روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة ال عمران الآية: 97

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة ال عمران الآية: 97 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة ال عمران الآية: 97 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة ال عمران الآية: 97   فيض العليم ... سورة ال عمران الآية: 97 I_icon_minitimeالإثنين فبراير 18, 2013 2:51 am

فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
(97)
قولُه تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} في هذه الآية الكريمة بيانُ عَظَمَةِ البيتِ الحرامِ، ومَكانتِه والأَدِلَّةِ على قِدَمِه وبَرَكَتِه؛ ففيه علاماتٌ واضحةٌ تبيِّنُ شرفَ منزلتِه وقِدَمِه وطَهارتِه، وفيضَ اللهِ سبحانَه وتعالى عليه بالنورِ والتعظيمِ وأسبابِ الهدايةِ، وأنَّه لَا بيتَ يُدانيه في منزلتِه عندَ اللهِ. و"آياتٌ" عَلَامَات مُبيَّنات وهي: مقامُ إبْراهيمَ وآثارُ أَقدامِه فيه، وحَطيمُ إِسْمَاعِيلَ، وَالْحجرُ الْأسودُ، وما أَوْدَعَه اللهُ في قلوبِ خلقِه مِن مَحَبَّةِ هذا البيتِ واحترامِه وتعظيمه، حتى أنَّ الطيرَ لا يَطيرُ فوقَ الكعبةِ في الهواءِ بل ينحرفُ عنها إذا وَصلَ إليْها يَميناً أو شِمالاً، ولا يَفِرُّ مِنَ الناسِ فيه لما يحسُّ به من أمنٍ وطُمأنينةٍ، ومنها أنَّ الوُحُوشَ ـ فيما ذكروا ـ لا يُؤذي بعضُها البعضَ في الحرمِ، حتَّى الكلابُ والسباعُ لا تُهِيجُ الظِباءَ فيه ولا تَصطادُها، ومنها أنَّ الطيرَ إذا مَرِضَ منهُ شيءٌ اسْتَشْفى بالكعبة، فيما روى العُلَماءُ، ومنها تعجيلُ العُقوبةِ لمن انتَهكَ حُرمَةَ البيتِ. وما قَصَدَه جبَّارٌ بسوءٍ إلَّا أَهلَكَه اللهُ كما أَهلَكَ أَصحابَ الفيلِ وغيرَهم، ومِن الآيات التي فيه المُلْتَزَمُ وزمزمُ ومشاعرُ الحج وما فيها من بركاتٍ، ويكفيك به أنَّ الآمِرَ ببناءِ هذا البيتِ هو الجليلُ ـ سبحانَه وتعالى ـ وأنَّ المُهندسَ له جِبْريلُ، والبانيَ هو إبراهيمُ الخليلُ، والمُساعِدُ له في بُنيانِه هو إِسماعيلُ ـ عليهمُ السلامُ.
وَمِنَ الآياتِ أَنَّ الْغَيْثَ إِذَا كَانَ نَاحِيَةَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ كَانَ الْخِصْبُ بِالْيَمَنِ، وَإِذَا كَانَ بِنَاحِيَةِ الشاميِّ كانَ الخِصْبُ بالشامِ، وإذ عَمَّ الْبَيْتَ كَانَ الْخِصْبُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، فيما نقل أهل العلمِ والاطلاع، وَمِنْهَا أَنَّ الْجِمَارَ عَلَى مَا يُزَادُ عَلَيْهَا تُرَى عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ.
وقولُه: {مقامُ إبراهيمَ} يَعني الحجرَ الذي كان يَقومُ عليه عند بناءِ البيتِ وقتَ رفعِ الحِجارةِ لِبناءِ الكَعبةِ عند ارتفاعِه أو عند غسلِ رأسِهِ على ما رُوي من أنَّه ـ عليه السلامُ ـ جاء زائراً مِنَ الشامِ إلى مكَّةَ، فقالت له امرأةُ إسماعيلَ عليه السلامُ اِنزِلْ حتَّى أغسِلَ رأسَكَ فلم يَنزِلٍ فجاءتْه بهذا الحجرِ فوضعتْه على شِقِّهِ الأيمنِ فوضعَ قدمَه عليهِ حتَّى غسَلَتْ شِقَّ رأسِه ثمَّ حوَّلتْه إلى شِقِّه الأيسرِ حتَّى غَسَلتْ الشقَّ الآخَرَ فبقى أثرُ قدميْه عليه زمناً ثمَّ اندرسَ مِنْ كَثْرَةِ المَسحِ عليه بأَيدي الحجاج والمعتمرين تبرُّكاً، والْمَقَامُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قُمْتُ مَقَامًا، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقَامُ فِيهِ. وَالْمَقَامُ مِنْ قَوْلِكَ: أَقَمْتُ مَقَامًا.
