عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 109 السبت فبراير 23, 2013 3:03 am | |
| وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ.
(109) قولُه تباركت أسماؤه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي جَميعُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَبيدٌ للهِ، وَهُمْ مُلْكٌ لَهُ، يَتَصَّرفُ فِي شُؤُونِهِمْ بِحَسَب سُنَنهِ الحَكِيمَةِ التِي لاَ تَغْيِيرَ فِيها وَلاَ تَبْدِيلَ، وَهُوَ الحَاكِمُ المُتَصَرِّفُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وَإليهِ تَصيرُ أمُورُ الخَلْقِ جَميعاً فَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ. والتعبير بما للتغليب أو للإيذان بأن غيرَ العُقلاءِ بالنسبةِ إلى عَظَمَتِه كغيرِهم، ووَجْهُ اتِّصَالِ هَذَا بِمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَحْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ، وَصَلَهُ بِذِكْرِ اتِّسَاعِ قُدْرَتِهِ وغناه عن الظلم لكون ما في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ فِي قَبْضَتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، بَيَّنَ لِعِبَادِهِ أَنَّ جَمِيعَ مَا في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ حَتَّى يَسْأَلُوهُ وَيَعْبُدُوهُ ولا يعبدوا غيره.قولُه: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} على شيئين: أحدهما: إبطال قول من زعم أن الأشياء تبقى عناصرها فلا تفنى. والثاني: على أنه يصحُّ أن يتوهم ارتفاع الأمور كلها مع بقائه تعالى. وأنه لا ينكر عدمها انتهاءً، كما لا يُنكر ذلك ابتداءً. إن قيل: وما وجه إيراد هذا القول في هذا الموضع؟ قيل: إنه لما بيّن تعالى ما اقتضى عدالته وعقبه بذكر التبرؤ من ظلمهم بيّن بهذا القول استغناءه عن الظلم، وأن الظلم يتحرّاه من يروم ما لغيره، ومحال أن يُعتقدَ في مالكِ الكلِّ ومن منه البدءُ وإليه العودُ الظلمُ. فائدةٌ: عندما يقولُ الحقُّ ـ جَلَّ شأنُه: {وَإِلَيْه تَرْجَعُونَ} بفتح التاءِ فمعنى ذلك أنَّنا نَعودُ إليه مُختارين؛ لأنَّ المُؤمِنَ يُحِبُّ ويَرغَبُ أنْ يَصِلَ إلى الآخرة، لأنَّ عملَه طيِّبٌ في الدنيا، فكأنَّه يَجري ويُسارِعُ إلى الآخِرَةِ، ومَرَّةً يَقولُ تعالى: {وَإِلَيْه تُرْجَعُونَ} بضم التاء. وهذا ينطبق على الكافِرِ أو العاصي. إنَّ كُلاًّ منهما يُحاوِلُ ألَّا يَذهَبَ إلى الآخرةِ، لكنَّ المَسألةَ ليستْ بإرادتِه، إنَّه مَقهورٌ مجبورٌ على العودةِ إلى الآخرةِ، ولذلك نَجِدُ التعبيرَ القُرآنيَّ: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} الطور: 13. هناك مَنْ يَدفَعُهُم إلى النَّارِ دَفعاً. كما يدفعُ الشرطيُّ المُجرِمَ في حياتنا إلى السجن، وللهِ المثلُ الأعلى ذلك هو الدَعُّ. أي أنَّه مدفوعٌ بقوَّةٍ قاهرةٍ إلى النهاية. أمَّا المؤمنُ الواثقُ فهو يُهروِلُ إلى آخرتِه مشتاقًا لوجهِ ربِّه.وقد يقولُ قائلٌ: ومتى خَرَجتِ الأُمورُ منه حتَّى تَرْجِعَ إليه؟ ونقول: إنَّ في الكونِ أشياء تسخيريَّةً كالشمس والهواء والمطر ..، وهي التي لا تَدخُّلَ فيها لقدرةِ الإنسان، وهناك أشياء سببيَّةً، فإن اتخذتَ فيها السَبَبَ حصلتَ على المُسَبَّبُ، والله قد جعل الأسباب للمؤمن والكافر. وعندما يُمَلِّك اللهُ بعضَ الخلقِ أسبابَ الخَلْقِ فهو القيُّومُ فوقَ الجَميع، أمّا في الآخِرَةِ، فلا أسبابَ ولا مُسَبّبات؛ ولذلك يكون الأمرُ لهُ وحدَه، ينادي الحقُّ ـ سبحانَه: {لِمَنِ المُلْكُ اليومَ؟ لِلَّهِ الواحد القهار} غافر: 16. لقد بدأتِ الدنيا بأسبابِها مِنَّةً منهُ، ورَجَعَتْ مِنْهُ إليْه، فكلُّ شيءٍ مَرَدُّه إلى اللهِ، وإذا كان في ظاهرِ الأمرِ أنَّ بعضَ الأشياءِ لك الآن، ففي الآخرة لله يكون كلُّ أمر، ويرجع إليه كلُّ شيءٍ ، لقد بدأت به، ورجَعَتْ إليه.قولُه ـ سبحانَه: {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} تقديمُ الجارِّ يفيد الحصرَ، "لله" أي إلى حُكمِ اللهِ تعالى وقضائه لا إلى غيرِه شِرْكةً أوِ اسْتِقْلالاً، والجُملةُ مُقرِّرَةٌ لِمَضمون ما وَرَدَ في جَزاءِ الفَريقيْنِ، وقيل: معطوفةٌ على ما قبلِها مُقرِّرةٌ لِمَضمونِهِ والإظهارُ في مَقامِ الإضْمارِ لِتَربيةِ المهابةِ، وقرأ يحيى بن وثاب "تَرجِع" بفتح التاءِ وكَسرِ الجِيم في جميع القرآن. | |
|