روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 75

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  75 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  75 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 75   فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية:  75 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 22, 2012 11:57 am

وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ
بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَا
يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا
لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ



(75)


قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَمِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
} كعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ النَصرانيِّ، أودعه رجلٌ من قريشٍ قنطاراً ذهباً خالصاً فأدى
الأمانة. {
وَمِنْهُمْ
مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ
} مثلَ فِنْحَاص بْنِ عَازُورَاءَ الْيَهُودِيُّ،
أَوْدَعَهُ رَجُلٌ دِينَارًا فَخَانَهُ. وَقِيلَ: هو كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ.



يخْبرُنا
ـ تَعَالَى ـ أَنَّ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ الْخَائِنَ وَالْأَمِينَ،
وَالْمُؤْمِنُونَ لَا يُمَيِّزُونَ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي اجْتِنَابُ جَمِيعِهِمْ.
وَخَصَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ كَذَلِكَ،
لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِيهِمْ أَكْثَرُ، فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَلَى الْغَالِبِ.
وَمَنْ حَفِظَ الْكَثِيرَ وَأَدَّاهُ فَالْقَلِيلُ أَوْلَى، وَمَنْ خَانَ فِي
الْيَسِيرِ أَوْ مَنَعَهُ فَذَلِكَ فِي الْكَثِيرِ أَكْثَرُ. وَذَكَرَ تَعَالَى
قِسْمَيْنِ: مَنْ يُؤَدِّي وَمَنْ لَا يُؤَدِّي إِلَّا بِالْمُلَازَمَةِ عَلَيْهِ،
وَقَدْ يَكُونُ مِنَ النَّاسُ مَنْ لَا يُؤَدِّي وَإِنْ دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا.
فَذَكَرَ تعالى القسمين.



وقد
اسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي مُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: "
إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً" وَأَبَاهُ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ، كما تَقَدَّمَ
فِي الْبَقَرَةِ. كما اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَلَى حَبْسِ
الْمِدْيَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "
وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لَا يُؤَدِّهِ
إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً
"
فَإِذَا كَانَ لَهُ مُلَازَمَتُهُ وَمَنْعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ، جَازَ حَبْسُهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى "
إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً" أَيْ بِوَجْهِكَ فَيَهَابُكَ وَيَسْتَحِي مِنْكَ،
فَإِنَّ الْحَيَاءَ فِي الْعَيْنَيْنِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَطْلُبُوا مِنَ الْأَعْمَى حَاجَةً فَإِنَّ
الْحَيَاءَ فِي الْعَيْنَيْنِ. وَإِذَا طَلَبْتَ مِنْ أَخِيكَ حَاجَةً فَانْظُرْ
إِلَيْهِ بِوَجْهِكَ حَتَّى يَسْتَحِيَ فَيَقْضِيهَا. وَيُقَالُ: "
قائِماً" أَيْ مُلَازِمًا لَهُ، فَإِنْ أَنْظَرْتَهُ
أَنْكَرَكَ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْقِيَامِ إِدَامَةَ الْمُطَالَبَةِ لَا عَيْنَ
الْقِيَامِ.



والْأَمَانَةُ
عَظِيمَةُ الْقَدْرِ فِي الدِّينِ، وَمِنْ عِظَمِ قَدْرِهَا أَنَّهَا تَقُومُ هِيَ
وَالرَّحِمِ عَلَى جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. فَلَا
يُمَكَّنُ مِنَ الْجَوَازِ إِلَّا مَنْ حَفِظَهُمَا. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ
حُذَيْفَةَ قَالَ حَدَّثَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
رَفْعِ الْأَمَانَةِ، قَالَ: ((يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ
الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ)) الْحَدِيثَ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ
فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمْقَتًا
فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمْقَتًا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ
فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا
فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا نُزِعَتْ منه
الرَّحْمَةُ فَإِذَا نُزِعَتْ
مِنْهُ الرَّحْمَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا فَإِذَا لَمْ
تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا نُزِعَتْ مِنْهُ رِبْقَةُ الْإِسْلَامِ)).