وَفيهِ دَلاَلاَتٌ ظَاهِرَاتٌ عَلَى أنَّ إبْرَاهِيمَ الخَلِيلَ هُوَ الذِي بَنَاهُ، وَهَذِهِ الدَّلاَلاَتُ هِيَ مَقَاُم إبراهِيمَ. إذْ أنَّ إبرَاهِيمَ لَمّا ارْتَفَعَ بِنَاءُ البَيْتِ، اتْخَذَ لَهُ مَقَاماً يَقِفُ عَلَيْهِ، وَإسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ مَوَادَّ البِنَاءِ، وَكَانَ المَقَامُ مُلْتَصِقاً بِجِدَارِ الكَعْبَةِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أخَّرهُ إلى حَيْثُ يَقُومُ الآنَ لِيَتَمكَّنَ النَّاسُ مِنَ الصَّلاَةِ عِنْدَهُ دُونَ إزْعَاجِ الطَّائِفِينَ بِالبَيْتِ، وَكَانَ إبراهِيمُ يَتَّخِذُهُ مَوْضِعاً لِصَلاتِهِ وَعِبَادَتِهِ. وَقَدْ اتَّفَقَ العَرَبُ جَمِيعاً عَلَى احْتِرامِ البَيْتِ وَتَعْظِيمِهِ، لِذَلِكَ كَانَ مَنْ دَخَلَهُ يُصْبِحُ آمِناً مِمَّا يُخِيفُهُ.
قولُه: {ومَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} أي آمنًا مِنَ الأذى والقتلِ. وهذه آيةٌ لَا شكَّ فيها، فالعَرَبُ كانوا يحترمونه كما نوهنا، وكانت هذه نعمةٌ أنعمَ اللهُ بها عليهم، وبقيَتْ حتَّى في شِرْكِهم؛ ولذا يقول سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}. ولقد حماهُ اللهُ ـ سبحانه وتعالى ـ في الإسلام، فهذا النبيَّ ـ صلواتُ اللهِ عليه وسلامُه ـ عندما فتح مكة احترم أمنَها فكان مناديه يُنادي: مَنْ دَخَلَ دارَه وأغلقَ بابَه فهو آمنٌ، ومَن دَخلَ دارَ أبي سُفيانَ فهو آمِنٌ، ومَنْ دَخَلَ البيتَ الحرامَ فهو آمنٌ. ووصفَ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ يومَ الفتحِ بقولِه: ((هذا يومٌ يُعظِّمُ اللهُ فيه الكعبةَ، ويومٌ تُكسى فيه الكعبة)). هذا جُزْءٌ مِن حديثٍ رواه البُخارِيُّ في المَغازي.
قولُه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} لقد فرضَ اللهُ تَعَالَى الحَجَّ عَلَى المُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ الكريمة، وَبِذَلِكَ أَصْبَحَ أَحَدَ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ، وهو فَرْضٌ عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَ الحَجَّ مِنْ نَفَقَةٍ وَقُدْرَةٍ. وَمَنْ جَحَدَ فَرِيضَةَ الحَجِّ فَقَدْ كَفَرَ وَاللهُ غَنِيٌّ عَنْهُ، وَقِيلَ المُرَادُ بِالكُفْرِ هُوَ جُحُودُ كَوْنِ البَيْتِ الحَرَامِ أَوْلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِعِبَادَةِ النَّاسِ. وهذه آيةٌ لتعظيم الله سبحانه وتعالى شأن بيتِه المُقَدَّسِ، وحَرَمِهِ الآمِنِ إلى يومِ القيامةِ، وذلك أنه ـ سبحانه ـ جعله مَوْضِعَ المُؤتَمَرِ الإسلاميِّ الأَكبَرِ، كما قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجًّ عَميقٍ}. سورةُ الحجِّ، الآية: (27). والحج لُغَةً هو القصدُ وشرعاً هو القصدُ إلى أَداءِ المَناسِكِ بِنِيَّةِ العِبادةِ.
والفَرضيَّةُ العَيْنِيَّةُ مُنْصَبَّةٌ على مَن يَستطيعُ دون غيرِه ولكنَّ تصديرَ الكلامِ بإضافةِ الفَرْضِيَّةِ إلى النَّاسِ، ثمَّ البدلُ منهم بالمُستَطيعين يَدُلُّ على أنَّ عامَّةَ المُسلمين عليهم فرْضيَّةٌ عامَّةٌ، وإنْ لم تَكُنْ كَفَرْضِيَّةِ المُستَطيعين، وهذه الفَرْضِيَّةُ نُفَسِّرُها بأمرين.
أوَّلُهُما: بالتكليفِ العامِّ الذي يَدخُلُ في عُمومِ فروضِ الكِفايةِ، بمعنى أنَّ عامَّةَ المُؤمنين عليهم أنْ يُسهِّلوا تلكَ الفريضةَ على مَنْ يُريدُها ويَستطيعُها، ويَبْتَغي بِها مَرْضاةِ اللهِ تعالى؛ فعلى وَليِّ الأمرِ الذي يُمثِّلُ جماعةَ المؤمنينَ أنْ يُسهِّلَ هذه الفَريضَةَ لِطُلاَّبِها؛ وعلى جماعةِ المؤمنين أنْ يَعمَلوا على إقامَتِها كلٌّ في طاقتِه وفي حدودِ قُدرَتِه.
وثانيهُما: ما يُقرِّرُه الفُقَهاءُ مِن أنَّ أصلَ الوُجوبِ ثابتٌ ما دامَ الشخصُ مُكلَّفًا؛ ولكنَّ وُجوبَ الأَداءِ هو الذي يُشتَرَطُ فيه الاسْتِطاعةُ. فمَن لَا يَستطيع هذا العامَ قد يَستطيعُ في قابِلٍ وهكذا.
والاستطاعةُ التي تُوجِبُ فرْضِيَّةَ الأَداءِ هي الحَدُّ الأدْنى مِنَ الاسْتِطاعةِ، ولذلك قال النَصُّ الكريم: "مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". أي استطاعَ الوصولَ إلى الحجِّ بأيِّ سبيلٍ، فليست الاستطاعة المُوجِبَةُ للحَجِّ هي الاسْتِطاعةُ الواسعةُ المَعنى التي لَا تكونُ إلَّا للأغنياءِ، ولذا فسَّرَها الفقهاءُ بالقُدْرَةِ البَدنيَّةِ، والقدْرَةِ على الزادِ والراحلةِ أي ما يُمكِنُ أنْ يَصِلَ به؛ لقولِه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ما رواه الترمذي والبيهقيُّ وغيرهما من أئمَّة الحديث عَنْ سيدنا عَلِيٍّ ـ كرَّم اللهُ وجهَهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا)). ولابد أنْ يكونَ ذلك زائدًا عن حاجاتِه الأصليَّةِ وحاجات مَنْ يَقُوتُهم، فإنْ تَرَك مَنْ يَقوتُهم بِلا مالٍ أَثِمَ، لقوله ـ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((كفى بالمرء إثْمًا أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقوتُ)). رواه أبو داوود في سُنَنِه، وأحمدُ في مُسنَده.
والفرض لَا يؤدي بالإثم. ومن استطاعة المرأة ألا تكون ذات أطفال صغار يخشى عليهم الضيعة إن تركت حضانتهم ولا حاضن لهم سواها، كما أن من استطاعتها أن يكون معها زوجها أو ذو رحم محرم منها.
والحج عند الأكثرين فرض على التراخي، ولكن المالكية يقررون أنه لَا يسع من تجاوز الستين أن يؤخر عن قدرة، وإن كان أصل التراخي ثابتا لصريح الآثار الواردة في ذلك، والحج فرض مرَّةً واحدةً في العمر،
والحجُّ هو مؤتمرُ الإسلامِ الأَكبرُ.
قولُه: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِي عَنِ الْعَالَمِينَ} في معنى هذا النَصِّ اتِّجاهان؛ أَحدُهما: أنْ يَكونَ الكلامُ في تارِكِ الحَجِّ ويكون المعنى مَن تَرَكَ الحجَّ جاحِدًا له مُنْكِرًا لِفَرْضِيَّتِه فقد كَفَرَ؛ واللهُ ـ سبحانَه ـ غنِيٌّ عنِ العالمين أيْ عنِ النَّاسِ أَجمعين. فهم محتاجون إليْه، وهو غيرُ محتاجٍ إليهم.
