عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 49 الأربعاء مايو 15, 2013 5:46 pm | |
| أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. (49) قولُه ـ سبحانَه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ} تعجيبٌ مِنَ اللهِ لِعِبادِهِ، وتَوبيخٌ للذين يُزَكُّون أَنفُسَهم مِنَ اليهودِ والنَصارى، ومَنْ نَحا نحوَهم مِن كلِّ مَنْ زكى نفسَه بأمرٍ ليس فيه.قال الإمامُ القشيريُّ رضي الله عنه في تفسيره المسمّى لطائف الإشارات: مَن رَكَنَ إلى تَزْكِيَةِ النّاسِ لَه، واسْتَحْلى قَبولَ الخَواصِّ لَه ـ فضلاً عن العَوام ـ فهو مَنْ زكَّى نَفْسَه، ورؤية النَّفْسِ أعظمُ حِجابٍ.وقد نَزَلَتْ هذه الآيةُ ـ فيما رواهُ الكلبيُّ ـ في رجالٍ مِنَ اليهودِ أَتَوْا رَسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ بأطفالِهم فقالوا: يا مُحَمَّدُ هلْ على أَولادِنا هؤلاءِ مِنْ ذَنْبٍ؟ فقال: لا. فقالوا: والذي يُحْلَفُ بِه ما نَحنُ فيه إلَّا كهيئتِهِم ما مِنْ ذَنْبٍ نَعمَلُه بالنّهارِ إلّا كُفِّرَ عنّا بالليلِ، وما مِنْ ذَنْبٍ نَعْمَلُهُ باللّيْلِ إلَّا كُفِّرَ عنّا بالنَهارِ. فهذا الذي زَكّوا بِه أنْفُسَهم. وأخرجَ ابْنُ جريرٍ عن الحسَنِ أنَّها نَزَلتْ في اليَهودِ والنَّصارى حيث قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ} المائدة: 18. وقالوا: {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصارى} البقرة: 111. والمعنى: انظر إليهم فتعجب من ادِّعائهم أنَّهم أزْكياءُ عندَ اللهِ تعالى معَ ما هُمْ عليْهِ مِنَ الكُفْرِ والإثْمِ العَظيمِ، أو مِنْ ادِّعائهمُ أنَّ اللهَ تعالى يُكفِّرُ ذُنوبَهم اللَّيْلِيَّةَ والنَهاريَّةَ مَعَ اسْتِحالَةِ أنْ يُغفَرَ لِكافرٍ شيءٌ مِنْ كُفرِهِ أو مَعاصيهِ، ويَشمَلُ هذا المعنى، كلُّ مَنْ زَكّى نفسَه وأثْنى عليْها لِغيرِ غَرَضٍ صحيحٍ كالتَحَدُّثِ بالنِعْمَةِ ونحوِهِ. قولُه: {بَلِ الله يُزَكّى مَن يَشَاء} إبْطالٌ لِتَزكِيةِ أنْفُسِهم وإثْباتٌ لِتَزكِيَةِ اللهِ تعالى لمن يَشاءُ تزكيتَه ممّنْ يَستَأهِلُ مِن عبادِه المؤمنين، إذْ هو العليمُ الخبيرُ. وأصلُ التزكيةِ التطهيرُ والتَنزيهُ مِنَ القَبيحِ قولاً ـ كما هو ظاهرٌ ـ أو فعلاً كقولِه تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاها} الشمس: 9، وكقولِه: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} التوبة: 103.قولُه: {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} أي يُعاقَبون بتلك الفَعْلَةِ الشنيعةِ، ولا يُظلَمون في ذلك العقابِ أدْنى ظُلْمٍ وأَصغَرَه، وهو المُرادُ بالفَتيل، وهو الخيطُ الذي في شِقِّ النَواةِ وكَثيراً ما يُضرَبُ بِه المثلُ في القِلَّةِ والحَقارَةِ، كالنَقيرِ للنُقرَةِ التي في ظَهرِها، والقِطْميرِ وهوَ قِشرَتُها الرَقيقةُ، والثُّفْروقِ وهو ما بيْنَ النواةِ والقِمْعِ الذي يَكونُ في رأسِ التَمرةِ كالعِلاقة بينهما. وقال ابنُ عبَّاسٍ وأبو مالكٍ والسديُّ رضيَ اللهُ تعالى عنهم: الفَتيلُ ما خَرَجَ بيْن إصبِعيْك وكفيْكَ مِنَ الوَسَخِ، حين تفركهما والمعنى، أنَّهم لا يُنْقَصون مِن ثوابِهم أصْلاً بلْ يُعطَوْنَهُ يومَ القيامةِ كاملاً مَعَ ما زَكّاهُمُ اللهُ تعالى ومَدَحَهم في الدُنيا. ومَنْ زَكاهُ اللهُ تعالى لا يُنْقِصُ أحدٌ مِنْ ثوابِه كما لا يستطيع أحدٌ أنُ يُنقِصَ شيئاً من عِقابِه. قولُه تعالى: {أَلَمْ تَرَ} تقدَّم مثلُه، و{بل} إضرابٌ عن تزكيتِهم أنفسَهم. وثمةَ جملةٌ مقدّرةٌ قبلَ هذا الإضرابِ تقديرها: أَخطؤوا بَلِ اللهُ يُزكّي مَن يَشاء.وقولُه: {وَلاَ يُظْلَمُونَ} يَجوزُ أنْ يَكونَ حالاً مِمَّا تقدَّم، وأَنْ يَكونَ مُستَأنَفًا، والضميرُ في "يُظْلمون" يَجوزُ أنْ يَعودَ على "مَنْ يَشاءُ" أي: لا يُنْقِصُ مِن تَزكِيَتِهم شيئًا، وإنَّما جَمَعَ الضميرَ حَمْلاً على معنى "مَنْ"، وأنْ يعودَ على الذين يُزَكُّون، وأنْ يَعودَ على القَبيليْن: مَنْ زكَّى نفسَه ومَنْ زكَّاهُ الله، فذاك لا يُنْقِصُ مِنْ عِقابِه شيئًا، وهذا لا يُنْقِصُ مِنْ ثوابِه شيئاً. والأولُ أظهرُ؛ لأنَّ "مَنْ" أقربُ مذكورٍ، ولأنَّ "بل" إضرابٌ منقطعٌ ما بعدَها عَمَّا قبلَها. ويجوزُ أنْ يَكونَ مُستأنَفاً أي: مَنْ زَكَّى نفسَه، ومَنْ زَكَّاه الله. فيعود الضميرِ على الفريقين بناءً على وجهِ الاستئنافِ، ويجوزُ عَوْدُه عليهما والجملةُ حاليةٌ.و{فَتِيلاً} مفعولٌ ثانٍ، لأنَّ الأولَ قامَ مَقامَ الفاعِلِ، ويَجوزُ أنْ يَكونَ نَعتَ مصدرٍ مَحذوفٍ، كما تقدَّم تقريرُه في {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} النساء: 40. | |
|