عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 155 الأحد مارس 24, 2013 2:50 am | |
| إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
(155) قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ الْمُرَادَ بها مَنْ تَوَلَّى عَنِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. وقال السُّدِّيُّ: يَعْنِي مَنْ هَرَبَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي وَقْتِ الْهَزِيمَةِ دُونَ مَنْ صَعِدَ الْجَبَلَ. وَقِيلَ: هِيَ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ تَخَلَّفُوا عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي وَقْتِ هَزِيمَتِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا. وَمَعْنَى "اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ" اسْتَدْعَى زَلَلَهُمْ بِأَنْ ذَكَّرَهُمْ خَطَايَا سَلَفَتْ مِنْهُمْ، فكرهوا الثبوتَ لِئلَّا يُقتَلوا. وَهُوَ مَعْنَى "بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا" وَقِيلَ: "اسْتَزَلَّهُمُ" حَمَلَهُمْ عَلَى الزَّلَلِ، وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنَ الزَّلَّةِ وَهِيَ الْخَطِيئَةُ. وَقِيلَ: زَلَّ وَأَزَلَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. ثُمَّ قِيلَ: كَرِهُوا الْقِتَالَ قَبْلَ إِخْلَاصِ التَّوْبَةِ، فَإِنَّمَا تَوَلَّوْا لِهَذَا، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي بِمَعْصِيَتِهِمُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي تَرْكِهِمُ الْمَرْكَزَ وَمَيْلِهِمْ إِلَى الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: "مَا كَسَبُوا" قَبُولُهُمْ مِنْ إِبْلِيسَ مَا وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ. وَقِيلَ: لَمْ يَكُنِ الِانْهِزَامُ مَعْصِيَةً، لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّحَصُّنَ بِالْمَدِينَةِ، فَيَقْطَعُ الْعَدُوُّ طَمَعَهُ فِيهِمْ لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قُتِلَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَسْمَعُوا دُعَاءَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِلْهَوْلِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: زَادَ عَدَدُ الْعَدُوِّ عَلَى الضِّعْفِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَمِائَةً وَالْعَدُوُّ ثَلَاثَةَ آلَافٍ. وَعِنْدَ هَذَا يَجُوزُ الِانْهِزَامُ وَلَكِنَّ الِانْهِزَامَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ، وَلَعَلَّهُمْ تَوَهَّمُوا أَنَّ النَّبِيَّ ـ عليه الصَلاةُ والسلامُ ـ انْحَازَ إِلَى الْجَبَلِ أَيْضًا. وَأَحْسَنُهَا الْأَوَّلُ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَإِنْ حُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى ذَنْبٍ مُحَقَّقٍ فَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى انْهِزَامٍ مُسَوَّغٍ فَالْآيَةُ فِيمَنْ أَبْعَدَ فِي الْهَزِيمَةِ وَزَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسَوَّغِ. وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّ عُثْمَانَ ـ رضي اللهُ عنه ـ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَلَامٌ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَتَسُبُّنِي وَقَدْ شَهِدْتُ بَدْرًا وَلَمْ تَشْهَدْ، وَقَدْ بَايَعْتُ تَحْتَ الشجرةِ وَلَمْ تُبَايِعْ، وَقَدْ كُنْتَ مَعَ مَنْ تَوَلَّى يَوْمَ الْجَمْعِ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ. فَرَدَّ عَلَيْهِ عُثْمَانُ فَقَالَ: أَمَّا قَوْلُكَ: أَنَا شَهِدْتُ بَدْرًا وَلَمْ تَشْهَدْ، فَإِنِّي لَمْ أَغِبْ عَنْ شيءٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَتْ مَرِيضَةً وَكُنْتُ مَعَهَا أُمَرِّضُهَا، فَضَرَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَهْمًا فِي سِهَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا بَيْعَةُ الشَّجَرَةِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَعَثَنِي رَبِيئَةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ (الرَّبِيئَةُ هُوَ النَّاظِرُ) فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فَقَالَ: ((هَذِهِ لِعُثْمَانَ)) فَيَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَشِمَالُهُ خَيْرٌ لِي مِنْ يَمِينِي وَشِمَالِي. وأمَّا يومُ الجَمْعِ فقال اللهُ ـ تعالى: "وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ" فَكُنْتُ فِيمَنْ عَفَا الله عنهم. فحَجَّ عثمانُ عبدَ الرحمن. وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقُعُودُ؟ قَالُوا: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ، فأتاه فقال: إنّي سائلُك عن شيءٍ أَتُحَدِّثُنِي؟ قَالَ: أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ، أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: فَكَبَّرَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ لِأُخْبِرَكَ وَلِأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ. وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ ممن شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ)). وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ مَكَانُهُ، فبعث عثمانَ وكانت بيعةُ الرُضوانِ بعدَ ما ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَلامُ ـ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: ((هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ)) فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: ((هَذِهِ لِعُثْمَانَ)). اِذْهَبْ بِهَذَا الْآنَ مَعَكَ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَى آدَمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى)) أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ أَرَادَ تَوْبِيخَ آدَمَ وَلَوْمَهُ فِي إِخْرَاجِ نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ مِنَ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ أَكْلِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: (أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً تَابَ عَلَيَّ مِنْهُ وَمَنْ تَابَ عَلَيْهِ فَلَا ذَنْبَ لَهُ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ لَوْمٌ). وَكَذَلِكَ مَنْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لِإِخْبَارِهِ ـ تَعَالَى ـ بِذَلِكَ، وَخَبَرُهُ صِدْقٌ. وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُذْنِبِينَ التَّائِبِينَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، فَهُمْ عَلَى وَجَلٍ وَخَوْفٍ أَلَّا تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ، وَإِنْ قُبِلَتْ فَالْخَوْفُ أَغْلَبُ عَلَيْهِمْ إِذْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بذلك.وقولُه تعالى: {الجمعان} إنّما ثُنِّيَ وإنْ كان اسمَ جمعٍ وقد نَصَّ النحاةُ على أنَّه لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ إلَّا شذوذاً لأنَّه أُريدَ به النوعُ، فإنَّ المعنى: جَمْعُ المؤمنين وجَمْعُ المشركين، فلمّا أُريدَ به ذلك ثُنِّي كقول الفرزدق: وكلُّ رفيقَيْ كلِّ رحلٍ وإنْ هما ............... تعاطَى القَنا قوماً هما أخَوانوالسين في "استَنْزَلَهم" للطلب، والظاهرُ أنَّ استفعلَ هنا بمعنى أَفْعَل لأنَّ القصّةَ تَدُلُّ عليه، فالمعنى حَمَلَهم على الزَلَّةِ، ويكون كاسْتَبَلَّ وأَبَلَّ. | |
|