إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(89)
قولُه جلَّ شأنُه: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} هذا مِنْ لُطْفِهِ تعالى وَرَحْمَتِهِ أنَّ مَنْ تَابَ إِلَيهِ مِنْ عِبَادِهِ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَاسْتَثْنَى، اللهُ تَعَالَى مِنْ حُكْمِ المُرْتَدِّينَ، الذِين تَابُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَأَنَابُوا إلَى رَبِهِمْ، وَتَرَكُوا الكُفْرَ الذِي دَنَّسُوا بِهِ أنْفُسَهُمْ، نَادِمِينَ عَلَى مَا أصَابُوا مِنْهُ، وَأصْلَحُوا أَنْفُسَهُمْ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ، فَإنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيهِمْ، وَيَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ، وَيَغْفِرُ لَهُمْ لأنَّهُ تَعَالَى هُوَ الغَفُوُرُ الرَّحِيمُ.
قولُه: {وَأَصْلَحُواْ} أيْ دَخَلوا في الصَلاحِ، أي أصلحوا ما أفسدوا ففيه إشارة إلى أنَّ مُجرَّدَ الندمِ على ما مضى من الارْتِدادِ، والعزم على تَركِه غيرُ كافٍ لِما أَخَلُّوا به من الحقوق، لكنَّ مجرَّدَ التوبةِ يُوجِبُ تخفيفَ العذابِ ونظرَ الحَقِّ إليهم، فالظاهرُ أنَّه ليس تقييداً بل بيانٌ لأنْ يُصلِحَ ما أفسَد.
قولهُ: {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي فيغفر كفرهم ويثيبهم، وقيل: {غَفُورٌ} لهم في الدنيا بالستر على قبائحهم {رَّحِيمٌ} بهم في الآخرة بالعفو عنهم. والجملة تعليل لما دلَّ عليه الاستثناء. وقوله تعالى: {إِلاَّ الذين} استثناءٌ متصلٌ.
وقولُه: {أصلحوا} فِعلَ لازمٌ من قَبيلِ أَصبَحوا أي دخلوا في الصباح، ويَجوزُ أن يكون متعدياً والمفعول محذوف تقديره: ما أفسدوه، أو أصلحوا أنفسَهم.