عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة آل عمران، الآية: 165 الإثنين أبريل 01, 2013 10:47 am | |
| أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
(165) من عادةِ الخلقِ نسيانُ ما ارتكبوا من الخطأ والعِصيان، والرجوعِ إلى اللهِ بالتُهْمَةِ فيما ينزلُ بهم من المِحَنِ والخُسران، وفُنونِ المَكارِهِ والافْتِتان.قولُه ـ جَلَّ في عُلاهُ: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} أصلُ المُصيبةُ في اللغةِ الرِمْيَةُ التي تُصيبُ الهَدَفَ، ولا تُخْطِئُه، ثمَّ أُطلِقتْ على النائبةِ التي تَنْزِلُ، ولا تكاد تُستعملُ في القرآنِ في معنى الخيرِ، وأمَّا الفعلُ "أصاب" فيُستعملُ في الخَيرِ والشرِّ، ومِنْ ذلك قولُه تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}، النساء: 79. وقولُه تعالى: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}، التوبة: 50. والمِثْل هو المساوي، والمِثْلان هما ضِعفُ المُساوي، والمعنى: أوَلَمّا أصابتكم مُصيبةٌ قد أَنزلتم بالأعداءِ ضِعفَها أصابَكُمُ الشَكُّ والتَرَدُّدُ وقلتم أنَّى هذا؛ وكانوا قد أصابوا مِن المُشرِكين ضِعفَ ما أصابَ المشركون منهم، فقد قتلوا منهم في بدر، نحو سبعين، وأسروا مثلَهم، وَالْأَسِيرُ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ، لِأَنَّ الْآسِرَ يَقْتُلُ أَسِيرَهُ إِنْ أَرَادَ. فقد رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ: ((إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِالْفِدَاءِ وَاسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ)). فَكَانَ آخِرَ السَّبْعِينَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ. أَيْ فَهَزَمْتُمُوهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ أَيْضًا فِي الابتداء، وقتلتم فيه قريبًا من عِشْرِينَ، قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ فِي يَوْمَيْنِ، وَنَالُوا مِنْكُمْ فِي يَوْمٍ أُحُدٍ." قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا" أَيْ مِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا الِانْهِزَامُ وَالْقَتْلُ، وَنَحْنُ نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ، وَفِينَا النَّبِيُّ وَالْوَحْيُ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟. "قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} يَعْنِي مُخَالَفَةَ الرُّمَاةِ. وَمَا مِنْ قَوْمٍ أَطَاعُوا نَبِيَّهُمْ فِي حَرْبٍ إِلَّا نُصِرُوا، لِأَنَّهُمْ إِذَا أَطَاعُوا فَهُمْ حِزْبُ اللَّهِ، وَحِزْبُ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ. وقولهم: "أنَّى هذا؟" يدلُّ على تَسرُّبِ التردُّدِ قلوبهم، ومعنى "أنَّى هذا": من أين هذا؟ أي من أين جاءت هذه الهزيمة، وهذا لَا يقولُه إلَّا ضِعافُ الإيمان، لأنَّ المؤمن الصادق يدرك خطاياه، ويعرف تقصيره، فكأن حلَّ النَسَقِ البَياني القرآنيِّ الرائعِ هو هكذا: أَقُلتُم مِن أينَ هذه الهزيمةُ لَمّا أصابتْكم مُصيبةٌ قد أَصبْتُم مِثليْها، بالمقتَلَةِ العظيمةِ في المشركين يومَ بدرٍ، والمَقتَلةِ العَظيمةِ في أوّلِ غزوةِ أُحُدٍ. ويَصِحُّ أن يقال: إنَّ الذين قالوا مِن أَقوياءِ الإيمانِ؛ لأنَّهم يَستعجلون نَصرَ اللهِ ـ تعالى ـ لإعْزازِ دينِه، ويَخْشَوْنَ أنْ يَكونَ اللهُ قد تخلّى عنْ نُصرَتِهم لِعُيوبٍ فيهم، وقد أمرَ اللهُ ـ تعالى ـ نبيَّه ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ أنْ يُجيبَهم، ويُزيلَ تعجُّبَهم، فقال: "قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفسِكمْ". أيْ أنَّ سببَ المُصيبةِ منكم أنتم، وقد أكَّدَ أنَّه منهم بإبْرازِ الضميرِ في الإجابةِ، وبالإتيان بالظرف وهو عند، وبالتعبير بـ "أنفسكم" التي تَدُلُّ على التوكيدِ، وكان سَبَبُ الهزيمةِ منهم لأنَّهم لم يَنتظروا في المدينةِ حتَّى يَجيءَ إليهمُ الأعداءُ ويَقْضوا عليهِم، فالنبيُّ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّم ـ خَرَجَ من المدينةِ نُزولًا على حُكمِ الشُّورى، وعلى رأيِهم، فعليْهم أنْ يَتَحَمَّلوا تَبِعَتَه.قولُه: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ} هذا رَدٌّ على ضُعفاءِ الإيمان الذين قالوا كيفَ ننهزِمُ واللهُ معنا، فبيَّن ـ سبحانه ـ أنَّ قُدرتَه فوقَ كلِّ شيءٍ، وأنَّه ـ سبحانَه ـ أَرادَ لكم تلك النَتيجةَ وحَماكم مِن أنْ تؤثِّرَ في مَجْرى تاريخِكم فصرفَهم، حتّى كأنَّهم هم المَهزومون وأنتم المنصورون، وقد أكدَّ ـ سبحانَه ـ قدرتَه بلفظِ "إنَّ"، وبذكرِ لفظِ الجَلالةِ الذي يُربّي المَهابةَ مِن الخلّاقِ العليمِ في قلبِ المؤمنِ، وبعمومِ قُدرتِه ـ سبحانه ـ على كلِّ شيءٍ وهو القاهرُ فوق عِبادِه وهو الحكيمُ الخبيرُ.قوله تعالى: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ} الهمزةُ للإِنكار، لقصدِ التقريعِ وجَعَلَها ابنُ عطيَّةَ للتقرير، والواوُ عاطفةٌ، على قوله من قصَّةِ أُحُدٍ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ}، ويجوزُ أَنْ تكونَ معطوفةً على محذوفٍ تقديرُه: أَفعلتم كذا وقلتُم حينئذٍ كذا؟. والنيَّةُ بالواو التقديمُ على الهمزةِ على ما تقرَّرَ. و"لَمَّا" نصبٌ بِقُلتُم، و"أصابَتْكم" في محلِّ الجَرِّ بإضافة "لَمَّا" إليه، وتقديرُه، "قلتُم حينَ أصابتْكم". و"أنَّى" نُصِبَ لأنَّه مَقولٌ. وقوله: {قَدْ أَصَبْتُمْ} في محلِّ رفعٍ صفةً لـ "مصيبة". و"قلتم" جوابٌ لـ "لَمَّا"، أو ناصبٌ لها، والضميرُ في قولِه "قل" راجعٌ على المُصيبةِ من حيث المعنى. ويجوزُ أنْ يكونَ على حذفِ مضافٍ مُرَاعَىً أي: سببُها، وكذلك الإِشارةُ بقولِه: "أنّى هذا" لأنَّ المُرادَ هو المُصيبةُ. | |
|