ولَيْسَ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَعْدِيلٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا لِبَعْضِهِمْ خِلَافًا
لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ فُسَّاقَ الْمُسْلِمِينَ يُوجَدُ فِيهِمْ
مَنْ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ وَيُؤْمَنُ عَلَى الْمَالِ الْكَثِيرِ وَلَا
يَكُونُونَ بِذَلِكَ عُدُولًا. فَطَرِيقُ الْعَدَالَةِ وَالشَّهَادَةِ لَيْسَ
يُجْزِئُ فِيهِ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ فِي الْمَالِ مِنْ جِهَةِ الْمُعَامَلَةِ
وَالْوَدِيعَةِ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُمْ: "
لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ" فَكَيْفَ يُعَدَّلُ مَنْ يَعْتَقِدُ اسْتِبَاحَةَ
أَمْوَالِنَا وَحَرِيمِنَا بِغَيْرِ حَرَجِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ
كَافِيًا فِي تَعْدِيلِهِمْ لَسُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
ذلِكَ
بِأَنَّهُمْ قالُوا
}
يَعْنِي الْيَهُودَ {
لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} قِيلَ: إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا بَايَعُوا
الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ أَيْ
حَرَجٌ فِي ظُلْمِهِمْ لِمُخَالَفَتِهِمْ إِيَّانَا. وَادَّعَوْا أَنَّ ذَلِكَ فِي
كِتَابِهِمْ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: {
بَلى} أَيْ بَلَى عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ الْعَذَابِ
بِكَذِبِهِمْ وَاسْتِحْلَالِهِمْ أَمْوَالَ الْعَرَبِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ
الزَّجَّاجُ: وَتَمَّ الْكَلَامُ. ثُمَّ قَالَ: {مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى}
آل عمران: 76. وَيُقَالُ: إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدِ اسْتَدَانُوا مِنَ
الْأَعْرَابِ أَمْوَالًا فَلَمَّا أَسْلَمَ أَرْبَابُ الْحُقُوقِ قَالَتِ اليهود:
ليس لكم علينا شيءٌ، لِأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ دِينَكُمْ فَسَقَطَ عَنَّا
دَيْنُكُمْ. وَادَّعَوْا أَنَّهُ حُكْمُ التَّوْرَاةِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "بَلى"
رَدًّا لِقَوْلِهِمْ "
لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ". أَيْ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ
فَقَالَ: "مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى" الشِّرْكَ فَلَيْسَ مِنَ
الْكَاذِبِينَ بَلْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.



قَالَ
رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّا نُصِيبُ فِي الْعَمْدِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ
الذِّمَّةِ الدَّجَاجَةَ وَالشَّاةَ وَنَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ
بَأْسٌ. فَقَالَ لَهُ: هَذَا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ "
لَيْسَ عَلَيْنا فِي
الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
"
إِنَّهُمْ إِذَا أَدَّوُا الْجِزْيَةَ لَمْ تَحِلَّ لَكُمْ أَمْوَالُهُمْ إِلَّا
عَنْ طِيبِ أنفُسِهم، ذكره عبد الرازق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
الْهَمْدَانِيِّ عَنْ صَعْصَعَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ،
فَذَكَرَهُ.



قَوْلُهُ
تَعَالَى: {
وَيَقُولُونَ
عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
)
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُجْعَلُ أَهْلًا لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ،
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُ بأنه كذاب. وفية ردٌّ عل الْكَفَرَةِ الَّذِينَ
يُحَرِّمُونَ وَيُحَلِّلُونَ غَيْرَ تَحْرِيمِ اللَّهِ وَتَحْلِيلِهِ وَيَجْعَلُونَ
ذَلِكَ مِنَ الشَّرْعِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمِنْ هَذَا يَخْرُجُ الرَّدُّ
عَلَى مَنْ يَحْكُمُ بِالِاسْتِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَسْتُ أَعْلَمُ
أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ قَالَهُ. وَفِي الْخَبَرِ: لَمَّا نَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ما شيءٌ
كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا وَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ إِلَّا الْأَمَانَةُ
فَإِنَّهَا مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ)).



قوله
تعالى: {
مَنْ
إِن تَأْمَنْهُ
} مَنْ: مبتدأٌ، و{مِنْ أهلِ}
خبرُه، قُدِّمَ عليه و"
مَنْ":
إمّا موصولةٌ وإمَّا نَكِرَةٌ، و"إِنْ تَأْمَنْهُ يُؤدِّه" هذه الجملة
الشرطية: إمَّا صِلةٌ فلا محلَّ لها، وإمَّا صفةٌ فمحلُّها الرفع.



