عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 65 السبت ديسمبر 15, 2012 10:58 pm | |
| يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) قولُه تبارك وتعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ} أخرج ابنُ إسْحق، وابنُ جريرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ تعالى عنهما قال: اجتمعتْ نَصارى نَجرانَ، وأحبارُ يَهود عندَ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عندَه فقالتْ الأحبارُ: ما كان إبراهيم إلَّا يهوديًّا، وقالتِ النصارى: ما كان إبراهيمُ إلَّا نَصرانِيًّا فأنزلَ اللهُ تعالى فيهم هذه الآيةَ مُسْتَنْكِراً ادَّعَاءَاتِهِمْ لأنَّ إبراهيمَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ، وَقَبْلَ نُزُولِ الإِنْجِيلِ. وَلَمْ يَكُنْ إبراهِيمُ عَلى شَيءٍ مِنْ تَقَالِيدِ اليَهُودِ وَلا النَّصَارَى، وَإنَّمَا كَانَ عَلَى الإِسْلاَمِ الذي يَدْعُوا إليهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَكَيفَ يَقُولُونَ قَوْلاً عَلَى جَهْلِهِمْ، وَقِصَرِ عُقُولِهِمْ؟ حيث كان بينَ إبراهيم وبيْن موسى عليهما السلامُ خمسُمِئةٍ وخمسٌ وستُّون سنةً، وقيل: سبعُمئةٍ، وقيل: ألفُ سنةٍ وبيْنَ موسى وعيسى عليهما السلامُ ألفٌ وتسعُمئةٍ وخمسٌ وعشرون سنةً، وقيل: ألفا سنةٍ، وهناك أقوال أُخَر.قولُه: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} تجهيلٌ لهم في تلك الدعوى، وهو ظاهرٌ، فلو كان الأمرُ كذلك لَما أوتيَ موسى عليه السلامُ التوراةَ، ولما أوتيَ عيسى عليه السلامُ الإنجيلَ بل كانا يؤمران بتبليغِ صُحِفِ إبراهيم، وصدور تلك الدعوى من أهل الكتاب في غايةِ البُعدِ لأنَّ القومَ لم يكونوا بهذه المثابة من الجهالة وفيهم أحبارُ اليهودِ ووفدُ نَجْرانَ، وقد ذكر أنه كانت لهم شِدَّةٌ في البحثِ، فقد أخرجَ ابنُ جريرٍ عن عبد الله بن الحرث الزبيدي أنَّه قال: سمعتُ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: ((ليتَ بيْني وبيْنَ أهلِ نَجْرانَ حجاباً فلا أراهم ولا يروني)) من شِدَّةِ ما كانوا يُمارون النبيَّ ـ صلى اللهُ عليه وسلم اللهم ـ إلَّا أنَّ الله أعمى بصائرَهم في هذه الدعوى، أو أنهم قالوا ذلك على سبيل التعنُّتِ والعِنادِ لِيَغيظَ بعضُهم؛ أو ليوهموا بعضَ المؤمنين ظَنَّا منهم أنَّ مثلَ ذلك يُزلزِلُهم لكونِهم أميِّينَ غيرَ مطَّلِعين على تَواريخِ الأنبياء السالفين، ففضحهم الله تعالى، أو أنَّ القومَ جهلةٌ لا يعلمون وإن كانوا أهلَ كتابٍ، وقيل: إنَّ مُرادَ اليهودِ بقولِهم: إنَّ إبراهيمَ ـ عليه السلامُ ـ كان يهوديًّا أنَّه كان مؤمناً بموسى ـ عليه السلامُ ـ قبل بعثتِه، على حدِّ ما يقولُه المُسلمون في سائرِ المُرسَلين ـ عليهم الصلاة والسلام ـ مِنْ أنَّهم كانوا مؤمنين بِمحمَّدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبلَ بعثتِه، وأنَّ مُرادَ النَصارى بقولِهم: إن إبراهيمَ كان نَصرانِيًّا نحوُ ذلك، فرَدَّ اللهُ تعالى عليهم بقولِه سبحانه: {وَمَا أُنْزِلَتِ التوراةُ والإنجيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ} فكيف يكون إبراهيم ـ عليه السلام ـ على دين مَنْ أتى بعده؟! ومِن شأنِ المُتأخِّرِ أنْ يَشتَمِلَ على أخبارِ المُتقدِّمِ لا سيَّما مثلُ هذا الأمرِ المُهمِّ "أفلا تعقلون" ما فيهما لتعلموا خُلُوَّهما عن الأَخْبارِ بِيَهودِيَّتِهِ ونَصْرانِيَّتِه اللتيْن زَعَمْتُموهُما. وهَذِهِ الْآيَةُ أَبْيَنُ حُجَّةً عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، إِذِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ أُنْزِلَا مِنْ بَعْدِهِ وَلَيْسَ فِيهِمَا اسْمٌ لِوَاحِدٍ مِنَ الْأَدْيَانِ، وَاسْمُ الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ كِتَابٍ.قولُه تعالى: {لِمَ تُحَآجُّونَ} ما: الاستفهاميَّة دخل عليها حرفُ الجَرِّ فَحُذِفَت ألفُها، والْأَصْلُ "لِمَا" فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ. واللَّامُ متعلِّقةٌ بما بعدَه، وتقديمُها على عامِلِها واجبٌ لجَرِّها ما لَه صَدْرُ الكلامِ. وقوله: {في إِبْرَاهِيمَ} لا بدُّ من مضافٍ محذوف أي: في دينِ إبراهيم وشريعتِه، لأنَّ الذواتِ لا مجادَلَةَ فيها.وقوله: {وَمَآ أُنزِلَتِ التوراة} الظاهرُ أنَّ الواوَ كهي في قوله: {لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} آل عمران: 70 أي: كيف تُحاجُّون في شريعتِه والحالُ أنَّ التوراةَ والإِنجيل متأخِّران عنه؟ وجَوَّزوا أنْ تكون عاطفةً وليس بالبيِّنِ، وهذا الاستفهامُ للإِنكارِ والتعجب. وقولُه: {إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} متعلِّقٌ بأُنزلت، وهو استثناء مفرغ.قولُه: {أفلا تعقلون} الهمزةُ داخلةٌ على مُقدَّرٍ هو المعطوف عليه بالعاطف المَذكور على رأيٍ، أي أتقولون ذلك فلا تعقلون بُطْلانَه؟. | |
|