عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 156 الإثنين مارس 25, 2013 2:44 am | |
| يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي
الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ
حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
(156) قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ. قولُه: {وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ} يَعْنِي فِي النِّفَاقِ أَوْ فِي النَّسَبِ فِي السَّرَايَا الَّتِي بَعَثَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى بِئْرِ مَعُونَةَ. قولُه: {لَوْ كانُوا عِنْدَنا مَا ماتُوا وَما قُتِلُوا} فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} هُوَ لِمَا مَضَى، أَيْ إِذْ ضَرَبُوا، لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ مَعْنَى الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ كان "الَّذِينَ" بهما غَيْرَ مُوَقَّتٍ، فَوَقَعَ "إِذا" مَوْقِعَ "إِذْ" كَمَا يَقَعُ الْمَاضِي فِي الْجَزَاءِ مَوْضِعَ الْمُسْتَقْبَلِ. وَمَعْنَى "ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ" سَافَرُوا فِيهَا وَسَارُوا لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَمَاتُوا. والضربُ في الأرضِ هو السعيُ واسْتنباطُ فضلِ اللهِ في الأرضِ وفي سبيلِهِ لإعلاءِ كَلِمَتِه. قولُه: {أَوْ كانُوا غُزًّى} غُزَاةً فَقُتِلُوا. وَالْغُزَّى جَمْعٌ مَنْقُوصٌ لَا يَتَغَيَّرُ لَفْظُهَا فِي رَفْعٍ وَخَفْضٍ، وَاحِدُهُمْ غَازٍ، كَرَاكِعٍ وَرُكَّعٍ، وَصَائِمٍ وَصُوَّمٍ، وَنَائِمٍ وَنُوَّمٍ، وَشَاهِدٍ وَشُهَّدٍ، وَغَائِبٍ وَغُيَّبٍ. وَيَجُوزُ فِي الْجَمْعِ غُزَاةٌ مِثْلَ قُضَاةٍ، وَغُزَّاءُ بِالْمَدِّ مِثْلُ ضُرَّابٍ وَصُوَّامٍ. وَيُقَالُ: غُزًّى جَمْعُ الْغَزَاةِ. قَالَ الشَّاعِرُ زِياد الأعْجَم يَرْثِي المُغِيرَة بن المُهَلَّب:قُلْ لِلْقَوافِلِ والغَزِيَّ إذا غَزَوْا ................... والباكِرينَ وللمُجِدِّ الرِّائِحوالمغزية المرأة التي غزا زَوْجُهَا. وَأَتَانٌ مُغْزَيَةٌ مُتَأَخِّرَةُ النِّتَاجِ ثُمَّ تُنْتَجُ. وَأَغْزَتِ النَّاقَةُ إِذَا عَسُرَ لِقَاحُهَا. وَالْغَزْوُ قَصْدُ الشَّيْءِ. وَالْمَغْزَى الْمَقْصِدُ. وَيُقَالُ فِي النَّسَبِ إِلَى الغزو: غزوي.قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي ظَنَّهُمْ وَقَوْلَهُمْ. وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: "قالُوا" أَيْ لِيَجْعَلَ ظَنَّهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَخْرُجُوا مَا قُتِلُوا. "حَسْرَةً" أَيْ نَدَامَةً "فِي قُلُوبِهِمْ". وَالْحَسْرَةُ الِاهْتِمَامُ عَلَى فَائِتٍ لَمْ يُقْدَرْ بلوغه، قال الشاعر:فوا حَسْرتى لَمْ أَقْضِ مِنْهَا لُبَانَتِي ............ وَلَمْ أَتَمَتَّعْ بِالْجِوَارِ وَبِالْقُرْبِوَقِيلَ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ. والْمَعْنَى: لَا تَكُونُوا مِثْلَهُمْ "لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ" الْقَوْلَ "حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ" لِأَنَّهُمْ ظَهَرَ نِفَاقُهُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ. وَقِيلَ: "لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ" يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّدَامَةِ، وَلِمَا فِيهِ الْمُسْلِمُونَ من النعيم والكرامة. قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} أَيْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَى الْقِتَالِ، وَيُمِيتَ مَنْ أَقَامَ فِي أَهْلِهِ. قولُه: {وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَوْتَ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ جميعِ الدُنيا.