عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 50 الجمعة ديسمبر 07, 2012 6:00 am | |
| وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
(50) قولُهُ تعالى: {وَمُصَدِّقاً} عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَرَسُولًا}. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَجِئْتُكُمْ مُصَدِّقًا. {لِما بَيْنَ يَدَيَّ} لِمَا قَبْلِي. {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ} فيه حذف، أي ولِأُحِلَّ لَكُمْ جِئْتُكُمْ. {بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} يَعْنِي مِنَ الْأَطْعِمَةِ. قِيلَ: إِنَّمَا أَحَلَّ لَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ بِذُنُوبِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي التَّوْرَاةِ، نَحْوَ أَكْلِ الشُّحُومِ وَكُلِّ ذِي ظُفُرٍ. وَقِيلَ: إِنَّمَا أَحَلَّ لَهُمْ أَشْيَاءَ حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِمُ الْأَحْبَارُ وَلَمْ تَكُنْ فِي التَّوْرَاةِ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "بَعْضَ" بِمَعْنَى كُلٍّ، وَأَنْشَدَ للَبِيدٍ:تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَهَا ............... أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَاوَهَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، لِأَنَّ الْبَعْضَ وَالْجُزْءَ لَا يَكُونَانِ بِمَعْنَى الْكُلِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَحَلَّ لَهُمْ أَشْيَاءَ مِمَّا حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ مُوسَى مِنْ أَكْلِ الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُحِلَّ لَهُمُ الْقَتْلَ وَلَا السَّرِقَةَ وَلَا الفاحِشَةَ. فقد رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَهُمْ عِيسَى بِأَلْيَنِ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا، لِأَنَّ مُوسَى جَاءَهُمْ بِتَحْرِيمِ الْإِبِلِ وَأَشْيَاءَ مِنَ الشُّحُومِ فَجَاءَهُمْ عِيسَى بِتَحْلِيلِ بَعْضِهَا. وَقَدْ يُوضَعُ الْبَعْضُ بِمَعْنَى الْكُلِّ إِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ طَرَفةُ بنُ العبدِ يُخاطبُ الملكَ عمرو بنَ هندٍ ويكنى بأبي منذرٍ حين أَمَرَ بِقتْلِه:أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضنَا ...... حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِيُرِيدُ بَعْضَ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ كُلِّهِ. وإِنَّمَا وَحَّدَ فقال "آية" وَهِيَ آيَاتٌ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ في الدَّلالةِ على رسالتِه.قوله تعالى : {وَمُصَدِّقاً} : نَسَقٌ على محلِّ "بآية"؛ لأنَّ "بآية" في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ إذِ التقديرُ: وجئتُكم ملْتَبِسًا بآيةٍ ومُصدِّقًا. وقال الفراء والزجاج : نَصَبَ مُصدِّقاً على الحالِ، فالمعنى: وجئتُكم مصدِّقًا لِما بيْن يَدَيَّ، وجاز إضْمارُ "جئتُكم" لدَلالَةِ أَوَّلِ الكلامِ عليه، وهو قولُه: "أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ"، ومثلُه في الكلامِ: جئتُه بِما يُحِبُّ ومُكرِّمًا له. ولا يجوزُ أَنْ يكون "ومصدقاً" معطوفاً على "وجيهًا" لأنه لو كان ذلك لقال: ومُصَدِّقاً لِما بين يديه. يعني أنَّه لو كان معطوفاً عليه لأتى معه بضميرِ الغيبةِ لا بضمير التكَلُّم. وليس بمنسوقٍ على "رسولا" كذلك لأنَّه لو كان مردوداً عليه لقال: وَمُصَدِّقاً لِما بين يديك. لأنّه خَاطَبَ بذلك مريم، أو قال: بين يديه، يعني أنَّه لو كان معطوفاً على "رسولاً" لكان ينبغي أن يُؤْتى بضميرِ الخطاب مُراعاةً لـ "مريم" أو بضميرِ الغَيْبة مراعاةً للاسم الظاهر. ويجوزُ في "ورسولاً" أنْ يكونَ منصوبًا بإضمار فعلٍ ـ كما ذكرنا ـ أي: وأُرْسِلْتُ رسولاً. فعلى هذا التقديرِ يكون "مصدقًا" معطوفاً على "رسولاً".قولُه: {مِنَ التوراة} فيه وجهان، أحدُهما: أنَّهُ حالٌ من "ما" الموصولةِ أي: الذي بيْن يَديَّ حالَ كونِهِ من التوراةِ، فالعامِلُ فيه "مُصدِّقًا" لأنَّه عاملٌ في صاحبِ الحال، والثاني: أنَّه حالٌ من الضميرِ المُستَتِرِ في الظَرْفِ الواقِعِ صِلَةً، والعامِلُ فيه الاسْتِقرارُ المُضمَرُ في الظرفِ أو نفسُ الظَرْفِ لِقيامِهِ مَقامَ الفعلِ.قوله: {وَلأُحِلَّ} فيه أوجُهٌ أَحدُها: أنَّه معطوفٌ على معنى "مُصدِّقًا" إذِ المَعنى: جِئتُكم لِأصَدِّقَ ما بيْن يَديَّ ولأُحِلَّ لكم، ومثلُه من الكلام: جئتُه معتذراً إليه ولأجتلِبَ رِضاه، أي: جئتُ لأعتذرَ ولأجتَلِبَ، كذا قال الواحدي وفيه نظرٌ، لأنَّ المَعطوفَ عليه حال، وهذا تعليلٌ. وهذا هو العطفُ على التوهُّمِ وليس هذا منه، لأنَّ معقوليَّةَ الحالِ مخالفةٌ لِمَعْقولِيَّةِ التعليلِ، والعطفُ على التَوَهُّمِ لا بُدَّ أَنْ يكونَ المعنى مُتَّحِداً في المعطوفِ والمعطوفِ عليه، ألا ترى إلى قوله: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} المنافقون: 10 كيف اتَّحدَ المعنى من حيثُ الصلاحيةُ لِجوابِ التَخضيض، وكذلك قولُ زهيرٍ: تَقِيٌّ نَقِيٌّ لم يُكَثِّرْ غنيمةً .................... بنَهْكَةِ ذي قُرْبى ولا بِحَقَلِّدِكيف اتَّحد معنى النفي في قولِه: "لم يُكَثِّرْ" وفي قولِه: "ولا بحقلَّد" أي: ليس بمثكثِّرٍ ولا بحَقَلَّدٍ، والحَقَلَّدُ: هو سيِّئُ الُخُلُقِ، وكذلك ما جاء منه. | |
|