عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 51 الخميس مايو 16, 2013 8:57 am | |
| أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا.
(51) قولُهُ ـ عزَّ من قائل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الكتاب يُؤْمِنُونَ بالجبت والطاغوت} تعجيبٌ آخر مِن حالٍ أُخْرى لليهود ووصفٌ آخر من أوصافهم بما في حَيِّزِ الصِلّةِ تشديداً للتَشنيعِ بهم وتأكيدًا للتعجُّيبِ من سلوكهم المريب وكذبهم وافترائهم، وقد تقدَّمَ نظيرُه، وقد نزلت هذه الآيةُ فيما رُويَ عن ابْنِ عبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنهما ـ في حُيَيٍّ بْنِ أَخْطَبٍ وكَعْبٍ بْنِ الأَشْرَفِ لمّا خرجوا في جَمعٍ مِنْ يهودٍ إلى مكَّةَ بعدَ وَقعَةِ أُحُدٍ لِيُحالِفوا قُريْشًا على رسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ ناقضين بذلك العَهدَ الذي كان بَيْنَهم وبيْنَ رسولِ اللهِ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ فنَزَلَ كَعبٌ على أبي سُفيان فأَحْسَنَ مَثواهُ ونَزَلَتِ اليَهودُ في دُورِ قُريْشٍ فقالَ أهلُ مَكَّةَ: إنَّكمْ أهلُ كتابٍ ومُحَمَّدٌ صاحبُ كتابٍ، فلا يؤمَنُ هذا أنْ يَكونَ مَكْرًا منكم، فإنْ أَردتَ أنْ نَخْرُجَ معَكَ فاسْجُدْ لِهذيْنِ الصَنَميْنِ وآمِنْ بِهِما ففَعَلَ، ثمَّ قال كعب: يا أهلَ مَكَّةَ لِيَجِئْ منكم ثلاثون ومنَّا ثلاثون فنَلزَقَ أكبادًنا بالكَعبةِ فنُعاهِدَ رَبَّ البيتِ لَنَجْهَدَنَّ على قتالِ محمَّدٍ ففعلوا ذلك، فلمَّا فَرَغوا قال أبو سفيان لِكعب: إنَّك امْرُؤٌ تقرأ الكِتابَ وتعلمُ ونَحنُ أُمِّيّون لا نعلمُ، فأَيُّنا أَهدى طريقًا وأقربُ إلى الحَقِّ نحنُ أمْ محمَّد؟ قال كعب: اعْرِضوا عليَّ دينَكم، فقالَ أبو سُفيان: نحن نَنْحَرُ للحَجيجِ الكَوْماءَ ونَسقيهِمُ اللَّبَنَ، ونُقْري الضَيْفَ، ونَفُكُّ العانِيَ، ونَصِلُ الرَّحِمَ، ونَعْمُرُ بيتَ ربِّنا ونَطوفُ به، ونحنُ أهلُ الحَرَمِ، ومحمَّدٌ فارَقَ دِينَ آبائه، وقَطَعَ الرَّحِمَ، وفارق الحَرَمَ، ودينُنا القديمُ ودينُ محمَّدٍ الحَديثُ، فقال كعب: أنتمْ واللهِ أَهْدى سَبيلاً مما عليه محمَّدٌ، فأنزَلَ اللهُ تعالى في ذلك هذه الآيةَ. قولُهُ: {أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الكتابِ} يَعني عندَهم صِلَةٌ وعلاقةٌ بالسَمَاءِ وبالرُسُلِ، وبالكُتُبِ المُنَزَّلَةِ مِن السماءِ على المرسلين، وهذه الكُتُبُ تحمِلُ مِناهجَ اللهِ، ولو كانوا ممّن ليس لهم مثلُ هذا الحَظِّ لعُذروا. إنَّما هؤلاءِ عندهم نَصيبٌ مِنَ الكِتابِ، وأُولى مَهامِّ الكُتُبِ السَماوِيَّةِ رَبطُ المَخلوقِ بالخالِقِ ـ سبحانه، وربطُ المَخلوقِ بالخالِقِ ينمّي قُدراتِ المخلوق ويقوّيها؛ لأنَّ أسبابَ اللهِ في الكونِ قد تَعِزُّ عليكَ، وقد تَفتقرُ إليهايدك. فإذا لم يَكن لكَ صلةٌ بالله فتلجأ إليه عند عزوفِ الأسبابِ عنك انْهَارْتَ قُواك، لكنَّ المُؤمنَ باللهِ إذا امتنعَ عنه السبب لجأ إلى مسبب الأسبابِ ـ سبحانه وتعالى.