عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 114 الثلاثاء فبراير 26, 2013 3:08 am | |
| يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) قولُه ـ تعالى: {يُؤْمِنُونَ باللهِ واليومِ الآخِرِ} صفةٌ أُخرى لـ "أمةٌ"، وبيانُ حالٍ مِن أحوالِهم، وهي الحالُ الدائمةُ المُستمِرَّةُ التي جعلتْهم مُستقيمين على الحَقِّ مُهتَدين بِهدْيِهِ، فإنَّ الإيمانَ بالله ـ تعالى ـ حقَّ الإيمان يَجعلُ المؤمنَ يُذْعِنُ للحقِّ، ويُخلِصُ في كلِّ ما يَطلُبُ، ولا يُحِبُّ الشيءَ إلَّا للهِ، وتكون كلُّ مشاعرِه وأهوائِه تَبَعاً لأَوامِرِ اللهِ ـ تعالى ـ ونواهيه. هذا هو الإيمانُ باللهِ، أمَّا الإيمانُ باليومِ الآخِرِ، فإنَّه يُعرَفُ به حقيقةُ هذه الدُنيا، وأنَّها لَعِبٌ ولَهْوٌ، وزينةٌ وتَفاخُرٌ، وأنَّه في هذه الحياةِ الآخِرةِ يَلقى اللهَ ـ سبحانه وتعالى، فيَجد كلَّ ما عمِلَ مِنْ خيرٍ مُحْضَرًا، وما عَمِلَ مِنْ شَرٍّ يَوَدُّ لو أنَّ بينَه وبينَه أمدًا بعيدًا.قولُه: {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} هذا هو العملُ الذي يَفيضون بِه على غيرِهم، ويَشعُرون بأنَّ عليهم حقًّا بالنسبةِ للحقِّ الذي أَدركوه، وهو أنْ يَتَواصَوْا بالحَقِّ، ويَتَناهَوا عن الباطل، ويَأمروا بالمعروفِ الذي تُقِرُّهُ العُقولُ، ولا تُنكِره الفِطرةُ المُستقيمةُ، فإنَّ المؤمنَ المُذعِنَ للحقِّ يدعو إليْه، ولا يَسكُتُ على باطلٍ ولا يَرتَضيه، وعلى عكس ذلك أهلُ الشَرِّ، فإنَّهم كانوا لَا يَتَناهَوْنَ عن مُنكَرٍ فعلوه. ولذا قال فيهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} المائدة.قولُه: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} هذه حالٌ أُخرى مِنْ أحوالِ أهلِ الصلاحِ، وهي أنَّهم لا تلوحُ لهم فُرصةٌ يجدون فيها مجالاً للقيام بعمل خيِّرٍ، إلَّا واغْتَنَموها. مسرعين غير متباطئين ولا مُسوِّفين. "ويسارعون فِي الخيرات" أي يبادرون إلى فعل الخيرات والطاعات خوف الفوات بالموت أو بغيرِه، ويقومون بالأعمالِ الصالحةِ راغبين فيها غيرَ مُتثاقلين لِعِلْمِهم بجَلالَةِ موقِعِها وحُسْنِ عاقبتِها وهذه صفةٌ جامعةٌ لِفُنونِ الفضائلِ، وفي ذكرها تعريضٌ بتباطؤ اليهود وتثاقُلهم عن ذلك، وأصلُ المُسارعةِ المبادرةُ وتُستعمَلُ للتعبير عن الرغبة، واختيار صيغةِ المُفاعَلَةِ للمُبالَغَةِ، وقيل: ولم يعبر بالعجلة للفرق بينها وبين السُرعةِ فإنَّ السُرعةَ التَقَدُّمُ فيما يَجوزُ أنْ يَتَقدم فيه وهي محمودةٌ وضدُّها الإبطاءُ وهو مذموم، والعجلة التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه وهي مذمومةٌ وضدُّها الأناة وهي محمودة، وإيثار "في" على "إلى" وكثيراً ما تتعدّى المُسارعة بها للإيذان.قولُه: {وَأُوْلئِكَ} أي المَوصوفون بتلك الصفات الجَليلةِ الشأنِ بسببِ اتِّصافِهم بها كما يُشعِرُ بِه العُدولُ عن الضمير. وقولُه: {منَ الصالحين} أيْ مِن عِدادِ الذين صَلُحَتْ عندَ اللهِ ـ تعالى ـ حالُهم وهذا رَدٌّ لقولِ اليهودِ: ما آمن به إلَّا شِرارُنا. وقد ذهب الجُلُّ إلى أنَّ في الآيةِ استغناءً بذِكرِ أحدِ الفريقيْن عن الآخَرِ على عادةِ العربِ مِنَ الاكتِفاءِ بذِكرِ أحدِ الضِدَّيْن عن الآخَرِ.قولُه تعالى: {يُؤْمِنُونَ} إلى آخرِه: إمَّا استئنافٌ وإمَّا أحوال، وجِيءَ بالجُملةِ الأُولى اسميَّةً دَلالةً على الاسْتِقرارِ، وصُدِّرتْ بضميرٍ، وبُنِي عليه جملةٌ فعليةٌ ليتكرَّرَ الضميرُ فيزدادَ الكلامُ بتكرارِه توكيداً، وجيءَ بالخبرِ مضارعاً دَلالةَ على تجدُّدِ السُجودِ في كلِّ وقتٍ، وكذلك جِيءَ بالجُمَلِ التي بعدَها أفعالاً مُضارِعةً، ويُحتَمَلُ أنْ يكونَ "يؤمنون" خبَراً ثانياً لِقولِه: "هم"، ولِذلك تُرِك العاطفُ ولو ذُكِر لَكان جائزاً. وقولُه: {مِنَ الصالحين} يَجوز في "مِنْ" أن تكونَ للتبعيض وهو الظاهر. وَجَعَلها ابنُ عطيَّة لبيانِ الجنسِ، وفيه نظرٌ، إذ لم يتقدَّمْ مبهمٌ فتبيِّنْه هذه. | |
|