عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 170 الأربعاء أبريل 03, 2013 12:18 pm | |
| فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. (170) قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الْفَرَحِ بِمَعْنَى السُّرُورِ، وهو شَرَفُ الشهادةِ والفوزِ بالحياةِ الأبديَّة والزُلْفَى مِن اللهِ ـ تعالى والتَمَتُّعِ بالنعيمِ المُخَلَّدِ عاجلًا، وَالْفَضْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ النَّعِيمُ الْمَذْكُورُ.وقولُه: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} الْمَعْنَى لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ فِي الْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فَضْلٌ. وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَشَرَةِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَرِحَ ظَهَرَ أَثَرُ السُّرُورِ فِي وَجْهِهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ.: يُؤْتَى الشَّهِيدُ بِكِتَابٍ فِيهِ ذِكْرُ مَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِ مِنْ إِخْوَانِهِ، فَيَسْتَبْشِرُ كَمَا يَسْتَبْشِرُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِقُدُومِهِ فِي الدنيا. وقال قَتادةُ وابنُ جُريْجٍ وَالرَّبِيعُ وَغَيْرُهُمْ: اسْتِبْشَارُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِخْوَانُنَا الَّذِينَ تَرَكْنَا خَلْفَنَا فِي الدُّنْيَا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ نَبِيِّهِمْ، فَيُسْتَشْهَدُونَ فَيَنَالُونَ مِنَ الْكَرَامَةِ مِثْلَ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيُسَرُّونَ وَيَفْرَحُونَ لَهُمْ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْإِشَارَةَ بِالِاسْتِبْشَارِ لِلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ إِلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يُقْتَلُوا، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا عَايَنُوا ثَوَابَ اللَّهِ وَقَعَ الْيَقِينُ بِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يُثِيبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَهُمْ فَرِحُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، مُسْتَبْشِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. ذَهَبَ إلى هذا المعنى الزجاج وابنُ فُورْك.قولُه تعالى: {فَرِحِينَ} فيه خمسةُ أوجُهٍ، أحدُها: أنْ يكونَ حالاً من الضمير في "أحياءٌ". الثاني: من الضميرِ في الظَرفِ. الثالثُ: من الضميرِ في "يُرْزَقون" الرابع: أنَّه منصوبٌ على المدحِ. الخامس: أنَّه صفةٌ لـ "أحياء"، وهذا يختصُّ بقراءةِ ابنِ أبي عَبلةِ. و"بما" يتعلَّقُ بـ "فرحين".قولُه: {مِن فَضْلِهِ} في "مِنْ" وجهان، أحدُهما: أنَّ معناها السببيَّةُ أيْ: بسببِ فضلِه أيْ: الذي آتاهم اللهُ مُتَسَبِّبٌ عن فضلِه. الثاني: أنَّها لابْتِداءِ الغايةِ، وعلى هذيْن الوَجهيْن تتعلَّق بآتاهم. الثالث: أنَّها للتعبيضِ أي: بعضَ فضلِهِ، وعلى هذا فتتعلَّقُ بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ منَ الضميرِ العائدِ على المَوصولِ، ولكنَّه حُذِفَ والتقديرُ: بِما آتاهموهُ كائنًا مِن فضلِه.