عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 67 الأحد ديسمبر 16, 2012 9:17 pm | |
| مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (67) في هذا النص الآيةِ الكريمة نفيٌ لما وصفَ به اليهودُ خليل الرحمن غبراهيم عليه السلامُ باليهودية ولوصفِ النَصارى له بالنصرانيَّة، ومرمى النصِّ هو براءتُه مما وصفوه به، وفي النفي على هذا النحو توكيدٌ لهذه البراءة، وتثبيتٌ لها؛ فقد نزَّهَه ربُّه عن أنْ يتَّصِفَ بما هم عليه من ضلال؛ فنفَى وصف اليهودية عنه عليه السلام تضمن براءته منهم، وفيه التعريض بما فيهما من ضلال لَا يليق أنْ يُلصَقَ بنبيٍّ من أنبياءِ اللهِ، والتنويه بشأن إبراهيمَ مِنْ أنْ يكونَ في مثلِ حَمْأَةِ اليهودِ والنَّصارى الذين عاصروا النبيَّ صلى الله عليه وسلم.وقد ذكر سبحانه على سبيل الاستدراك وصفه الحقيقي، ودينَه الحقَّ فقال تعالى: {وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.فقد ذكر سبحانَه في وصفِه الحقيقيِّ ثلاثةَ أوصافٍ تتنافى كلُّها تمامَ التنافي معَ ما عندَ اليهودِ والنَصارى، وهذه الأوْصافُ هي أنَّه: حنيفٌ، ومسلمٌ، وليس من المشركين.والحنيف من الحَنَفِ ومعناه: الميلُ إلى الحقِّ وطلبُه، والاتجاهُ إليه، وتحرِّيهِ فالحَنَفُ ميل عن الضلال إلى الهدى والاستقامة، بخلاف الجَنَفِ تكاماً الذي هو ميلٌ عن الاستقامَةِ إلى الضَلالِ. قال عزَّ وجلَّ: {قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا}، وقال: {حَنِيفًا مُّسْلِمًا} وجمعُه حُنفاءُ؛ قال عزَّ وجلَّ: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ}، وتحنَّف فلانٌ أي تحرى طريقَ الاسْتِقامة.ووصفُه عليه السلام بأنَّه حنيفٌ يَطلب الحقَّ مُستقيمًا في طلبه فيه بيانُ مُنافاةِ أَخلاقِ اليَهودِ والنَصارى لأخلاقِه وهديِهِ، فهم لَا يطلبونَ الحقَّ لذاتِ الحقِّ، ولكن يَطلُبون هوى أنفُسِهم، فإنْ يَكنْ الحقُّ لَهم يأتوا إليه مُذعِنين، وإنْ يَكن الحقُّ عليهم أَعرَضوا عنه وذلك لمرضِ قلوبِهم.والثاني من أوصاف إبراهيم خليلِ اللهِ أنَّه مُسلِمٌ، والإسلامُ هو الإخْلاصُ لِذاتِ اللهِ، والمَحبَّةُ والانْصرافُ إليْه سبحانَه وتعالى، حتَّى لَا يَعْمُرَ القلبُ بغيرِ نورِه، وهذا أيضًا وصفٌ مُنافٍ لِما كان عليْه اليهودُ والنَّصارى، فإلهُهمْ هواهُم، ومَحَبَّتُهم لأنفُسِهم لَا لله، وإنَّما هي أعراضُ الدنيا أَركسَتْ نفوسَهم، وأَغلَقَتْ دونَ نورِ اللهِ قلوبَهم.والوصفُ الثالثُ: أنَّه كان غيرَ مُشرِكٍ، وقد نفَى الله سبحانه وتعالى عن خليلِه وصفَ الشِرْكِ بهذِه الصيغةِ الجامِعةِ فقال: "وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركِينَ" ولم يَقُلْ "وما كان مشركا" لأنَّها تتضمَّنُ نفيَ الإشْراكِ كلِّه وشوائبَه عن إبراهيم عليه السلام، فإنَّ المُشركين أصنافٌ وألوانٌ، فمنهم مَنْ يَعبُدُ الأوثانَ، ومنهم مَنْ يَجعَلُ للهِ ابْنًا يُعبَدُ، ومنهم مَن يَجعَلُ اللهَ ثالثَ ثلاثةٍ، ومنهم مَن يَتَّخذون أحبارَهم ورُهبانَهم أَربابًا مِن دونِ اللهِ، ومنهم مَن يتَّخذون وِساطةً بيْن العبدِ والربِّ، وهكذا، فما كان إبراهيمُ مِنْ أيِّ صِنْفٍ مِن هذه الأصنافِ. وفي ذِكرِ هذه الصيغةِ الساميةِ في نفي الشِّركِ عن إبراهيمَ تعريضٌ بيَّنَ حالَهم وما هم عليه من الشِرْكِ الظاهِرِ، فكيف يدَّعون الانتسابَ لإبراهيم عليه السلامُ، وهم على ما هُم عليه من الشِرْكِ.قولُه تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً} لا: توكيدٌ وبيان أنَّه لم يكن أيٍّ من الدينين. قولُه: {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} بعد قولِه: {ما كان يهودياً ولا نصرانيًا} أتى بخبرِ "كان" مجموعًا لكونِه فاصلةً، ولولا مراعاةُ ذلك لكانت المطابقةُ مطلوبةً بينه وبين ما استدرك عنه في قولِه: "يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً" بأن يقول "وما كان مشركاً" فيتناسبُ النفيان، لكن للقرآن حلاوته وطلاوته فمراعات فواصله، وهي بمثابة التقفية في الشعر والسجع في النثر. قوله: {وَلَكِن} استدراك لِما كان عليه، ووقعت هنا أَحسنَ موقع، إذ هي بيْن نقيضيْن بالنِسبَةِ إلى اعتقادِ الحَقِّ والباطل. | |
|