمرًا على اللهِ عسيرًا، ولكنَّه على اللهِ تعالى يَسيرٌ سَهلٌ، ولذلك قال: "وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا" فكلُّ ما في الكونِ ما غابَ منْه وما ظَهرَ هو في قبضةِ يَدِهِ، وإنَّ بيانَ يُسْرِ هذا العذابِ فيه تهديدٌ أَشَدُّ، وفيه بيانٌ لِقُوَّةِ اللهِ تعالى وعَظَمَتِه في العقابِ وفي الثوابِ معًا. والمُمكِناتُ جميعُها بالنسبةِ إلى قُدرةِ اللهِ على السَوِيَّةِ، وحينئذٍ يَمْتَنِعُ أنْ يُقالَ إنَّ بعضَ الأفعالِ أيسَرُ عليْه مِن بعضٍ، بل هذا الخطابُ نَزَلَ على القولِ المُتعارَفِ بَينَنا أو يَكونُ معناهُ المُبالَغَةُ في التَهديدِ وهو أنَّ أحدًا لا يَقدِرُ على الهَرَبِ منْه ولا على الامْتِناعِ عليه.قولُه تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} مَنْ: شَرْطيَّةٌ مُبتَدَأٌ، "فسوف" الخبرُ، والفاء هنا واجبةٌ لعدمِ صَلاحِيَةِ الجوابِ للشَرْطِ، و"ذلك" إشارةٌ إلى قَتْلِ الأَنفُسِ. و"عدواناً وظلماً" حالانِ أي: مُعْتَدِيًا ظالِمًا أو مفعولٌ مِنْ أجلِها، وشروطُ النَّصْبِ مُتوفِّرةٌ. وقُرئ: "عِدواناً" بكسرِ العينِ.وقرأ الجُمهورُ "نُصْليه" مِن أصلى، والنونُ للتَعظيمِ. وقرأ الأعمشُ: "نُصَلِّيه" مُشَدَّدًا، وقرئ "نَصليه" بفتح النون، من صَلَيْتُه النارَ. ومنه "شاةٌ مَصْلِيَّة". و"يَصْليه" بياءِ الغيبةِ. وفي الفاعلِ احْتِمالان، أَحدُهما: أنَّه ضميرُ الباري تعالى. والثاني: أنَّه ضميرٌ عائدٌ على ما أُشيرَ بـ "ذلك" إليه مِنَ القتلِ، لأنَّه سببٌ في ذلك. ونَكَّرَ "ناراً" تعظيماً لها. | |
|