عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 86 الأحد فبراير 10, 2013 2:06 pm | |
| كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
(86) قولُهُ تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ ثُمَّ نَدِمَ، فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ: سَلُوا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَجَاءَ قَوْمُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَتْ "كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ" إِلَى قوله: "غَفُورٌ رَحِيمٌ" آل عمران: 89 فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَسْلَمَ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا" إلى قولِه: "إِلَّا الَّذِينَ تابُوا" آل عمران: 89 فَبَعَثَ بِهَا قَوْمُهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قُرِئَتْ عَلَيْهِ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي قَوْمِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَكْذَبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّهِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ الثَّلَاثَةِ، فَرَجَعَ تَائِبًا، فَقَبِلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَشِّرُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا بُعِثَ عَانَدُوا وَكَفَرُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" آل عمران: 87. قولُه: {وَشَهِدُواْ أَنَّ الرسول} وهو محمد صلى الله عليه وسلم {حَقّ} لا شكَّ في رسالتِه {وَجَاءهُمُ البينات} أي البراهين والحُجَج الناطقة بصدق ما يدَّعيه، وقيل: القرآن، وقيل: ما في كتبهم من البِشارةِ بِه عليه الصلاة والسلامقولُه: {والله لاَ يَهْدِي القومَ الظالمين} أي الكافرين الذين ظَلَموا أنفسَهم بالإخلالِ بالنَّظَرِ، ووضَعِ الكفرِ مَوْضِعَ الإيمانِ فكيفَ مَن جاءَه الحقُّ وعَرَفَه ثمَّ أَعرضَ عنه.قوله تعالى شأنُه: {كَيْفَ يَهْدِي} استفهامٌ معناه النفي، كقول عبد الله ابنِ قيس الرُّقيَّات يمدح مصعب ابنَ الزبير: كيفَ نومي على الفراشِ وَلمَّا .................. تَشْمَلِ الشامَ غارةٌ شَعْواءُوقول الآخر: فهذي سيوفٌ يا صُدَّيُّ بنُ مالكٍ ...... كثيرٌ ولكن كيف بالسيفِ ضارِبُقوله: {وشهدوا} هي معطوفةٌ على "كفروا" و"كفروا" في محلِّ نصبٍ نعتاً لـ "قوماً"، أي: كيف يَهدي مَنْ جَمَعَ بين هذين الأمرين، أو هي في محلِّ نصبٍ على الحال من واو "كفروا"، والعاملُ فيها الرافعُ لصاحبِها، و"قد" مضمرةٌ معها. أو يكونَ معطوفاً على "إيمانهم" والتقديرُ: بعد أنْ آمَنوا وشَهِدوا، أي يُعْطف على ما في "إيمانهم" من معنى الفعل، لأنَّ معناه: بعد أن آمنوا، كقولِهِ تعالَى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} المنافقون: 10 وقولُ الأحوص اليربوعي: مشائيمُ ليسوا مُصْلِحين عشيرةً ................ ولا ناعبٍ إلا بِبَيْنٍ غرابُهاونسب هذا البيتُ أيضاً للأحوص الرياحي كما نسب للفرزدق. ووجهُ تنظيره ذلك بالآية والبيت تَوَهُّمُ وجودِ ما يُسَوِّغُ العطفَ عليه في الجملة، كذا يقول النحاة: جُزِمَ على التوهُّمِ أي: لِسُقوطِ الفاء، إذ لو سقطتْ لانجزم في جوابِ التحضيض، وكذا يقولون: تَوَهَّم وجودَ الباءِ فجَرَّ، وكقوله تعالى: {إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ} الحديد: 18، إذ هو في قوة: إنَّ الذين صدقوا وأقرضوا. وعُطِف الفعلُ على المصدر؛ لأنَّه أراد بالمصدر الفعلَ، وتقديرُه: كفروا بالله بعد أَنْ آمنوا، فهو عطفٌ على المعنى كما قالت ميسون بنت بحْدَل الكِلابيَّةَ زوج معاوية رضي الله عنه: لَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عيني .................... أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشفوفِمعناه: لأِنْ ألبسَ وتقرَّ عيني، فالأولَ يُؤَوَّل لأجل الثاني، وهذا ليس بظاهر ، لأنَّا إنَّما نحتاج إلى ذلك لكونِ المَوضِعَ يطلُبُه فعلاً كقوله: {إِنَّ المُصَّدِّقين} لأنَّ المَوصولَ يَطْلُبُ جملةً فعليَّةً فاحْتجْنا أَنْ نتأوَّلَ اسمَ الفاعلِ بفعلٍ ، وعَطَفْنا عليه {وأقرضوا}، وأمّا "بعد إيمانهم" وقولها: "للبس عباءة" ليس مكانُ الاسمِ محتاجاً إلى فعل، فالذي ينبغي: أن نتأوَّل الثاني باسمٍ ليصِحَّ عطفُه على الاسم الصريحِ قبلِه، وتأويلُه بأنْ نأتي معه بـ "أن" المصدريَّةَ مقدَّرةً، وتقديرُه: بعد إيمانِهم وأَنْ شَهِدوا، أي: وشهادتهم، ولهذا تأوَّل النحْويون قولَها: "لَلُبْسُ عباءةٍ وتقرَّ": وأَنْ تقرَّ، إذِ التقديرُ: وقُرَّةُ عيني، وعلى هذا يكون تقدير الآيةِ: بعد أَنْ آمنوا وأن شهدوا، فيكونُ في موضعِ جَرٍّ، يعني أنَّه على تأويلِ مصدرٍ معطوفٍ على المصدرِ الصريحِ المَجرورِ بالظَرْفِ، وكلامُ الجُرْجاني فيه ما يَشْهد لهذا، فإنَّه قال: قولُه: "وشَهِدوا" منسوقٌ على ما يُمكنُ في التقدير، وذلك أنَّ قولَه: "بعد إيمانِهم" يُمكِنُ أنْ يكونَ بعد "أنْ آمنوا" وأَنْ الخفيفة مع الفعلِ بمنزلةِ المصدرِ كقولهِ: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} البقرة: 184 أي: والصوم، ومثلُه مِمَّا حُمِل فيه على المعنى قولُه تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ} الشورى: 51 فهو عطفٌ على قوله: {إِلاَّ وَحْياً}، ويمكن فيه: إلَّا أن يُوحى إليه، فلمّا كان قولُه: {إِلاَّ وَحْياً} بمعنى: إلَّا أنْ يُوحَى إليه حَمَلَه على ذلك، ومَثَلُه مِن الشِعْرِ قولُ امرئ القيس: فَظَلَّ طُهاةٌ اللحم من بين مُنْضِجٍ ........... صَفيفَ شِواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلٍخَفَضَ قولَه "قدير" لأنَّه عَطْفٌ على ما يمكن في قوله: "منضجٍ" لأنَّه أَمْكَنَ أن يكون مُضافاً إلى الصفيف فَحَمَله على ذلك، وهذا البيتِ نظيرُ الآيةِ الكريمةِ والبيتِ المتقدِّميْن، لأنَّه جَرَّ "قدير" هنا على التوهم، كأنه تَوَهَّم إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله تخفيفاً فَجَرَّ على التوهم، كما تَوَهَّم الآخرُ وجودَ الباءِ في قوله: "ليسوا مصلحين"، لأنها كثيراً ما تزاد في خبر ليس(ليسوا بمصلحين). وقوله: {أَنَّ الرسول} الجمهورُ على أنَّه وَصْفٌ بمعنى المُرْسَل، وقيل: هو بمعنى الرسالةِ فيكون مصدراً. | |
|