عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 171 الخميس أبريل 04, 2013 4:17 am | |
| يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.
(171) قولُه ـ جَلَّ في عُلاه: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} عِلَّةُ استبشارِهم ومُوجِبُه فضلٌ مِنَ اللهِ ونِعمَةٌ، فلولا فضله ونعمته لما استبشروا، فليس استبشارُهم بالنِعمَةِ، إنَّما استبشارُهم بأنَّهم عبادُه، وأنَّه مَولاهم، ولولا فضلُهُ ونِعمتُه عليهم لما كانت لهم هذه الحالة. وكرَّرَ "يستبشرون" للتأكيدِ ولِيتعلَّقَ بِه قولُه: "بِنِعْمَةٍ مّنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المؤمنين" فحينئذٍ يكونُ بياناً وتفسيراً لقولِه ـ سبحانَه: {أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} آل عمران: 170. لأنَّ الخوفَ غمٌّ يَلحَقُ الإنسانَ ممّا يَتوقَّعُهُ مِن السوءِ، والحزنِ، غَمٌّ يَلحقُه مِن فَواتِ نفعٍ أو حصولِ ضَرٍّ، فمَن كان مُتقلِّبًا في نِعمةٍ مِنَ اللهِ ـ تعالى ـ وفضلٍ منْه ـ سبحانه ـ فلا يَحزنْ أبداً، ومَن جُعِلتْ أعمالُه مَشكورةً غيرَ مُضَيَّعةٍ فلا يَخافُ العاقبة، و"بنعمة من الله" أَيْ بِجَنَّةٍ مِنَ اللَّهِ. وبِمَغْفِرَةٍ مِنَه. و"وَفَضْلٍ" هَذَا لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ. وَالْفَضْلُ دَاخِلٌ فِي النِّعْمَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّسَاعِهَا، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ كَنِعَمِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: جَاءَ الْفَضْلُ بَعْدَ النِّعْمَةِ عَلَى وَجْهِ التأكيد. روى التِرمِذيُّ عن المِقدامِ بنِ مَعدِيَكرِبَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ ـ كَذَا في الترمذي وابن ماجة "ستُّ"، وَهِيَ فِي الْعَدَدِ سَبْعٌ ـ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ)) قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلنِّعْمَةِ وَالْفَضْلِ. وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: السُّيُوفُ مَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنَّه قَالَ: ((أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى الشُّهَدَاءَ بِخَمْسِ كَرَامَاتٍ لَمْ يُكْرِمْ بِهَا أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا أَنَا، أَحَدُهَا أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ قَبَضَ أَرْوَاحَهُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ، وَهُوَ الَّذِي سَيَقْبِضُ رُوحِي وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ بِقُدْرَتِهِ كَيْفَ يَشَاءُ، وَلَا يُسَلِّطُ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ مَلَكَ الْمَوْتِ، وَالثَّانِي أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ غُسِّلُوا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَنَا أُغَسَّلُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالشُّهَدَاءُ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى مَاءِ الدُّنْيَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ كُفِّنُوا وَأَنَا أُكَفَّنُ وَالشُّهَدَاءُ لَا يُكَفَّنُونَ بَلْ يُدْفَنُونَ فِي ثِيَابِهِمْ، وَالرَّابِعُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمَّا مَاتُوا سُمُّوا أَمْوَاتًا وَإِذَا مُتُّ يُقَالُ قَدْ مَاتَ وَالشُّهَدَاءُ لَا يُسَمَّوْنَ مَوْتَى، وَالْخَامِسُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ تُعْطَى لَهُمُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَشَفَاعَتِي أَيْضًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَإِنَّهُمْ يَشْفَعُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِيمَنْ يَشْفَعُونَ)). قوله تعالى: {وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ} قرأ الكسائيُّ بكَسرِ "إنَّ" على الاستئناف. وقال الزمخشري: "إنَّ قراءةَ الكسرِ اعتراضٌ" واستشكلَ كونَها اعتِراضاً، لأنَّها لمْ تَقعْ بيْن شيئيْن مُتلازِميْن. ويُمكنُ أنْ يُجابَ عنْه بأنَ "الذين استجابوا" يَجوزُ أنْ يَكون تابعاً لـ "الذين لم يلحقوا" نعتاً أو بدَلاً على ما سيأتي، فعلى هذا يُتَصَوَّرُ الاعتِراض. ويؤيِّد كونَها للاستئنافِ قراءةُ عبدِ اللهِ ومصحَفُه: "والله لا يُضيع". وقرأ باقي السبعةِ بالفتحِ عطفاً على قولِه: "بنعمةٍ" لأنَّها بتأويلِ مصدرِ أيْ: يَسْتبشِرون بِنعمَةٍ مِنَ اللهِ وفضلٍ منْه وعدمِ إضاعةِ اللهِ أجرَ المؤمنين.وقولُه: {يَسْتَبْشِرُونَ} مِنْ غيرِ حرفِ عطفٍ فيه أَوْجُهٌ، أحدُها: أنَّه استئنافٌ متعلِّقٌ بهم أنفسِهم دونَ "الذين لم يلحقوا بهم" لاختلاف متعلَّقِ البِشارتيْن. والثاني: أنَّه تأكيدٌ للأوَّلِ لأنَّه قَصَد بالنِعمةِ والفضلِ بيانَ متعلَّقِ الاسْتِبشارِ الأوَّلِ. الثالث: أنَّه بدلٌ من الفعلِ الأوَّلِ، ومعنى كونِه بدلاً أنَّه لَمَّا كان متعلَّقُه بياناً لِمُتَعلَّقِ الأوَّلِ حَسُنٌ أنْ يُقالَ: بدلٌ منه، وإلاَّ فكيف يُبْدَلُ فِعْلٌ مِنْ فِعلٍ مُوافقٍ له لفظاً ومعنى؟ وهذا في المعنى يَؤُولُ إلى وجهِ التأكيدِ. والرابعُ: أنَّه حالٌ مِن فاعلِ "يحزنون"، و"يَحزنون" عاملٌ فيه أي: ولاهُم يَحزنون حالَ كونِهم مُستبشِرين بِنِعمةٍ. وهو بعيدٌ لوجهين، أحدُهما: أنَّ الظاهرَ اختلافُ مَنْ نَفَى عنه الحزنَ ومَنِ استَبْشَرَ. والثاني: أنَّ نَفْيَ الحزنِ ليس مقيَّداً لِيَكونَ أبلغَ في البِشارةِ، والحالُ قيْدٌ فيه فيَفوتُ هذا المعنى. | |
|