وقرأَ
أُبَيٌّ: "تِئْمَنْهُ" في الحرفين، و{مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا} يوسف: 11
بكسر حرفِ المُضارَعَة، وكذلك ابنُ مسعودٍ والأشْهَبُ العَقيلي، إلَّا أنَّهُما
أَبْدلا الهَمزَة ياءً.



والدينار
أصله "دِنَّار" بنونين، فاسْتُثْقِلَ توالي مِثْلِين فأَبدَلوا أَوَّلَهُما
حرفَ عِلَّةٍ تَخفيفًا لِكَثْرَةِ دَوْرِه في لِسانِهم، ويَدُلُّ على ذلك رَدُّه
إلى النونيْن تَكسيرًا وتَصغيرًا في قولهِم: دَنانير ودُنَيْنِير، مثلُه: قيراط:
أصله قِرَّاط بدليل قراريط وقُرَيْرِيط كما قالوا: تَظَنَّيْت وقَصَّيْت أظفاري،
يريدون تَظَنَّنْت وقَصَّصت بثلاث نونات وثلاث صادات. والدينار مُعَرَّب.



وقرأ
أبو عَمْرٍو وحمزة وأبو بكر عن عاصم: "يُؤَدِّهْ" بسكون الهاءِ في
الحرفين، وقرأ قالون: يُؤَدِّه بِكسرِ الهاء مِن دونِ صِلَةٍ، والباقون بكسرِها مَوصولَةً
بياء، وعن هشام وجهان، أحدُهما: كقالون، والآخرُ كالجماعة.



فأمَّا
قراءةُ أبي عَمْرٍو ومَن ذُكِر معه فقد خَرَّجوها على أَوْجُه أَحسَنُها أنَّه
سُكِّنتْ هاءُ الضميرِ إجراءً للوَصْلِ مُجْرى الوَقْفِ، وهو بابٌ واسِعٌ نحو:
{يَتَسَنَّهْ وانْظُرْ} البقرة: 259 و{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} البقرة: 258، وأنشَد
ابنُ مُجاهِدٍ على ذلك قولَه:



وأشربُ الماءَ ما بي نحوه عطشٌ .............. إلا لأنَّ
عيونَه سيلُ وادِيها



وأنشد
الأخفش على ذلك أيضاً:



فَظَلْتُ لدى البيتِ العتيقِ أُخيلُه ..............
ومِطْواي مُشتاقان لَهُ أَرِقانِ



إلاَّ
أنَّ هذا يَخُصُّه بعضُهم بضرورةِ الشِعْرِ، وليس كما قال لما سيأتي.



وقد
طعن بعضهم على هذه القراءة فقال الزجاج: هذا الإِسْكانُ الذي رُوِي عن هؤلاء غلطٌ
بَيِّنٌ، لأنَّ الهاءَ لا يَنبغي أنْ تُجْزمَ، وإذا لم تجزمْ فلا تُسَكَّنُ في
الوصلِ، وأمَّا أبو عَمْرٍو فأرَاه كان يَختلِسُ الكَسْرَةَ فَغُلِطَ عليْه كما
غُلِطَ عليه في {بَارِئِكُمْ} البقرة: 54، وقد حَكَى عنه سيبويهِ وهو ضابطٌ لِمِثْلِ
هذا أنَّه كان يَكسِرُ كَسْرًا خَفيًّا، يعني يَكسِرُ في "بارئكم" كَسْرًا
خفيًّا فظنَّه الراوي سكونًا. وهذا الردُّ منَ الزَّجاجِ ليس بشيءٍ لوُجوهٍ منها:
أنَّه فَرَّ مِنَ السُكونِ إلى الاخْتِلاسِ، والذي نَصَّ على أنَّ السُّكونَ لا يَجوزُ
نَصَّ على أنَّ الاختِلاسَ أيْضاً لا يَجوزُ، بل جَعَلَ الإِسْكانَ في الضَرورةِ
أحسنَ منه في الاختِلاسِ قال: ليَجري الوصلُ مُجْرى الوَقْفِ إجراءً كاملاً،
وَجَعَلَ قولَه "عيونَهْ سيلُ واديها" أحسَنَ من قول سيبويهِ يصف جَملاً:



أوْ مُعْبَرُ الظَّهْرِ يُبْنِي عَنْ وَلِيَّتِهِ.... . . ... ما حَجَّ ربَّهْ في
الدنيا ولا اعتَمَرا



حيث
سَكَّنَ الأوَّل واختلسَ الثاني.



