عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 72 السبت ديسمبر 22, 2012 11:32 am | |
| وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) قولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا...} المُرادُ بالطائفة كعبٌ بنُ الأشرفِ ومالكٌ ابنُ الصَّيْفِ فقد قالا لأصحابِهِما لمَّا حُوِّلت القِبلةُ آمنوا بما أُنزِلَ عليهم مِن الصَّلاةِ إلى الكعبةِ وصَلُّوا إليها أوَّلَ النَّهارِ ثمَّ صلُّوا إلى الصَّخْرَةِ آخره لعلَّهم يَقولون هم أعلمُ منَّا وقد رَجَعوا فيرجعون. وأخْرجِ ابنُ جَريرٍ الطَبَريُّ عن قَتادَةَ التابِعِيِّ أنَّه قال: قالَ بعضُ أهلِ الكتابِ لبعضٍ: أَعْطوهم الرِّضا بدينِهم أوَّلَ النهارِ، واكْفروا آخرَه، فإنَّه أجدرُ أنْ يُصَدِّقوكم، ويَعلموا أنَّكم قد رأيتُم فيه ما تَكرَهونَه، وهو أجدرُ أنْ يَرجِعوا عن دينِهم. وأَخرج ابنُ جريرٍ أيضًا عن السُّديِّ أنَّه قال: قالوا لبعضِهم: ادخُلوا في دينِ مُحمَّدٍ أَوَّلَ النَّهارِ، وقولوا: نَشْهَدُ أنَّ محمَّدًا صادقٌ، فإذا كان آخرَ النَّهارِ فاكفروا وقولوا: إنَّا رَجَعْنا إلى عُلَمائِنا وأَحبارِنا، فسَأَلناهم فحَدَّثونا أنَّ محمَّدًا كاذبٌ، وأنتم لستُمْ على شيءٍ، وقد رَجَعْنا إلى دِينِنا، فهو أَعجَبُ إلينا من دينِكم لعلَّهم يَشُكُّون، فيقولون هؤلاء كانوا معنا أَوَّلَ النَّهارِ فما بالهم، وقد يقول بعضٌ من الأُمِّيين: لقد اختَبَرَ أهلُ الكِتابِ هذا الدينَ الجَديدَ وهم أهلُ عِلْمٍ بِمَناهِجِ السَّماءِ ولم يَجدوهُ مُطابِقًا لها. وروى الحسنُ والسدِّيُّ أنَّ الذين تواطؤوا على ذلك هم اثنا عَشَرَ حَبْرًا مِن يَهودِ خيْبَرَ وقُرى عُيَيْنَةَ، فأخبرَ اللهُ سبحانَه وتعالى رسولَه بِذلك. وكأنَّ الحَقَّ ـ سبحانه ـ أرادَ بذلك أنْ يَكشِفَ لنا أنَّ كلَّ أَساليبِ الكُفرِ هي من قِلَّةِ الفِطْنَةِ وسوءِ التَدبير. ورُوي أنَّهم نَفَّذوا قولَهم عَمَلاً؛ فأظهروا الإسلام ليبدوا طلابَ حقيقةٍ ثمَّ رجعوا عن ذلك، والروايات في هذا كثيرةٌ، وكلُّها مُتلاقيَة في المعنى غيرُ مُتنافرةٍ. وقد يكون المقصود بأوَّلِ النهارِ وآخرِه السرعةُ في الرجوع عن الإيمان لا تحديد الزمن. والمُرادُ بوجهِ النهارِ ما يقابلُ آخرَه، وهو أوَّلُ النَّهارِ، وعبّر عنه بالوجه؛ لأنَّ الوجه هو أول ما يظهر لك من الإنسان، وأوَّل النهار هو وقت إقبالِه، والوجهُ هو مظهر الإقبال، والوجه أيضًا كنايةً عن الظهور.قولُه تعالى: {وَجْهَ النهارِ} منصوبٌ على الظرفِ لأنَّه بمعنى أَوَّلِ النَهارِ، وناصبُه فعلُ الأمرِ مِنْ قولِهِ: "آمِنوا". قال الربيعُ بنُ زيادٍ يرثي مالكَ بنَ زهيرٍ بنِ حَريمَةَ العَبْسِي:مَنْ كان مسروراً بمقتلِ مالكٍ ................ فَلْيَأْتِ نسوتَنا بوجهِ نهارِ وبعدَه: يَجِدَ النساءَ حواسراً يَنْدُبْنَهُ ................ يَلْطِمْنَ أوجُهَهُنَّ بالأسحارِقَدْ كُنَّ يَخْبَأْنَ الوجوهَ تَسَتُّراً .................. فاليومَ حين بَدَوْنَ للنُّظَّارِوقد كانت العربُ إذا قُتِلَ لهم قتيلٌ لا تَقومُ عليه نائِحَةٌ ولا تَنْدُبُهُ نادِبةٌ حتَّى يُؤْخَذَ بِثَأرِهِ، لذلك قال: مَنْ سَرَّة قَتْلُ مالكٍ فَلْيَأْتِ في أَوَّلِ النَّهارِ يَجِدْنَا قد أَخَذْنَا بثأرِهِ، فَذَكَر اللازمَ للشيءِ، فهو من بابِ الكناية. وقولُه تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} جملة: "يرجعون" في مَحَلِّ رَفْعِ خبرٍ لـ "لعلَّ" ومفعولُ "يَرْجِعُون" محذوفٌ اقتِصاراً أي: لعلَّهم يَكونون مِنْ أهلِ الرجوع، أو اخْتِصارًا أي: يَرْجِعُونَ إلى دينِكم وما أَنتم عليه.وثمَّة طرفةٌ حول "بدون" الواردة في أبياتِ الربيع سالفة الذكر يحسن ذكرها لما فيها من فائدة، ذلك أنه يُحْكَى أنَّ الشَيْباني سألَ الأصمعيَّ: كيف تُنْشِدُ قولَ الربيع: حين بَدَأْنَ أو بَدَيْن؟ فخيَّرَهُ بيْنَ الهمزةِ والياءِ. فقالَ الأصمَعيُّ: بَدَأْنَ، فقال: أخطأت، فقال: بَدَيْنَ، فقال: أخطأت، فغضِبَ لها الأصمعيُّ، وكان الصوابُ أنْ يقولَ: بَدَوْنَ بالواو، لأنَّه مِن بَدا يَبْدو، أي: ظَهَرَ. فأتى الأصمعيُّ يومًا للشيباني فقال له: كيف تُصَغِّرُ مختاراً؟ فقال: أَقولُ مُخَيْتير، فضحِكَ منه وصَفَّقَ بيديْه وشَنَّعَ عليه في حَلَقَتِه، وكان الصوابُ أنْ يَقول: مُخَيِّر بتشديد الياء، وذلك أنَّه اجتمع زائدان: الميمُ والتاءُ، والميمُ أَوْلى بالبقاءِ لِعِلَّةٍ ذَكَرَها التَصْريفيُّون، فَأَبْقاها، وحَذَفَ التاءَ، وأتى بياءِ التصغير فَقَلَبَ لأجلها الألفَ ياءً، وأَدْغَمها فيها، فصارَ "مُخَيِّراً" كما تَرَى، وهو يَحتمِلُ أنْ يكونَ اسمَ فاعلٍ أو اسمَ مَفعولٍ كما كان يَحتمِلُهما مُكَبَّرُه، وهذا أَيضاً يُلْبَسُ باسْمِ فاعل خَيَّر يُخَيِّر فهو مُخيِّر، والقرائِنُ تُبيِّنُهُ. | |
|