قولُه تعالى: {إِذَا ضَرَبُواْ} إذا: ظرفُ مستقبلٍ وهو حكايةٌ حالٍ ماضيةٍ كقولِك "حين يضربون في الأرض. ويجوز أن يكونَ "كفروا" و"قالوا" ماضيَيْن، ويُرادُ بهما المستقبلُ المَحكيُّ به الحالُ، فعلى هذا يكون التقديرُ: يكفرون ويقولون. ففي كِلا الوجهين حكايةُ حالٍ، لكنْ في الأولِ حكايةٌ حالٍ ماضيةٍ، وفي الثاني مستقبلةٌ، وهو من هذه الحيثيَّةِ كقولِه تعالى: {حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ} البقرة: 214. وقد تقدَّم. ويجوزُ أَنْ يُراد بـ "قال" الاستقبالُ لا على سبيلِ الحكاية، بل لوقوعِه صلةً لموصولٍ، وقد نَصَّ بعضُهم على أنَّ الماضيَ إذا وقَع صلةً لموصولٍ صَلَح للاستقبال نحو: {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} المائدة: 34، ودخلت "إذا" وهي حرفُ استقبالٍ من حيثُ "الذين" اسمٌ مُبْهَمٌ يَعُمُّ مَنْ قَال في الماضي ومَنْ يقول في الاستقبال، ومِنْ حيث هذه النازلةُ تُتَصَوَّرُ في مستقبلِ الزمان، يعني فتكون حكايةَ حالٍ مستقبَلَة. وقُدِّرَ مضافٌ محذوفٌ هو عاملٌ في "إذا" تقديرُه: "وقالوا لهلاكِ إخوانهم" أي مخافةَ أنْ يَهْلَكَ إخوانُهم إذا سافروا أو غزَوا، فقدَّر العاملَ مصدراً مُنْحَلاًّ لـ "أَنْ" والمضارع حتى يكونَ مستقبلاً، ولكنْ يصيرُ الضميرُ في قوله: {لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا} عائداً على "إخوانهم" في اللفظ وهو لغيرهم في المعنى أي: يعودُ على إخوانٍ آخرين وهم الذي تقدَّمَ موتُهم بسببِ سفرٍ أو غزو، وقَصْدُهم بذلك تثبيطُ الباقين، وهو نظيرُ: درهمٌ ونصفه. و{وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} فاطر: 11. وقول النابغة: قالَتْ: ألا ليتما هذا الحمامُ لنا ................ إلى حمامتِنا ونصفُه فَقَدِأي. نصفُ درهمٍ آخرَ، ومُعَمَّرٍ أخرَ، وحمامٍ آخرَ.واللامُ في "لإِخوانهم" "للعلةِ، وليسَتْ هنا للتبليغ كالتي في قولِك: قلت لزيدٍ: افعل كذا.والجمهورُ على "غُزَّى" بالتشديد جمع "غازٍ" وقياسُه: غُزَاة كرام ورُماة، ولكنهم حَمَلوا المعتلَّ على الصحيح. وقرأ الزهري والحسن: "غُزَى" بتخفيفها، وفيه وجهان: أنَّه خَفَّفَ الزايَ كراهيةَ التثقيلِ في الجمعِ. والثاني: أنَّ أصلَه "غُزاة" كقُضاة ورُماة، ولكنه حَذَفَ تاءَ التأنيث، لأنَّ نفسَ الصيغةِ دالَّة على الجمعِ، فالتاءُ مستغنىً عنها. وهذا الحذف كثيرٌ في كلامهم، ومنه قول الشاعر يمدح الكسائي: أبى الذَّمُّ أخلاقَ الكسائي وانْتَحى ....... به المجدُ أخلاقَ الأُبُوِّ السَّوابقِيريد: "الأُبوَّةِ" جمعَ أبٍ، كما أنَّ "العُمومةَ" جمعُ "عَمٍّ"، و"البُنُوَّةَ" جمعُ ابْنٍ، وقد قالوا: ابنُ وبُنُوّ. وقد رُدَّ هذا بأنَّ الحَذْفَ ليس بكثيرٍ، وأنَّ الأصل "عُموم" من غير تاء، ثمَّ أَدخلوا عليها التاء لتأكيد الجمع، فما جاء على "فُعول" من غير تاءٍ فهو الأصلُ نحو: عُموم وفُحول، وما جاءَ فيه التاءُ فهو الذي يَحْتاج إلَى تأويِلِه بالجمعِ، لم يُبْنَ على هذه التاءِ حتى يُدَّعى حَذْفُها، وهذا بخلاف "قُضاة" وبابه بُني عليها فيمكنُ ادِّعاءُ الحَذْفِ فيه، وأما "أُبُوّة" و"بُنُوّة" فليسا جَمْعَيْن بل مصدَرَيْن وأمَّا "أُبُوّ" في البيت فهو شاذ عند النُحاةِ من جهةِ أنَّه كان مِنْ حَقِّه أَنْ يُعِلَّه فيقول: "أُبِيّ" بقلبِ الواوين ياءين نحو: عُصِيّ.ويُقال: غُزَّاء بالمدِّ أيضاً وهو شاذٌّ، وتَحَصَّل في "غازٍ" ثلاثةُ جُموعٍ في التكسير: غُزاة كقُضاة، وغُزَّى كصُوَّم، وغُزَّاء كصُوّام، وجمعٌ رابع جمعُ سلامة، والجملةُ كلها في محل نصبٍ بالقول.قوله: {لِيَجْعَلَ الله} هذه اللام لام "كي" أو لامُ العاقبةِ والصِيرورةِ، فالجَعْلُ هنا بمعنى التصيير، و"حسرةً" مفعولٌ ثانٍ، و"في قلوبهم" يجوزُ أن يتعلَّق بالجَعْل وهو أبلغُ أو بمحذوفٍ على أنَّه صفةٌ للنَكِرةِ قبلَه.واختُلف في المُشار إليه بـ "ذلك" هو الظنُّ، أي ظنّوا أنّهم لو لم يَحْضُروا لم يُقْتَلوا. أو هو النُطْقُ بالقولِ والاعتقادُ. ويجوزُ أنْ يكونَ للنهيِ والانتهاءِ معاً. وقيل هو مصدرُ "قال" المدلولِ عليه به.قوله: {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قرأ ابنُ كثيرٍ وحمزة والكَسائي: "يَعْملون" بالغيبةَ ردَّاً على الذين كفروا، والباقون بالخِطابَ ردَّاً على قولِه: {لاَ تَكُونُواْ} فهو خطابٌ للمؤمنين. وجاء هنا بصفةِ البصرِ، وعَلَّق ذلك بالبَصَرِ لا بالسَمعِ، وإنْ كان الصادرُ منهم قولاً مَسموعاً لا فعلاً مرئياً، لمَّا كان ذلكَ القولُ مِن الكافرِ قَصْداً منه إلى عملٍ يُحاوِلُه، فَخَصَّ البَصرَ بذلك، كقولِكِ لِمَنْ يقولُ شيئاً وهو يَقْصِدُ فِعْلاً يُحاوله: أنَا أرى ما تَفعَلُه. | |
|