ومنها:
أنَّ هذهِ لغةٌ ثابتةٌ عن العربِ حَفِظَها الأَئِمَّةُ الأَعْلامُ كالكسائي
والفراء، وحكى الكسائي عن بني عُقيْلٍ وبني كِلاب: {إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ
لَكَنُودٌ} العاديات: 6 بسكونِ الهاءِ وكسرِها مِن غيرِ إشباعٍ، ويقولون: "لَهْ
مالٌ ولَهُ مالٌ" بالإِسْكانِ والاخْتِلاسِ. وقال الفراء: "مِن العرب
مَنْ يَجزِمُ الهاءَ إذا تحرَّكَ ما قبلَها فيقولون: ضربتُهْ ضربًا شديداً،
فيسكنون الهاء كما يُسكنون ميم "أنتم" و"فمنهم" وأصلُها الرفع.



وزعم
بعضهم أن الفعل لَمَّا كان مجزوماً وحَلَّتِ الهاءُ محلَّ لامه جرى عليها ما يجري
على لام الفعل من السكون للجزم وهو غير سديد. وأما قراءة قالون فأنشدوا عليها للشماخ
بن ضرارٍ يصف حمارًا وحشيًّا:



لَهُ زَجَلٌ كأنه صوتُ حادٍ ...................... إذا طَلَبَ الوسِيقَةَ أو زَمِير


وقول
الآخر:



أنا ابنُ كِلابٍ وابنُ أوسٍ فَمَنْ يَكُنْ ............
قناعهُ مَغْطِيَّاً فإنِّي لَمُجْتَلِي



وقد تقدَّم
أنها لغةُ عقيل وكلاب أيضاً.



وأمَّا
قراءةُ الباقين فواضحةٌ. وقرأ الزهري: "يُؤَدِّهو" بضم الهاء بعدها واو،
وقد تقدَّم أنَّ هذا هو الأصلُ في هاءِ الكناية، وقرأ سلام كذلك، إلا أنَّه ترك
الواو فاختلس، وهما نظيرتا قراءَتَيْ: "يؤدِّ هي ويؤدِّهِ" بالإِشباع
والاختلاس مع الكسر.



ومتى
جاءت الهاء بعد فعلٍ مجزوم أو أمرٍ معتلِّ الآخرِ جرى فيها هذه الأوجه الثلاثةُ
أعني السكونَ والاختلاسَ والإِشباعَ وذلك: {نُؤْتِهِ مِنْهَا} آل عمران: 145 و{يَرْضَهُ
لَكُمْ} الزمر: 7 {نُوَلِّهِ مَا تولى} النساء: 115 {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}
النساء: 115 {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} النمل: 28، وقد جاء ذلك في قراءة السبعة أعني
الأوجُه الثلاثةَ في بعضِ هذه الكلمات، وبعضها لم يأتِ فيه إلَّا وجهان، وسيأتي
ذلك مفصَّلاً في سُورِهِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى، والسرُّ فيه أنَّ الهاءَ التي
للكناية متى سَبَقها متحركٌ فالفصيحُ فيها الاشباعُ نحو: إنَّه، وبِهِ، ولَه، وإنْ
سَبَقها ساكنٌ فالأشهرُ الاختلاسُ، وسواءً كان ذلك الساكن صحيحاً أو معتلاً نحو:
فيه ومنه، وبعضُهم يُفَرِّق بين المعتلِّ والصحيح، وهذه الكلماتُ المشارُ إليها
إنْ نَظَرْنا إلى اللفظ فقد وَقَعتْ بعد متحركٍ فحقُّها أَنْ تُشْبَعَ حركتُها
موصولةً بالياء أو الواو، وإن سَكَنَتْ فلِما تقدَّم من إجراءِ الوَصْلِ مُجْرى
الوقف، وإنْ نظرنا إلى الأصلِ فقد سَبَقَها ساكنٌ وهو حرفُ العِلَّةِ المحذوفُ
للجزم، فلذلك جاز الاختلاسُ، وهذا أصلٌ نافعَ يَطَّرِدُ معك عند قُرْبِك في هذا
الكتاب من هذه الكلماتِ.



