عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 64 الجمعة ديسمبر 14, 2012 4:30 pm | |
| قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) قولُهُ تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ} الكلمةُ السَّواءُ هي كلمةُ التوحيدِ وإفرادِ الحَقِّ سبحانَه في إنشاءِ الأشياءِ بالشُهودِ.والْخِطَابُ لِأَهْلِ نَجْرَانَ، قالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَالسُّدِّيُّ، وَفِي قَوْلِ قَتَادَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمَا لِيَهُودِ الْمَدِينَةِ، خُوطِبُوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَحْبَارَهُمْ فِي الطَّاعَةِ لَهُمْ كَالْأَرْبَابِ. وَقِيلَ: هُوَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَمِيعًا. وَفي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ(الفلاحين)، وَيَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ..إِلَى قَوْلِهِ: "فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ". لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَالسَّوَاءُ الْعَدْلُ وَالنَّصَفَةُ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ زُهَيْرٌ:أَرُونِي خُطَّةً لَا ضَيْمَ فِيهَا ....................... يُسَوِّي بَيْنَنَا فِيهَا السَّوَاءُوَيُقَالُ فِي مَعْنَى الْعَدْلِ سِوًى وَسُوًى، فَإِذَا فَتَحْتَ السِّينَ مَدَدْتَ وَإِذَا كَسَرْتَ أَوْ ضَمَمْتَ قَصَرْتَ، كقولِه تعالى: "مَكاناً سُوىً" طه: 58. فَالْمَعْنَى أَجِيبُوا إِلَى مَا دُعِيتُمْ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْكَلِمَةُ الْعَادِلَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ، وَقَدْ فَسَّرَهَا بقَوْلِهِ تَعَالَى: "أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ". وقولُه: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ} لا تُطالعْ بِسِرِّك مَخلوقاً. وكما لا يكونُ غيرُهُ معبودَك فيَنبغي ألَّا يَكونَ غيرُه مَقصودَك ولا مَشهودَك، بما في ذلك نفسَكَ، وهذا هو اتِّقاءُ الشِرْك. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي لا نتَّبِعُه في تحليلِ شيءٍ أَوْ تَحْرِيمِهِ إِلَّا فِيمَا حَلَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} التوبة: 31. مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ رَبِّهِمْ فِي قَبُولِ تَحْرِيمِهِمْ وَتَحْلِيلِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ وَلَمْ يُحِلَّهُ اللَّهُ. ومِنْ ذلكَ تَرْكُ المَدْحِ والذَمِّ وعدمُ الشكوى لهم، وتنظيفُ السِرِّ عن حُسْبانِ ذَرَّةً من المَحْوِ والإثْباتِ منهم. قال صلى الله عليه وسلم: أصدقُ كلمةٍ قالتْها العَرَبُ قولُ لَبيدٍ:ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ ................ وكلُّ نعيمٍ ـ لا مَحالةَ ـ زائلُوَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: يَجِبُ قَبُولُ قوْلِ الإمامِ دونَ إبانَةِ مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّهُ يُحِلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ مُسْتَنَدًا مِنَ الشَّرِيعَةِ. وَأَرْبَابٌ جَمْعُ رَبٍّ. وَ"دُونِ" هُنَا بِمَعْنَى غَيْرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَيْ أَعْرَضُوا عَمَّا دُعُوا إِلَيْهِ. {فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} أَيْ مُتَّصِفُونَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ مُنْقَادُونَ لِأَحْكَامِهِ معترفون بما لله عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمِنَنِ وَالْإِنْعَامِ، غَيْرُ مُتَّخِذِينَ أَحَدًا رَبًّا لَا عِيسَى وَلَا عُزَيْرًا ولا الملائكة، لأنَّهم بشرٌ مثلُنا، وَلَا نَقْبَلُ مِنَ الرُّهْبَانِ شَيْئًا بِتَحْرِيمِهِمْ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ عَلَيْنَا، فَنَكُونُ قَدِ اتَّخَذْنَاهُمْ أَرْبَابًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَعْنَى "يَتَّخِذَ" يَسْجُدُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السُّجُودَ كَانَ إِلَى زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ، كَمَا مَضَى فِي الْبَقَرَةِ بَيَانُهُ. وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ؟ قَالَ ((لَا)) قُلْنَا: أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضًا؟ قَالَ ((لَا وَلَكِنْ تَصَافَحُوا)). أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ. قوله تعالى: {إلى كَلِمَةٍ} متعلِّقٌ بتعالَوا فَذَكَرَ مفعولَ "تعالوا" بخلاف "تعالَوا" قبلَها فإنَّه لم يَذكُرْ مفعولَهُ، لأنَّ المَقصودَ مُجَرَّدُ الإِقبالِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ حَذْفُه للدَّلالةِ عليه تقديرُه: تعالَوا إلى المُباهلةِ.وقرأ العامَّةُ "كَلِمة" بفتح الكاف وكسر اللامِ، وهو الأصل. وأبو السَّمَّالِ "كِلْمة" بِزِنَةِ سِدْرَةٍ، وكَلْمة كضَرْبة. و"كلمةٍ" مفسَّرةٌ بما بعدها من قوله: {أَلاَّ نَعْبُدَ} فالمرادُ بها كلامٌ كثيرٌ، وهذا مِنْ بابِ إطلاقِ الجزءِ، والمُرادُ بِه الكُلُّ، ومنه تسميتُهم القصيدةَ جمْعاً: قافية، والقافية جزءٌ منها، قال مَعْنٌ بنُ أَوْسٍ: أُعَلِّمه الرمايةَ كلَّ يومٍ ......................... فلمَّا اشْتَدَّ ساعِدُه رمانيوكم عَلَّمْتُه نظمَ القوافي ........................ فلمَّا قال قافيةً هجانيويقولون: "كلمةُ الشهادة" يَعْنُون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذا كما يُسَمُّونَ الشيءَ بجُزأيْه في الأعْيانِ لأنَّه المقصودُ منه، قالوا لربيبة القوم وهو الذي ينظر لهم ما يحتاجون إليه عَيْن، فأطلقوا عليه عينًا. وقال بعضُهم: وُضِعَ المُفردُ مَوضِعَ الجمْعِ، كما قال علقمةُ بنُ عبدةَ التميميّ: بها جِيَف الحَسْرى فأمَّا عِظامُها ............. فَبيضٌ وأَمَّا جِلْدُها فَصَلِيبُوقيل: أُطلقت الكلمة على الكلمات لارتباطِ بعضِها ببعضٍ، فصارت في قوة الكلمةِ الواحدةِ، إذا اختلَّ جزءٌ منها اختلَّت الكلمة، لأنَّ كلمةَ التوحيدِ: لا إله إلا اللهُ، هي كلماتٌ لا تتِمُّ النسبةُ المقصودةُ فيها مِنْ حَصْرِ الإِلهية في اللهِ إلَّا بمَجموعِها.