والاتِّجاهُ الثاني: أنْ يَكونَ الكلامُ متَّجِهًا إلى اليَهودِ الذين أَنكروا فضلَ البيتِ وقِدَمَه وبناءَ إبراهيمَ له. ويكون المعنى: ومَن أَنْكَرَ تلك الحقيقةَ الثابتةَ وجَحَدَها بعد البَيِّناتِ فقد أركس نفسَه والله سبحانَه غنيٌّ عن العالمين.
قولُه تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ} يَجوزُ أنْ تَكونَ هذه الجملةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ: إمَّا مِن ضميرِ "وُضع"، وفيه ما تقدَّم من الإِشكال، وإمَّا من الضميرِ في "ببكة" وهو واضحٌ، وهذا على رأي مَنْ يُجيزُ تَعدُّدَ الحالِ لِذي حالٍ واحدٍ، وإمَّا مِنَ الضميرِ في "للعالمين"، وإمَّا من "هُدى"، وجازَ ذلك لتخصُّصهِ بالوصفِ، ويجوزُ أنْ يكونَ حالاً من الضمير في "مباركاً". ويجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ في محلِّ نصبٍ نعتًا لِهدى بعد نعتِه بالجارِّ قبلَه، ويجوزُ أَنْ تكونَ هذه الجملةُ مستأنفةً لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإِعرابِ، وإنَّما جِيءَ بها بيانًا وتفسيراً لِبَرَكتِه وهُداه، ويجوزُ أَنْ تكونَ الحالُ أو الوصفُ على ما مَرَّ تفصيلُه هو الجارَّ والمجرورُ فقط، و"آياتٌ" مرفوعٌ بها على سبيلِ الفاعلِيَّة، وهذا أَرْجَحُ مِنْ جَعْلِها جملةً من مبتدأٍ وخبرٍ، لأنَّ هذه الأشياءَ ـ أَعني الحالَ والنعتَ والخبرَ ـ أصلُها أَنْ تكونَ مفردةً فما قَرُب منها كان أوْلى، والجارُّ قريبٌ من المفرد، ولذلك تقدَّمَ المُفرَدُ ثمَّ الظَرْفُ ثمَّ الجُمْلَةُ، وعليه الآيةُ الكريمة: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} غافر: 28. فقدَّم الوصف بالمفرد وهو "مؤمن"، وثَنّى بما قَرُب منه وهو "من آل فرعون"، وثَلَّثَ بالجُملةِ وهي "يكتم إيمانه"، وقد جاءَ في الظاهر عكسُ هذا.
قولُه: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} فيه أوجُهٌ، أَوَّلُها: أنَّ "مقام" بدلٌ من "آيات"، وعلى هذا يُقال: إنَّ النَّحْويِّينَ نَصُّوا على أنَّه متى ذُكِرَ جمعٌ لا يُبْدَلُ منه إلَّا ما يُوَفِّي بالجمعِ فتقولُ: "مَرَرْتُ برجالٍ زيدٍ وعمرٍو وبكر" لأنَّ أقلَّ الجَمْعِ الصحيحِ ثلاثةٌ، فإن لم يُوفِّ قالوا: وَجَبَ القطعُ عن البدليَّةِ: إمَّا إلى النَّصبِ بإضمارِ فعلٍ، وإمَّا إلى الرفعِ على مبتدأٍ محذوفِ الخبرِ، كما تقولُ في المِثالِ المُتقدِّمِ: "زيداً وعمراً" أي أعني زيداً وعمراً، أو "زيدٍ وعَمْرٍو" أي: منهم زيدٌ وعَمْرٌو، ولذلك أَعرَبوا قولَ النابغة الذبياني:
تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها .................. لستةِ أعوامٍ وذا العامُ سابعُ
رَمادٌ ككحلِ العَيْن لأْياً أُبينُه ........... ونُؤْيٌ كجِذْمِ الحَوْضِ أَثْلَمُ خاشعُ
على القطعِ المتقدِّم، أي: فمنها رمادٌ ونُؤْيٌ، وكذا قَولُه تعالى: {هل أتاك حَدِيثُ الجنودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} البروج: 17- 18. أي: أعني أو أذُمُّ فرعونَ وثَمودَ، على أنَّه قد يُقالُ: إنَّ المُرادَ بِفِرعوْنَ وثَمُودَ هما ومَنْ تَبِعَهُما مِنْ قومِهِما، فذِكْرُهُما وافٍ بالجَمْعيَّةِ، وفي الآيةِ الكريمةِ هنا لم يُذْكَرْ بعدَ الآياتِ إلَّا شيْئانِ: المَقَامُ وأَمْنُ داخلِه، فكيف يكونان بدلاً من الآيات؟ وهذا الإِشكالُ أيضاً واردٌ على قولِ مَنْ جَعَلَه خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ أي: هي مقامُ إبراهيم كيف يُخْبِر عن الجمعِ باثنيْن؟ وفيه أَجوِبَةٌ، أحدُها: أنَّ أَقَلَّ الجمعِ اثنانِ كما ذهبَ إليه بعضُهم، ويجوزُ أنْ يُرادَ: فيه آياتٌ: مقامُ إبراهيمَ وأمنُ مَنْ دَخلَه، لأنَّ الاثنيْنِ نوعٌ مِنَ الجَمْعِ كالثلاثةِ والأَربَعَةِ.