قوله:
"
بدينار" في هذه الباءِ أوجهٌ، أحدُها: أنها على أصلها من
الإِلصاق وفيه قلقٌ، والثاني: أنها بمعنى في، ولا بُدَّ من حذف مضاف أي: في حفظِ
دينارٍ وفي حفظ قنطار. والثالث: أن الباء بمعنى على، وقد عُدِّي بها كثيراً: {لاَ
تَأْمَنَّا على يُوسُفَ} يوسف: 11 {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ
أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ} يوسف: 64 وكذلك هي في "
بقنطار".


قوله:
{
إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} استثناءٌ مفرغ من الظرف العام، إذا التقدير: لا
يُؤدِّه إليك في جميع المدد والأزمنة إلَّا في مدَّة دوامك قائماً عليه متوكلاً به.
ودُمْتَ هذه هي الناقصة ترفع وتنصب، وشرطُ إعْمالِها أَنْ يتقدَّمَها "
ما" الظرفيَّةُ كهذه الآية، إذِ التقديرُ إلَّا مُدَّةَ
دوامك، ولا يَتصرَّفُ، فأمَّا قولُهم، "يدومُ" فمضارعُ "دام"
التامَّة بمعنى بقي، ولكونِها صلةً لـ "
ما"
الظرفيَّة لَزِمَ أنْ تكونَ محتاجَةً إلى كلامٍ آخرَ لتعملَ في الظرف نحو: "لا
أصحبُك ما دمت باكياً"، ولو قلت: "ما دام زيد قائماً" من غير شيءٍ
لم يكن كلاماً.



وجَوَّز
أبو البقاء في "
ما"
هذه أن تكونَ مصدريَّةً فقط، وذلك المصدرُ المنسبك منها ومِنْ دام في محلِّ نصب على
الحال، وهو استثناء مفرغٌ أيضاً من الأحوال المقدَّرة العامة، والتقدير: إلاَّ في
حال ملازمتِك له، وعلى هذا فتكون "دام" هنا تامَّةً لِما تقدم مِنْ أنَّ
تقدُّم الظرفيَّةِ شرطٌ في إعْمالِها، وإذا كانت تامَّة انتصبَ "قائمًا"
على الحال.



ويقال:
دامَ يدوم كقام يقوم، ودُمت قائمًا بضم الفاء وهذه لغة الحجاز، وتميم يقولون: دِمت
بكسرها، وبها قرأ أبو عبد الرحمن وابن وثاب والأعمش وطلحة والفياض بن غزوان، قال
الفراء: وهذه لغةُ تميمٍ ويجتمعون في المضارع، فيقولون: يدوم، يعني أنَّ الحِجازيِّينَ
والتَميميِّين اتَّفقوا على أنَّ المُضارِعَ مضمومُ العين، وكان قياس تميمٍ أنْ تَقول
يَدامُ كخَاف يَخَاف ومات يَمات، فيكون وزنُها عند الحجاز: فَعَل بفتح العين، وعند
التميميين: فَعِل بكسرها، وهذا نقلُ الفراء، وأمَّا غيرُه فنقل عن تميمٍ أنَّهم
يقولون: دِمْتُ أدام كخِفْتُ أخافُ، نقل ذلك أبو إسحاق وغيرُه كالراغب الأصبهاني
وأبي القاسم الزمخشري.
وأصلُ
هذه المادة الدلالةُ على الثبوت والسكون، يقال: "دام الماء" أي سكن، وفي
الحديث: ((لا يبولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدائمِ)) وفي بعضِه بزِيادة ((الذي لا يَجرى))
وهو تفسيرٌ له، وأَدَمْتُ القِدْرَ ودوَّمْتُها: سكَّنتُ غلَيانَها بالماء، ومنه
دامَ الشيء: إذا امتدَّ عليه زمان، ودَوَّمَتِ الشمس: إذا وقفت في كبد السماء، قال
ذو الرمة يصف جُنْدُبًا:



مُعْرَوْرِياً رَمَضَ الرَّمْضاءِ يَرْكُضُه . .....
والشمسُ حَيْرَى لها في الجَوِّ تَدْويمُ