وقرأ العامَّة: "سواءٍ" بالجَرِّ نعتًا لكلمةٍ بمعنى عدْلٍ، ويَدُلُّ عليه قراءةُ عبد الله: "إلى كلمةٍ عدْلٍ" وهذا تفسيرٌ لا قراءة. و"سواء" في الأصل مصدر، ففي الوصف التأويلاتُ الثلاثةُ المعروفةُ، ولذلك لم يُؤَنَّث كما لم يُؤَنَّث بـ "امرأةٍ عدْلٍ".وقرأ الحسن: "سواء" بالنصبِ على المصدرِ، بمعنى استوت استِواءً، كما يمكن أن يكون منصوباً على الحال، وجاءتِ الحالُ من النَكِرَةِ، وقد نَصَّ سيبويه عليه واقتاسه، ولكنَّ المشهورَ غيرُه، والذي حَسَّن مجيئَها من النكرةِ هنا كونُ الوصفِ بالمصدر على خلاف الأصل، والصفةُ والحالُ متلاقيان من حيث المعنى، والأشهرُ استعمالُ "سواء" بمعنى اسمِ الفاعل أي: "مُسْتَوٍ" وبذلك فَسَّرها ابنُ عبَّاسً فقال: "إلى كلمةٍ مستوية".قولُه: {أَلاَّ نَعْبُدَ} فيه ستةُ أوجه، أحدُها: أنَّه بدلٌ من "كلمة" بدلَ كلٍ من كلٍّ، الثاني: أنَّه بدلٌ من "سواء"، وليس بواضح، لأنَّ المقصودَ إنَّما هو الموصوفُ لا صفتُه، فنسبةُ البدلية إلى الموصوف أولى. وعلى الوجهين فإنَّ وما حَيِّزَها في مَحَلِّ جَرٍّ. الثالثُ: أنَّه في مَحلِّ رفعٍ خبَراً لمُبتدأٍ مُضمَرٍ، والجُملةُ استئنافُ جوابٍ لِسؤالٍ مُقدَّرٍ، كأنَّه لمّا قيلَ: تعالَوا إلى كلمة قال قائل: ما هي؟ فقيلَ: هي أَنْ لا نعبدَ، وعلى هذه الأوجهِ الثلاثةِ فـ "بيْن" منصوبٌ بسواءٍ ظرفٌ له أي: يقعُ الاستِواءُ في هذه الجهةِ، والوقفُ التام حينئذٍ عند قولِه: {مِّن دُونِ اللهِ} لارْتِباطِ الكلامِ معنًى وإعْراباً. الرابع: أنْ تَكونَ "أن" وما في حَيِّزِها في محَلِّ رفعٍ بالابتداءِ، والخبرُ الظرفُ قبلَه. الخامس: جَوَّزَ أبو البقاءِ أن يكونَ فاعلاً بالظرفِ قبلَه، وهذا إنَّما يتأتّى على رأي الأخفشِ، إذ لم يعتمدِ الظرفُ، وحينئذٍ يكون الوقفُ على "سواء" ثمَّ يُبْتَدَأُ بقولِه: "بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ" وهذا فيه بُعْدٌ من حيث المعنى ثمَّ إنَّهم جَعَلوا هذه الجملةَ صفةً لكلمَةٍ، وهذا غَلَطٌ لِعَدَمِ رابِطٍ بيْنَ الصِفةِ والمَوصوفِ وتقديرُ العائدِ ليس بالسهلِ، وعلى هذا فقولُ أبي البقاء: وقيل: تَمَّ الكلام على "سواء" ثمَّ استَأنَفَ فقال: {بيننا وبينكم أنْ لا نعبد} أي بينَنا وبينَكم التوحيدُ، فعلى هذا يكون "أن لا نعبد" مبتدأً، والظرفُ خبرَه، والجملةُ صفةً للكلمة غيرُ واضح، لأنَّه من حيثُ جَعَلَها صفةً كيف يَحْسُنُ أنْ يَقولَ: تَمَّ الكلامُ على "سواء" ثمَّ استَأنَفَ، بل كان الصوابُ على هذا الإِعرابِ أنْ تكونَ الجملةُ استئنافيَّةً. السادس: أن يكونَ "أن لا نعبد" مرفوعاً بالفاعِليَّةِ بِسواء، وإلى هذا ذهب الزماني فإنَّ التقدير عنده: إلى كلمةٍ مُسْتَوفيها بينَنا وبينَكم عدمُ عبادَةِ غيرِ اللهِ تعالى، إلاَّ أنَّ فيه إضمارَ الرابطِ وهو "فيها" وهو ضعيف.قولُه: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ} هو ماض ولا يجوز أن يكون التقدير: "فإن تتولوا" لفسادِ المعنى لأنَّ قولَه: {فَقُولُواْ اشهدوا} خطابٌ للمُؤمنين و"تتولَّوا" للمشركين، وعند ذلك لا يبقى في الكلامِ جوابُ الشرطِ والتقديرُ: فقولوا: لهم. وهذا ظاهرٌ جداً. | |
|