ثانيها: أنَّ "مَقامَ إبراهيمَ" وإنْ كان مُفرَداً لَفْظاً إلَّا أنَّه يَشْتَمِلُ على آياتٍ كثيرةٍ، لأنَّ القدميْنِ في الصخرةِ الصَمَّاءِ آيةٌ، وغَوْصُهُمَا فيها إلى الكعبين آيةٌ، وإِلانَةُ بعضِ الصخرةِ دونَ بعضٍ آيةٌ، وإبقاؤُه على مَرِّ الزَّمانِ، وحِفْظُه مِنَ الأَعداءِ آيةٌ، واستمرارُه دون آياتِ سائرِ الأَنبياءِ خَلا نَبِيِّنا ـ صلى الله عليه وعلى سائرهم ـ آيةٌ.
الثالث: أن يكونَ هذا من بابِ الطَيِّ، وهو أن يُذْكَرَ جمعٌ ثمَّ يُؤْتَى ببعضِه ويُسْكَتَ على ذِكْرِ باقِيهِ لِغَرضٍ للمتكلِّمِ ويُسمَّى طَيًّا، ومنه قولُه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((حُبِّبَ إليَّ من دُنْياكم ثلاثٌ: الطِّيبُ والنِّساءُ، وقُرَّةُ عيْني في الصلاة)). ذَكَر اثْنَيْنِ وهما الطِّيبُ والنِّساءُ، وطَوَى ذِكْرَ الثالثة، ولا يُقالُ: إنَّ الثالثةَ قولُه: ((وقُرَّةُ عيني في الصلاة)) لأنَّها ليْستْ مِنْ دُنْياهم، إنَّما هي مِن الأمورِ الأُخْرويَّة، وفائدةُ الطيِّ عندهم تكثيرُ ذلك الشيء، وأُنشِدَ عليه قولُ جريرٍ:
كانَتْ حُنَيْفَةُ أثلاثاً فثُلْثُهُمُ ................. مِنَ العبيدِ وثُلْثٌ مِنْ مَواليها
وكأنَّه تعالى لَمَّا ذَكَرَ من جُملةِ الآياتِ هاتيْن الآيتيْن قال: وكثيرٌ سواهما. وقال ابنُ عطيَّة: والأرجحُ عندي أنَّ المَقامَ وأمْنَ مَنْ دَخَلَهُ جُعِلا مِثالاً مِمَّا في حَرَم اللهِ تعالى مِن الآياتِ، وخُصَّا بالذِّكْرِ لعِظَمِهِما وأَنَّهما تقومُ بهما الحُجَّةُ على الكِفَّارِ، إذ هم مُدْرِكون لهاتيْنِ الآيتيْن بِحَواسِّهم.
الوجه الرابع: أنْ يكونَ "مقامُ إبراهيم" عطفَ بيانٍ، ولكن هذا مخالف لإِجماع البَصْريِّين والكُوفيِّين فلا يُلتفت إليه، وحُكْمُ عَطْفِ البَيانِ عندَ الكُوفِيِّين حُكمُ النَّعْتِ فَيُتْبِعون النَّكِرَةَ النَكِرَةَ والمعرفةَ المَعْرِفةَ، وتبِعهم في ذلك أبو عليٍّ الفارسيُّ، وأمّا البَصرِيُّون فلا يَجوزُ عندَهم إلَّا أنْ يكونا معرفتيْن ، ولا يجوزُ أن يكونا نَكِرتيْن، وكلُّ شيءٍ أَوْرَدَه الكُوفيُّون مِمَّا يُوهِمُ جَوازَ كونِه عَطْف بيانٍ جَعلَه البَصريُّونَ بَدَلاً، ولم يَقُمْ دليلٌ للكُوفيِّين.
وقولُه: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} جملةٌ مستأنفةٌ: إمَّا ابتدائيةٌ وإمَّا شَرطِيَّةٌ. وذلك جائزٌ من حيثُ المَعنى، لأَنَّ قولَه: "وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً" دلَّ على أَمْنِ مَنْ دخلَه، فكأنَّه قيل: "فيه آياتٌ بيِّناتٌ": مقامُ إبراهيمَ وأَمْنُ مَنْ دخله. فلو قلتَ: "فيه آيةٌ بَيِّنَةٌ: أنَّ مَنْ دَخَله كان آمِناً" صَحَّ، لأنَّ المَعنى: فيه آيةٌ بينةٌ أَمْنُ مَنْ دَخَلَه. ولأنَّ الجملة متى كانَتْ في تأويلِ المفردِ صَحَّ عطفُها عليه، ثمَّ المختارُ أن يكونَ قولُه "مَقامُ إبراهيمَ" خبرَ مبتدأٍ مُضمَرٍ، تقديرُه: أحدُها مقامُ إبْراهيم. و"مَنْ" يَجوزُ أنْ تَكونَ شَرطِيَّةً
وأنْ تَكونَ مَوصُولَةً.
وقرأ أُبَيٌ وعمرُ وابنُ عبَّاسٍ وأبو جعفرَ ومُجاهدٌ ـ رضي الله عنهم أجمعين: "آيةٌ بينة" بالتوحيد، وتخريجُ "مقام" على الأوْجُهِ المُتقدِّمةِ سهلٌ: مِنْ كونِها بَدَلاً أو عطفَ بَيانٍ، أو خبرَ مبتدأ محذوف، وهذا البَدَلُ متَّفَقٌ عليْه؛ لأنَّ البَصْريِّينَ يُبْدِلون من النكرةِ مُطْلَقًا، والكُوفيُّون لا يُبْدِلون منها إلَّا بِشَرْطِ وصْفِها وقد وُصِفَتْ.
قوله ـ سبحانه: {مَنِ استطاع} فيه ستةُ أوْجُهٍ، أَحَدُها أنَّ "مَنْ" بدلٌ مِنَ "الناسِ" بدلَ بعضٍ مِنْ كلٍّ، وبدلُ البَعْضِ وبدلُ الاشْتِمالِ لا بُدَّ في كلٍّ منهما مِنْ ضميرٍ يعودُ على المُبْدَلِ منه نحو: أَكْلْتُ الرغيفَ ثلثَه، وسُلِب زيدٌ ثوبُه، وهنا لا يوجد ضميرٌ، فقيلَ: هو مَحذوفٌ تقديرُه: مَنْ اسْتَطاعَ منهم. الثاني: أنَّه بَدلُ كلٍّ مِنْ كلٍّ، إذِ المُرادُ بالنَّاسِ المَذكورين خاصٌّ، والفرقُ بيْن هذا الوَجْهِ والذي قبلَه أنَّ الذي قبلَه يُقالُ فيه: عامٌّ مخصوصٌ، وهذا يُقالُ فيه: عامٌّ أُريدَ به الخاصُّ، وهو فرقٌ واضحٌ، وهاتان العِبارتان مأخوذتان مِنْ عِبارَةِ الإِمامِ الشافِعِيِّ رضي اللهُ عنه. الثالث: أنَّها خبرُ مبتدأٍ مُضْمَرٍ تقديرُه: هو مَنْ استطاع. الرابعُ: أنَّها مصدريةٌ بإضمارِ فعلٍ أي: أعني مَن استطاع، وهذان الوجهان في الحقيقة مأخوذان من وجهِ البَدَلِ، فإنَّ كلَّ ما جاز إبدالُه ممَّا قبلَه جاز قَطْعُه إلى الرفعِ أو النصبِ المذكوريْن آنفاً. الخامس: أنَّ "مَنْ" فاعلٌ بالمَصدَرِ وهو "حَجُّ" والمصدرُ مضافٌ لِمفعولِه، والتقدير: ولله على الناس أن يَحُجَّ مَنِ اسْتَطاعَ منهم سبيلاً الْبَيْتَ، وهذا الوجهُ قد رَدَّه جماعةٌ مِنْ حيثُ الصِناعةُ ومن حيثُ المَعنى: أمَّا من حيثُ الصناعةُ فلأنَّه إذا اجتمع فاعلٌ ومفعولٌ مع المصدرِ العاملِ فيهما فإنَّما يُضاف المصدرُ لِمرفوعِه دونَ منصوبِه فيقالُ: يُعجِبُني ضَرْبُ زيدٍ عَمْراً، ولو قلت: ضَربُ عمرٍو زيدٌ. لمْ يَجُزْ إلَّا في ضَرورَةٍ كقولِ الأُقَيْشِرِ الأسديِّ، واسمُه: المُغيرةُ بنُ عبدِ اللهِ ابنِ الأسودِ:
