هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا. (109)
قولُه ـ تبارك وتعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} خطابٌ للمدافعين عن المجرمين من بني أُبَيْرِق، المُجادلينَ بالباطلِ مؤذِنٌ بأنَّ تعديدَ جِناياتِهم يُوجِبُ مُشافَهَتَهم بالتوبيخِ والتَقريعِ، لَقَدْ جَادَلْتُمْ عَنِ السَّارِقِينَ، وَحَاوَلْتُمْ تَبْرِئَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا.
قولُه: {فَمَن يُجادِلُ اللهُ عَنْهُمْ يَوْمَ القيمةِ} فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَوْمَ يَكُونُ الخَصْمُ وَالحَاكِمُ هُوَ اللهُ، المُحِيطُ بِأَعْمَالِهِمْ، وَأَحْوَالِهِمْ، وَأَحْوَالِ الخَلْقِ كَافَّةً، والمُجادَلَةُ أَشَدُّ المُخاصَمَةِ فمَنْ يُخاصِمُه ـ سبحانَه ـ عنهم يومَ لا يكتُمون اللهَ حديثًا ولا يُغني عنهم مِنْ عذابِ اللهِ شيءٌ.
قولُه: {أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } أي حافظاً ومحامياً من بأسِ اللهِ ـ تعالى ـ وعقابِه ، وأصلُ معنى الوَكيلِ الشخصُ الذي تُوكَلُ الأُمورُ لَهُ وتُسْنَدُ إليه، وتَفسيرُه بالحافظِ المُحامي مَجازٌ من بابِ استِعمالِ الشيءِ في لازِمِ معناه.
فَعَلَى المُؤْمِنِينَ أَنْ يُرَاقِبُوا اللهَ، وَلاَ يَظُنُّوا أنَّ مَنْ أَمْكَنَهُ الفَوْزُ بِالحُكْمِ لَهُ مِنْ قُضَاةِ الدُّنْيا بِغَيرِ حَقٍّ، يُمْكِنُ أنْ يَظْفَرَ بِهِ فِي الآخِرَةِ.
قولُه تعالى: {هَا أَنْتُمْ هؤلاء جادلتم} ها: للتنبيه والزجر، وإنَّما جَمَعَ بيْنَ التَّنْبِيهَيْن للتَّوْكيدِ، و"أنتم" مبتدأ خبره "ألاء" ويَجوزُ أنْ يكون "أولاءِ" إسمًا موصولاً كما هو مذهبُ بعضِ النُّحاةِ في كلِّ اسمِ إشارةٍ. وجملةُ: "جادلتم" صلةُ الموصول، مُبَيِّنَةٌ لوقوع "أُلاءِ" خبراً.
وقولُه: {فَمَن يُجَادِلُ} مَنْ استفهاميَّةٌ في مَحَلِّ رفعٍ بالابتداءِ، و"يجادل" خبرُه.
وقولُه: {أم} منقطعةٌ، وقيلَ عاطفةٌ، وقيلَ: هي للاسْتِفهامِ.