قولُه: {وَيَسْتَبْشِرُونَ} فيه أربعةُ أوجُهٍ، أَحَدُها: أنْ يَكونَ مِن بابِ عطفِ الفعلِ على الاسْمِ لِكونِ الفعلِ في تأويلِهِ، فيكونُ عطفاً على "فرحين" كأنَّه قِيلَ: فَرِحين ومُستبْشِرين، ونَظَّروه بقولِه ـ تعالى: {فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} المُلْك: 19. والثاني: أنه أيضاً يكونُ من باب عطفِ الفعلِ على الاسْمِ ، لكنْ لأنَّ الاسْمَ في تأويلِ الفعل. قال أبو البقاء: هو معطوفٌ على "فَرِحين"؛ لأنَّ اسْمَ الفاعلِ هنا يُشْبِه الفِعلَ المُضارِعَ، يعني أنَّ "فرحين" بمنزلةِ "يفرحون"، وكأنَّه جعلَه مِن بابِ قولِه: {إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ} الحديد: 18، والتقديرُ الأوَّلُ أَوْلى، لأنَّ الاسمَ وهو "فرحين" لا ضرورةَ بنا إلى أَنْ نجعلَه في مَحلِّ فعلٍ مضارعٍ حتّى نتأَوَّل الاسْمَ به، والفعلُ فرعٌ عليه، فينبغي أن يُرَدَّ إليه، وإنَّما فعلْنا ذلك في الآيةِ لأنَّ "ألـ" الموصولةَ بمعنى الذي، و"الذي" لا تُوصَلُ إلَّا بِجُملةٍ أو شِبْهِها، وذلك الشَّبَهُ في الحقيقةِ يِتأوَّلُ بِجُمْلةٍ. الثالثُ: أَنْ يكونَ مستأنَفًا، الواو للعطفِ عَطَفْتْ فِعْلِيَّةً على اسمِيَّةٍ. الرابع: أنْ يكونَ خَبَراً لمُبتَدأٍ محذوفٍ، أي: وهم يَستبْشِرون، وحينئذٍ يَجوزُ وجهان، أحدُهما: أنْ تَكونَ الجُملةُ حاليَّةً مِنَ الضَميرِ المُسْتَكِنِّ في "فرحين" أو مِنَ العائدِ المَحذوفِ مِن "آتاهم"، وإنَّما احتجْنا إلى تقديرِ مبتدأٍ عندَ جَعْلِنا إيّاها حالاً لأنَّ المُضارِعَ المُثْبَتَ لا يَجوزُ اقْتِرانُه بِواوِ الحالِ لِما تَقَدَّمَ غيرَ مَرَّةٍ.والثاني من هذيْن الوجهين: أن تكونَ استئنافيّةً عَطَفَتْ جُملةً اسْمِيَّةً على مِثلِها.واسْتَفْعَلَ هُنا ليستْ للطلَبِ، بلْ تَكونُ بِمَعنى المُجَرَّدِ نحو: "استغنى، واسْتَمْجَدَ" بمعنى غَنِيَ ومَجُدُ. وقد سُمِعَ "بَشِرَ الرَجُلُ" بِكسرِ العينِ فيكونُ اسْتَبْشَرَ بمعناه. ويَجوزُ أنْ يَكونَ مُطاوِعَ أَبْشَرَ نحو: "أكانَه فاسْتكان، وأراحه فاستراح، وأَشلاهُ فاسْتَشْلى، وأَحْكَمَه فاسْتَحْكَمَ" وهو كثير. وهو أظهرُ مِنْ حيث إنَّ المُطاوَعَةَ تَدُلُّ على الانْفِعالِ عن الغيرِ، فحَصَلَتْ لَهمْ البُشْرى بإبْشارِ اللهِ ـ تعالى، وهذا لا يَلْزَمُ إذا كان بمعنى المُجَرَّدِ. قولُه: {مِنْ خَلْفِهِمْ} في هذا الجارِّ وجهان، أحدُهما: أنَّه متعلِّقٌ بـ "يَلْحقوا" على معنى أنَّهم قد بَقُوا بعدَهم، وهم قد تقدَّموهم. والثاني: أنْ يكونَ مُتعلِّقاً بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِن فاعلِ "يلحقوا" أي: لمْ يَلحَقوا بهم حالَ كونِهم مُتَخَلِّفين عنهم، أي: في الحياة. قولّه: {أَلاَّ خَوْفٌ} فيه وجهان أحدُهُما: أنَّ "أَنْ" وما في حَيِّزها في محلِّ جَرٍّ بدَلاً مِن "بالذين" بدلَ اشْتِمالٍ أيْ: يَستبْشِرون بِعدمِ خوفِهم وحُزنِهم فهو المُسْتَبْشَرُ بِه في الحقيقةِ لأنَّ الذواتِ لا يُسْتَبْشَرُ بِها. والثاني: أنَّها في محلِّ نصبٍ على أنَّها مفعولٌ مِن أجلِه، أيْ: لأنَّهم لا خوف. و"أَنْ" هذه هي المخفَّفةُ، واسمُها ضميرُ الشأن، وجملةُ النفيِ بعدَها في محلِّ الخَبَرِ، والذواتُ لا يُسْتبشَرُ بها كما تقدَّم فلا بدَّ مِن حذفِ مُضافٍ مُناسِبٍ، والتقديرُ: ويَستبشرون بِسلامةِ الذين، أو لُحُوقُهم بهم في الدَرَجةِ.وقال مكيّ بعد أَنْ حَكَى أنَّها بدلُ اشْتِمالٍ: "ويَجوزُ أنْ تَكونَ "أَنْ" في مَوضْعِ نَصْبٍ على مَعنى "بأن لا". وهذا هو بعينِه هو وجهُ البَدلِ المُتَقدِّمِ، غايةُ ما في الباب أنَّه أَعادَ معَ البدلِ العاملَ في تقديرِه، اللهمَّ أَنْ يَعني أنَّها وإنْ كانتْ بَدَلاً مِنَ "الذين" فليستْ في محلِّ جَرٍّ بَلْ في محلِّ نَصبٍ، لأنَّها سَقَطتْ منْها الباءُ فإنَّ الأصلَ "بأَنْ لا" و"أَنْ" إذا حُذِف منها حرفُ الجَرِّ كانت في مَحلِّ نَصبٍ على رأي سيبويهِ والفراءِ. وهو بعيدٌ. | |
|