أَفْنَى تِلادي وما جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ ........... قَرْعُ القواقيزِ أفواهُ الأباريقِ
القواقيز: جمعُ قَزَزٍ: وهو الرجلُ الظريفُ المُتَوَقِّي للعيوب، والمُتَقَزِّزُ المُتباعِدُ منَ المَعاصي والمَعايِبِ، والبيتُ منْ قصيدةٍ مشهورة يقول فيها:
أقول والكأس في كفِّي أقلبها .............. أخاطبُ الصِيدَ أبناءَ العَماليقِ
إني يُذَكِّرُني هنداً وجارَتَها .............. بالطَّفِّ صوتُ حماماتٍ على نِيقِ
أفنى تِلادي وما جمَّعتُ مِن نَشَبٍ ........... قرعُ القواقيزِ أفواهَ الأباريقِ
كأنهنَّ، وأيدي الشَرْبِ مُعلَمَةٌ .............. إذا تَلألأنَ في أيدي الغَرانيقِ
بناتُ ماءٍ معاً، بيضٌ جآجئها .............. حمرٌ مناقرُها، صُفرُ الحَماليقِ
أَيْدِي سُقاة ٍ تَخِزُّ الأَرْضَ مُعْمَلَة ً ............. كَأَنَّما أَوْبُها رَجْعُ المَخَارِيقِ
تلكَ اللَّذاذةُ، ما لم تأتِ فاحشةً ......... أو ترمِ فيها بسهمٍ ساقطِ الفُوقِ
عليكَ كلُّ فتىً سمحٍ خلائقهُ ........... محضِ العُروقِ كريمٍ غيرِ ممذوقِ
ولا تُصاحبْ لئيمًا فيه مَفْرَقَةٌ ................ ولا تزورنَّ أصحابَ الدوانيقِ
لا تشربنْ أبداً راحاً مُسارَقَةً ................... إلَّا معَ الغُرِّ أَبناءِ البَطاريقِ
ويُروى هذا البيتُ بِنَصْبِ "أفواه" على إضافةِ المصدرِ وهو "قَرْع" إلى فاعلِه، وبالرفعِ على إضافتِه إلى مفعولِه، وقد جَوَّزه بعضُهم في الكلامِ على ضَعْفٍ، والقرآنُ لا يُحْمَلُ على ما في الضرورةِ ولا على ما فيه ضعفٌ. وِأمَّا مِن حيثُ المعنى فلأنَّه يؤدِّي إلى تكليفِ النَّاسِ جميعِهم مُستَطيعِهم وغيرِ مُسْتَطيعهم أنْ يَحُجَّ مستطيعُهم، فيلزمُ من ذلك تكليفُ غيرِ المُستطيعِ بأنْ يَحُجَّ المُسْتَطيعُ وهو غيرُ جائزٍ، وقد التزَمَ بعضُهم هذا، وقال: نَعَم نَقولُ بِمُوجِبِه، وأنَّ اللهَ تعالى كَلَّف الناسَ ذلك، حتَّى لو لم يَحُجَّ المستطيعون لَزِم غيرُ المستطيعين أنْ يأمروهم بالحج حَسْبَ الإِمكان؛ لأنَّ إحجاجَ الناسِ إلى الكَعْبَة وعرفَة فرضٌ واجبٌ. و"مَنْ" على الأوْجُهِ الخمسةِ موصولةٌ بمعنى الذي. السادس: أنها شرطيةٌ والجزاءُ محذوفٌ يدل عليه ما تقدَّم أو هو نفسُ المتقدمِ على رَأْي، ولا بُدَّ من ضميرٍ يعود مِنْ جملةِ الشرطِ على الناسِ تقديرُه: مَنِ استطاعَ منهم إليه سبيلاً فلله عليه أن يَحُجَّ، ويترجَّحُ هذا بمقابلتِه بالشرطِ بعدَه وهو قولُه: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين}.
