عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 108 الجمعة فبراير 22, 2013 7:08 pm | |
| تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ
(108) قَوْلُهُ تَعَالَى: {تِلْكَ آياتُ اللَّهِ} تِلْكَ: أي التي مَرَّ ذِكرُها وعَظُمَ قَدْرُها، وهي بِمَعْنَى هَذِهِ وَلَكِنَّهَا لَمَّا انْقَضَتْ صَارَتْ كَأَنَّهَا بَعُدَتْ فَقِيلَ: "تِلْكَ" والإشارة في هذه الآية الكريمة إلى ما كان من آيات سابقات بُيِّنتْ فيها أحوالُ النفوسِ التي ضلَّت وعَمِيَتْ عن الحقِّ، وكانت الإشارة بالبَعيدَ لعُلُوِّ مَنزِلَةِ هذه الآياتِ في بيانِها للحَقِّ، وإعلانِها له، وصِدْقِها فيما حَكَتْ وأَعْلَنت، و"آياتُ اللَّهِ" حُجَجُه وَدَلَائِلُهُ. يَعْنِي الْقُرْآنَ الكريم الذي نزلَ على سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. وقوله: {نَتْلُوها عَلَيْكَ بالحقِّ} معنى "نَتْلُوهَا" نُنْزِلُ عَلَيْكَ جِبْرِيلَ فَيَقْرَؤُهَا عَلَيْكَ، أي نُنْزِلُها عليك مَتْلُوَّةً مقروءةً واضحَةً مُبَيَّنَةً سهلةَ الفَهْمِ لمن يُريدُ الحَقَّ ويَبْتَغيه، و"بِالْحَقِّ" أَيْ بِالصِّدْقِ. والحقُّ هو الأمرُ الثابتُ الذي لَا مَجالَ للشك فيه، ولا تختلِفُ فيه العُقولُ السليمةُ، والمَدارِكُ القَويمةُ، ولا يوجد أمرٌ ثابتٌ كالحقِّ، وهو ميزان الأفكارِ ومقياسُ الأشياءِ، وعليه قامتِ السماواتُ والأرضُ وما بينهما وعليه صلُح أمرُ الناس، ولذلك كان "الحقُّ" من أسمائه تباركت أسماؤه. وإضافةُ التلاوةِ إلى اللهِ تعالى والإظهارُ في مَوضِعِ الإضْمارِ، فقد قال سبحانه: "تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا" لكي يكون التصريحُ باسمِ اللهِ ـ سبحانه وتعالى ـ باعثاً في النفس المهابَةَ والإجلالَ له، وهو المُستَحِقُّ وحدَه لِوصْفِ الأُلوهيَّةِ، فلا إلهَ سواه، ولا معبودَ بِحَقٍّ غيرُه، وهو ذو الجلالِ والإكرام، وهو المُنشئُ المُوجِدُ لهذا الكون وما فيه ومَن فيه، وهو العَلِيُّ القديرُ، فالتَصريحُ باسمِهِ الكريمِ يَزيدُ البَيانَ جَلالًا، ويَتضمَّنُ معنى الحِسابِ لِمَنْ يُعرِضُ عن آياتِ ربِّه، ويَجعل النفسَ لَا تَسيرُ وراءَ الهوى، ويَتَضمَّنُ معنى القُدرةِ على إنزالِ العِقابِ والثوابِ بعد الحِساب، وإنَّه إذا كان كلُّ شيءٍ في هذا الوُجودِ أوجدَه ربُّه بالحقِّ، وأَخبَرَ عنه، فالظُلمُ مَنْفيٌّ عنه ـ سبحانَه وتَعالى، ولذا قال ـ سبحانَه: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ} يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُهُمْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ. إذ كيف يظلم الموصوف بالأُلوهيَّةِ وحدَهُ، وكيف يُريدُ الظُلمَ مانحُ العالَمِ كلِّه الوُجودَ؛ وقال: "لِلْعَالَمِينَ" وهمُ العُقلاءُ في هذا الكونِ، لأنَّهم همُ الذين يُحِسُّون بِوَقْعِ الظُلْمِ وآلامِهِ، ويَشْعُرون بِمَتاعِبِه وآثامِهِ، وفي الأَصلُ الظُلم معناه النَّقْصُ، مِنْ ذلك قولُه تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا}، أي لم تنقص منه شيئاً، ثمَّ أُطلِقَ على نقصِ الحُقوقِ وهضمِها، قال ـ سبحانه: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا}، ثم أُطلِقَ الظلمُ على وضع الأمر في غير موضِعِه، والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضعُ الشيءِ في غيرِ مَوضِعِه المُختصِّ بِه، إمَّا بِنُقصانٍ أو بِزِيادَةٍ، وإمَّا بِعُدولٍ عن وقتِه ومكانِه. والظلم الذي نفاه سبحانه وتعالى عن نفسِه عامٌّ لَا يَخُصُّ نوعًا دون نوعٍ، وهو نَكِرَةٌ في مَوْضِعِ النَّفْيِ، ومِنَ المُقرَّراتِ اللُّغويَّةِ أنَّ النَّكِرَةَ في مَقامِ النَّفْيِ تَعُمُّ ولا تَخُصُّ، فالمعنى لَا يريد الله سبحانه وتعالى ظلمًا قطُّ أيَّ ظلمٍ كان. وقد قال ـ سبحانه: {إِنَّ اللَّهُ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْي}. وبهذا نفَى اللهُ الظلمَ عن نفسِه، ونفَى أن يكون نظامُ شرعِه فيه إباحةٌ لظُلْمِ العِبادِ فيما بينهم، ولذا قال ـ سبحانه ـ فيما رواه مسلمٌ منَ الحديثِ القُدْسِيِّ: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا فلا تَظَالَموا). و"وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ" لم ينفِ النَصُّ القرآنيُّ الظلمَ عنِ اللهِ وحسب، بل نفَى إرادةَ الظلمِ عن ذاتِه العَليَّةِ، لأنه لَا يَليقُ بذاتِه، ولا يُتَصَوَّرُ وقوعُه منه. وإنَّه ـ سبحانَه وتعالى ـ مالِكُ كلِّ شيءٍ، فهو مانحُ الحقوقِ ومُعطيها {وَخَلَقَ كلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}.قولُه تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الله} مبتدأٌ وخبَرٌ، و"نَتْلوها" جملةٌ حاليَّةٌ، وقيلَ: {آيَاتُ الله} بدلٌ من "تلك" و"نتلوها" جملةٌ واقعةٌ خبراً للمبتدأ، و"بالحقِّ" حالٌ من فاعل "نَتْلوها" أو مفعولِه، وهي حالٌ مؤكَّدَةٌ؛ لأنَّه تعالى يُنَزِّلها إلَّا على هذه الصفةِ. وفي الكلام حذفٌ تقديرُه: تلك آياتُ القرآن حُجَجُ اللهِ ودلائلُه. والإِشارةُ بـ "تلك" إلى الآياتِ المُتقدِّمَةِ المُتضمِّنةِ تعذيبَ الكُفَّارِ وتنعيمَ الأبرار.وقرأَ العامَّةُ: "نَتْلوها" بنونِ العَظَمةِ وفيه الْتِفاتٌ مِنَ الغَيْبةِ إلى التَكَلُّمِ. وقرأ أبو نُهَيْك "يتلوها" بالياءِ من تحتُ، وفيه احتمالان، أحدُهُما: أنْ يَكونَ الفاعلُ ضميرَ الباري تعالى لِتَقَدُّمِ ذِكْرِه قي قوله: {آيَاتُ الله} ولا التفاتَ في هذا التقديرِ بخلافِ قراءةِ العامة. والثاني: أن يكونَ الفاعلُ ضميرَ جبريل.قولُه: {لِّلْعَالَمِينَ} اللامُ زائدةٌ لا تعلَّقَ لها بشيءٍ، زِيدتْ في مفعولِ المصدرِ وهو ظُلْم. والفاعلُ محذوفٌ، وهو في التقدير ضميرُ الباري تعالى، والتقديرُ: وما اللهُ يُريدُ أنْ يَظْلِمَ العالمين، فزِيدتِ اللّامُ تقويَةً للعاملِ لِكونِه فَرْعاً كقولِهِ تعالى: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} هود: 107. وقيل: معنى الكلام: وما اللهُ يريدُ ظلمَ العالمين بعضَهم لبعض. ورُدَّ هذا بأنه لو كان المرادُ هذا لكان التركيبُ بـ "مِنْ" أوْلى منْه باللّامِ، فكان يُقالُ "ظُلماً من العالمين" فهذا معنى يَنْبُو عنه اللفظُ. | |
|