عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 194 الثلاثاء أبريل 16, 2013 3:55 pm | |
| رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. (194) قولُه ـ تعالى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} أيْ أعطنا يوم القيامة ما وعدْتَنا به على لِسانِ رُسُلِكَ. فلقد تَرقَّوا في الطلبِ، فانتَقلوا مِن طلبِ الغُفرانِ إلى طلبِ الثوابِ، وقولهم "على رُسلك" إشارةً إلى أنَّ الرسلَ جميعهم قد جاؤوا بهذا، ومعَ الرجاءِ كان يَغْلِبُ عليهم الخوفُ، ولذلكَ أَردَفوا الرجاء بقولِهم: "وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وخَتَموا ضَراعتَهم بقولهم: "إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ". وقد أكَّدوا رَجاءَهم في أنْ يُوَفَّوا أَجرَهم وتُغْفَرَ ذنوبُهم. هذا وقد كرّروا في ضَراعتِهم كلمة "ربنا" خمسَ مرّاتٍ اعترافاً بكمالِ الربوبيَّةِ. قال الحسنُ البَصريُّ: (ما زالوا يقولون ربَّنا حتّى استجابَ لهم) وقال الإمام جعفر الصادق: (مَنْ حَزَبَه أمرٌ، فقالَ خمسَ مرَّاتٍ (ربنا) أنْجاهُ اللهُ ممّا يَخافُ، وأعطاه ما أرادَ، قيل: وكيف كان ذلك؛ قال: اقرؤوا إنْ شئتم: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194). والمُرادُ مِن قولِ حفيدِ الرسولِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ أنْ نَذكُرَ (ربَّنا) ضارعين خاضعين خاشعين، مُدركين مَعنى الرُّبوبيَّةِ والأُلوهيَّةِ، ومُذعِنينَ لأحكامِه.قال بعضُهم: ذلك قولٌ خَرَجَ مَخْرَج المَسألةِ، ومعناهُ الخبرُ. وإنَّما تأويلُ الكلامِ: "ربَّنا إنَّنا سَمعنا مُناديًا يُنادي للإيمانِ أنْ آمِنوا بربِّكم فآمنّا ربَّنا فاغفرْ لنا ذُنوبَنا، وكفِّرْ عنّا سيئاتِنا، وتَوَفَّنا مَعَ الأبرارِ" لِتؤتيَنا ما وعدتَنا على رُسُلِكَ ولا تُخْزِنا يومَ القيامةِ. وليس ذلك على أنَّهم قالوا: "إن توفيتنا مع الأبرار، فأنجزْ لنا ما وعدتَنا"، لأنَّهم قدْ علِموا أنَّ اللهَ لا يُخلِفُ المِيعادَ، وأنَّ ما وعَدَ به على أَلسِنَةِ رُسُلِهِ ليسَ يُعطيه بالدُّعاء، ولكنَّه تفضَّلَ بابتدائه، ثمَّ يُنجِزُه.وقال آخرون: بَل ذلكَ قولٌ مِنْ قائليه على معنى المَسألةِ والدُّعاءِ للهِ بأنْ يَجعَلَهم ممّن آتاهم ما وَعدَهم من الكرامةِ على أَلْسُنِ رُسُلِه، لا أنَّهم كانوا قد استَحَقّوا منزلةَ الكرامةِ عندَ اللهِ في أنفُسِهم، ثمَّ سألوه أنْ يُؤتيهم ما وعدَهم بعدَ عِلمِهم باستحقاقهِم عندَ أنفُسِهم، فيَكونُ ذلك منهم مسألةً لربِّهم أنْ لا يُخْلِفَ وعدَه. ولو كان القومُ إنَّما سألوا ربَّهم أنْ يُؤتيَهم ما وعدَ الأبرارَ، لَكانوا قد زكَّوْا أنفسَهم، وشَهِدوا لها أنَّها ممّن قد استَوْجَبَ كرامةَ اللهِ وثوابَه. وليس ذلك صفة أهلِ الفضلِ مِن المؤمنين.وقال آخَرون: بَلْ قالوا هذا القولَ على وجهِ المَسألةِ، والرَّغبةِ منهم إلى اللهِ أنْ يؤتِيَهم ما وعدَهم مِنَ النَّصرِ على أعدائهم مِنْ أهلِ الكُفْرِ، والظَفَرِ بِهم، وإعلاءِ كلمةِ الحَقِّ على الباطِلِ، فيُعَجِّلُ ذلك لهم. ومُحالٌ أنْ يكونَ القومُ ـ معَ وصفِ اللهِ إيَّاهم بِما وَصَفَهم بِه، كانوا على غيرِ يَقينٍ مِنْ أنَّ اللهَ لا يُخلِفُ المِيعادَ، فيَرغَبوا إلى اللهِ جَلَّ ثناؤه في ذلك، ولكنَّهم كانوا وُعِدوا النَصرَ، ولم يُوَقَّتْ لهم في تَعجيلِ ذلك، لِما في تعَجيلِه مِنْ سرورِ الظَفَر ورَاحةِ الجَسَدِ. والذي هو أوْلى الأقوالِ بالصوابِ في ذلك، أنَّ هذه الصفةَ، صفةُ مَن هاجَرَ إلى اللهِ ورسوله مِن أصحابِ رسول الله ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ تاركاً وطنَه ودارَه، وغيرِهم مِن تُبّاع رسول الله ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ الذين رَغِبوا إلى الله في تعجيلِ نُصرَتِهم على أعداءِ اللهِ وأعدائهم، فقالوا: ربَّنا آتِنا ما وعدتَنا مِنْ نُصرتِك عليهم عاجِلًا فإنَّك لا تُخلِفُ المِيعادَ. يَدلُّ على صِحَّة ذلك آخرُ الآيةِ الأُخرى، وهو قوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ من بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} الآياتُ بعدَها. فتأويلُ الكلامِ إذًا: ربَّنا أَعْطِنا ما وعدتَنا على أَلْسُنِ رُسُلك: أنك تُعلي كلمتَك كلمةَ الحقِّ، بتأييدِنا على مَن كَفَرَ بِكَ وحادَّك وعَبَدَ غيرَك وعجِّلْ لَنا ذَلك، فإنَّا قد عَلِمْنا أنَّك لا تُخلِفُ مِيعادَك، ولا تُخْزِنا يومَ القيامةِ فتَفضَحَنا بِذُنوبِنا التي سَلَفتْ منَّا، ولكن كفِّرها عنا واغفرْها لنا.وليس هذا السؤالُ خوفاً مِن إخلافِ وعدِهِ ـ سبحانه ـ ولكنْ سؤالًا أنْ يُرَشِّحَه لأنْ يَكون مِن جملةِ مَن دخلَ في الوعدِ من عباده، حين وعدَ عِبادَه جُملةً، بقولِه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}. ولهذا قال: "إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ" أيْ لستُ أَخشى خُلْفَ وعدِك، لكنّي أخشى أنْ لا أَكونَ مِن جُملةِ المَوعودين.وقيلَ إنَّ ذلك هو على جِهةِ العبادةِ، وقد تقدَّمَ أنْ ليس القصدُ التفوُّهُ بِذلك، بَلْ فعلُ ما يَقتضيه.وَرَوَى أنسٌ ابنُ مَالِكٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ((مَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَمَلٍ ثَوَابًا فَهُوَ مُنْجِزٌ لَهُ رَحْمَةً، وَمَنْ وَعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَابًا فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ)). وَالْعَرَبُ تَذُمُّ بِالْمُخَالَفَةِ فِي الْوَعْدِ وَتَمْدَحُ بِذَلِكَ فِي الْوَعِيدِ، حَتَّى قَالَ عامر بنُ الطفيل:وَلَا يَرْهَبُ ابْنُ الْعَمِّ مَا عِشْتُ صَوْلَتِي ..... وَلَا أَخْتَفِي مِنْ خَشْيَةِ الْمُتَهَدِّدِوَإِنِّي مَتَى أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ............. لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِيقولُه ـ تعالى: {على رُسُلِكَ} متعلِّقٌ بـ "وَعَدْتَنا" فـ "على" صلةٌ للوعدِ كما في قولِك: "وعدَ اللهُ الجنَّةَ على الطاعةِ" والمعنى: ما وَعَدْتنا في تصديقِ رسلك. أو هو متعلِّقٌ بمحذوف على أنّها حالٌ مِن المَفعولِ كما والتقدير: "مُنَزَّلاً أو محمولاً على رسلك"؛ لأنَّ الرسلَ ـ عليهم السلامُ ـ مُحَمَّلون ذلك: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} النور: 54. أو أنَّ "على" متعلِّقٌ بـ "آتِنا"، على تقدير مُضافٍ محذوفٍ أي: على أَلسِنَةِ رُسُلِكَ. و"الميعادُ" اسمُ مصدرٍ بمعنى الوَعْدِ. و"يوم القيامة" إمّا منصوبٌ بـ "لا تُخْزِنا"، أو: بـ "لا تُخْزِنا" وبـ "آتِنا ما وعدتنا" إذا كان الموعودُ بِه الجنّةَ، وهو من بابِ الإِعمالِ. وقرأ الأعمشُ: "رُسْلِك" بسُكونِ السين. | |
|