عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 199 الجمعة أبريل 19, 2013 2:36 am | |
| وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.
(199) قولُهُ ـ تبارك وتعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ..} يُخْبِرُ اللهُ ـ تَعَالَى ـ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ حَقَّ الإِيمَانِ، وَيُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ، مَعَ إيمَانِهِمْ بِمَا فِي الكُتبِ المُتَقَدِّمَةِ، وَأنَّهُمْ خَاشِعُونَ مُطِيعُونَ للهِ، لاَ يَكْتُمُونَ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ البِشَارَةِ بِمُحَمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ، وَصِفَتِهِ وَنَعْتِهِ وَمَبْعَثِهِ لِقَاءَ عَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا زَائِلٍ. {لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَناً قَلِيلاً}. وَهَؤُلاَءِ لَهُمْ أَجْرَهُمْ، وَسَيُلاَقُونَهُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ. وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشَةِ إذْ صَلَّى عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ صَلاَةَ الغَائِبِ، فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ أيَأمُرُنَا أنْ نُصَلِّي عَلَى عِلْجٍ مَاتَ فِي الحَبَشَةِ؟. فقد أخرجَ ابنُ جريرٍ عن جابرٍ أنَّ النبيَّ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ قال لمَّا ماتَ النَّجاشيُّ: ((اخرُجوا فصلّوا على أخٍ لكم))، فخرجَ فصلَّى بِنا فكبَّرَ أربعَ تكبيراتٍ، فقالَ المنافقون: انظُروا إلى هذا يُصلي على عِلْجٍ نَصرانِيٍّ لمْ يَرَهُ قَطُّ). فأنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ. ورُوي ذلك أيضاً عنِ ابنِ عبَّاسٍ وأنسٍ وقَتادة، وعن عطاء أنَّها نَزَلتْ في أربعينَ رَجُلاً مِنْ أهلِ نَجرانَ مِنْ بَني الحَرْثِ بنِ كَعبٍ اثنينِ وثلاثينَ مِن أرضِ الحَبَشةِ وثمانيةٍ منْ الرومِ كانوا جميعاً على دينِ عيسى ـ عليه السلامُ ـ فآمَنوا بالنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلَّم؛ ورُويَ عنِ ابْنِ جُريْجٍ وابنِ زيدٍ. وابنِ إسحقَ أنَّها نَزَلتْ في جماعةٍ مِنَ اليهودِ أَسلَموا، منهم عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ ومَنْ مَعَه. وعن مُجاهد أنَّها نَزَلَتْ في مؤمِني أهلِ الكِتابِ كلِّهم، والرواية الأولى هي الأشهرُ وأنَّها نَزَلتْ في النَجاشيِّ وهو لقبُ كلِّ مَنْ مَلَكَ الحَبَشةَ واسمُه أَصْحَمَةُ، وقد تُوفّيَ في رجبٍ سنةَ تِسْعٍ، وسيقت الجملةُ لبيانِ أنَّ أهلَ الكتابِ ليس كلُّهم كَمَنْ حُكيتْ هِناتُهم من نبذِ الميثاقِ، وتحريفِ الكِتابِ، وغيرِ ذلك، بل منهم مَن له مَناقِبُ جَليلةٌ، وفيها تعريضٌ بالمُنافقين الذين هم أقبحُ أصنافِ الكُفّارِ وبهذا يَحصُلُ رَبطٌ بيْن هذه الآيةِ وما قبلَها من الآيات، وإذا لاحظتَ اشتراكَ هؤلاءِ معَ أولئك المؤمنين فيما عندَ اللهِ من الثوابِ قويتِ المُناسبةُ. وقولُه: {خاشعين للَّهِ} أي خاضعين له ـ سبحانَه، وقال ابنُ زيدٍ: خائفين متذلِّلين، وقال الحسنُ: الخُشوعُ الخوفُ اللازمُ للقلبِ مِنَ اللهِ ـ تعالى. وقولُه: {أولئك} أي الموصوفون بما ذُكِرَ من الصفات الحميدةِ، واختيارُ صيغةِ البُعدِ للإيذانِ بعلُوِّ مرتَبَتِهم وبُعْدِ منزلتِهم في الشرفِ والفضيلةِ. قولُه: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ} أي ثوابُ أعمالِهم وأجرُ طاعتِهم، والإضافةُ للعهدِ أيْ الأجرِ المُختَصِّ بهم الموعودِ لهم بقولِه ـ سبحانه: {أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} القصص: 54. وقولِه ـ تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} الحديد: 28. وفي التعبير بعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم ما لا يَخفى مِن اللُّطفِ. قولُه: {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} إمّا كِنايةً عن كمالِ عِلمِه ـ تعالى ـ بمقاديرِ الأُجورِ ومَراتِبِ الاسْتِحقاقِ وأنَّه يُوفِّيها كلَّ عاملٍ على ما ينبغي وقدرِ ما ينبغي وحينئذٍ تكون الجملة استئنافاً وارداً على سبيل التعليل لقوله تعالى: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ} أو تذييلاً لبيانِ علَّةِ الحُكمِ المُفادِ بما ذُكر، وإمّا كنايةً عن قُربِ الأجرِ الموعودِ فإنَّ سُرعةَ الحِسابِ تستدعي سُرعةَ الجَزاء، وحينئذٍ تكون الجملةُ تكميلاً لِما قبلَها فإنّه في معنى الوعدِ كأنَّه قيلَ : لهم أجرٌ عندَ ربِّهم عن قريبٍ، وفصِّلت لأن الحكم بقرب الأجر مما يؤكد ثبوتَه، ثمَّ لمّا بيَّن ـ سبحانه ـ في تَضاعيفِ هذه السورةِ الكريمةِ ما بيَّنَ مِن الحِكَمِ والأَحكامِ وشَرحَ أحوالَ المؤمنينَ والكافرين، وما قاساه المؤمنون الكرامُ من أولئك اللِّئامِ مِن الآلامِ، ختَمَ السورةَ بما يَضوعُ منْه مِسْكُ التَمَسُّك بما مَضى.قوله ـ تعالى: {وإنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ} مِنْ أَهْلِ: خبرٌ مقدَّمٌ، و"لَمَنْ" اللامُ لامُ الابتداءِ دَخَلَتْ على اسْمِ "إنَّ" لتأخُّرِه عنها. و"مَنْ" يجوزُ أنْ تَكونَ موصولةً، وهو الأظهرُ، وموصوفةً أي: لَقوماً، و"يؤمِنْ" صلةٌ على الأوَّلِ فلا محلَّ له، وصفةٌ على الثاني فمحلُّه النَّصبُ، وأتَى هنا بالصلةِ مستقبَلةً وإنْ كان ذلك قد مضى، دَلالةً على الاسْتِمرارِ والديمومةِ.قوله: {خَاشِعِينَ} فيه أربعةُ أوْجُهٍ، أحدُها: أنَّه حالٌ من الضمير في "يؤمنُ"، وجَمَعَه حَمْلاً على معنى "مَنْ" كما جَمَع في قولِه: "إليهم"، وبدأ بالحَمْلِ على اللفظِ في "يُؤمِنُ" على الحَمْلِ على المعنى لأنَّه الأَوْلى. الثاني: أنَّه حالٌ مِنَ الضميرِ في "إليهم"، فالعاملُ فيه "أُنزل". الثالث: أنَّه حالٌ من الضميرِ في "يَشْترون"، وتقديمُ ما في حَيِّزِ "لا" عليها جائزٌ على الصحيح. الرابع: أنَّه صفةٌ لـ "مَنْ" إذْ قيلَ بأنَّها نَكِرةٌ مَوصوفةٌ، وأمَّا الأوْجُهُ فجائزةٌ سواءً كانت موصولةً أو نَكِرةً مَوصوفةً.قوله: {لله} متعلِّقٌ بـ "خاشعين" أيْ لأجلِ الله. أو متعلِّقٌ بـ "لا يَشْتُرون" وهو في نِيَّةِ التأخيرِ، أي: لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً لأجلِ الله.قولُه: {لاَ يَشْتَرُونَ} كقولِه: "خاشعين" إلا في الوجهِ الثالثِ لِتعَذُّرِه، ونَزيدُ عليه وجهاً آخرَ: وهو أنْ يكونَ حالاً من الضميرِ المُستَكِنِّ في "خاشعين" أي: غيرَ مشترين. قولُه: {أولائك لَهُمْ أَجْرُهُمْ} أولئك: مبتدأٌ. وأمَّا "لَهُمْ أَجْرُهُمْ" ففيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنْ يكونَ "لهم" خبراً مقدَّماً، و"أجرهم" مبتدأ مؤخرٌ، والجملةُ خبر الأوَّل، وعلى هذا فالظرف متعلقٌ بـ "أجرهم"، أو حالٌ من الضميرِ في "لهم" وهو ضميرُ الأجرِ لأنَّه واقعٌ خبراً.الوجه الثاني: أنْ يرتفعَ "أجرُهم" بالجارِّ قبلَه، وفي الظرفِ الوجهانِ، إلاَّ أنَّ الحالَ من "أجرهم" الظاهرُ، لأنَّ "لهم" لا ضميرَ فيه حينئذٍ. الثالث: أنَّ الظرفَ هو خبرُ "أجرهم" و"لهم" متعلِّقٌ بما تعلَّقَ به هذا الظرفُ من الثبوتِ والاستقرار. ومن هنا إلى آخر السورة تقدَّمَ إعرابُ نظائِرِه. | |
|