عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 187 الجمعة أبريل 12, 2013 5:09 pm | |
| وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ. (187) قولُه ـ تعالى شأنُه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} "وإذْ أخَذَ اللهُ" كلامٌ مُستأنَفٌ سِيقَ لِبيانِ بعضِ أَذِيّاتِ أهل الكتابِ وهو كِتْمانُهم شواهدَ النُبُوَّةِ، والميثاقُ هو العهدُ المُوثَّقُ المُؤكَّدُ، وقدَ أخذَ اللهُ ـ سبحانَه وتعالى ـ على الذين أُوتُوا الكِتابَ، وهو العهدُ المُؤكَّدُ الذي لَا يَقبلُ تأويلًا، ولا احْتِمالًا، أنْ يَبُثُّوا عِلمَ الكِتابِ ويُعلِنوهُ، ولا يَقْصُروا العِلمَ بِه على طائفةٍ مِن الناسِ خاصَّةً، والضميرُ في "لَتُبَيِّنُنَّهُ" يَعودُ إلى المِيثاقِ، ويَكونُ المُرادُ مِن العهدِ الذي وثَّقَه اللهُ ـ تعالى ـ هو تعاليمُه وشَرْعُهُ ونُورُه، وعلى ذلك يَكونُ ثَمَّةَ احتمالانِ في عَوْدِ الضميرِ، أحدُهُما أنْ يَعودَ إلى الكتابِ، والثاني أنْ يَعودَ إلى المِيثاقِ نفسِه، والأظهرُ أنَّه يَعودُ إلى الكتابِ، والالْتِفاتُ مِنَ الغائبِ إلى الخِطابِ؛ إذْ إنَّه كان متَحدِّثًا عنهم، ثمَّ فسَّر الميثاقَ بالخِطابِ، لِتأكيدِ أخذِ المِيثاقِ بإعلان أنَّهم ما كانوا غائبين عندَ أخذِه، بل كانوا حاضرين مُخاطَبين، وقوله: "وَلا تَكْتُمُونَهُ" معطوفٌ على قوله: "لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ" وهَذَا مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيَانِ أَمْرِهِ، فَكَتَمُوا نَعْتَهُ. فَالْآيَةُ تَوْبِيخٌ لَهُمْ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ هُوَ خَبَرٌ عَامٌّ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ. قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هِيَ فِي كلِّ مَنْ أُوتيَ علمَ شيءٍ مِنَ الْكِتَابِ. فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيُعَلِّمْهُ، وَإِيَّاكُمْ وَكِتْمَانَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَا يَحِلُّ لِعَالِمٍ أَنْ يَسْكُتَ عَلَى عِلْمِهِ، وَلَا لِلْجَاهِلِ أَنْ يَسْكُتَ عَلَى جَهْلِهِ، قال الله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ" الآية. وقال: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} النحل: 42. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ـ رضي الله تعالى عنه: لَوْلَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ، ثُمَّ تَلا هذه الآية. وقال الحسنُ بنُ عِمارةَ: أتيتُ الزُّهْرِيَّ بعد ما تَرَكَ الْحَدِيثَ، فَأَلْفَيْتُهُ عَلَى بَابِهِ فَقُلْتُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَنِي. فَقَالَ: أَمَّا عَلِمْتَ أَنِّي تَرَكْتُ الْحَدِيثَ؟ فَقُلْتُ: إِمَّا أَنْ تُحَدِّثَنِي وَإِمَّا أَنْ أُحَدِّثَكَ. قَالَ حَدِّثْنِي. قُلْتُ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْجَاهِلِينَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يُعَلِّمُوا. قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَرْبَعِينَ حَدِيثًا. قولُه: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} النبذُ: طرح الشيءُ لِقِلَّةِ الاعْتِدادِ بِه، وقولُهم: جعلتُ كذا خلفَ ظَهري أيْ أهملتُه. والْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: "لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ" تَرْجِعُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ. وَقِيلَ: تَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَيَانُ أَمْرِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ فِي الكتابِ. وقال: "وَلا تَكْتُمُونَهُ" وَلَمْ يَقُلْ تَكْتُمُنَّهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَالِ، أَيْ لَتُبَيِّنُنَّهُ غَيْرَ كَاتِمِينَ. "وَراءَ ظُهُورِهِمْ" مُبَالَغَةٌ فِي الاطراح، ومنه {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا} هود: 92. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي "الْبَقَرَةِ" بَيَانُه. قولُهُ: "وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا" أي تركوا كتابَ اللهَ والعملَ بِه وبِشرائِعِه، وإعلانِه، في نَظيِرِ ثمنٍ تافهٍ قليلٍ، وكلُّ ثمنٍ للإعراضِ عن كتابِ اللهِ ـ تعالى ـ والعملِ بِهِ هو قليلٌ مهما كَبُرَ في نَظرِ التاركين فِي ةقد تقدَّم تفصيلُه في "الْبَقَرَةِ" أيضاً. كما تقدَّم شرحُ قولِه: "فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ" فهو مذمومٌ قبيحٌ ما يَطلُبون مِنْ أعراضِ الدُنْيا في نَظيرِ إهْمالِ الشريعةِ والعهدِ المَوثِقِ. قولُه ـ تعالى: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} هذا جوابٌ لِما تضمَّنَه المِيثاقُ مِنْ القَسَمُ. وقَرَأَ أبو عَمرٍو وابنُ كثيرٍ وأَبو بَكْرٍ بالياء جَرْياً على الاسْمِ الظاهرِ وهو كالغائبِ وحَسَّنَ ذلك قولُه بعدَه: "فنبذوه". والباقون بالتاء خِطاباً على الحكاية تقديرُه: "وقلنا لهم"، وهذا كقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ} البقرة: 83. بالتاءِ والياءِ، وتقدَّمَ تحريرُه. وقولُه: {وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} يَحتملُ وجهيْن، أحدُهما: واوُ الحالِ، والجُملةُ بعدَها نَصْبٌ على الحال أي: لتُبَيِّنُنَّه غيرَ كاتمين. والثاني: أنَّها للعطفِ، وأنَّ الفعلَ بعدَها مُقسَمٌ عليْه أيضاً، وإنَّما لم يُؤكَّدْ بالنونِ لأنَّه مَنْفِيٌّ، تقولُ: "واللهِ لا يقومُ زيد" من غيرِ نونٍ. ولو لم يَكنْ بعدَ مؤكَّدٍ بالنونِ لَزِمَ توكيدُه، وليس كذلك لِما تَقدَّم. وهي توكيدٌ لأنَّ نَفْيَ الكِتْمانِ عنهم من قولِه: "لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ"، فجاءَ وقولُه: "وَلاَ تَكْتُمُونَهُ" توكيداً في المعنى. واعتبارُ الواوِ عاطفةً لا حاليَّةً لأنَّ هذا الوجهَ يَحتاجُ إلى إضْمارِ مبتدأٍ بعد الواو حتى تصيرَ الجملةُ اسميَّةً، لأنَّ المضارع المنفيّ بـ "لا" لا يَصِحُّ دخولُ الواو عليه. ويقالُ إنَّها تمتنعُ إذا كان مضارعاً مُثْبَتاً فيُفهَمُ مِنْ هذا أنَّ المُضارعَ المَنْفِيَّ بِكلِّ نافٍ لا يَمتنِعُ دخولُها عليه. وقَرأ عبدُ اللهِ "لَتُبَيِّنُونه" من غيرِ توكيدٍ. وقد لا تلزم هذه النونُ لامَ التوكيد. والمَعروفُ مِن مذهبِ البَصريّين لزومُهما معاً، والكوفيّون يُجيزون تعاقُبَهما في سَعة الكلامِ، وأنشدوا: وعَيْشِك يا سلمى لأُوقِنُ أنني ........... لِما شِئْتِ مُسْتَحْلٍ ولو أنَّه القتلُ وقالَ آخرُ: يميناً لأَبْغَضُ كلَّ امرىءٍ ......................... يُزَخْرِفُ قولاً ولا يفعلُفأتى باللامِ وحدَها، وقد تقدَّم. وقرأ ابنُ عبَّاسٍ: "ميثاقَ النبيّينَ". والضميرُ في قولِه: "فنبذوه" يعودُ على الناسِ المُبيَّنِ لهم، لاسْتِحالةِ عوْدِه على النبيّين، وكان قد تقدَّمَ لك في قوله ـ تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَا آتَيْتُكُم} آل عمران: 81. أنَّه في أحدِ الأوْجُه على حذفِ مُضافٍ، أي: أَولاد النَبيّين، فلا بُعْدَ في تقديرِه هنا، أَعني قراءةَ ابنِ عبّاسٍ، رضي الله عنهما. | |
|