عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 105 الخميس فبراير 21, 2013 11:04 am | |
| وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) قولُه تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمُبْتَدِعَةُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: هُمُ الْحَرُورِيَّةُ، وَتَلَا الْآيَةَ. وقال جابرٌ بنُ عبدِ اللهِ: "كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ" الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. والتفرّق على ثلاثةِ أَضْرُبٍ: تَفَرُّقٌ بالأبدان، وتفرُّقٌ بالأقوالِ والأفعالِ، وتفرُّقٌ بالاعتِقاداتِ. وكذلك الاختلافُ؛ إلاَّ أنَّ الأظهرَ في الاختِلافِ أنْ يكونَ بالأقوالِ والأفعالِ والاعتقاداتِ، وفي التفرق أنْ يَكونَ بالأبدانِ، وذَكر تعالى اللفظيْن، ليُبيِّنَ أنَّ أهلَ الكِتابِ تَجادَلوا بكُلِّ ذلك، وعلى هذا قال ابنُ عبَّاسٍ والربيعُ: تفرَّقوا واختلفوا في أحكامٍ مُبْتَدَعَةِ وأهواءٍ مُتَّبَعَةٍ بعد أنْ كانوا إخواناً، وإنَّ مَنْ كان قبلَهم هَلَكوا بالمِراءِ والخُصومات، ثمَّ ذَكرَ ما لَهم مِن عظيمِ العذاب الدائمِ في الآخرة بالنَّارِ، وفي الدُنيا بمِحَنِها ونُوَبِها. ونَبَّهَ بقولِه: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أنَّ سَبَبَ استحقاقِهمُ العذابَ افتِراقُهم واختِلافُهم، تنبيهاً لنا أنَّكم إنْ فَعَلْتُم فِعلَهمْ استَحْقَقْتمُ العَذابَ كاستحقاقِهم له.فإنْ قِيلَ: كيف قولُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البيهقيُّ وإمامُ الحرمين وغيرُهما: ((اختلافُ أُمَّتي رحمةٌ)). مع ما ذُكِرَ مِن ذَمِّ الاخْتِلافِ؟ قيل: الاختلاف ضربان: اختلاف في الأصول الجارية من الطرق مجرى طريق الشرق من طريق الغرب، وذلك هو المذموم، فإن ما عدا الجهة المأمور بسلوكها مؤد إلى الباطل. وإلى هذا يوجه قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. والثاني: اختلافٌ في الفروعِ الجاريةِ مِن الطُرُقِ مجْرى بُنَيَّات طريقٍ إلى مَقْصِدٍ واحدٍ يَسلُكُها، كلٌّ على حَسَب اجْتِهادِه، ومَقْصِدُ جميعِهم واحدٌ، فإنَّ إباحةَ اللهِ سلوكَ كلِّ واحدٍ من تلك الطُرُقِ فُسحَةٌ لهم ورَحمةً، وإيَّاهُ قصَدَ بقولِه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.فقد نقل الإمامُ النوويُّ في شرحِه لِصحيحِ مسلمٍ عن الإمامِ الخَطَّابِيِّ تَعقيباً على هذا الحديثِ قولَه: وقد اعترَضَ على حديثِ ((اختلافِ أُمَّتي رحمةٌ)) رجلانِ أَحدُهُما مَغْموضٌ عليه في دِينِهِ وهو عَمْرٌو بنُ بَحْرٍ الجاحِظٌ، والآخَرُ معروفٌ بالسُخْفِ والخَلاعَة وهو إسحاقٌ بنُ ابراهيمَ المَوْصِلِيُّ .. وتابعَ: والاخْتِلافُ في الدِّينِ ثلاثةُ أَقسامٍ أحدُها في إثباتِ الصانِعِ ووَحدانِيَّتِه وانْكارُ ذلكَ كفرٌ، والثاني في صفاتِه ومَشيئَتِهِ وانْكارُها بِدْعَةٌ، والثالثُ في أحكامِ الفُروعِ المُحتَمِلَةِ وجوهًا فهذا جَعَلَه اللهُ تعالى رحمةً وكرامةً للعُلماءِ وهو المُرادُ بحديثِ: ((اختلافِ أُمَّتي رحمةٌ)). واستُدِلَّ على عدَمِ المَنْعِ مِنَ الاخْتِلافِ في الفُروعِ بهذا الحديثِ وبقولِه صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((مهما أُوتيتُمْ مِن كِتابِ اللهِ تعالى فالعملُ بِه لا عُذْرَ لأَحَدٍ في تَرْكِهِ فإنْ لمْ يَكُنْ في كِتابِ اللهِ تعالى فَسُنَّةٌ مِنِّي ماضيَةٌ فإنْ لم يَكُنْ سُنَّةً مِنِّي فما قالَ أَصحابي، إنَّ أصحابي بِمنزِلَةِ النُّجومِ في السَّماءِ فأيَّما أخذتم بهِ اهتديْتُم واختلافُ أصحابي لَكمْ رحمةٌ))، وأراد بهم صلى الله عليه وسلم خواصَّهم البالغين رُتْبَةَ الاجْتِهاد، والرواياتُ في هذا المعنى والتي تعضُدُ هذا الحديثَ كثيرةٌ عنِ السَلَفِ الصالِحِ رضيَ اللهُ عنهم، ومنها الحديث المشهور الذي رواه مسلم في المغازي: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) و((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي)) و((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)) و((إن لمْ تَجِدْيني فأتِي أبَا بَكْرٍ)). وعن عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ قال: (ما سَرَّني لو أنَّ أصحابَ مُحَمَّدٍ لم يَختلِفوا لأنَّهم لو لم يَختلِفوا لم تَكُنْ رُخْصةٌ). وكيف يُعتَرَضُ على هذا ومن لا ينطق عن هوىً عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أَسَّسَ لمثل هذا الاختلاف بالاجتهاد في الفروع وذلك بإقراره طرفي الخلاف يوم قريظة، وذلك أنَّه عليه الصلاةُ والسلامُ جمعَ الصحابَة وقالَ لهم: ((مَنْ كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يُصَلِّيَنَّ العصرَ إلَّا في بَني قُريْظَةَ)). وسار الصحابةُ نحوَ بني قُريظَة فيما بيْن العصرِ والمَغْرِبِ، فمنهم مَنْ خاف أنْ يُدرِكَه المَغْرِبُ قبلَ أنْ يُصَلِّيَ العصرَ، فأخذ بمقصوده عليه الصلاةُ والسلامُ وهو الإسراع في غزو بني قريظةَ فصلَّى في الطريق ومنهم مَن أخذ بظاهر أمره ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ فالتزم بأمره بألاَّ يصلي إلَّا في بني قريظةَ، حتَّى وإنْ أَدْرَكَه المَغْرِبُ، حدَثَ هذا الخلاف إذن بين صحابة رسول الله وفي وجوده، لكنَّه خلافٌ فَرْعِيٌّ، فلَمَّا رَفعوه إلى رسولِ اللهِ وافقَ هؤلاءِ، ووافقَ هؤلاءِ، ولم يُنكِرْ على أحدٍ منهم ما اجتهد.(عمدة القاري شرح صحيح البخاري) والقصة مشهورة. ويَكفي أصحابَ رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ـ تزكيَةً لهم وتعديلًا قولُه تَعالى وهو أصدقُ القائلين: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}. التوبة:100.قوله: {جَاءَهُمُ البينات} لم يؤنِّثِ الفعلَ للفصلِ ولِكَونِه غيرَ حقيقيٍّ بمَعنى الدَّلائلِ. فـ "جَاءَهُمْ" مُذَكَّرٌ عَلَى الْجَمْعِ، و"جاءتْهم" مؤنثٌ على الجَماعة. | |
|