و"الجبت" في الأصلِ اسمُ صَنَمٍ فاسْتُعمِلَ في كلِّ مَعْبودٍ غيرِ اللهِ تعالى، و"الطاغوت" يُطلَقُ على كلِّ باطلٍ مِن مَعْبودٍ أو غيرِه. وعن عمرَ بْنِ الخطّابِ ومجاهدٍ ـ رَضيَ اللهُ تعالى عنهما: أنَّ الجِبْتُ الساحرُ والطاغوتُ الشيطان. وقيل غيرُ ذلك. ومعنى الإيمانِ بهما إمَّا التَصديقُ بأنَّهما من الآلهةِ وإشْراكُهما بالعبادةِ معَ اللهِ تَعالى، وإمَّا طاعتُهما وموافَقَتُهُما على ما هُما عليْه مِنَ الباطِلِ، وإمَّا القَدْرُ المُشتَرَكُ بيْن المَعْنَيَيْنِ كالتَعظيمِ مَثَلاً. والمُتبادَرُ المَعنى الأوَّلُ، أيْ أنَّهم يُصدِّقون بأُلوهيَّةِ هذيْن الصنمين الباطلين ويُشْرِكونَهُما في العِبادةِ مَعَ الإلهِ الحَقِّ ـ سبحانه وتعالى ـ ويَسْجُدون لَهُما.قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ} حالٌ: إمَّا مِنَ "الذين"، وإمَّا من واوِ "أُوتوا". و"بالجِبْتِ" متعلِّقٌ به، "ويقولون" عطفٌ عليه، و"للذين" متعلِّقٌ بـ "يقولون" واللام: تكون للتبليغِ وتكون للعِلَّةِ كَنظائرِها. قولُه: "وهؤلاء أَهْدَى" مبتدأٌ وخبرٌ في محلِّ نصبٍ بالقول. و"سبيلاً" تمييزٌ. ويمكن أنَّ تكون "يؤمنون" استِأنافًا، وكأنَّه تَعَجَّبَ مِنْ حالِهم، إذْ كان يَنبغي لِمَنْ أُوتيَ نَصيبًا مِنَ الكتابِ ألَّا يَفعَلَ شيئاً مِمَّا ذُكِرَ فيَكونُ جواباً لِسؤالٍ مُقدَّرٍ، كأنَّه قِيلَ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حالِ الذين أُوتوا نصيباً من الكتاب؟ فقيل: وما حالُهم؟ فقال: "يُؤمنون" و"يقولون"، وهذان مُنافيان لحالِهم.والجِبْتُ: هو الجِبْسُ بالسينِ المُهمَلةِ، أُبْدِلَتْ تاءً، ك"النات" في الناس، والـ "أَكياتِ" في الأكياس، كقولِ عِلْباءَ بنِ أَرْقَمَ:يا قَبَّحَ اللهُ بَنِي السِّعْلاتِ
عَمْرَو بنَ يَرْبُوعٍ شِرارَ النَّاتِ
لَيْسُوا أَعِفَّاءَ ولا أَكْيَاتِ والجِبْس: هو الذي لاخيرَ عندَه، يُقال: رجلٌ جِبْسٌ وجِبْتٌ أي: رَذْلٌ، قيل: وإنَّما ادَّعَى قلبَ السينِ تاءً لأنَّ مادَّةَ /جَ بَ تَ/ مهملةٌ، وهو قولُ قُطْرُب، وغيرُه يجعلُها مادةً مُستقِلَّةً، والطَّاغُوتُ: الكَاهِنُ، قالهُ سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وأبُو العَالِيَةِ، وقالَ عِكْرمَةُ: هما صَنَمانِ، وقال أبُو عُبَيْدَةَ: هُما كُلُّ مَعْبُودٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ.وقال عُمَر: الجِبْتُ: السِّحْرُ، والطاغُوتُ: الشَّيْطَانُ؛ وهو قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، ومُجاهِدٍ، وقال مُحمَّدُ بنُ سيرينَ، ومَكْحُولٌ: الجِبْتُ: الكاهنُ، والطَّاغُوتُ: السَّاحِرُ، ورُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: الجِبْتُ: ـ بلسانِ الحبَشَةِ: شَيْطَانٌ، ويُطلَقُ الجِبتُ على كلِّ ما عُبِدَ مِنْ دونِ اللهِ، ولذلك سَمَّوا به صنمًا بعينِه. وقال الضَّحَّاكُ: الجبتُ: حُيَيُّ بنُ أخْطب، والطَّاغُوتُ: كَعْبُ بنُ الأشْرَف، وقِيل: الجبتُ كُلُّ مَا حَرَّمَ اللهُ، والطاغوتُ: كُلُّ ما يُطْغي الإنْسانَ.وطاغوتُ كلِّ واحدٍ نَفسُه وهواه، وجِبْتُه هو مقصوده، فمن أطاع هوىً، فذلك هو جِبتُه وطاغوتُه. وأصحابُ الجِبْتِ والطاغوتِ يَستَوجِبون اللَّعْنَ؛ وهو الطردُ عن بِساطِ العُبوديّةِ، والحِجابُ عن شهودِ الربوبيَّة.ورَوى قَبيصةُ: أنَّ النبيَّ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ ـ قال: العِيَافَةُ: والطَّرْقُ، والطِّيرةُ: مِنَ الجِبْتِ. ومعنى الطَّرْقُ: الزَّجْرُ، وذلك أنهم كانوا إذا أرادوا أمراً زجروا الطيرَ فإنْ ذهبت إلى جهة اليمين تفاءلوا به وفعلوه وإن هي اتجهت إلى جهة الشمال تشاءموا فأعرضوا عن ذلك، والعِيَافَة: الحَظ: مثلها كأنْ تُضْرَبَ القِداحُ أوينثرَ الودعُ أو يُقرأَ الفنجانُ وما إلى ذلك. | |
|