هكذا
أنشد الراغب هذا الشطرَ على هذا المعنى، وغيرُه يُنْشِده على معنى أنَّ الدوام
يُعَبَّر به عن الاستدارة حولَ الشيء، ومنه الدوامُ: وهو الدُّوار الذي يأخذ
الإِنسان في دماغه فيرى الأشياءَ دائرة، وفلان في دوّامة يعني هو في حيرة من أمره
يدور بفكره على حل للخروج من معضلته فلا يهتدي إليه، ومن ذلك أيضًا قولَ علقمة بن
عبدة:



تَشْفي
الصُّداع ولا يُؤْذِيك صالِبُها ......... ولا يُخالطُها في الرأسِ تدويم



ومنه: دَوَّم
الطائرُ إذا حَلَّق ودار.



وقوله:
{
عَلَيْهِ} متعلِّقٌ بـ "قائمًا
والمعنى: الملازمة لأنَّ الأَغلَبَ أنَّ المُطالِبَ يقومُ على رأسِ المُطالَبِ، ثم
جُعِل عبارة عن الملازمة وإنْ لم يكن ثَمَّة قِيامٍ. والمقصود مادمتَ قادراً على
أخذ حقك منه والله أعلم.



قوله:
{
ذلك بِأَنَّهُمْ} مبتدأ وخبر، و"ذلك"
إشارةٌ إلى الاسْتِحلالِ وعدمِ المُؤاخَذَةِ في زَعمِهم، أي: ذلك الاستحلالُ مُستحِقٌّ
أو جائزٌ بقولِهم: "
ليس علينا في الأميين سبيل".


قوله:
{
لَيْسَ عَلَيْنَا} يجوزُ أَنْ يكونَ في "ليس" ضميرُ الشأن وهو اسْمُها، وحينئذٍ يَجوزُ أنْ يَكونَ
"
سبيل" مبتدأً و"علينا" الخبرُ،
والجملةُ خبرُ "
ليس"
ويجوزُ أن يكونَ "
علينا"
وحدَه هو الخبرَ، و"
سبيل"
مرتفعٌ به على الفاعلية، ويجوزُ أنْ يكونَ "
سبيل"
اسمَ ليس، والخبرُ أحد الجارَّيْن أعني "
علينا"
أو "
في
الأميين
" ويجوزُ أن يتعلق "في الأميين" بالاستِقرارِ الذي تعلق به "علينا".


وجَوَّزَ
بعضُهم أنْ يتعلَّقَ بنفسِ "
ليس"
نقلَه أَبو البَقاءِ وغيرُه وفي هذا النقلِ نظرٌ، وذلك أنَّ هذه الأفعال النواقص
في عملِها في الظروف خلافٌ، وبَنوا الخلافَ على الخلاف في دلالتها على الحدثِ
فَمَنْ قال: تَدُلُّ على الحدَث جَوَّز إعمالَها في الظرف وشِبْهِه، ومَن قال: لا
تَدْلُّ على الحدَث مَنَعَ إعْمالَها، واتفقوا على أن "
ليس" لا تَدُلُّ على حَدَثٍ البَتَّةَ فكيف تعمل؟ هذا
ما لا يُعْقَلُ. ويَجوزُ أنَّ يتعلَّقَ "
في الأميين"
بسبيل، لأنَّه استُعْمِل بمعنى الحرجِ والضمانِ ونحوِهِما، ويَجوزُ أنْ يَكون
حالاً منه، فيتعلق بمحذوفٍ.



وقولُه:
{
عَلَى اللَّهِ الكذب} يَجوزُ أنْ يَتعلَّق "على الله" بـ "الكذب"
وإنْ كان مصدرًا؛ لأنَّه يُتَّسَعُ في الظَرفِ وعديلِه ما لا يُتَّسَع في غيرِهِما،
ومَن مَنَعَ علَّقه بـ "
يقولون"
متضمِّنًا معنى يفترون فَعُدِّي تعديتَه، ويَجوزُ أنْ يتعلَّق بمَحذوفٍ على أنَّه
حال من "
الكذب".


وقولُه:
{
وَهُمْ يَعْلَمُونَ} جملةٌ حاليَّة، ومفعولُ العلمِ محذوفٌ اقْتِصارًا أي:
وهم من ذوي العلم، أو اختِصارًا أي: يعلمون كذبهم وافتراءهم وهو أقبحُ لهم.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 75
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 59
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 90
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 109
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 124
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 140

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: