عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 195 الأربعاء أبريل 17, 2013 2:18 am | |
| فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ.
(195) قولُه ـ تبارك وتعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } أي: فأَجابَهم ربُّهم، والاستجابةُ الجوابُ بِحُصولِ المُرادِ لأنَّ زيادةَ السينِ تَدُلُّ عليْه إذْ هو لِطَلبِ الجَوابِ، والمطلوبُ ما يُوافِقُ المُرادَ لا ما يُخالِفُه، فاستجابَ بمعنى أجابَ، قال الشاعر كعب بنُ سعدٍ الغَنَوِيُ: وداعٍ دعا: يَا مَن يُجيبُ إلى النَّدى ........ فَلم يَسْتجبْه عنْد ذاك مجيبومعنى الآية: أنَّ المؤمنين ذَوي الألبابِ لمَّا سألوا ـ ما تقدَّم ذكره ـ فاستجابَ لهم ربُّهم ـ عقب ذلك بِفاءِ التَعقيبِ، كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة:186. وكيفَ لا يَستَجيبُ لهم وهو الذي لَقَّنَهُمُ الدُّعاءَ، وهو الذي ضَمِنَ لَهُمُ الإجابةَ، ووَعْدُه جميلَ الثوابِ على الدُعاءِ زائدٌ على ما يَدعونَ لأَجْلِ الحَوائجِ.والفاءُ للعطفِ وما بعدَه معطوفٌ إمّا على الاستئنافِ المُقدَّرِ في قولِه سبحانَه: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا باطلًا} آل عمران: 191. ولا ضَيرَ في اختِلافِهِما صِيغَةً لِما أنَّ صيغةَ المُستقبَلِ هناك للدَلالَةِ على الاستمرارِ المُناسِبِ لِمَقامِ الدُّعاءِ، وصيغةُ الماضي هنا للإيذان بتحقيقِ الاسْتِجابةِ وتَقرُّرِها.جاء في سببِ نُزولِ هذه الآيةِ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ قالت: يا رسول الله، لا نَسْمَعُ اللهَ ذَكَر النِّساءَ في الهِجرةِ بِشيءٍ؟ فأنَزلَ اللهُ ـ عزَّ وجَلَّ: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى" إلى آخرِ الآية. رواه سعيد بن منصور في سننه، والحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط البخاري، وابنُ جرير الطبري، وعبد الرزاق في تفسيرها، وقالتْ الأنصارُ: هيَ "أمُّ سلمة" أوّلُ ظَعينةٍ قَدِمتْ علينا. وروى ابنُ أبي نَجيحٍ، عن مُجاهد، عن أمِّ سَلَمة قالت: آخرُ آيةٍ أُنزِلتْ هذه الآية.قوله ـ تعالى: {أَنِّي لاَ أُضِيعُ} الجمهورُ على فتح "أَنَّ" والأصلُ: بأنِّي، فيجيءُ فيها المذهبان. وقرأ أُبَيّ: "بأني" على هذا الأصل. وقرأ عيسى بن عمر بالكسرِ وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّه على إضمارِ القولِ أي: وقال إني. والثاني: أنّه على الحكايةِ بـ "استجاب" لأنَّ فيه معنى القول، وهو رأي الكوفيين.و"استجاب" بمعنى أجابَ، ويتعدَّى بنفسِه وباللام، وتقدَّمَ تحقيقُ ذلك في قوله: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي} البقرة: 186. ونقل تاج القُرَّاء أنَّ "أجاب" عام و"استجاب" خاصٌّ في حُصولِ المَطلوبِ، كما بيَّنا من قبل.والجمهورُ: "أُضيع" مِن أضاعَ وقرئ بالتَشديد والتضعيف، والهمزةُ فيه للنقل كقول الأخيل العجليّ: كمُرْضِعَة أولادَ أُخرى وضَيَّعَتْ ..... بني بَطْنِها ، هذا الضلالُ عن القصدِوهو شاعر إسلامي والبيتُ من قصيدةٍ طويلةٍ مطلعها:ألاَ يَا اسْلَمِي ذَاتَ الدَّماليجِ وَالْعِقْدِ .... وَذَاتَ الثَّنايا الْغُرِّ وَالفَاحِم الْجَعْدِ وَذَاتَ اللِّثاتِ الحُمِّ وَالعَارض الَّذِي ...... بِهِ أبْرَقَتْ عَمْداً بِأبْيَضَ كَالشُّهْدِوسببُها أنَّ أبا الأخيل وَفَدَ على عمر بنِ هُبيرةَ الفزاريّ في آخر أيام بني أمية فقيل له إنَّ أبا الأخيلِ بالبابِ يَستأذِنُ فقال إذاً واللهِ لا يَأذَنُ له غيري، فقامَ من مَجلِسِه حتّى أتاه بالباب فأخذَ بيدِه وأقعدَه معه على بِساطِه ثمَّ قال أَنشِدْني مُنصفتك فأنشده إياها فكساه وأعطاه ثلاثين ألفاً. قوله: "منكم" في موضعِ جَرٍّ صفةً لـ "عامل" أي كائنٍ منكم. وأمَّا "مِنْ ذَكَرٍ" ففيه خمسةُ أوجُهٍ، أحدُها: أنّها لبيانِ الجِنسِ، بَيَّنَ جِنسَ العامل، والتقدير: الذي هو ذكر أو أنثى، وإنْ كان بعضُهم قد اشترطَ في البيانيَّةِ أنْ تَدخُلَ على مُعَرَّف بلامِ الجِنسِ، وقد تقدَّم شيءٌ من ذلك. الثاني: أنّها زائدةٌ لتَقدُّمِ النفيِ في الكلامِ، وعلى هذا فيكون "مِنْ ذَكَر" بدلاً من نفسِ "عامل" كأنّه قيل: عاملٍ ذَكَرٍ أو أنثى، ولكنْ فيه نظرٌ من حيث إنَّ البدلَ لا يُزاد فيه "مِنْ". الثالثُ: أنَّها متعلِّقةٌ بمحذوفٍ؛ لأنَّها حالٌ مِنَ الضميرِ المُستَكِنِّ في "منكم"، لأنَّه لَمَّا وَقعَ صفةً تَحَمَّلَ ضميراً، والعاملُ في الحالِ العاملُ في "منكم" أي: عاملٍ كائنٍ منكم كائناً مِن ذكرٍ أو أنثى. الرابع: أَنْ يكونَ "مِنْ ذكرٍ" بدلاً مِنْ "منكم"، بدلَ الشيءِ من الشيءِ وهما لِعَيْنٍ واحدةٍ، يَعني فيكونُ بَدلاً تَفصيليّاً بإعادةِ العاملِ كقوله: {لِلَّذِينَ استُضعِفوا لِمَنْ آمَنَ} الأعراف: 75. {لجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} الزخرف: 33. وفيه إشكالٌ من وجهين، أحدُهما: أنَّه بدلُ ظاهرٍ مِنْ حاضرٍ في بدلِ كلٍّ مِن كلٍّ وهو لا يَجوزُ إلَّا عندَ الأخفشِ. وقَيَّد بعضُهم جوازَه بأَنْ يُفيدَ إحاطةَ كقول الشاعر: فما بَرِحَتْ أقدامُنا في مَقامِنا .................. ثلاثتُنا حتى أُزيروا المنائياوقوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} المائدة: 114. فلمَّا أفادَ الإِحاطةَ والتأكيدَ جاز. واستدلَّ الأخفشُ بقول: بكمْ قريشٍ كُفِينا كلَّ مُعْضِلَةٍ ............. وأمَّ نهَجَ الهدى مَنْ كان ضِلِّيلاوقول الآخر: وشَوْهاءَ تَعْدُو بي إلى صارخِ الوغَى ........ بمُسْتَلْئِمٍ مثلِ الفَنيق المُدَجَّلفـ "قريش" بدلٌ من "كم"، و"بُمْستلئم" بدل من "بي" بإعادة حرفِ الجرِّ، وليس ثَمَّ لا إحاطةٌ ولا تأكيدٌ، فمذهبُه يَمشي على رأيِ الأخفشِ دونَ الجمهورِ.الثاني: أنَّ البدل التفصيلي لا يكون بـ "أو"، وإنَّما يكون بالواوِ لأنَّها للجمعِ كقولِه: وكنت كذي رِجْلَيْن رِجْلٍ صحيحةٍ ......... ورِجْلٍ رَمَى منها الزمانُ فَشَلَّتِوقد يُمكن أن يجابَ عنه بأن "أو" قد تأتي بمعنى الواوِ كقولِه: قومٌ إذا سمعوا الصَّريخَ رأيتَهُمْ .............. ما بينَ مُلْجِمِ مُهْرِه أو سافِعِفـ "أو" بمعنى الواو، لأنَّ "بين" لا تَدْخُل إلّا على متعدِّدٍ، وكذلك هنا لَمَّا كان "عاملٍ" عامًّا أُبدِلَ منه على سبيل التوكيد، وعُطِف على أحد الجزأين ما لا بدَّ منه، لأنّه لا يؤكَّدُ العمومُ إلّا بعموم. الخامس: أنْ يكونَ "مِنْ ذَكرٍ" صفةً "ثانيةً" لـ "عاملٍ" قَصَد بها التوضيحَ فتتعلَّقُ بمحذوفٍ كالتي قبلَها.قولُه: {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} مبتدأ وخبرٌ، وفيه ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنَّ هذه الجملةَ استئنافيةٌ جِيءَ بها لِتَبيينِ شِرْكَةِ النِّساءِ معَ الرّجالِ في الثوابِ الذي وَعَدَ اللهُ بِه عبادَه العاملين، لأنَّه يُروى في الأسبابِ أنَّ أمَّ سَلَمَةَ ـ رضيَ اللهُ عنها ـ سألَتْه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ عن ذلك فنزلت، ـ كما سلف ـ والمعنى: كما أنَّكم مِن أصلٍ واحدٍ، وأنَّ بعضَكم مأخوذٌ مِن بعضٍ فكذلك أنتم في ثوابِ العملِ لا يُثابُ رجلٌ عاملٌ دونَ امرأةٍ عاملةٍ.وعَبَّر الزمخشريُّ عن هذا بأنَّها جملةٌ معترِضةٌ. قال: وهذه جلمةٌ معترضةٌ بُيِّنَتْ بها شِرْكةُ النساءِ من الرجالِ فيما وعَدَ اللهُ العاملين. ويَعني بالاعتراضِ أنَّها جِيءَ بها بيْن قولِه: {عَمَلَ عَامِلٍ} وبينَ ما فُصِّلَ به عملُ العاملِ مِنْ قولِه: {فالذين هَاجَرُواْ}، ولذلك قالَ الزمخشري: فالذين هاجَروا تَفصيلٌ لِعملِ العامِلِ منهم على سبيلِ التعظيم. والثاني: أنَّ هذه الجُملةَ صفةٌ. الثالث: أنَّها حالٌ، ذكرهما أبو البقاء، ولم يُعيِّنِ المَوصوفَ ولا ذا الحالِ، وفيه نظر.قولُه: {فالذين هَاجَرُواْ} مبتدأٌ، وقوله: {لأُكَفِّرَنَّ} جوابُ قسَمٍ محذوفٍ تقديرُه: واللهِ لأكفِّرَنَّ، وهذا القسمُ وجوابُه خبرٌ لِهذا المُبتَدأ، وفي هذه الآيةِ ونَظائرِها من قولِه: {والذين جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ} العنكبوت: 69. وقول الشاعر: جَشَأَتْ فقلتُ اللَّذْ خَشِيْتِ ليأتِيَنْ .......... وإذا أتاكِ فلاتَ حين مَناصِرَدٌّ على ثعلب حيثُ زعَمَ أنَّ الجملةَ القَسَمِيَّةَ لا تَقعُ خَبراً. ولَه أنْ يقول: هذه معمولةٌ لقولٍ مُضْمَرٍ هو الخبرُ، وله نظائر.والظاهرُ أنَّ هذه الجُمَلَ التي بعدَ المَوصولِ كلُّها صلاتٌ له، فلا يكونُ الخبرُ إلَّا لِمَنْ جَمَعَ بين هذه الصفات: المُهاجَرةُ والقتلُ والقتالُ، ويجوزُ أنْ يكونَ ذلك على التنويعِ، ويَكونُ قدْ حَذَفَ المَوصولاتِ لفَهْم المعنى، وهو مذهبُ الكوفيّين، وقد تَقدَّمَ القولُ فيه، والتقديرُ: فالذين هاجَروا، والذين أُخرِجوا، والذين قاتَلوا، فيكونُ الخبرُ بقولِه: لأكفرنَّ عَمَّن اتَّصَفَ بواحدةٍ مِنْ هذِه.وقرأ جمهورُ السبعةِ: "وقاتَلوا وقُتِلوا" بِبناءِ الأوَّلِ للفاعلِ من المُفاعَلَةِ، والثاني للمَفعولِ، وهي قراءةٌ واضحةٌ. وابْنُ عامرٍ وابنُ كثيرٍ كذلك، إلّا أنَّهما شَدَّدا التاءَ مِن "قُتِّلوا" للتَكثيرِ، وحمزةٌ والكَسائيُّ بِعكسِ هذا، ببناءِ الأوَّلِ للمَفعولِ، والثاني للفاعل.وتوجيهُ هذه القراءةِ بأحدِ مَعْنَيَيْن: إمَّا أنَّ الواوَ لا تَقتَضي التَرتيبَ فلذلكَ قُدِّمَ معَها ما هو مُتَأَخِّرٌ في المعنى، هذا إنْ حَمَلْنا ذلك على اتِّحادِ الأَشخاصِ الذين صَدَرَ منهم هذان الفعلان. الثاني: أنْ يُحْمَلَ ذلك على التوزيعِ، أي: منهم مَنْ قُتِلَ ومنْهم مَنْ قاتَل. وهذه الآيةُ في المعنى كقولِه: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ} آل عمران: 146، والخلافُ في هذه كالخلافِ في قولِه: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} الآية: 111. في براءة، والتوجيهُ هناك كالتوجيه هنا.وقرأ عمرٌ بنُ عبدِ العزيزِ: "وقَتَلوا وقُتِلوا" بِبِناءِ الأوَّلِ للفاعِلِ من "فَعَل" ثلاثيّاً، والثاني للمفعولِ، وهي كقراءةِ الجَماعةِ.وقَرَأَ مُحارِب بنُ دِثارٍ: "قَتَلوا وقاتلوا" ببنائهما للفاعل. وقرأ طلحةٌ بنُ مُصرّفٍ: "وقُتِّلوا وقاتَلوا" كقراءةِ حمزة والكَسائيّ، إلاَّ أنَّه شدَّد التاءَ، والتخريجُ كتخريجِ قراءتِهما. ونُقِلَ عن الحسنِ وأَبي رجاءٍ: "قاتلوا وقُتِّلوا" بتشديدِ التاءِ من "قُتِّلوا"، وهذه هي قراءةُ ابنِ كثيرٍ وابنِ عامرٍ كما تقدَّم، وكأنَّه لم يَعْرفْ أنَّها قراءتُهما.قولُه: "ثواباً" في نصبِهِ ثمانيةُ أوْجُهٍ، أَحدُها: أنَّه نَصْبٌ على المَصدرِ المؤكَّدِ، لأنَّ معنى الجملةِ قبلَه يَقتَضيهِ، والتقديرُ: لأُثيبَنَّهم إثابةً أو تَثْويباً، فوَضَعَ "ثواباً" موضِعَ أحدِ هذين المصدرين، لأنَّ الثوابَ في الأصلِ اسمٌ لِما يُثاب به كالعَطاء: اسمٌ لِما يُعْطى، ثمَّ قد يَقعان مَوقِعَ المَصْدَرِ، وهو نظيرُ قولهِ: {صُنْعَ اللهِ} النمل: 88، و{وَعْدَ الله} النساء: 122. في كونِهِما مؤكِّدين. الثاني: أنْ يَكونَ حالاً من "جنات" أي: مُثاباً بها، وجاز ذلك وإنْ كانت نَكِرَةً لِتَخَصُّصِها بالصِفةِ.والثالث: أنَّه حالٌ مِن ضميرِ المَفعولِ أي: مُثابِين. الرابع: أنَّه حالٌ مِنَ الضَميرِ في "تجري" العائدِ على "جنات". وخَصَّصَ أبو البَقاءِ كونَه حالاً بجَعْلِهِ بِمَعنى الشيءِ المُثابِ به. قال: "وقد يقع بمعنى الشيء المثاب بِه كقولك: "هذا الدرهَمُ ثوابُك" فعَلى هذا يَجوزُ أنْ يَكونَ حالاً مِنْ ضميرِ الجَنَّاتِ أي: مُثاباً بها، ويَجوزُ أنْ يَكونَ حالاً مِنْ ضميرِ المَفعولِ بِه في لأَدْخِلنهم". الخامس: نصبُه بفعلٍ محذوف أي: يُعطيهم ثواباً. السادس: أنَّه بَدَلٌ من "جنات"، وقالوا: على تضمين "لأدْخلنهم". لأَعْطِيَنَّهم لَمَّا رأوا أنَّ الثوابَ لا يَصِحُّ أنْ يُنْسَبَ إليْه الدُخولُ فيه احْتاجوا إلى ذلك. ولِقائلٍ أنْ يَقولُ: جَعَلَ الثوابَ ظَرْفاً لهم مُبالغةً، كما قِيلَ في قولِه: {تَبَوَّءُوا الدارَ والإيمانَ} الحَشْر: 9. السابع: أنَّه نَصبٌ على التَمييزِ وهو مَذهبُ الفَرّاءِ. الثامن: أنَّه منصوبٌ على القَطْعِ، وهو مذهبُ الكَسائيِّ، إلاَّ أنَّ مَكيّاً لمَّا نقل هذا عن الكَسائي فَسَّرَ القَطعَ بكونِه على الحالِ، وعلى الجُملةِ فهذان وجهان غريبان يُبْعُدُ فَهْمُهُما. و{من عِندِ الله} صفةٌ لَه.وقولُه: {والله عِندَهُ حُسْنُ} الأحسنُ أن يرتفعَ "حسن الثواب" على الفاعليّة بالظرفِ قبله، لاعتمادِه على المبتدأ قبلَه ، والتقدير : والله استقرَّ عنده حسنُ الثواب، ويجوزُ أَنْ يكونَ مبتدأ والظرفُ قبلَه خبرُه، والجملة خبرُ الأوّلِ، وإنَّما كان الوجهُ الأوَّلُ أحسنَ لأنَّ فيه الإِخبارَ بمفردٍ وهو الأصلُ، بخلافِ الثاني فإنَّ الإِخبارَ فيه بجُملةٍ. | |
|