عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 177 الأحد أبريل 07, 2013 3:52 am | |
| إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. (177) قولُ ـ جلَّ وعَلا: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ} تُبيِّنُ هذه الآيةُ حالَ الذين عاندوا الرسول، ولم يُخلِصوا في طلبَ الحقِّ، وأقبلوا على الكفرِ راغبين فيه طالبين له، حتَّى إنَّهم لَيَجْعلون الإيمانَ الذي أَودَعَه اللهُ ـ تعالى ـ النفوسَ في تكوينِها، وجعلَه مَوضِعَ النُور في كَيانِها ثمنًا يُقدَّمُ في نظيرِ الكفرِ الذي يأخذونَه، وفي هذا دَلالةٌ على أمرين:أوَّلُهما: أنَّ الكافرين طُمِسَ على قلوبِهم فاستَبْدَلوا بِفِطرةِ الإيمانِ التي فَطَرَ اللهُ الناسَ عليها كُفرًا قامتْ الدَلائلُ على بُطلانِه فكانَ هذا دَليلًا على تَمَكُّنِ الضَلالِ، وكلُّ ما يَقَعُ منهم بعدَ ذلك مِن شَرٍّ يَجبُ أنْ يَكونَ متوقَّعًا، فيَهون أمرُه، ويَضعُفُ في النَّفسِ أثرُه.ثانيهما: أنَّ الإيمانَ في مَلْكِ كلِّ إنسانٍ، وهو الأصلُ الذي يَجبُ أنْ يُهتَدى إليْه عندما تَلوحُ ظواهرُه وبيناتُه، فإنَّ اللهَ ـ تعالى ـ قد أَلهَمَ كلَّ نفسٍ فُجورَها وتَقواها، والبَيِّناتُ الشاهدةُ الواضحةُ المُؤيِّدةُ الهاديةُ تَجعلُ الإيمانَ في قبضةِ يَدِ طالِبِ الحَقِّ، فإذا فَتَحَ قلبَه للكُفرِ، فقدْ باعَ أغلى شيءٍ في الوُجودِ، وهو الإيمان، بأحقرِ شيءٍ في الوُجودِ وهو الكُفرُ. وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الكافرين يَعلمون أنَّ ما هُم عليْه هو الباطلُ، ولكنَّه العِنادُ والطُغيانُ، وقد ذَكرَ ذلك سبْحانَه وتعالى بقولِه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}. وجملةُ "إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا" مُقرِّرةٌ لِمَضمونِ ما قبلَها تقريرَ القواعدِ الكُلّيَّةِ لِما انْدرجَ تحتَها مِن جُزئيَّاتِ الأحكامِ.وقولُهُ: {لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} كُرِّرَ لِلتَّأْكِيدِ. الأوَّلُ ذمٌّ للذين تحرّوا الكفر وتزايدوا فيه متسارعين، وهذا ذمٌّ لمن حصَّل الإِيمانَ فاستبدل به الكفر، وهم الذين وصفَهم بالارتدادِ على أعقابِهم، وذمٌّ لِمن مُكِّنَ مِنَ الإِيمانِ فرغِبَ عنه، وآثَرَ الكفرَ عليْه، فصارَ كالبائعِ إيمانه بكفر. فقد بَيَّنَ ـ سبحانَه ـ أنَّ هؤلاءِ الذين اتَّجَروا بإيمانِهم وجعلوهُ سُلعةً تُباعُ عليهم وحدَهم مَغبَّةُ فِعلِهم، ولنْ يَضروا المؤمنين إلَّا أذًى والعاقبةُ للمُتَّقين، أيْ ليس في طَوْلِهم ولا في طاقتِهم أنْ يَضُرّوا دينَ اللهِ ولا رسوله ولا المؤمنين به، فإنَّ اللهَ ناصرُ دينِه خاذِلُ أعداءِ الحقِّ، فإضافةُ إرادةِ الضَرَرِ إلى اللهِ ـ تعالى ـ على حذفِ مُضافٍ، تقديرُه دينَ اللهَ أو رسولَه أو المؤمنين بالله، وفي حذفِ المُضافِ إشارةٌ إلى أنَّ ما يَفعلُه المُشركون ويُوجِّهونَه إلى المؤمنين إنَّما يُوجِّهونَه إلى اللهِ تعالى ربِّ العالمين، وذلك إعلاءً لشأنِ الدينِ والرَسولِ والمؤمنين.قولُه: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي عذابٌ مؤلمٌ شديدُ الإيلامِ يلحقهم في الدنيا وفي الآخرة، فآلامُهم في الدنيا هزائمٌ متَتاليةٌ، وخِزْيٌ وسُقوطٌ عن علياءِ طاغوتِهم إلى الدَركِ الأسفل. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ} استعارة تمثيلية، بتصويرِ الكافرِ الذي يترك بيِّناتِ اللهِ وآياتِه، وإنَّها لَكثيرةٌ، ويَختارُ الضلالَ معَ قيامِ الأدلَّةِ على بُطلانِه، وتشبيههِ بِمن يَكونُ في يَدِه أَجودُ بِضاعةٍ، ويَبيعُها بأبخسِ الأثمان. وقولُه: {لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً} انْتَصَبَ "شَيْئاً" فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ ضَرَرًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَيَجُوزُ انْتِصَابُهُ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْبَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ بشيء. وقد سلف.قولُه: {ولهم عذابٌ أليمٌ} أليمٌ: أيْ مؤلِمٌ فَعيلٌ بمعنى فاعل، ونظيره قولُه: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}، بمَعنى مبدع. و"أليم" يُقالُ لِما تَناهى في الأَلَمِ، إذْ هو بناءُ المبالغة. | |
|