عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 53 الأحد ديسمبر 09, 2012 6:56 am | |
| رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) قولُهُ تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} إقرارٌ بالرُّبوبِيَّةِ قدَّموه بين يدي تضرُّعهم إلى مولاهم، وفي الاعتِرافِ بالرُّبوبيَّةِ إحساسٌ بِجَلالِ النِّعَمِ، وفي شُكْرِ المُنْعِمِ، والاعترافِ بالرُّبوبيَّةِ اعْتِرافٌ لَهُ بالأُلوهيَّةِ؛ لأنَّ كمالَ الخُضوعِ للهِ لَا يكون إلَّا بالإيمان بربوبيَّتِهِ وإفرادِه بالعبوديَّةِ، فهم قد أَعلَنوا الخضوعَ التامَّ والإذْعانَ الكاملَ، حين قالوا: {آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ} أي صَدَّقنا تصديقَ إذْعانٍ وتسليمٍ وهِدايةٍ بما أنزلتَ على عيسى عليه السلام من تكليفٍ؛ والإيمانُ الصادقُ يَقتضي العملَ؛ لأنَّ العملَ علامةُ كمالِ الإيمان، والمُخالفةُ علامةُ ضعفِه، لذلك يقول ـ صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)). وقد تأكَّدَ العملُ بمُقتضى الإيمان بقولِهم: {وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} عيسى عليه السلام، واتِّباعُ الرسولِ يكون بالعملِ بهداه، والأخذِ بسُنَّتِه.وهم إذ تضَرَّعوا إلى ربِّهم بهذا الإيمان، فقد اتجهوا مع ذلك إلى دعائه راجين إجابتَه بأن يقوى ـ سبحانه وتعالى ـ إيمانهم، وأنْ يَنقُلَهم من الإيمان الغيبةِ إلَى إيمان الشهودِ، ولذا قالوا: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أي إذا كنا قد امتلأت قلوبنا برُبوبيَّتِك، وعَمَرتْها أُلوهيَّتُك وترجمتْها عبوديَّتُنا لك فارفعنا إلى المرتبةِ الأعلى وهي مرتبةُ الشهود، وتعني هذه المرتبةُ صفاءَ النفوسِ والمداركِ، حتَّى يصلَ المؤمنُ إلى درجة العلم الذي يكون كعِلْم المشاهدة والرؤية، فيتحقَّقَ بقولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: ((اعبُدِ اللهَ كأنَّك تَراه)). فهذه المرتبةٌ من الإيمان، والمعرفة أعلى منْ مُجَرَّدِ الإيمان. فالمُؤمِنُ يتعبَّدُ، ويُصفِّي نفسَه مِن أَدرانِ الدُنيا فلا يشتغلَ قلبُه بها، وإن اشتغلت فيها يدُه، حتَّى يشاهد اللهَ ربًّا واحدًا وإلهً ما جدًا، لا شريك له في ملكه وملكوته وأفعالِه، ويُحِسَّ بأنَّه في حضرتِه العليَّةِ كَمَن يُعاينُه في كلِّ فِعل يفعله أو كلمة تنطق بها شفاهُه. وهذه الآيةُ الكريمةُ تنُصُّ على وجودِ ذلك الصِّنفِ مِنَ العِبادِ الأصفياءِ الأتقياءِ الأبرارِ، وأنَّ هؤلاء هم في أعلى درجات اليقين، بدليلِ أنَّ هؤلاء الأتقياء طلبوا أن يكونوا في هذا الصنف، وحكى العليُّ القديرُ للأجيالِ طَلَبَهم الذي رشَّحهم له فرطُ تضَرُّعهم إليه وتَقواهم، وأولئك الشاهدون هم الأنبياءُ والصِدِّيقون والشُهداء.وقولُه تعالى: {مَعَ الشاهدين} حالٌ من مفعولِ {اكتبنا} وفي الكلامِ حذفٌ أي: اكتبنا مع الشاهدين لك بالوحدانيَّةِ. | |
|