عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 56 الإثنين ديسمبر 10, 2012 6:50 am | |
| فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) قولُه تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} هو تفسيرٌ للحكمِ المَدلولِ عليه بقولِه ـ سبحانه: {فاحكم} آل عمران: 55 وتفصيلٌ له على سبيل التَقْسيمِ بعدَ الجمْعِ، وهذا من الإتيان بالبيان المطلوب وزيادة كما في قوله ـ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((هو الطهورُ ماؤه الحِلُّ مَيْتَتُه))، لأن قبل الآية: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} فاقتضى الاحتمالُ بعقابِهم في الدارِ الآخرةِ ثمَّ بيَّنَ كيْفِيَّةَ عذابِهم فيها، وزادَ معَ ذلك عِقابَهم في الدنيا. وفي التعبيرِ بالمَوْصولِ إشارةٌ إلى أنَّ سَبَبَ العذابِ هو كُفرُهم، وقدْ أَكَّدَ ـ سبحانَه وتعالى ـ شِدَّةَ العذابِ بعِدَّةِ تأكيدات، أوَّلُها: بِنِسْبَةِ التعذيبِ إليْه، وهو القويُّ القَهَّارُ الغالِبُ على كلِّ شيءٍ، وفيه إشعارٌ بِعدالَةِ العَذابِ عَدالةً مُطلَقَةً، وثانيها: بالتأكيد بالمَصدَرِ، وثالثُها: بالوصفِ بالشِدَّةِ، ورابِعُها: بعدمِ رَجائه إنْهاءَهُ أو إزالَتَه؛ إذْ لَا يُوجَدُ لهم مِنْ ناصِرٍ؛ ولذا قال سُبحانَه: {وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} وهو نفيٌ مُؤكَّدٌ مُستغرِقٌ، أيْ ليس لهم مِن ناصرٍ أيًّا كان هذا الناصرُ، وأيا كانت نُصرَتُه، ولو كانت ضئيلةً.ولقد قرَّرَ ـ سبحانه ـ أنَّ العذابَ في الدنيا. وفي الآخرة؛ أمَّا عذابُ الآخرةِ فالأمرُ فيه إلى اللهِ تعالى، وأمَّا عذابُ الدنيا للذين كذَّبوا السيِّدَ المَسيحَ ـ عليه السلامُ ـ فهو هذه الذِلَّةُ والشَتاتُ في الأرضِ.قوله تعالى: {فَأَمَّا الذين كَفَرُواْ} في مَحَلِّ هذا الموصولِ قولان، أَظهرُهُما: أَنَّه مَرفوعٌ على الابتداءِ، والخبرُ الفاءُ وما في حَيِّزِها، والثاني: أنَّه مَنصوبٌ بِفعلٍ مُقدَّرٍ، على أنَّ المَسألةَ مِن بابِ الاشْتِغالِ، إذِ الفعلُ بعدَه قد عَمِلَ في ضميره، وهذا وجهٌ ضعيف، لأنَّ "أمَّا" لا يَليها إلَّا المُبتَدأُ، وإذا لم يَلِها إلَّا المُبتدأُ امْتَنَعَ حَمْلُ الاسْمِ بعدَها على إضْمارِ فعلٍ. وقد قَرَأَ بعضُ قُرّاءِ الشواذِ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} فُصِّلت: 17 بنصبِ "ثمود". وفي قولِه: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} إلى {كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} الْتِفاتٌ من غيبَةٍ إلى خِطابٍ، وذلك أنَّه قدَّم تعالى ذِكْرَ مَنْ كَذَّب بعيسى وافتَرى عليه وهم اليهود لُعِنوا، وقَدَّم أيضاً ذِكْرَ مَنْ آمَنَ به وهُمُ الحَوارِيُّون رضيَ اللهُ عنهم، وقَضَى بعد ذلك بالإِخبار بأنَّه يَجعلُ مُتَّبعي عيسى فوق مخالِفيه، فلو جاءَ النظمُ على السياقِ من غيرِ الْتِفاتٍ لَكانَ: ثم إليَّ مَرْجِعُهم فأَحْكُمُ بينهم فيما كانوا، ولكنَّه الْتَفتَ إلى الخطابِ لأنَّه أَبلغُ في البِشارة وَأَزْجَرُ في النِّذارة. | |
|