عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 63 الأربعاء مايو 22, 2013 8:02 am | |
| أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا. (63) قولُه ـ تعالى شأنه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أولئك الفارّون من حُكمِ اللهِ إلى حُكمِ الطّاغوت والشيطان والهوى، الزاعمون أنَّهم مِن أهلِ الإيمان والتقوى. يعلمُ اللهُ ما تُكِنُّ صدورهم من نفاق، وما هو دافُعُهم إلى أَعمالهم تلك، وسببُ خُروجِهم على حُكمِ الحَقِّ ورضاهم بحكمِ الهوى. وكانوا قد قالوا في الآيةِ السابقة: ما أَرَدْنا إلَّا عَدْلاً وحَقًّا مثلَ قولِه {ولَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنا إلَّا الحُسْنى} التوبة: 107. فكذَّبَهُمُ اللهُ بقوله: "أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم" مِنَ النِّفاقِ والعَداوةِ للحَقِّ، وكَذَّبَهم في عُذْرِهم هذا، والإبْهامُ في قولِه تعالى: "يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ" فلم يَذْكُرْ لَنا الحَقُّ ـ جَلَّ وعَلا ـ ما في قلوبِهم للإشارَةِ إلى خَفائِه إذْ يُخْفُونَهُ ويُبْدونَ غيرَه، وللإشارةِ إلى أنَّه شيءٌ كثيرٌ مِنْ فَسَادٍ وانْحِرافٍ نَفْسِيٍّ يُحْكِمونَ إخْفاءَهُ، وللإشارة كذلكَ إلى تَنَوُّعِه مِنْ رَغْبةٍ في الكَيْدِ والأَذى، والتَفريقِ بين المؤمنين، ومُمالأةِ المُشركين، وغير ذلك.وإذا كان اللهُ يُعلمُ ما في نفوسِهم عِلْمًا دَقيقًا، لَا يَغيبُ عنه شيءٌ؛ لأنَّه وحدَه العليمُ بذاتِ الصُدورِ الذي لَا يَخفى عليْه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، فإنَّه ـ سبحانَه وتعالى ـ مُجازيهم في الآخِرَةِ بأعمالِهم ودوافِعِها المَكنونةِ في قلوبِهم، إنِ استمرّوا على حالِهم، ولكنْ عليك أنتَ أيُّها الرسولُ أنْ تُبَلِّغَهمُ الحقَّ، وتَدعو إلى سبيلِ ربِّك بالحِكْمَةِ والمَوعِظةِ الحَسَنَةِ.قولُه: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} أي: إذا كانوا على هذه الدرجةِ من السُوءِ فأعرضْ عنهم، ولكن بيّن لهم وعِظْهم. وقيلَ أَعرِضْ عنهم في المَلأِ، وقلْ لَهم في الخَلْوةِ، لأنَّه في السِرِّ أَنْجَعُ، وقيلَ هذا الإعراضُ مَنْسوخٌ بآيةِ القِتالِ.وفي هذا النصِّ بيانٌ لِطُرُقِ عِلاجِ مُنحرفِيّ النفُوس إذا كانوا صالحين للعِلاجِ. فقد ذكرَ لنا الحَقُّ ـ سَبْحانَه ـ ثلاثَ مَراحلَ مُتَداخلةٍ للعِلاجِ، أُولاها: الإعراضُ عن هؤلاءِ المَرضى ـ مَرْضى النُّفوسِ ـ بألَّا يُقْبِلَ عَليهِم لِيَشعُروا باستنكارِه لأعمالِهم، وأنَّه غيرُ راضٍ عنهم، وذلك في غيرِ جَفْوَةٍ؛ لأنَّه إذا كانتِ الجَفوَةُ كانَ العِنادُ، فلا يُمكِنُ أنْ يَصِلَ إلى المَرحَلَةِ الثانيةِ. وهذه المرحلةُ الأُولى هي التي عَبَّرَ عنْها ـ سبحانَه ـ بقوله ـ تعالى: "فَأعْرِضْ عَنْهُمْ". الثانية: الوعظُ، وهو الزَّجْرُ معَ التَخويفِ بسوءِ العاقبَةِ والمآلِ ونَتائجِ أَعمالِهم، فإنَّ ذلك قد يَدفَعُهم إلى التَفكيرِ، ومعَ التَفكيرِ في العاقبةِ يَنفَتِحُ بابُ الهِدايةِ وسُلوكِ الطريقِ المُستقيمِ.قولُه: {وقل لهم في أنفسهم} أي في حَقِّ أنْفُسِهم الخَبيثةِ وقلوبِهِمُ المَنْطَوِيَةِ على الشُرورِ التي يَعْلَمُها اللهُ، وقيلَ مَعناه قُلْ لَّهم خاليًا بهم ليس معهم غيرهم. قولُه: {قولاً بليغاً} أي بالغاً في وَعظِهم ومؤثِّراً فيهم، واصلاً إلى كُنْهِ المُرادِ، مُطابِقًا لِما سِيقَ لَه مِنَ المَقصودِ، وذلك بأنْ يُوعِدَهم بِسَفْكِ دِمائهم وسَبْيِ نِسائهم وسَلْبِ أَموالِهم، والإيذانِ بأنَّ ما في قُلوبِهم مِنْ مَكنوناتِ الشَرِّ والنِّفاقِ غيرُ خافٍ على اللهِ تَعالى، وأنَّ ذلك مُستَوْجِبٌ لأشَدِّ العُقوبات.وقيلَ المُرادُ بالقولِ البَليغِ ما كان مُشْتَمِلاً على الترغيبِ والتَرهيبِ والإعْذارِ والإنْذارِ والوَعْدِ والوَعيدِ، وإذا كان كذلك عَظُمَ وَقعُه في القُلوبِ وأثرُه في النُفوسِ.قوله تعالى: {في أَنْفُسِهِمْ} فيه أَوْجُهٌ، أَوْجهُها: أنْ يَتَعلَّقَ بـ "قل" وفيه معنيان، الأوَّلُ: قلْ لَّهم خاليًا لا يَكونُ معهم أَحدٌ، لأنَّ ذلك أَدْعى إلى قَبولِ النَّصحيةِ. الثاني: قلْ لَّهم في معنى أنْفُسِهِمُ المُنْطَوِيَةُ على النِّفاقِ قولاً يَبْلُغُ بِهم ما يَزْجُرُهم عن العَوْدِ إلى النِّفاقِ. والثاني مِنَ الأَوْجُهِ أَنْ يَتَعلَّقَ بـ "بليغاً" أي: قوْلاً مؤثِّراً في قلوبِهم يَغْتَمُّون بِهِ اغْتِمامًا، ويَسْتَشْعِرون بِه اسْتِشْعاراً، وَقَدْ بَلُغَ الْقَوْلُ بَلَاغَةً، وَرَجُلٌ بَلِيغٌ يُبْلِغُ بِلِسَانِهِ كُنْهَ مَا فِي قَلْبِهِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَحْمَقُ بَلْغٌ وَبِلْغٌ، أَيْ نِهَايَةٌ فِي الْحَمَاقَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَبْلُغُ مَا يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ أَحْمَقَ. والبلاغَةُ إيصالُ المَعْنى إلى الفَهمِ في أَحْسَنِ صُورَةٍ مِنَ اللَّفْظِ، وقيلَ حُسْنُ العِبارَةِ مَعَ صِحَّةِ المَعنى، وقيلَ سُرْعَةُ الإيجازِ مَعَ الإفْهامِ وحُسْنِ التَصَرُّفِ مِنْ غيرِ إضْجارٍ، وقيلَ ما قَلَّ لفظُه وكَثُرَ معناهُ، وقيلَ ما طابَقَ لَفظُه مَعناهُ ولم يَكُنْ لَفظُهُ إلى السَمْعِ أَسْبَقَ مِنْ معناه إلى القلب.وهذا مَذْهَبُ الكُوفيّين، إذْ فيه تقديمُ معمولِ الصِفَةِ على المَوصوفِ، فلو قلتَ: جاءَ زيْداً رجلٌ يَضرِبُ. لم يَجُزْ عندَ البَصْرِيّين؛ لأنَّه لا يَتَقَدَّمُ المَعمولُ إلّا حيثُ يَجوزُ تقديمُ العامِلِ، والعاملُ هُنا لا يَجوزُ تقديمُه؛ لأنَّ الصِفَةَ لا تَتقدَّمُ على المَوصوفِ، والكُوفِيّون يُجيزون تقديمَ مَعمولِ الصِفةِ على المَوصوفِ. وأمَّا قولُ البَصْرِيين: إنَّه لا يَتقدَّمُ المَعْمولُ إلَّا حيثُ يَتَقَدَّمُ العاملُ ففيه بحثٌ، وذلك أنَّا وَجَدْنا هذه القاعدةَ مُنْخَرِمةً في قولِه: {فَأَمَّا اليتيمَ فَلاَ تَقْهَرْ وَأَمَّا السائلَ فَلاَ تَنْهَرْ} الضحى: 9 ـ 10. فـ "اليَتيمُ" معمولٌ لـ "تقهر"، و"السائل" معمولٌ لـ "تنهر" وقد تقدًّما على "لا" الناهيَةِ، والعاملُ فيهما لا يَجوزُ تقديمُه عَليْها، إذِ المَجزومُ لا يَتَقدَّمُ على جازِمِه، فقد تقدَّمَ المَعمولُ حيثُ لا يَتَقدَّمُ العاملُ، وكذلك قالوا في قولِه: قنافِذُ هَدَّاجون حولَ بيوتِهم ................... بما كان إيَّاها عطيَّةُ عَوَّداخَرَّجوا هذا البيتَ على أنَّ في "كان" ضميرَ الشأنِ، و"عَطِيَّةُ" مبتدأ و"عَوَّدَ" خبرُه، حتى لا يَليَ "كان" معمولُ خبرِها، وهو غيرُ ظرفٍ ولا شِبْهِه، فلَزِمَهم مِن ذلك تقديمُ المَعمولِ وهو "إياهم" حيثُ لا يَتقدَّمُ العاملُ؛ لأنَّ الخبرَ متى كان فعلاً رافعاً لِضميرٍ مُستَترٍ امْتَنَعَ تقديمُه على المبتدأ لِئَلّا يَلْتَبِسَ بالفاعِل، نحوَ: "زيدٌ ضَرَبَ عَمْراً" وأصلُ مَنْشَأِ هذا البحثِ تقديمُ خبرِ "ليس" عليها، أَجازَه الجُمهورُ لِقولِه تعالى: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} هود: 8. ووجهُ الدَّليلِ أنَّ "يومَ" معمولٌ لـ "مصروفاً"، وقد تقدَّم على "ليس" وتقديمُ المعمولِ يُؤْذِنُ بتقديمِ العاملِ، فَعُورضوا بما ذكرنا. الثالثُ: ونُقِلَ عن مُجاهدٍ أنَّه مُتَلِّعقٌ بـ "مصيبة" فهو التقديم والتأخير، وهو ضعيف. | |
|