عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 186 الجمعة أبريل 12, 2013 6:14 am | |
| لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) قوله ـ تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ} أصلُ الابْتِلاءِ الاختبارُ وهو خِطَابُ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأُمَّتِهِ، وَالْمَعْنَى: لَتُخْتَبَرُنَّ وَلَتُمْتَحَنُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ بِالْمَصَائِبِ وَالْأَرْزَاءِ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَسَائِرِ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ. وَالِابْتِلَاءُ فِي الْأَنْفُسِ بِالْمَوْتِ وَالْأَمْرَاضِ وَفَقْدِ الْأَحْبَابِ. وَبَدَأَ بِذِكْرِ الْأَمْوَالِ لِكَثْرَةِ الْمَصَائِبِ بِهَا. وقولُه: {وَلَتَسْمَعُنَّ} قال الزُّهْرِيُّ: هُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ نَزَلَتْ بِسَبَبِهِ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَصْحَابَهُ، وَيُؤَلِّبُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَيُشَبِّبُ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فقالَ النبيُّ ـ صلى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: ((مَن لي بابْنِ الأَشرَفِ فإنَّه قد آذى اللهَ ورسولَه))؟. فقالَ محمَّدٌ بنُ مَسلَمَةَ الأَنصاريُّ: أنَا لكَ يا رَسولَ اللهِ، أنا أَقتُلُه قالَ: ((فافعل إن قدِرْتَ على ذلك)). فرَجَعَ مُحمَّدٌ بنُ مَسْلَمَةَ فمَكَثَ ثلاثًا لا يأكُلُ ولا يَشرَبُ إلَّا ما تَعَلَّقَ نَفسَه، فذُكِرَ ذلك لِرسولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ فدعاهُ وقال لَه: لِمَ تركتَ الطعامَ والشرابَ؟ قالَ: يا رسولَ اللهِ قلتُ قولًا ولا أَدري هل أَفي بِه أمْ لا، فقال: إنَّما عليكَ الجُهدُ. فقال: يا رسولَ اللهِ إنَّه لا بُدَّ لَنا مِن أنْ نَقولَ، قالَ: قولوا ما بَدا لَكم فأنتمْ في حِلٍّ مِن ذلك، فاجْتَمَعَ في قتلِهِ محمد بنُ مَسْلَمَةَ وسَلْكانُ بنُ سَلامٍ وأبو نائلةَ، وكان أَخا كعبٍ مِن الرَضاعةِ، وعَبّادُ بنُ بِشْرٍ والحارثُ بنُ أوْسٍ وأبو عيسى بنُ جُبيْرٍ، فمَشى مَعَهم رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ إلى بَقيعِ الغَرْقَدِ ثمَّ وجَّهَهم، وقال: ((انطلِقوا على اسمِ اللهِ، اللهمَّ أَعِنْهُم)) ثمَّ رَجَعَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ وذلك في ليلةٍ مُقْمِرةٍ. فأقبَلوا حتَّى انتهَوْا إلى حِصْنِهِ فقدَّموا أبا نائلَةَ فجاءَه فتحدَّث معهُ ساعةً وتناشدا الشِعرَ، وكان أبو نائلةَ يقولُ الشِعرَ، ثمَّ قال: ويحَكَ يا ابْنَ الأَشرَفِ إنّي قدْ جِئتُكَ لِحاجةٍ أُريدُ ذِكرَها لك فاكْتُمْ عليَّ، قال أفْعَلْ، قال: كان قدومُ هذا الرجلِ بلادَنا بَلاءً، عادَتْنا العربُ ورَمَوْنا عن قوسٍ واحدةٍ، وانقطعتْ عنّا السُبُلُ حتّى ضاعتِ العِيالُ وجَهدتِ الأنْفُسُ، فقالَ كَعبٌ: أنا ابنُ الأَشرَفِ أمَا واللهِ لقد كنتُ أخبرتُك يا بنَ سلامةَ أنَّ الأمرَ سَيَصيرُ إلى هذا، فقال أبو نائلة: إنَّ معي أصحابًا أرَدْنا أنْ تَبيعَنا طعامَك ونُرْهِنَكَ ونُوَثِّقَ لك وتُحسِنَ في ذلك قال: أتُرهِنوني أبناءَكم قال: إنَّا نَستَحي أنْ يُعيَّرَ أبناؤنا فيُقالُ هذا رَهينةُ وَسْقٍ وهذا رهينةُ وسْقَيْنِ، قال: تُرهِنوني نِساءَكم، قالوا: كيف نرهُنُكَ نِساءَنا وأنتَ أجملُ العَرَبِ ولا نَأْمَنُكَ، وأَيَّةُ امْرأةٍ تَمْتَنِعُ مِنكَ لِجمالِك؟ ولكنَّا نُرهِنُك الحَلْقةَ يَعني: السِلاحَ وقدْ عَلِمْتَ حاجَتَنا إلى السلاحِ، قالَ: نَعم وأرادَ أبو نائلةَ أنْ لا يُنْكِرَ السلاحَ إذا رآهُ فوَعَدَهُ أنْ يأتيَهُ فرَجَعَ أبو نائلةَ إلى أصحابِه فأخبَرَهم خَبَرَهُ. فأقبَلوا حتَّى انْتَهَوا إلى حِصْنِهِ ليْلًا فهَتفَ بِه أبو نائلةَ وكان حديثَ عهدٍ بعُرْسٍ، فوَثَبَ مِن مِلْحَفَتِهِ فقالتِ امرأتُه: أَسْمَعُ صوتًا يَقطُرُ منهُ الدَمُ، وإنَّك رجلٌ مُحارِبٌ وإنَّ صاحِبَ الحرْبِ لا يَنزِلُ في مثلِ هذه الساعةَ فكلِّمْهم مِنْ فوقِ الحِصْنِ فقال: إنَّما هو أَخي محمّدٌ بنُ مَسْلَمَةَ ورَضيعي أبو نائلةَ وإنَّ هؤلاءِ لَوْ وَجَدوني نائمًا ما أيْقظوني، وإنَّ الكريمَ إذا دُعِيَ إلى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ أَجابَ، فنَزَلَ إليْهم فتَحدَّثَ معهمْ ساعةً ثمَّ قالوا: يا بْنَ الأَشرَفِ هل لّكَ إلى أنْ نَتَماشى إلى شِعْبِ العَجوزِ نتحدَّث فيه بَقيَّةَ لَيْلَتَنا هذه؟ قالَ: إنْ شئتُم؟ فخَرَجوا يَتَماشوْن وكان أَبو نائلةَ قالَ: لأَصحابِه إنّي فاتِلٌ شِعرَه فأَشُمّه فإذا رأيتُمونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رأسِهِ فدونَكم فاضْرِبوهُ، ثمَّ إنَّه شامَ يدَه في فَوْدِ رأسِهِ ثمَّ شَمَّ يَدَه فقال: ما رأيتُ كالَّليلةِ طِيبَ عَروسٍ قَطُّ، قال: إنَّه طِيبُ أُمِّ فلانٍ يَعني امرأتَه، ثمَّ مَشى ساعةً ثُمَّ عادَ لِمِثلِها حتَّى اطمأنَّ ثمَّ مَشى ساعةً فعاد لِمثلِها ثمَّ أَخَذَ بِفَوْدَيْ رأسِهِ حتَّى اسْتَمْكَنَ، ثمَّ قالَ: اضْرِبوا عدوَّ اللهِ فاختلَفتْ عليهِ أَسيافُهم فلمْ تُغْنِ شيئًا قالَ محمدٌ بنُ مَسْلَمَةَ فذَكرتُ مغولًا في سَيْفي فأخذتُه وقد صاحَ عدوُّ اللهِ صيحةً لَم يَبْقَ حولَنَا حِصْنٌ إلَّا أُوقِدَتْ عليْه نارٌ، قال فوضعتُه في ثَنْدُوَتِه ثمَّ تحامَلْتُ عليْه حتَّى بَلَغَتْ عانَتَه ووَقَعَ عَدُوُّ اللهِ، وقدْ أُصيبَ الحارثُ بنُ أَوْسٍ بجُرحٍ في رأسِهِ أصابَه بعضُ أَسيافِنا، فخَرَجْنا وقد أبْطَأَ عليْنا صاحبُنا الحارثُ ونَزَفُهُ الدَمَ، فوَقَفْنا لهُ ساعةً ثمَّ أَتانا يَتبَعُ آثارَنا فاحْتَمَلْناه فجِئنا بِهِ رسولَ اللهِ آخرَ الليلِ وهو قائمٌ يُصلّي فَسَلَّمْنا عليْه فخَرَجَ إليْنا فأخبرناه بِقَتْلِ كَعْبٍ وجِئْنا بِرأسِهِ إليْهِ وتَفَلَ على جُرْحِ صاحِبِنا. فرَجَعْنا إلى أهلِنا فأصْبَحْنا وقد خافتْ يَهودُ وَقعَتَنا بعدوِّ اللهِ فقالَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ: ((مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجالِ يَهودَ فاقْتُلوه)). فوَثَبَ مُحَيَّصَةُ بْنُ مَسْعودٍ على سِنيْنَةِ رَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ اليَهودِ كان يُلابِسُهم ويُبايِعُهم فقَتَلَه وكان حُوَيِّصَةُ بنُ مسعودٍ إذْ ذَاك لم يُسْلِمْ وكان أَسَنَّ من مُحَيْصةَ فلمَّا قَتَلَه جعلَ حُوَيْصَةُ يَضرِبُه ويَقول: أيْ عدوَّ اللهِ قتلتَه أمَا واللهِ لَرُبَّ شَحْمٍ في بَطنِكَ مِنْ مالِه. قالَ مُحَيْصَةُ: واللهِ لو أَمَرَني بِقتلِكَ مَنْ أَمَرني بقتلِهِ لَضَرَبْتُ عُنُقَك، قال: اللهَ لو أَمَرَكَ مُحمَّدٌ بقتليِ لَقَتَلْتَني؟ قالَ: نَعم، قالَ واللهِ إنَّ دينًا بَلَغَ بِكَ هذا لَعَجَبٌ؟! فأَسْلَمَ حُويْصَةُ وأَنزَل اللهُ تعالى في شأنِ كعبٍ: "لَتُبْلَوُنّ.." أخْرَجَ القِصَّةَ بِطولِها ابنُ إسحاقَ في السيرة: 2/123 ـ 126. واختَصَرها البُخارِيُّ في المَغازي بابُ قتلِ كَعْبٍ: 7/337 ـ وانظر: تفسير الطبري: 7/456 ـ 458. فلمَّا قُتِلَ كعبٌ بنُ الأَشرَفِ أصبحَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ وأَمَرَ الناسَ بالمَسيرِ إلى بَني النَّضيرِ، وستكون لنا عودةٌ إلى هذه القصَّةِ عندَ تَفسيرِ سُورةِ الحَشْرِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى. رُوِيَ أنَّ رجلًا قال في مجلسِ عليٍّ ـ رضي اللهُ عنه: ما قُتِلَ كعبٌ بنُ الأَشْرَفِ إلَّا غَدْرًا، فأَمَرَ عليٌّ بِضَرْبِ عُنُقِه. قال العلَماءُ: مثلُ هذا يُقتَلُ ولا يُستَتابُ إنْ نَسَبَ الغدرَ للنبيِّ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّم. وهو الذي فهِمَه عليٌّ رُضوانُ الله عليه مِنْ قائلِ ذلك، لأنَّ ذلكَ زَنْدَقَةٌ. فقد كانوا مع اليهودِ في حَرْبٍ والحربُ خدعةٌ، فإنَّه ليس في كلامِهِم معه ما يَدُلُّ على أنَّهم أَمَّنُوهُ ثمَّ نكلوا بعهدِهم ولا صَرَّحوا لَه بذلك، ولو فعلوا ذلكَ لَما كان أمانًا، لأنَّ النبيَّ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ إنَّما وجَّهَهُمْ لِقتلِهِ لا لِتَأْمينِه، وأَذِنَ لِمُحمَّدٍ بنِ مَسْلَمَةَ في أنْ يَقولَ. ثمَّ إنَّ كَعْباً ورهطاً مِن بَني النَّضيرِ اتَّصَلوا بكُفَّارِ قُريْشٍ اتِّصالَ تَآمُرٍ وتَحالُفٍ وكيْدٍ ضدَّ النبيِّ ـ صلى اللهُ عليْه وسَلَّمَ معَ قيامِ ذلكَ العهد بينَهم وبيْنَه فنقضوا بذلك وثيقةَ التحالُفِ وحنثوا بعهدِهم وغدروا بالمسلمين. فلما كان التبييتُ للغدرِ برسولِ اللهِ في محلَّةِ بني النَّضيرِ لمْ يَبْقَ مَفَرٌّ مِنْ نَبْذِ عهدِهم إليهم. ممّا جعَلَ رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ يأذنُ لِمُحمَّدٍ بنِ مَسْلَمَةَ في قتلِ كعبٍ بنِ الأَشْرَفِ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. وَكَانَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ كَانَ بِهَا الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ، فَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَسْمَعُونَ أَذًى كَثِيرًا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ مَرَّ بِابْنِ أُبَيِّ وَهُوَ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ ـ عَلَى حِمَارٍ فَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ ابْنُ أُبَيِّ: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا! ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. وَقَبَضَ عَلَى أَنْفِهِ لِئَلَّا يُصِيبَهُ غُبَارُ الْحِمَارِ، فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. وَاسْتَبَّ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ ابْنِ أُبَيٍّ وَالْمُسْلِمُونَ، وَمَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَكِّنُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ: ((أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ فُلَانٌ)). فَقَالَ سَعْدٌ: اعْفُ عَنْهُ واصفحْ، فو الذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي نَزَلَ، وَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ "يريدُ المدينة" عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَهُ شَرِقَ بِهِ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونَزَلتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وقِيلَ: هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقِتَالِ، وَنَدَبَ اللَّهُ عِبَادَهُ إِلَى الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ. وَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ، إِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقِتَالِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، فَإِنَّ الْجِدَالَ بِالْأَحْسَنِ وَالْمُدَارَاةَ أَبَدًا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، وَكَانَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ مَعَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ يُوَادِعُ الْيَهُودَ وَيُدَارِيهِمْ، وَيَصْفَحُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، وَهَذَا بَيِّنٌ. وَمَعْنَى {عَزْمِ الْأُمُورِ} شَدُّهَا وَصَلَابَتُهَا. قولُه ـ تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ} هذا جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ تَقديرُه: واللهِ لَتُبْلَوُنَّ. وهذه الواوُ هي واوُ الضميرِ، والواوُ التي هي لامُ الكَلِمةِ حُذِفتْ لأمرٍ تَصْريفِيٍّ، وذلك أنَّ أصلَه: لَتُبْلَوُوْنَنَّ، فالنُونُ الأُولى للرَفْعِ حُذِفتْ لأجلِ نونِ التَوكيدُ، وتَحَرَّكتْ الواوُ التي هي لامُ الكَلِمةِ وانفتَحَ ما قبلَها فَقُلِبتْ ألِفاً، فالتَقى ساكِنان: الألِفُ وواو الضمير، فَحُذفتْ الألِفُ لِئَلَّا يَلْتَقيا، وضُمَّتْ الواوُ دَلالةً على المحذوفِ، وإنْ شئتَ قلتَ: استُثْقِلَتِ الضمَّةُ على الواوِ الأُولى فَحُذِفتْ فالْتَقى ساكِنان، فحُذِفتْ الواوُ الأُولى، وحُرِّكَتْ الواوُ بِحركةٍ مُجانِسَةٍ دَلالةً على المَحذوفِ. ولا يَجوزُ قلبُ مثلِ هذه الواوِ همزةً لأنَّها حركةٌ عارِضَةٌ ولِذلك لم تُقْلَبْ أَلِفاً وإنْ تَحَرَّكتْ وانْفَتَحَ ما قبلَها. وأصلُ لَتَسْمَعُنَّ: تَسمعونَنَّ، ففُعِلَ فيه ما تَقَدَّم، إلَّا أنَّ. هنا حُذِفَتْ واوُ الضَميرِ لأنَّ قبلَها حرفاً صَحيحاً. | |
|