وقوله: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} جملةٌ من مبتدأٍ وخَبَرٍ وهو قولُه "لله"، و"على الناس" متعلِّقٌ بما تَعَلَّقَ به الخبر أو متعلِّقٌ بمَحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الضميرِ المُستَكِنِّ في الجارِّ، والعاملُ فيه أيضاً ذلك الاستقرارُ المحذوف، ويَجوزُ أنْ يَكونَ "على الناس" هو الخبرَ، و"للهِ" متعلِّقٌ بما تعلَّق به الخبرُ، ويَمتَنِعُ فيه أنْ يَكونَ حالاً مِن الضميرِ في "على الناس" وإنْ كان العكسُ جائزاً ـ كما تقدَّمَ ـ والفرقُ أنَّه يَلزَمُ هنا تَقديمُ الحالِ على العاملِ المَعنويِّ، والحالُ لا تتقدَّم على العاملِ المَعنويِّ بخِلافِ الظَرفِ وحَرفِ الجَرِّ فإنَّهما يَتَقدَّمان على عامِلِهِما المَعْنَوِيِّ للاتِّساعِ فيهما، وقد تقدَّم أنَّ الشيخَ جمالَ الدينِ بنَ مالكٍ يُجَوِّزُ تقديمَهُا على العامِلِ المَعنويِّ إذا كانتْ هي ظَرْفاً أو حرفَ جَرٍّ والعاملُ كذلك، ومسألتنا في الآيةِ الكريمةِ من هذا القبيل.
وقرأ الأَخوانِ وحفصٌ عن عاصِمٍ: "حِجُّ" بكسر الحاء، والباقون بفتحِها، فقيلَ: لُغتان بِمعنى، والكسرُ لغةُ نجدٍ والفتحُ لغةُ أهلِ العالية، وفَرَّقَ سِيبَوَيْهِ فَجَعَلَ المَكسورَ مَصْدراً أو اسْماً للعَمَلِ، وأمَّا المَفتوحُ فمَصدرٌ فقط. وقد تقدَّم في البقرة أنَّه قُرئَ في الشاذِّ بكسرِ الحاء، فأغنى عن الإعادة.
وقد جِيئَ في هذه الآيةِ بمبالَغاتٍ كثيرةٍ منها قولُه: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} يَعني أنَّه حَقٌّ واجبٌ عليهم للهِ في زمانِهم لا يَنفَكُّون عن أَدائِهِ والخروجِ عن عُهْدَتِهِ. ومنها أنَّه ذَكَرَ "الناس" ثمَّ أَبْدلَ منهم {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} وفيه ضربان من التأكيدِ، أحدُهما: أنَّ الإِبدالَ تثنيةُ المُرادِ وتكريرٌ له، والثاني: أنَّ التفصيلَ بعدَ الإِجْمالِ والإِيضاحَ بعدَ الإِبْهامِ إيرادٌ في صورتينِ مُختلفتيْنِ.
والألفُ واللام في "البيت" للعَهدِ لتقدُّم ذِكْرِه، وهو عَلَمٌ بالغلَبَة كالثُريّا والصَّعِق، فإذا قيل "زار البيت" لم يَتبادرِ الذهنُ إلَّا إلى الكعبةِ شَرَّفها اللهُ تعالى. والضمير في "إليه" الظاهرُ عَوْدُهُ على الحج لأنَّه مُحَدَّثٌ عنه، والثاني: عَوْدُه على البيت و"إليه" متعلِّقٌ باسْتَطاعَ، و"سبيلًا" مفعولٌ به لأنَّ "استطاع" متعدٍّ، قال: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ} الأعراف: 197. إلى غيرِه من الآيات.
قوله: {وَمَن كَفَرَ} يجوزُ أَنْ تكونَ الشرطيَّةَ وهو الظاهرُ، ويَجوزُ أَنْ تكونَ الموصولةَ، ودَخَلَتِ الفاءُ شَبَهاً للمَوصولِ باسمِ الشرطِ وقد تقدَّم تقريرُهُ غيرَ مرَّةٍ، ولا يَخْفَى حالُ الجُملتيْن بعدَها بالاعتبارين المذكورين. ولا بُدَّ مِن رابطٍ بين الشرطِ وجزائِهِ أو المبتدأِ وخبرِهِ، ومَنْ جَوَّزَ إقامةَ الظاهِرِ مُقامَ المُضْمَرِ اكتفى بذلك في قوله: {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين} كأنَّه قال: غنيٌّ عنهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة ال عمران الآية: 97
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 49
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 66
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 80
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 96
» فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 114

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: